الشعاع الثامن عشر

135 18 5
                                    

توقفت مذكرات زياد عند تلك النقطة .. لأنه توقف عن الكتابة قبل إجراء العملية .. لم تعلم مي ما كانت تسعي إليه و كان قد أظلها النهار .. أغلقت تلك المذكرات اللعينة التي استهلكت كل ليلتها حتي الصباح .. لم يصيبها منها إلا بذرة من الشك في حب زوجها له .. زوجها الذي تزوجته و هي تعلم أنه سيفقد بصره في المستقبل القريب و ستعيش مع شخص أعمي لا يراها .. قضت معه خمس سنوات حتي الآن و ضحت بالدكتوراه و بالسفر لأجل أن تكون معه .. لأنها لا تستطيع تركه بمفرده .. لكنه كان يبدو أنه لم يكن يحبها .. و أن ذلك الحب الذي نشب يوماً بينهما كان مجرد إعجاب تناثر أدراج الرياح حينما وجد حباً حقيقياً .. أم أنه لا يوجد حب حقيقي ، ليتناثر القلب من إعجاب إلي آخر متخفين في ثياب الحب .. أم أن كل تلك كانت مجرد لحظات في حياة زياد و أنه عاد إلي حبها من جديد
لقد مرت خمس سنوات حدث فيهما الكثير من الأحداث .. لكن ما كان يشغل مي هو حدث خطوبة سلمي .. جاء الصباح ، لم تلتفت مي كيف مر كل هذا الوقت .. كيف أنها لم تنتبه حتي لصلاة الفجر .. لكنها تعلم أنه لا ينالها إلا المداومون عليها .. دخلت من الشرفة و عيناها تمتلئ بالدموع لكنها لا تبكي .. أحست بصوت أمها تستيقظ فسارعت إلي الحمام و غسلت وجهها
خرجت فوجدتها بالباب فحاولت ألا تنظر إليها لأنها تعلم أن تلك الأم عندما تنظر إلي عينيها فهي بالتأكيد سوف تدرك أنها كانت تبكي .. حتي لو نظرت إليها للحظة ، فالأمهات يمتلكن تلك القدرة .. قامت بتحضير المائدة للإفطار و دخلت و أيقظت زوجها زياد .. و في عينيها تساؤلات تكاد تأكله ، لكنه لايراها
أيقظته و غادرت الغرفة و هو يعلم سبيله .. إنها خمسة سنوات من العمي حفظ فيها جدران الشقة .. لا يحتاج إلي ملاحة ليسير فيها .. فالخريطة موجودة في رأسه .. ذهبت و أيقظت أختها سلمي
و بينما جلس الجميع علي السفرة كانت مي واقفة .. تحمل الكتاب في يدها ثم وضعته أمام زياد بجانب الأطباق
" إيه ده يا مي .. دا كتاب "
- " دا كتاب مذكرات قديم لقيته يا زياد " قالت ذلك و هي تتوجه لكرسيها في مقابله ..
" قرأتيه يا مي " و كأنه عرف ذلك الكتاب عندما يتحسسه
- " قرأته ... ما عدا صفحات كانت مقطوعة منه "
كان الإرتباك يظهر علي وجه زياد .. و التساؤل و التعجب علي وجه الأم و سلمي
" كتاب إيه يا مي علي الأكل " سلمي
قامت مي و لم تأكل و قام زياد عندما أعلمته حواسه بوقوفها .. كان يعلم أنها ستدخل غرفتها
.........
" مي ، أنا مش فاكر كل الكلام المكتوب ده .. دول خمس سنين يا مي .. "
فقاطعته مي " مش فاكر إيه ، إنت فاكرني عبيطة هتضحك عليا بكلمتين .. انت عارف كل كلمة اتقالت فيه "
" مي .. دي كانت حبة خواطر هبلة كدا .. كانت في وقت كنت متحطم فيه "
- " طب لسة محتفظ بيه ليه ، و جبته معاك من شقتك كمان .. قطعت الورق اللي فيه ليه "
" بقولك يا مي دي كانت لحظة إكتئاب مني ... "
قاطعته مي ثانية " زياد انت بتحبني "
" بحبك طبعاً يا مي ... "
- " انت بتكذب يا زياد"
أمسكها زياد بين يديه " مي أنا بحبك يا مي .. ماتخليش حاجة خايبة زي دي تعمل مشكلة في حياتنا .. أنا غلطت إني إحتفظت بحاجة زي دي "
نظرت مي في عينيه التي لا يراها منهما .. تلك العيون العسلية التي أوقعتها في حبها و التي أجبرتها أن تلتزم بقوانينها .. و أرادت أن تصدقه ، لأنها فعلاً أحبته ...
أغمضت عينيها حتي لا تراه أمامها مثلما يفعل هو .. و صمتت لحظة ثم أكملت
- "و قصة رياض أخوك عملت فيها إيه ؟ "
جلس زياد علي السرير .. و تكلم " رياض قصته انتهت من زمان .. أخدت الأوراق و الصور و كاميرا الفيديو .. و روحت لصحفي معروف .. قالي إني لو رفعت قضية أو طالبت بإعادة التحقيق .. كلها هنتهي في الأرشيف تاني .. لازم تكون أمريكي و تسافر هناك عشان حد يسمعك .. لكن هنا ، مهما عملت هتكون زي صرخة النملة .."
- " يعني إيه ؟ "
" أخد مني الأوراق و الفيديوهات عشان ينشرهم .. و بعدها بفترة بعد ما عملت العملية .. قالي إن المؤسسة سمعت بالمقال بتاعه اللي نشره علي الإنترنت .. و عرضت عليه و عليا إنهم يشتروا الأدلة مننا بالعين الصناعية .. في مقابل. مبلغ من المال ... و إذا رفضنا فالصيغة فيها تهديد "
نظرت له في تعجب و دهشة - " بعت أخوك ؟! "
" مبعتوش .. أنا اشتريت حياتي و حياتك .. كان ممكن يقتلوني زي ما قتلوه .. و ساعتها كنت هختفي .. و هتفضل المنظمة دي شغالة برضو .. "
- " كنت هتموت بهدف .. بقي قبضت الفلوس و صرفتها كدا عادي "
لم يستطع الرد فأكملت هي " انت مش الإنسان اللي أنا حبيته و اتجوزته .. انت ممكن تفرط فيا أنا و أمي و أختي عادي زي ما فرطت في حق أخوك "
- " أخويا مات .. زي ما كل أخواتي بيموتو كل يوم في الأراضي المحتلة حد بيفكر يتكلم .. لو كنت اتكلمت كنتي هتموتي انتي و اهلك إفهمي بقي "

آخر شعاع من الضوءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن