الشعاع الثامن

166 22 5
                                    

الآن أعرف ما شعر به سام ليان و ما أخبره به الأطباء .. بالتأكيد أخبروه أنه سيخلع عينه الثانية استئصال جراحي كما حدث مع الأولي ليصبح أعمي لا يستطيع رؤية الحياة
تخيل ذلك الأمر .. أنك تعلم أنك ستفقد البصر ، لن تعود قادر علي رؤية الحياة ... لن تنظر إلي السماء الزرقاء الصافية في النهار ، لن تتمكن من أن تتأمل النجوم في سماء الليل الجميلة .. ربما سام هذا لم يخطر بباله مثلاً أن يذهب للمصيف فهو الآن لن يعرف مدي جمال البحر في الحقيقة .. لن يستطيع أن يري أمواج البحر الزرقاء الجميلة ترتطم بصخور الشاطئ في الإسكندرية و لن يري كيف يبدو شكل الناس و السيارات من برج خليفة و لن يجد الوقت ليري برج إيڤل في فرنسا و لن يستطيع أن يعود إلي مصر ليري الأهرامات
.
ربما هو لم يجد تلك الفتاة و الزوجة التي تشاركه الحب ، فهو لم يكن ليري أبداً جسد فتاة عن قرب .. لهذا كان إهتمامه الأول هو ذلك الأمر الحيواني
قد نتعجب من تصرفاتنا الحيوانية أحياناً لكننا لن نستطيع أن نتخلي عنها ..
البشر
عندما لا يجدون ما يأكلون سيأكلون بعضهم بعضاً كالزومبي .. لأن الإنسانية و التحضر هم ترف و رفاهية ، لا يتناسبون مع المواقف الحرجة
إنه سيفقد القدرة علي الرؤية ، و يعلم ذلك فكيف له أن يظل متمسكاً بالمبادئ و القيود
بالتأكيد ستتحكم شهوته به ....و تلك الشهوة تبدو كشغف ينتهي حينما يصله و يندم عليه بعدها
طالما تساءلت في نفسي لم لم نخلق كالملائكة بدون شهوات .. لكننا خلقنا هكذا بشهوة جامحة لتجعلني كرجل أتشوق لرؤية إمرأة عارية و تحسس جسدها و ممارسة الجنس معها .. أشياء تجعلنا كبشر نبدو كحيوانات .. لم نختر أن تكون بداخلنا لكنه الإختبار أن نتحكم فيها و نقاومها و نقيدها حسب الشرع و الدين الذي يجعل منا بشر ملائكية .. الذي يجعلنا نرتقي
إذا كنت في موقف سام ليان .. فلن تكون نزعتي الأولي أن أندفع لأرضي شهوتي تلك و لكنني سأندفع لرؤية الكعبة المشرفة ..
إذا كنت لن أرى مجدداً فسأفعل المستحيل لرؤية الكعبة .. سأذهب إليها و أتعلق بأستارها .. إذا كنت لن أرى مجدداً فلن أترك القرآن حتي أفقد بصري عليه ، سيكون آخر شعاع من الضوء يصل لشبكية عيني إما قادم من الكعبة أو من المسجد النبوي من قبر الرسول أو سيكون قادماً من كلمات الله في المصحف ..
كل تلك الأفكار تدور و تدور في رأسي و تلتهم كل تفكيري .. لم أفكر في عرضي الزواج علي مي و كيف ستتعامل معه .. إذا رفضت كيف سأتكلم معها مجدداً في ذلك الكافيه .. لم أفكر في ذلك .. لم أفكر في ما سأفعله غداً من فحوصات و الآشعة بالرنين المغناطيسي علي دماغي .. هل سأكون مصاباً بالسرطان أم لا .. لم أتفكر حتي حول علاقة سام ليان بأخي و كيف مات رياض و من وراء قتله
فقط فكرة واحدة ..
ماذا إن لم أتمكن فجأة من رؤية الحياة .. ماذا إن كنت في مكان سام ليان ... أمسك فنجان قهوتي في محاولة يائسة لقمع هذا الصداع و أقف علي شرفي و أفكاري تتزامن مع صداعي و عيوني بدأت تضعف مجدداً
فركتها و نظرت إلي الشارع كأنني أختبرها فرأيت رياض يقف في الشارع و ينظر إلي .. فركت عيني مجدداً فلم أره .. فدخلت من الشرفة
إنه الليل .. بالنسبة لشخص مثلي قد لا أميزه عن النهار .. إنني لا أري ألوان الحياة
فتحت اللابتوب و بدأت أتابع حياة سام ليان الصامتة
ذلك التغير في الشخصية .. شخص مثله علي ما يبدو أن لديه أموال طائلة لكنها لا تستطيع أن تعيد له النظر عندما يفقده ..

آخر شعاع من الضوءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن