الشعاع السادس عشر

124 23 3
                                    

مع علامتين التنصيص تلك في النهاية لم تكن تلك مجرد نهاية حوار والدة مي و سلمى .. بل مع علامتي تنصيص كانت في الصفحة الأولي بعد الاستهلال الذي بدأ به زياد مذكراته ... لم يعد هو الراوي بعد تلكما العلامتين
كانت تلك المرأة الجميلة التي لا تلاحظ أبداً أنها في الخامسة و الثلاثين من عمرها .. إنها من تقرأ مذكرات زوجها النائم .. حينما أصابها الأرق تلك الليلة و بدلاً من أن تختر كتاباً لتقرأه وجدت تلك المذكرات القديمة ..
كانت جالسة في شرفة الشقة والكل نائم .. لم تنم تلك الليلة .. ليس بسبب الأرق لكن بسبب ما وجدته من أسرار زوجها و خاصة عن حبه لها
تكاد الساعة تكون الرابعة فجراً و هي جالسة من الساعة العاشرة مساءاً
تقلب الورقة بعد الورقة و تتابع الأحداث و ما كتبه زياد من خواطره المجنونة و معاناته و قصة أخيه و كل تلك الأحداث .. لم يهمها سوى ذلك الحدث الذي أثار جنونها عندما قلبت الورقة لتجد أن تلك التي تليها كانت مقطوعة لكنها كانت تتذكر ذلك الحدث جيداً عندما نظر زياد في عينيها بعمق
" أنا عمري ما حبيت ولا هحب غيرك .. عمري ما هتخلي عن حبك .. بصي في عنيا يا مي وانتي تعرفي قد إيه أنا بحبك قد إيه أنا مستعد أضحي عشانك "
كانت تتذكر كلماته تلك كأنه يقولها الآن .. كانت تتذكر نظراته كأنه ينظر إليها الآن .. لكن لماذا قطع الورقة أم أنه لم يقطعها .. و هذا الذي ذكره عن تعلقه بأختها سلمي عندما رآها .. و أنها تحبه إختلقت له العذر أنه كان مكتئباً و أفكاره كانت متضاربة في تلك اللحظة  .. دائماً ما نشعر بالملل حيال الأمور المهمة في حياتنا لربما هذا ما أصابه قليلاً بعد الفتور ثم عاد لحبها من جديد
ولتنسي تلك الأفكار استكملت القراءة
" .... في تلك اللحظة أمسكت اللابتوب و بدأت أتابع سام ليان من جديد .. لقد نال منه الإكتئاب كما نال مني ، بالتأكيد علم يقيناً في نفسه أن كل ما يفعله هو هباء و هراء .. سيفقد بصره رغم ذلك و عندما تظلم الدنيا أمامه و عندما يحاول تذكر تلك الألوان و ذلك الجمال و تلك المتعة بالتأكيد لن تبدو حقيقية أمام خياله ستكون كما نتذكر الأحلام .. ستكون حلماً بعيداً .. كان يستعد أن ينتحر .. قام بنصب حبل مشنقة في غرفة نومه و عندما وقف علي ذلك الكرسي .. بدى جباناً .. هنا تلقي إتصالاً هاتفياً .. جعله يتراجع عن الإنتحار .. قام بتغيير ملابسه و خرج .. كان الوقت في النهار حينها و كان مستيقظاً منذ اليوم السابق .. إنها أربعة و عشرون ساعة بدون نوم كان يبدو كالمدمن ..
ذهب لمؤسسة أو مركزاً حيث قابل هناك أحد أصدقاءه .. أعرف هذا لأنني وجدته في كثير من الفيديوهات ، اصطحبه صديقه ذلك إلي مكتب مهم حيث قابل شخصاً يبدو من هيئته أنه شخص مهم .. لم أفهم الحوار الصامت لكنني فهمت كل ما دار حينما رأيت تلك الأوراق التي عرضها ذلك الرجل علي سام ليان  .. و تلك الفيديوهات التي أراه إياها .. لقد عرض عليه عرض من الصعب رفضه و أيضاً من الصعب قبوله .. عرض عليه تذكرة ذهاب للمستقبل حيث يمكنهم إكتشاف العلاج لحالته
إنه الحفظ بالتبريد .. بعض الأطباء و العلماء الذين لا يؤمنون بالموت و يعتقدون أن الموت هو مجرد حالة مرضية .. اقترحوا حفظ جثث الموتي فور موتهم .. حفظها بالتبريد لتحافظ علي خلاياهم سليمة بدون أن تتحلل كما هي .. حتي مئات السنين في المستقبل .. حيث يعتقدون أن في المستقبل البعيد سوف يكون العلم و الطب في قمة بعيدة جداً عن اليوم .. هناك يمكنهم إكتشاف طريقة لإعادة إنعاش الموتي المحفوظين
لكن بعد ذلك تقدم الحفظ بالتبريد فصار من الممكن حفظ البشر أحياء حيث تكون عملية الأيض أقل بنسبة ٩٩٪ من الطبيعي .. و نجحت تجارب الإذابة فالأشخاص الذين تم تجميدهم أحياء بتلك الطريقة و تم إذابة الجليد عنهم بعد أيام عاشوا بدون أي مشاكل .. حتي إن هناك من تم تجميدهم لشهر و هناك أكثر .. فكانت الوسيلة آمنة للسفر
للسفر للمستقبل حيث يجدون الحل للأمراض التي لم يجدوا لها علاجاً في الماضي ..
لكنه لم يعرف أنه بعد ٨٠ سنة من تلك الإكتشافات .. أنه في هذا الزمن ، في المستقبل بالنسبة له و الحاضر بالنسبة لي .. لم يعرف أن العلم مازال عاجزاً عن إكتشاف العلاج لسرطان العين الذي يعانيه سوي بإستئصال العين جراحياً
لم يكن يعلم أنه حتي الآن لا يزال العلم عاجزاً أمام زراعة عين بشرية كاملة فقط زراعة الشبكية و القرنية .. بعد أن كانوا يتوقعون في أفلام الخيال العلمي أنهم سيستطيعون إختراع عيون صناعية لا يمكنها فقط أن تعيد الرؤية بدل العيون البشرية .. كانو يتوقعون إختراع أعين يمكنها الرؤية بالآشعة تحت الحمراء
لم يكن يعلم أنه بعد ٨٠ سنة من وقتهم مازال العلم متجمداً .. عاجزاً عن تلك الأحلام ، كل ما تطور هو الفيس بوك و الواتساب .. لم يتقدم إلا في إنتاج أجيال جديدة من الأيفون .. لم يتمكن العالم حتي من تجاوز ظاهرة الإحتباس الحراري

آخر شعاع من الضوءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن