البارت السادس عشر

553 23 1
                                    

هدأت جانغ مي بعد لحظات وتوقفت دموعها ولم يعد شيومين يسمع سوى صوت شهقات بين الفينة والأخرى.
- هل ستخبرينني ماذا حدث معك الآن؟ سألها دون أن يبعدها عن صدره.
تكلمت جانغ مي من بين شهقاتها:
- أر... أردت الاتصا... لك..لكن ضاع رقم.. لقد جاؤوا مجددا... كادوا يحطمون البا... خفت كثير... وعادت للبكاء مجددا وأناملها الصغيرة تتشبث بقميصه.
- شووت! جانغ مي~اا. اهدئي أنا هنا. لن يلمسك أحد بسوء ما دمت هنا. قال شيومين مطمئنا وهو يربت على ظهرها.
هدأت هذه المرة بالفعل فأرخت عناقها لشيومين وقد بدأ الإحراج يتملكها. تركها شيومين هو الآخر تبتعد عنه قليلا رغم أنه لم يكن يرغب فعلا بذلك. أمسك بها من كتفيها ليجعلها تنظر إليه ثم قال مقترحا:
- ستغسلين وجهك الآن، بينما أحضر لك فنجانا من اليانسون لتريحي أعصابك ونتحدث. اتفقنا؟
اكتفت جانغ بالإيماء برأسها ثم ساعدها على الوقوف وراقبها وهي تدخل الحمام ليذهب هو صوب المطبخ. ما هي إلا لحظات وكان كلاهما جالسين في غرفة الجلوس على نفس الأريكة. جانغ تمسك فنجان اليانسون بكلتا يديها وتحدق به وشيومين ينظر إليها منتظرا أن تبدأ بالكلام. أخبرته بما حصل اليوم معها. وبما سمعته من رجال تاي غوك. شعر شيومين بالغضب يتصاعد إليه. وبدماءه تغلي في شرايينه. "كيف يجرؤ ذاك الوغد بالتفكير في إجبارها على الزواج منه ثانية؟"  فكر وهو يرفع هاتفه ليتصل بتاو. طلب منه الحضور فورا دون تقديم شروحات. لحظات وكان كل من تاو وكوتشي في الشقة. فهما بالأصل كانا قادمين لزيارة جانغ مي. استهل شيومين الحديث بنبرة آمرة يظهر عليها الغضب:
- أريد منك أن توظف من يحرس البناء ابتداء من صباح الغد.
رفعت جانغ مي بصرها مندهشة نحوه... " هل ... هل يفعل هذا لأجلي؟"
  وقف شيومين واتجه نحو النافذة المطلة على الشارع وواصل الكلام:
- لا تسمح لا لتاي غوك ولا لرجاله ولا لظلهم بالوصول إلى هنا مجددا. أتفهم ما أقول؟
- أجل سيدي. مفهوم. أجاب تاو.
- جانغ مي! ناداها شيومين. كنت سأترك لك الوقت الكافي وأنتظر حتى تخبريني بما حدث من تلقاء نفسك. لكن أجدني الآن مجبرا على سؤالك: ما الذي حدث بالضبط؟
كان يرمقها بنظرات جادة جدا توحي بأنه مستعد لمحاربة الدنيا لأجلها. لم تجد جانغ مي بدا من إخبارهم بكل الذي حصل معها منذ أول يوم التقت به تاي غوك.
- هكذا إذن! اختطف شقيقيك وسجن الآخرين ليجبرك على الزواج به! لخصت كوتشي القصة بطريقتها.
- أجل. هذا ما حدث. لكن في الحقيقة بعد إعادة تفكير في الموضوع أيقنت أنني لم أحارب جيدا. استسلمت بسرعة. وتركته يسيطر علي ويستغل حقيقة أني وحيدة ليفرض علي حلوله. قالت جانغ مي بمرارة وهي تسترجع ما حصل معها.
-  لن يلومك أحد فقد كنت وحيدة. أضافت كوتشي مواسية.
- لكنها ليست كذلك بعد الآن! قال شيومين وهو ينظر إليها ويرسم على وجهه ابتسامته التي أضحت جانغ مي مدمنة عليها. ثم واصل الحديث:
- سنعمل منذ اليوم على إيجاد حقيقة ما حدث لديون شقيقيك. لن أسمح لتاي غوك بأن يبقى يهددكم إلى الأبد.
ابتسمت له جانغ مي وهي تغمض عينيها كي تمنع بعضا من الدموع من الإفلات. دموع سعادة: سعادة أن يكون بجانبك من يساندك فلا تحس أن الحياة تقسو عليك. سعادة أن تحس بأن لديك ملاذا تلجأ إليه عندما تعصف بك الأيام. 
- فعلا هذا التاي غوك فظيع! نطق تاو من العدم. أعلم أنك جميلة جدا وتلاحظين بسهولة، لكن تبقين في عمر ابنته.  كيف خطرت له مثل هذه الفكرة؟ أكمل ببراءة دون أن ينتبه لاحمرار وجنتي جانغ مي ولا لنظرات كوتشي المتفاجئة أو حتى شيومين الذي كان يرمقه بنظرات حارقة.
- أحم! حمحمت كوتشي. بماذا تفضلت حضرتك؟ قالت بصوت منخفض من بين أسنانها.
أدرك تاو ما تلفظ به وكيف كان الجميع ينظر إليه. فأخذ يضحك ببلاهة ويفرك مؤخرة عنقه. سحبته كوتشي من ذراعه واستأذنت للمغادرة. كي تلقنه درسا... قاسيا... جدا.
- ألن تبقيا للعشاء؟ سألت جانغ مي وهي تقف بسرعة.
توقف الاثنان فجأة ونظرا لبعضهما البعض ثم إلى شيومين. أومأ لهما هذا الأخير بالبقاء. فوافقا لتقترح كوتشي:
- ما رأيك أن نتساعد أنا وأنت لإعداده إذن؟
ابتسمت جانغ مي وعيونها تلمع لتوافق مباشرة. لطالما حلمت أن يكون لديها أخت تفعل معها ما تفعله الأخوات مع بعضهن. دون مماطلة توجهتا نحو المطبخ بينما وقف شيومين ليتجه نحو مكتبه وتبعه تاو.
كان سوهو وسيهون مستلقيين كل على فراشه في زاوية من زنزانتهما، يفكران فيما حدث معهما اليوم. صحيح أنهما لا يزالان مرتابين من هذا الصديق الجديد، لكن ليس بوسعهما الإنكار أنه غرس أملا جديدا في قلبيهما. اقترح سوهو أن يتصلا بالمحامي مرة أخرى ويطلبا الاستئناف. فحتى لو كانت مدة ثمانية عشر شهرا أخف عقوبة استطاع الحصول عليها من أجلهما، تبقى مدة طويلة جدا.
- من سيعتني بالصغار إن بقينا هنا كل هذه المدة؟ تساءل سوهو وكأنه يذكر سيهون أنهما مسؤولان عن عائلتهما الآن.
هز سيهون رأسه موافقا ليضيف:
- كما لا نعلم إن لم يكن ذلك الرجل يضايق أشقاءنا أم لا. علينا التحرك بسرعة.
اعتدل سوهو في جلسته وتحولت ملامح وجهه من الحزن إلى الجدية. ليقول:
- أجل. فلنتصل بالمحامي غدا.
فتح باب الزنزانة فجأة وظهر مجموعة من السجناء يتقدمهم وجه مألوف: السجين الذي تزامنت زيارته مع زيارة شيومين صباحا.
ابتسم ابتسامة جانبية وهو يحدق بهما ثم قال:
- آسف! الأمر ليس شخصيا. إنها الأعمال يا صديقي. ودون مقدمات اندفع نحو سيهون وسوهو وتبعه رجاله ليشتبكوا مع الأخوين بينما هذان الأخيران مصدومان بالفعل. منذ التحاقهما بهذا السجن لم يحتكا بأي شخص. يأكلان وحدهما ويتسامران وحدهما ويعملان وحدهما. لم يسببا الأذى لأحد ولم يتسببا في أي حادث. لم يقف طبعا سوهو وسيهون بموقف المتفرجين أمام أولئك المهاجمين، بل دافعا عن نفسيهما. لم يطل القتال ليسمع الجميع صافرات رجال الأمن تقترب. عندئذ سقط السجناء أرضا وادعوا أنهم يتألمون. كان فخا! اقتاد الحراس سيهون وسوهو نحو مكتب رئيس السجن رغم احتجاجهما.
- لم يمض على تواجدكما هنا سوى ثلاثة أيام وها أنتما تتسببان بالمشاكل. علي تأديبكما. ورفع سماعته ليستدعي الحراس مجددا وأمرهم باقتيادهما نحو السجن الانفرادي وعدم إطعامهما لمدة ثلاثة أيام كاملة حتى يتعلما احترام القوانين.
اندهش سوهو من تصرف رئيس السجن الذي لم يكلف نفسه بسؤالهما عن سبب الشجار أو وقائعه أو حتى مكان وقوعه واندفع ليعاقبهما وشك بأن في الأمر سرا. حاول سيهون الاعتراض لكن أشار إليه سوهو بالصمت وسارا مع الحراس نحو زنزانات الحبس الانفرادي. فعلا، كان ظن سوهو في محله ففي طريقهما إلى هناك همس له أحد السجناء الذين هاجموهم قائلا:
- "إنها هدية ترحيب من السيد تاي غوك".
فرغت الفتاتان من تحضير الطعام تقريبا. بقيت جانغ مي تضع الأطباق على الطاولة بينما توجهت كوتشي لتستدعي تاو وشيومين الذين انهمكا بالعمل في المكتب ولم يصدرا أية ضجة. جلست جانغ مي تنتظر عودة الثلاثة، ودون وعي منها أبحرت في عالم من الخيالات... تخيلت أن كل هذه الكوابيس انتهت وأنها بقيت بجانب شيومين يحميها ويرعاها. ودق قلبها بشدة لهذه الفكرة. ابتسمت دون وعي منها وهي شاردة. ثم أفاقت من خيالاتها عندما أدركت أن كوتشي التي ذهبت لاستدعاء الرجلين لم تعد هي الأخرى. استبطأت إجابتهم للدعوة، فتوجهت بنفسها لتعيد استدعاءهم:
- لكن ألا تظن أن تاي غوك لن يقف مكتوف اليدين  إن علم بأننا نستهدفه؟ كان صوت تاو يستفسر. وقفت جانغ مي بجانب باب المكتب المفتوح جزئيا، ودون قصد منها أخذت تستمع لحوارهم:
- لذا علينا التصرف بسرية تامة ومباغتته حتى لا يجد مفرا. أجابه شيومين.
- المسكينة جانغ مي! أضافت كوتشي. لابد أنها عانت كثيرا بمفردها.
- نحن ندين لها بهذا يا صديقي. وعلينا أن ندفع لها الدين كاملا. لننته من هذه القصة بسرعة لننتبه لباقي أعمالنا. قال شيومين وهو يقف معلنا بذلك نهاية الحوار...
ضحكت جانغ مي في سرها بسخرية... "ماذا؟ ينتهي كل شيء وماذا؟ تعيشان معا سعيدين؟ تفكيرك الساذج يضحكني يا فتاة!" فكرت جانغ مي مخاطبة نفسها. "في الوقت الذي كنت تحلمين فيه بأحلام وردية، كان هو يفكر كيف يتخلص من هذا العبء الذي سقط عليه من حيث لا يدري. - ضحكت بمرارة- في الوقت الذي دق فيه قلبك الأحمق لهذا الرجل بسبب تصرفاته التي ظننتها نابعة عن حب... كان هو يشعر نحوك بالشفقة. ماذا؟ حب من أول نظرة! استيقظي غين جانغ مي... التفتي إلى واقعك ودعك من هذه الأوهام..."
فتح شيومين الباب ليجد جانغ مي واقفة هناك. كانت تنظر إليه بضياع. عيونها تلمع منذرة بنزول دموعها، ووجهها تعلوه علامات الأسى. قبل أن يستطيع التفكير في أي شيء ابتسمت له جانغ مي بانكسار وقالت:
- لقد أخبرتكم أنكم لا تدينون لي بشيء.
أدرك أنها سمعت ما كانوا يتحدثون عنه. أكملت كلامها وهي تخفض بصرها نحو الأرضية لتعترف بمرارة:
- لم أخبركم بشيء واحد في كل حكايتي... كنت أنوي وضع حد لحياتي بعد أن استلم عقود دين سيهون وسوهو أوپا. لم أكن لأحتمل فكرة الزواج بذاك الرجل...انزلقت دمعة يتيمة على خدها، لكنها واصلت:
- لكني اعترف أني تسرعت. ولحسن حظي اختطفتموني يومها. بذلك تمكنت من إعادة التفكير في قراري ولا زلت على قيد الحياة بفضلكم.
ورفعت رأسها مجددا بنفس الابتسامة المنكسرة...
" لهذا شكرتني يومها" فكر شيومين وهو يراها تغادر مسرعة نحو غرفته وتوصد الباب خلفها.
- " هل أخطأت فعلا باختطافي لها" -
عادت جانغ مي بعد أن غسلت وجهها وأزالت آثار البكاء والحزن من عليه والتحقت بهم على طاولة العشاء.
"لا بأس! إن أرادوا مساعدتي بدافع الشفقة فلابأس! أقبل، ثم يذهب كل منا في طريقه ليكمل حياته كما كان يفعل قبل أن نلتقي..." فكرت جانغ مي واتخذت قرارها وهي تبتسم لهم لتفرغ لكل واحد منهم حصة من الحساء في طبقه...
اجتمع الأربعة حول طاولة زجاجية مربعة الشكل تتوسط الأرائك الزرقاء التي تزين غرفة الجلوس وعليها صينية بها أكواب من الشاي وبعض الملفات. وأخذوا يحللون الوقائع ويضعون الاحتمالات. عليهم العمل بسرعة لكشف تاي غوك وإطلاق سراح سوهو وسيهون. كانت جانغ مي غارقة بقراءة ملف تاي غوك وهي تبدي علامات الحيرة على وجهها. انتشلها من تفكيرها شيومين بصوته وهو يسألها:
- هل هناك شيء غريب في الملف؟
رفعت بصرها نحوه ببطء لتجيب:
- أظنني سمعت باسمه في مكان ما. هذه المعلومات ليست غريبة عني.
- لابد أنك سمعت بها من شقيقيك لأنهما عملا معه. اقترح تاو.
- كلا. شقيقاي لم يخبراني عنه إلا بعدما التقيته كما أخبرتكم سابقا. أجابت جانغ وعادت تتأمل المعلومات التي في الملف.
- ربما سمعت به في الجريدة بحكم عملك في مجال الصحافة! وضحت كوتشي
- الجريدة؟ تساءلت جانغ مي كمن تكلم نفسها. بكل تأكيد! قالت وهي تقف فجأة. لقد كان واحدا من المواضيع المهمة التي استغرق التحضير لها الكثير من الوقت والجهد. أذكر أن جريدتنا كانت ستصدر مقالا عنه لكن تم منعه من الظهور في آخر لحظة.
- فعلا؟ تساءل الجميع مندهشين
- أجل والوثائق موجودة في دار الصحيفة. قالت وهي تجري نحو الباب. هيا دعونا نذهب الآن.
لم يعترض أي أحد و غادروا في السيارة نحو مقر الصحيفة.
في طريقهم إلى هناك. سألها شيومين بنبرة طفولية:
- سمعت باسم تاي غوك ولم تسمعي باسمي من قبل؟
استغربت جانغ مي وأخذت تردد: شيومين؟ وحاولت التذكر
-إنه خطؤك سيدي، كان عليك إخبارها باسمك الحقيقي. أشار إليه تاو منبها.
- اسم حقيقي؟ استفهمت جانغ مي باستغراب
-إنه يدعى السيد كيم مين سوك. أجابتها كوتشي بمرح.
- كيم. مين. سوك؟ رددت جانغ مي بطريقة متقطعة و أخذت تفكر للحظات. ثم وكأنها تذكرت أمرا عظيما: كيم مين سوك! كيم مين سوك؟ ابتسم شيومين بسعادة. وقبل أن تكتمل سعادته، أغاظته جانغ مي:
- لا أعرف أحدا بهذا الاسم.
نظر إليها شيومين بدهشة فضحكت بلطف على ملامح وجهه ليضحك معها  كوتشي وتاو.
- أنت ذاك الكيم مين سوك؟ سألته جانغ مي
أشار شيومين برأسه مؤكدا.
- مدير شركة G.S? سألت مرة أخرى لتتأكد ثم أضافت: حسنا إن العالم بالفعل صغير جدا.
- لكن كيف لم تتعرفي عليه وأنت مصورة في جريدة. إنها قلة مهنية في رأيي. قال تاو باستخفاف.
- دع رأيك لنفسك. أجابته كوتشي ببرود.
- تماما كما لم تتعرف علي عندما اختطفتني. ردت عليه جانغ مي وضحكت مرة أخرى.
- يا لم تستمرين بتذكيري بهذا الأمر؟ تذمر تاو باستياء.
- فاشل. علقت كوتشي هي الأخرى تريد إغاظته.
- في أي صف أنت كوتشي؟ سألها تاو بنبرة طفولية.
- في صف الإناث طبعا! أجابته كوتشي وهي تهز كتفيها.
"شكرا جزيلا لك تاو. كان أجمل خطإ اقترفته في حياتك وحياتي أيضا" فكر شيومين وهو ينظر إلى جانغ مي التي لم تنتبه لنظراته العميقة نحوها واستمرت بإغاظة تاو والضحك بمرح مع كوتشي

The Wrong Bride (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن