الشعاع التاسع

161 23 9
                                    

_ " نتائج الآشعة متطمنش يا أستاذ زياد " قالها ذلك الدكتور الكبير وهو جالس علي مكتبه ينظر لصور الرنين المغناطيسي لدماغي .. إنه الدكتور الذي أخذتني مي إليه .. لم نتكلم عن حوارنا بالأمس و كأننا نتجاهل أنه دار بيننا .. قال تلك الجملة و هو يتفقد تلك الصور و يتفقد ال CD المرفق معها علي شاشة جهاز اللابتوب خاصته ..
و أنا أجلس في صدمة و حزن .. لا أعرف ماذا سيحل بدماغي .. لقد خذلتني خلايا جسدي في النهاية و مي تنظر إلي و أنا أقرأ في عينيها أنها تعرف كل شيء
حتي طبيب الأسنان يستطيع أن يقرأ تلك الآشعة بوضوح .. و أسوأ ما في الأمر هي نظرة الشفقة في عينيها .. صدقوني إنها ثواني قليلة حتي تابع ذلك الطبيب كلامه لكن ذلك الوقت كان يمر علي كأيام كاملة
_ " الصور و الMRI بتوضح إنك عندك ورم في الفص القفوي من الدماغ .. أو الفص القذالي أو lobus occipitalis .. كلها نفس المعني .. الفص ده موجود في كل نصف من القشرة المخية .. يعني في فصين واحد يمين و واحد يسار .. و النصفين متضررين .. الورم واضح من الفحص إنه ليس ورم حميد .. "
.
تكلمت كأنني أحاول أن أختصر تلك المحاضرة العلمية
" دكتور ، ممكن تتكلم بالعربي ... أبسط من كدا "
_ " بص يا أستاذ زياد .. الدماغ البشري في نوعين من الخلايا .. خلايا عصبية ، دي الخلايا اللي بتخليك تفكر أو تفسر الكلام اللي بتسمعه أو تتكلم أو تتعلم .. و خلايا تانية موجودة معاها بتساعدها علي وظيفتها .. الخلايا العصبية مبتحصلش فيها الأورام لأنها مش بتتكاثر علي عكس الخلايا التانية
الخلايا التانية دي هي اللي بتُصاب بالمرض .. في حالة الورم الحميد بنشيل الورم بس لكن في حالة الورم الخبيث ..
الخلايا العصبية بتتضرر ، زائد إننا بنستأصل جزء بعد الورم من النسيج السليم"
.
" دكتور .. ممكن توضح أبسط من كدا .. "
_ " أستاذ زياد .. بعد العملية حضرتك هتعيش عادي لكن هتفقد البصر "
كان الخبر كالصاعقة .. هل قال فعلاً ما قاله .. تمالكت نفسي و سألته
" لو معملتش العملية "
_ " هتفقد البصر و هتموت .. ممكن تتشل الأول ، زائد تشنجات و بالنهاية الموت "
" دكتور .. أنا قدامي قد إيه كدا ، أقدر أحتفظ ببصري فترة قد إيه ؟ "
_ " قدامك أقل من شهر "
.
.
وكأنني لم أعد أستطيع سماع شيء حولي .. أري ذلك الطبيب الكئيب يتكلم لكنني فقط أري شفتيه  تتحركان بدون صوت .. يشرح أشياء و يتكلم عن أشياء علمية .. أري مي تتكلم معه .. أيضاً لا أستطيع أن أسمعها .. أسمع ذلك الصفير في أذني ، كأنني أفقد وعي .. أنظر إلي يديّ فأجدهما يتعرقان بشدة .. لعابي يتكاثر داخل فمي فأبتلع ريقي بصعوبة و وجهي يتقاطر عرقاً
أنظر خلفي
رياض يدخل من باب الغرفة .. يدخل خلفه سام ليان .. أفرك عيني فأجد مي تصيح في تحاول أن تفيقني فاستجمعت قواي
" أنا تمام يا دكتورة مي .. كان معايا صداع بس "
استأذنت مي من ذلك الدكتور الذي لم أعرف حتي اسمه حتي الآن رغم أنه كان موضوعاً أمامي علي المكتب ، و خرجت مع مي .. إصطحبتني للخارج و الدموع تملأ عينيها الجميلتان .. كم هما جميلتان حقاً .. كم يتلألآن في جمال يلمعان مع تلك الدموع .. كم هي جميلة حينما تكون حزينة
خرجنا معاً كنت أريد الذهاب للمنزل .. " مي سبيني خلاص أنا هعرف أروح لوحدي "
- " لأ مش هسيبك دلوقتي .. " تحاول أن توقف نفسها عن البكاء لكنها علي وشك الصراخ ، أكاد أسمعها تصرخ في داخلها .. لكنها تبدو من الخارج متماسكة بعينين حمراوتين من الدموع التي تملأهما ولا تكاد حتي تستطيع النزول منهما .. كم هي شخصية جميلة قليلون من الناس يتأثرون بمعاناة غيرهم
- " هنروح كافييه نشرب حاجة مسكرة عشان انت واضح جداً إنك مهبط .. الهبوط دا ممكن يموتك "
نظرت إليها و أنا أبتسم إليها " يموتني !!! " ... " لا خلاص لازم أشرب حاجة مسكرة "

آخر شعاع من الضوءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن