(قمر)
راقبت ساعة غرفة الجلوس و أنا اضرب بقدمي على الأرض بتوتر.. لم يبقى سوى نصف ساعة على موعد الجلسة.. لكني لا أجد نفسي مستعدة للقائه.. ما زالت أفكاري مشوشة.. و مشاعري مضطربه.. لدرجة أن مازن لم يظهر منذ لقاءنا يوم أمس.. أو قد يكون لعدم ظهوره سبب آخر.. ربما يكون مستاء مني و من تصرفي.. زفرت بضيق و أخذت هاتفي من على الطاولة.. لا أستطيع رؤيته.. يجب أن أعتذر عن جلسة اليوم.. و من دون البحث عن أسمه قمت بالإتصال برقمه الذي حفظته عن غيب.. لكن و قبل أن يرن قطعته.. أغمضت عينَيّ و أنا أسحب نفَسَاً.. أي عذرٍ سأخترع.. ماذا لو فهم السبب الحقيقي؟.. ماذا لو زادت شكوكه لو لم أذهب؟.. أوه لا.. قد أفضح نفسي بتغيبي.. نهضت سريعاً و ذهبت الى غرفتي لأخذ حقيبتي.. الذهاب و التمثيل أمامه أفضل من التهرب و إثبات شكوكه..
إنتعلت حذائي و غادرت الشقة بعجلة من أمري.. و لأنني لم أستطع إنتظار الحافلة إستأجرت سيارة أجرة و انطلقت الى المشفى.. نجحت في الوصول بالموعد تماماً فدخلت الى غرفة الإنتظار و رأيته يبحث عني فيها..
قلت و أنا أسحب أنفاسي اللاهثة: صباح الخير
اومأ برأسه مُرَحِباً: صباح النور
و من دون قول المزيد أمام الممرضة دنيا ذهبنا الى غرفته.. جلست على كرسي المراجعين بتردد بينما أغلق هو الباب و ذهب ليحضر دفتر ملاحظاته و قلمه من على مكتبه.. مررت يدي على رقبتي و أنا أتوسل لنفسي بأن تهدأ.. بأن لا تفكر بشيء.. لا تفكر بأي شيء يخص هذا الرجل.. و لتمُر هذه الجلسة على خير..
جلس الدكتور على مقعده أمامي و قال: شلونج اليوم؟
أنزلت يدي عن رقبتي لأشبكها بالأخرى و أثبت عينَيّ عليهما.. لئلا أنظر له و أزعزع بذلك ثباتي الذي أزعمه..
تمتمت بصوت منخفض: الحمد لله
ـ تحبين تشربين شي؟
رفعت رأسي مستغربة من إقتراحه.. ليس من عادته تضييف مراجعيه..
لاحظ إستغرابي فقال مبرراً: واضح أنج مو على بعضج اليوم, فكلت انطيج وقت تستقرين
عيناه..
أخفضت رأسي سريعاً و قلت: لا شكراً.. نكدر نبدي
صمت لثواني و شعرت بعيناه تراقباني.. و كأنهما تبعثان بطاقة غريبة إليّ.. تجبراني على النظر إليه.. لكني قاومت..
فقال: ماشي, لعد نبدي بسؤالنه كالعادة, شوكت أخر مره شفتيه؟
إشتدت قبضة أصابعي على بعضها و أنا أجيب بصوت منخفض: البارحة.. من جنه سوه.. جانت آخر مرة
الطاقة من عينيه.. تتضاعف.. لكني أقاوم.. لا أجرؤ على المخاطرة..
ـ يعني البارحه أول ليلة ما يظهر؟
أومأت برأسي..
ـ شنو تتوقعين السبب؟
حسناً.. يوجد عدة إحتمالات.. و احدهم هو جنوني الجديد الذي يخصك.. لكن لا أظنك ترغب بسماع ذلك..