الشعاع الثاني

466 33 20
                                    

و بدأت الفكرة تتكرر في دماغي .. هل يمكن أن أُصاب بذلك المرض كما أصيب به رياض ؟ ..لا لايمكن أن يكون ذلك صحيحاً .. نظرت حولي بحثاً عن الموبايل فكادت القهوة تفور .. أحضرت الموبايل الذي كاد أن يضيع علي قهوتي .. أحضرت الكوب و ذهبت إلي الشرفة .. بحثت في الأرقام عن اسم صديق قديم كنت أعلم أنه في كلية الطب .. اتصلت بالرقم لترد علي سيدة كبيرة .. بالفعل تغيرت الأرقام .. وأنا لم يكن لدي أصدقاء منذ البداية .. كيف تواريت كل تلك المدة عن الناس .. كنت أعيش علي هامش الحياة منعزلاً عن الناس بدون أهداف أو أصدقاء .. حياة رمادية لأتفاجأ اليوم بعزلتي .. كيف أعيش تلك الحياة المزرية بحق السماء .. أنظر من خلال الشرفة و أجد من يسير و معه زوجته .. ومن يمشون رفقة شلة من الشباب و أنا أقف وحيداً
أجلس أمام كمبيوتر الشركة نهاراً و أمام اليوتيوب علي اللاب في المنزل
فتحت الإنترنت و أخذت أبحث عن أطباء عيون في المقطم .. حتي وجدت عنوان أحد تلك المراكز الطبية .. قررت أن آخذ الغد أجازة ، فلدي رصيد يكفني شهراً لم أستفد منه و قررت أن أخرج في الغد من المنزل إلي ذلك المركز الطبي مباشرة
استيقظت متأخراً جداً للدرجة التي تجعلك تقوم من النوم و أنت تعاني من الصداع .. توجهت للحمام لأغسل وجهي و أنظر إلي المرآة فوجدت عيني اليسري محمرة .. عندها بدأ القلق يتسرب تحت جلدي ليوقف شعر جسدي .. مزيج من الخوف و القلق .. ارتديت ملابس عادية لا أبالي بمظهرها مجرد تيشيرت و بنطال و شبشب ليس حتي حذاء و خرجت
....
- " مينفعش تدخل للدكتور كامل عيسي دلوقتي يا أستاذ .. لازم يكون في حجز قبلها "
- " خلاص احجزلي ، هدخل امتي عشان أنا مستعجل "
- " حضرتك لو حجزت دلوقتي معادك الأسبوع الجاي ، الساعة ٣ عصراً "
- " امتي حضرتك ؟! " بكل تعجب و استفزاز ... " حضرتك أنا مستعجل جداً "
- " حضرتك تقدر تدخل لدكتورة مي دلوقتي "
- " أوك ماشي .. هدخل دلوقتي ؟! "
- " استني حضرتك في الاستقبال و هنادي علي حضرتك كمان شوية  "
......
دخلت لدكتورة مي .. و كانت تبدو صغيرة في السن مما دفعني إلي النظر إليها بنظرة استقلال لقيمتها  و إبتسامة سخيفة علي وجهي تحاول إخفاء تلك النظرة .. و نسيت أنها طبيبة عيون تمضي يومها في النظر لعيون الناس
- " حضرتك أنا دكتورة مي عزت أخصائية ....
- " عيون "
خلعت نظارتها و ابتسمت .. ثم قامت من مكانها .. وهي تمسك بالنظارة و تقول " دي نضارة ( نظارة ) قراءة مش نظر  "
جلست علي الكرسي المقابل لي  و أكملت   " حضرتك أنا درست الطب سبع سنين و بعدها أربع سنين ماجيستير و كمان سنة هتكون ليا عيادتي الخاصة ."
- " مش قصدي حاجة ، هو أنا قولت حاجة .. دا أنا داخل مبتسم "
هكذا أنا أترك دائماً طابع سيء عني في أول تعامل لي مع الناس
و بدأت عملية الكشف .. و الفحص
" مفيش حاجة يا أستاذ زياد .. زياد صح .... عينك سليمة دا أحسن من عيني " و هي تبتسم تلك الإبتسامة كأنها تردها لي
- " الحمد لله .. أنا كنت قلقان جداً ... لأن أخويا كان عنده cancer .. في عينه الشمال برضو ، خلع عينه بسببه ، خوفت يكون في عامل وراثي في الموضوع"
- " عينك سليمة يا أستاذ زياد "
- " شكلي كدا هستني الدكتور ولا إيه ؟! " للمرة الثانية أترك ذلك الإنطباع السيء  لترد عليا مي بتلك النظرة
" ممكن تستناه حضرتك مفيهاش حاجة "
- " دكتورة مي .. أنا مقصدش حاجة ....
وهي تنظر إلي دون أدني حركة من شفتيها ، كأنها حتي لا تتنفس
" عموماً سلام عليكم " و غادرت غرفة الكشف و أنا أتساءل بشدة عن دكتورة مي .. انتظرتها حتي خرجت .. لا أعرف كيف فعلت هذا لكنني لأول مرة أتتبع شخص ما .. لقد استغرقت طويلاً لتخرج من ذلك المكان الكئيب .. عندما خرجت تمشت قليلاً حتي دخلت كافيه فاخر قليلاً .. فدخلت خلفها " دكتورة مي .....
.................... صدفة غريبة جداً .. أقابلك كدا في نفس اليوم "
- " فعلاً .. صدفة غريبة "
- " فرصة بقي أعتذر لحضرتك إني عصبتك النهاردة ....
وجلست أمامها علي أحد الكراسي و أكملت
" أنا مقصدش حاجة .. بس أنا كنت متوتر جداً "
- " إعتذارك مقبول يا أستاز زياد "
" .... ممكن أسأل حضرتك علي حاجة ، مش هاخد من وقت حضرتك حاجة .. استفسار بس عن سرطان العين "
- " حضرتك شايف إن ده المكان المناسب "
" أنا آسف ..
وابتسمت ابتسامة حقيقية .. و استكملت " دكتور رياض أخويا كان عنده السرطان ده و خلع عينه بسببه و كان مركب عين صناعية .. أنا ملاحظ إن حضرتك متدايقة من وجودي
- " مش حاجة بس حضرتك دا مكان عام و أنا أول مرة أعقد مع حد معرفهوش في مكان زي ده .. انت عارف الناس ......."
" أنا كنت عايز أستشير حضرتك يا دكتورة في حاجة .. " قمت بسرعة و غادرت
لقد تم زرعها في دماغي
مي .. لا يزال دماغي يكررها
نعتقد جميعنا أننا كبشر ، أو كل واحد منا يعتقد أنه نصف العالم .. أو أن العالم يدور حوله فقط .... و الحقيقة التي نتجاهلها هي أن العالم لا يعلم بوجودنا

آخر شعاع من الضوءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن