(قمر)بعد أن أدخلتني والدتي الى المنزل و أنا تحت تأثير الصدمة أحضرت القرآن الى غرفتي و بدأت تقرأه بصوت مرتجف.. كإرتجاف يديها التي تمسك بالمصحف.. أما أنا فكنت في مكان آخر.. مكان يملؤه الضجيج.. ضجيج أفكاري و تضاربها.. بعد أن أكملت والدتي تلاوة الآيات القرآنية أطبقت المصحف و أخذت تمسك بيدي فشعرت برجفتها تنتقل الى يدي..
ـ ماما قمر, يمكن احد مسويلج عمل او شي, اليوم احجي وي خالج بلكت يشوفلنه احد يعرف بهالامور
نظرت إليها أخيراً بعد أن كانت عيناي مستقرة على الجدار الأبيض..
ـ عمل؟
ـ ما ادري حبيبتي بس ما دا الكه تفسير ثاني للي دا يصيرلج
همست قائلة: يعني.. مازن شنو؟ جني؟
هزت بكتفيها بقلة حيلة: ما اعرف بنتي, بس ان شاء الله نلكه حل و ترجعين لطبيعتج, حالتج صارلها فترة ما عاجبتني و هسه تأكدت ان هالشي مو طبيعي
نظرت إليها بغير إستيعاب.. الخلل بي أنا؟.. لا يعقل.. سحبت يدي من يدها و نهضت من سريري لأسرع الى النافذة.. نظرت منها أبحث عن مازن.. اجول بعينَيّ في كل مكان لكن لا أثر له.. لا بد أنه عاد الى منزله بعد هذا اللقاء الغريب..
إستدرت الى والدتي و قلت: مازن حقيقي, مستحيل يكون مثل ما تكولين
و كأن تلك الكلمات كانت ما تنتظره دموعها لتنفجر.. فكتمت صوت بكائها بيدها و أغمضت عينيها بألم.. الخلل بها هي.. ليس بي أنا.. تركتني بمفردي و إستمر صوت بكائها بإختراق جدران غرفتي.. إلتجأت الى سماعاتي و تشغيل الموسيقى بصوت عالي لأحجب بكائها عني.. قضيت وقت طويل في عالم الموسيقى الى أن شكت أذناي من ألم فرضيت بإستراحة قصيرة.. و أثناء هذه الاستراحة سمعت حديث والدتي مع خالي الذي يبدو أنه قد جاء منذ لحظات..
قالت بصوت مبحوح من أثر البكاء: معقوله بنتي تكون تخبلت؟
ـ شنو هالحجي استبرق, بنتج عاقله و ما بيها شي, بس الظاهر دا تمر بأزمة نفسية, اني اكول تاخذيها لطبيب نفسي
ـ يعني ما نشوف احد يفهم بالسحر و الأعمال؟
ـ يمعوده عوفج من هالسوالف, اذا تردين اني باجر اوديكم للمستشفى
ـ خاف ما تقبل, اكلك هي مقتنعه انه الدا تشوفه حقيقه
ـ حاولي, و اذا ما كدرتي روحي وحدج و احجي للطبيب عن حالتها
تنهدت بضيق.. اصبحت مجنونة بنظرهم؟..
إبتسمت بحرقة قلب.. يبدو أنهم يخططون لرمي في مصح للأمراض العقلية.. و والدتي تحاول أن تشككني بنفسي.. تحاول أن تقنعني أنني أشكو من خلل و أن مازن لا وجود له.. فقط لتنجح خطتها.. امسكت بسماعاتي بقوة حتى كادت تتحطم تحت قبضتي.. لن يحصل يا أمي.. لن أخضع لخطتك الدنيئة..