الشعاع الأخير

185 26 8
                                    

خرجن من الغرفة و ذهبت مي لأمها في غرفتها لتخبرها عن زياد .. لكن بحس الأم كانت تخبرها أنها يجب أن تتقبله و أن ما فعله كان هو الصواب ، لكنها لم تخبرها عن حبه لإختها أو ما قرأته من مذكراته عن علاقته بها التي لم تكن حباً هي إكتفت بإخبار أمها عن ما فعله اتجاه قضية أخيه
كان يجلس في الشرفة بكل برود .. يقرأ تلك الرواية الرواية الفرنسية اللعينة مطبوعة بطباعة برايل .. يجلس و كأن شيئاً لم يكن .. و كيف له حتي يبالي بعمل فلديه شقته التي يأجرها و الأموال التي اشتري بها محل و أجره .. هو لا يلتفت حتي لأعمال أو مرضي أو أي شيء .. كم كانت تنتظر لتدرك حقيقته البائسة الباردة تلك .. كيف كانت لا تراه .. كانت ترى أمام عينيها حباً جميلاً شخصاً كانت مستعدة لأن تخدمه طوال حياتها و هي سعيدة بذلك لأنه يحبها أما الآن فهي تعرف في داخلها أنه لم يحبها يوماً .. لربما إذا كانت ماتزال عانزاً كان ليكون أفضل لها من تلك الحياة البائسة الآن .. هي حتي لم تستطع الإنجاب منه .. كل المحاولات فشلت لتنجب بدون أي أسباب كأن الله يمهلها المدة لتنهي تلك العلاقة
دخلت إلي غرفتها و قلبتها رأساً علي عقب حتي وجدت تلك الرواية .. تلك النسخة القديمة التي أعطتها له سلمى .. لم تصدق أنه كان يحتفظ بها تحت المرتبة .. لماذا كل هذا الحرص الشديد علي رواية في متناول الجميع الآن وضعتها في شنطتها و غادرت إلي عملها
.................................
" ممكن يا سلمى تقرأي لينا جزء من رواياتك "
- " أنا عايزة أقول كلمة بس .. الرواية دي مترجمة عن رواية شور بالفرنسية للكاتب الفرنسي فرنسواه البرت أندريه .. هو كاتب اتظلم و روايته التي نجحت الآن في وقت ما نشرها فشلت .... فشلت فشل زريع ، و دا يخلينا نتساءل عن الفرصة الثانية .. لازم ندي لكل حاجة فرصة تانية "
ثم أمسكت الرواية و بدأت تقرأ " كنت أقف أمام ذلك البورتريه لصورة ذلك الرجل .. إنني حتي لم أكن أعلم اسمه ذلك من تزوجها و أحبته و أحبها .. كان من المفترض لي أن أكون أنا من يوجد في تلك الصورة و ليس هو .. كانت عيوني ممتلئة بالدموع حسرة علي ما فعلت في حياتي .. و قد ماتت لويس و أنا لم أكن معها .. ذلك البورتريه هو آخر ما رسمته .. آخر ما جاد به قلبها علي الدنيا ..لم تكن تحبني .. كان حبها الحقيقي ينتظر أن أتركها ....... و لم يكن يعلم ذلك الجاهل أن هناك من يراقبه عن كثب و يتألم أيضاً .. إنه صاحب الصورة كان ينتظر ذلك الرجل البغيض ليرحل .. ثم تقدم لصورته و كأنه يتكلم إلي لويس من خلال تلك الصورة فيقول لها : هل هذا هو صاحب العينين يا لويس "
نظرت سلمي للجمهور و هي تقول " الشخص الوحيد الذي يعرفك جيداً هو أنت .. عندما تنظر إلي نفسك .. و عندما كان ينظر فريدريك إلي ذلك البورتريه الذي رسمته لويس له قبل موتها .. لم يكن يري عينيه في تلك الصورة كان يري عيني شخصاً آخر ... ذلك الشخص الذي رآه ذلك اليوم أمام صورته يقف و يتأمل بعيون ممتلئة بالدموع .. لكنه كان أعمي تماماً عن رؤية عينيه في تلك الصورة .. لذلك كان جاهلاً .. لم يعرف أن لويس لم تستطع أن تنسي حبه مطلقاً .. حتي إنها لم ترى تلك العينين .. فقد أحبته في زمن العمي لكن الحب يجعل القلوب ترى .."
و الجمهور يصفق بشدة .. من بينهم كانت دكتورة مي أختها .. ممسكة بالنسخة الفرنسية حيث فتحتها لتقرأ تلك الجزئية الأخيرة من القصة .. فوجدت تلك الورقة المقطوعة من مذكرات زوجها
" في ذلك اليوم الذي نظرت فيه لعيني مي ما كنت أري سوي إنعكاس لصورة سلمي فيهما .. ذلك اليوم الذي كذبت فيه أكبر كذبة في حياتي عندما أخبرتها أنني أحبها .. ذلك هو ذنبي و سري .. كانت أمنيتي أن يكون آخر شعاع من الضوء يلتمس عيناي هو شعاع قادم من عيني سلمي "
هنا وقفت مي و غادرت و كأن عقرباً لسعها
عادت لشقتها في أقرب وقت
كانت تبحث عن زياد .. لكنها لم تجده .. ولم تجد ملابسه .. كانت أمها في الخارج عند أحد أقاربها عندما اتصلت بها لتسألها عن زياد لتخبرها أنها تركته في المنزل نائماً
دخلت غرفتها لتجد رسالة مكتوبة بطريقة برايل .. كانت تعرف قراءة تلك الكتابة لأنها هي من علمتها لزياد .. بدأت تتحسسها و الدموع تملأ مقلتيها
" مي زوجتي و عزيزتي .. أنا لم أكن أستحقك و لم أكن أستحق فرصة ثانية من الحب و الحياة و العائلة .. لأنني شخص خائن .. لم أكن أستطيع أن أحبك .. رغم أنني حاولت كثيراً .. كنت لا أري في ظلمتي إلا سلمى .. حتي عندما كنت معك علي الفراش كنت أرى أمامي في خيالي المريض جسد سلمى .. لهذا أنا خائن ... تستحقين شخص أفضل .. أخذت أشيائي و ذهبت لدار عميان و أوراق طلاقك سوف تصلك بالبريد "
هنا انهارت سلمي لأنها كانت تحبه .. رمت شنطتها و هي تحوي أوراق تحليلها .. لقد كانت حامل
لكنه كان لا يستحق فرصة ثانية
تلك الفرصة التي قد نضيع حياتنا لأجلها
أضاع سام ليان حياته في الجليد بحثاً عن فرصة ثانية .. ذهب خلفها حتي أهلكته ، بينما مات ذلك الكاتب فرنسواه قبل أن تدركه الفرصة الثانية
أما زياد فقد كان لديه كل الوقت .. كانت الفرصة الثانية تحت قدميه لكنه خسرها .. سوف يعيش حياته تلك نادماً متمنياً لحظة يكون فيها مع ابنه
كانت ستكون أمنيته أن يكون آخر شعاع من الضوء تراه عينيه هو شعاع قادم من عيني ابنه

آخر شعاع من الضوءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن