الشعاع الحادي عشر

143 26 6
                                    

عدت إلي معبدي الصغير الذي لم أري غيره في حياتي .. واقفاً في صالة منزلي أتأمل صور الموتي علي ذلك الحائط .. تلك الصورة التي تجمع العائلة ماعادا أنا لأنني كنت من يصورهم .. إنها صورة من منزلنا في القرية .. إنه ذلك اليوم في شم النسيم عندما كنا هناك سوياً .. ذلك المنزل الذي هجرناه منذ فترة من العمر .. كانت فترة طويلة جداً عندما نسينا الإحتفالات و المناسبات السعيدة ... لازال موجوداً كما هو لم نفرط فيه يوماً .. لكنني سأحتاج أن أفرط فيه الآن لأوفر ثمن العملية الجراحية ..
لا أزال أتذكر ذلك اليوم الجميل في شم النسيم .. حيث أشجار التوت حول المنزل ... تكاد تسمع ضجة العصافير عليها من شرفته الأرضية الكبيرة الواسعة
أتذكر رؤية تلك العصافير ترفر و تتشاجر علي أغصان شجر التوت الجميل .. و آشعة الشمس تتخلل تلك الأوراق الخضراء الجميلة
إنه مشهد لم أكن أقدره حينها .. ولا أعرف لماذا لا يقدر الإنسان كل حظة يعيشها و هو يتمتع برؤية الحياة ..هم فقط يكدون في عملهم علي تلك المكاتب أو داخل تلك المصانع ليتركو الشُرفة خالية لا أحد يقف عليها ليقدر ذلك الجمال في الطبيعة .. وعندما تأتي اللحظة التي لا يستطيعون فيها رؤية الحياة يصيبهم ذلك  الشغف الجامح .. ذلك الجوع لرؤية الجمال
سأذهب إليها في الغد .. إلي تلك الشرفة لكن لألقي آخر نظرة علي منزلي و أكلف أحد أولاد عم أبي إن كانو لا يزالون يتذكرونني .. سأكلف أحدهم ببيعه
و بهذا لن أعود ممتلكاً لشيء في تلك القرية الفقيرة سوي قبر أهلي أبي و أمي و أخي
.
تذكرت سام ليان فقررت أن أتابع ما توقفت عنه .. ذلك الخيط الذي يبدو أنه بمثابة مسمار في كومة من القش .. الدليل الذي يربطه بأخي .. لكنني فعلاً كنت أشعر دائماً بالفضول لرؤية حياة ذلك الشخص
فتحت اللابتوب و بدأت أشاهد سام و أتحسر علي نفسي
لقد كنت منذ يوماً واحداً أشعر بالشفقة حيال حياة سام لكنني الآن ممتليء بالحقد عليه .. لأن ذلك الرجل الأربعيني الغني .. غير أسلوب حيااته بالكامل للإستمتاع بالحياة كان كل فيديو أشاهده له يحدث في دولة مختلفة .. كان كل يوم يقضيه في دولة أو جزيرة مختلفة .. أصبح مغامراً بعد كونه رجل أعمال ليصرف أموال طائلة علي المتعة و السفر
هو الآن في أبراج توفا السياحية في بحيرة مونو في كاليفورنيا
و عندما أنتقل لفيديو آخر أجده يستمتع بوقته في جزر المالديف في المحيط الهندي ... أنا لم أفكر في يوم ما أن أذهب للساحل .. سأفقد بصري دون رؤيته
لكن سام ليان و كأنه يعيش في الجنة .. و كلما قمت بإنهاء الفيديو و أذهب لآخر أجده يستمتع في مكان مختلف .. فها هو يتسلي في منتجع في كرابي في تايلاند و في فيديو آخر في منتجع مختلف في بورا بورا ..
و فيديو آخر في جزيرة بورينيو في أندونيسيا ثم ها هو في المدينة المفقودة صن ستي في جنوب أفريقيا
و ها هو في مصر يشاهد الأهرامات .. تلك التي لم أفكر أبداً في رؤيتها رغم أنني لا أحتاج إلي تذكرة سفر أو تأشيرة لذلك
لقد عرفت كل تلك البلدان لأنني كنت أحلم عندما أتزوج بأن أمر بها في شهر العسل .. لازالت كما هي منذ ثمانين عام بنفس روعتها كما هي الآن
لقد استطعت يا سام ليان أن اري جميع ألوان الجمال في عالمك .. لكن ما الفائدة من ذلك .. فعاجلاً أم آجلاً ستفقد بصرك مثلي و تصبح أعمي .. و كل تلك الأموال ضاعت سُدى .. كانت لتفتح بيوت أشخاص فقراء ينامون الليل باكراً حتي لا يشعرون بآلام الجوع لأنهم لم يأكلوا إلا فتات من الخبز
أم أنني فقط أقول كذلك لأنني لا أملك ما تملكه من أموال و لا أستطيع رؤية ألوان السماء السبعة كما استطعت رؤيتها

آخر شعاع من الضوءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن