(قمر)فتحت عينَيّ على صوت والدتي.. كانت قد دخلت الى غرفتي للتو و قد بدا عليها الاستغراب من وجود الدكتور أسامة معي.. و مع إلقائها تحية الصباح عليه بتردد واضح إستيقظت لأجول بعينَيّ بينهما بغير تركيز.. كان الدكتور يجلس على مقعده بالقرب من سريري كما تركته فجراً.. بوجهٍ متعب و عينين قد بدأ الإحمرار يطغي على أطرافهما.. رفعت نفسي عن الوسادة لأجلس و مسحت وجهي بكفَيّ لأزيل بعضاً من تأثير النوم الذي يجعلني بطيئة الإستيعاب.. إستفسرت والدتي عن سبب وجود الدكتور في هذا الوقت المبكر و إذا كان قد حصل شيء اثناء غيابها.. إختصر الدكتور أسامة إجابته بأن أول أيام العلاج تكون صعبة بعض الشيء و تحتاج الى المراقبة و هذا سبب وجوده..
ثم نهض من مكانه و مرر أصابع يده على شعره و كأنه يحاول تمشيطه بينما خاطبني بهدوء: أشوفج بعد إنتهاء وقت الزيارة, راح اوصي الممرضين ينطوني خبر اذا صار شي قبلها
اومأت برأسي موافقة ثم قلت بصوت منخفض: شكراً
راقبته و هو يستدير و يغادر الغرفة.. كم بدا متعباً.. لم ينم الليلة بسببي.. و ها هو سيذهب الى عمله مباشرةً.. ليأتي بعدها إليّ.. و ليسهر مجدداً.. هل حقاً سيفعل؟.. هل يستطيع؟.. و هل أقبل أن أكون أنانية لهذه الدرجة؟..
قالت والدتي و هي تجلس على الكرسي جالبة إنتباهي لها: صار شي بالليل؟
تجنبت النظر إليها و إدعيت الإنشغال برفع شعري لأصنع منه ذيل حصان: يعني, تعبت شويه
قالت بنبرة قلقة: شلون؟
ـ لا تخافين, بس حسيت نفسي مختنكه, يمكن تأثير الدوه
أنزلت ساقَيّ من على حافة السرير و أدخلت قدمَيّ في حذائي الصيفي قائلة: اروح أغسل و ارجعلج
****
السابعة و دقيقتين.. عيناي تتحركان مع عقرب الثواني.. يتحرك نزولاً.. ثم صعوداً.. السابعة و ثلاث دقائق.. ألم يقل سيأتي بعد إنتهاء وقت الزيارة؟.. لقد إنتهى منذ أكثر من ثلاثة دقائق.. لمَ لم يأتي بعد؟.. لو أنني لم أقنع والدتي بالمغادرة باكراً.. لو أنها بقيت للساعة السابعة لما شعرت بأن الوقت يسير بهذا البطئ القاتل.. السابعة و أربع دقائق.. أتراه لن يأتي؟.. هل ذهب لينام؟..
طوقت ذراعَيّ على ساقَيّ بقوة و أنا أعض على أسفل شفتي.. أرفض النظر الى النافذة و أضع كل تركيزي في الساعة.. لكن خفقات قلبي المتسارعة تزعزع تركيزي.. تنبهني من ذلك الذي بدأ يظهر عند النافذة.. يكتمل بقامته الطويلة ليرعبني بحضوره و أنا بمفردي.. قاومت عيناي و إستمريت بمراقبة الساعة.. السابعة و ست دقائق.. برود.. أكاد أشعر ببروده يصل إليّ.. يلفح وجهي.. و كأنها يدٌ خفية تمسح على وجهي.. ليس بلطف.. بل و كأنها مسحة الموت.. مسحة تجعل شعر بدني يستقيم واقفاً من شدة الرهبة.. السابعة و سبع دقائق.. أين أنت؟.. ألم تعدني؟..