البارت الرابع والعشرون
حل الصباح ولاول مرة يتمنى ايوب ان يطول الليل او لا ياتى الصباح
رست السفينة فى ميناء الاسكندرية
دخل ايوب على ليلى وما ان دخل الا ووجدها ارتعدت خوفا فها هو الان جاء ليبعدها عنه لتبدا حياة الغربة بدونه
لم يتمالك نفسه وهو يراها هكذا ولاول مرة تركض هى نحوه لترتمى فى صدره دونان تطلب منه
ضمها بقوة وقال لها هامسا / قلت لا تخافى انا لن افارقك كثيرا صدقينى
لم ترد عليه وتركت لدموعها العنان
قال لها مهدئا / اهدائى بالله عليكى فلا اود ان يكون اخر لقاء بيننا منهيا هكذا بعذاب
ابتعدت عنه فمد يده ومسح دموعها وقال ساسلمك لابى الان
مشت معه وخرج بها من الميناء بعد ان قدم تقريرا مسبقا بانها قد سبق وقدمت بسبورها وتاشيرتها له ولكنه فقد من قائدى السفينة اثناء مراجعة بياناته وقدم ورقة موثقة بتوقيعه وبخاتم السفينة كما قدم اوراق وصية هانيا موثقة منه ايضا حتى يستطيع ان يخرج بليلى وريحانة من الميناء
اخيرا خرج بها واجلسها هى فى قاعة الانتظار للحظات ثم عاد وهو يحمل لها كثير من الطعام العصائر وقال لها : الطريق طويل عليكى فاهتمى بطعامك حتى لا ترهقى نفسك واعطاها كيس اخر لريحانة
نظرت له ولم تشعر الا ودموعها تغرق وجنتيها فهى الان ستنفقد هذا الحنان والسند لتواجه وحدها ما سيقابلها
شعر بها لانه كان اكثر منها تاثر ولكن الرجال لا تظهر مشاعرها مثل المراة وقال : ارجوكى يا ليلتى قلت لكى لا احب ان يكون اخر ما يقع على عينى من وجهك هو الدموع والحزن فاتركينى باسمة حتى اتذكرك دوما وانتى مبتسمة
اعلمى يا احب شىء اليا
ان شوقى اليكى قاض عليا
ان قضى الله اليكى رجوعا
لا ذكرت الفراق ما دمتحيا
ان حر الفراق انحل جسدى
وكى القلب منكى بالشوق كياً
قالت : كيف استطيع رسم الابتسامة وانا اغادر دفء قلبك
قال : كيف تفقدين دفء قلبى وقلبى مغادرا معكى فانتى من اصبحتى مالكة له وليس انا
نظرت له مليا ونظر لها دون ان يتكلما ثم اخذ نفس عميق وقال انتظرينى هنا ساذهب لاتاكد من وصول والدى تركها وهو من الاساس يعلم ان والده منتظره فى الخارج فقد حادثه للتو
خرج ايوب وسلم على والده وقبل راسه ويده
كان الحاج صالح فى قمة شوقه لابنه وسنده فاحتضنه كما لو كان يحتضن طفل صغير وادمعت عينه وقال : لاول مرة اعترف انى احتاجك الى جانبى فلم اعد قادرا على التصرف فالامور حولى تتازم واعلم انك احكم منى واعقل
قبل ايوب يده مرة اخرى وقال : لا تقل هذا يا ابى فانت اعقل الناس واحكمها
الحاج صالح / انا اعقل الناس واحكمهم فى امور الناس اما فى امور اولادى فانا اتعامل بقلب الاب وانت الوحيد الذى اعاملك كاخى فقلى فى هذا الموقف كيف ساتصرف فانا وسط اثنين من ابنائى عشقا امراة واحدة
اخذ ايوب نفس عميق وقال / طارق لم يعشقها يا والدى هو عشق فيها الشىء الجديد فيها
قاطعه ابيه وقال / يا بنى ايا ما كان فهى كانت زوجته فما الحل
حاول اباه ان يمنع دموعه ولكنها ابت الا ان تنهمر وقال / لقد اصبحت بين حجرى الرحا وكلاكما تمزقانى فاخيك كنت اتمنى ان ينصلح حاله على يد ليلى حتى عندما افترى عليها قلت هى الاقوى لانى شعرت بقلب رجل انه ما كان يفعل بها هكذا الا لانه اشتهاها ولكن كبرياءه منعه من الاعتراف
اما انت فكم كنت ادعو ليل نهار ان تلتقى بمن تشغل قلبك حتى انى كنت اتمنى ان تتزوج من ليلى ولكنك سددت على كل الطرق لانك رفضت الا ان تتزوج عن حب وان كنت صارحتنى من البداية انك تهواها لكنت انت صاحب النصيب الاول
ايوب : انا ايضا كنت اتمنى ان اكون صاحب النصيب فيها ولكنى عرفت انها تعشق اخى فخرجت من حياتها قبل ان ادخلها ولكن الله دبر لقيانا دون اى ترتيب منى او منها فعجزت عن تفسير هذا الا ان الله وهبنى اياها
صمت للحظات وصمت اباه فهم حقا فى مازق كبير
ايوب : اسمع يا ابى انا ساضع امامك الامر بكافة جوانبه واعتبرنى غير موجود فى حياة ليلى من الاساس وعليك ان تفكر معى لتتخذ قرارك
كان يتكلم وهو يكتم ثورته اجبارا على نفسه حتى لا ينفجر فى وجه ابيه نتيجة افعال اخيه واخذ يضغط بكل قوته على اسنانه حتى يستطيع التحكم فى اعصابه وقال :
اولا : لقد فجعتنى ليلة امس وانا اهاتفك عندما قلت ان معتز اتصل بك وقص عليك ما فعله طارق فها هو بعقله الابله اشعل النار بين العائلتين من جديد واتهم زوجته فى عرضها فهل تعتقد بعد هذا ان تقبل ليلى بالعيش معه وان وافقت فهل تعتقد ان اهلها سيوافقون وان وافق اهلها هل تعتقد انها ستعيش سعيدة معه ام انها ستعيش لمجرد كتم افواه الناس لصيانة عرضها ووقتها سيعذب الجميع فهى لن تعيش سعيدة وطارق سيظل حزين على بعدها وجفاها له وقد يوصله كبرياؤه بان يحاول الانتقام لكرامته ويعود لما كان عليه ليؤكد لنفسه ولها انه لازال طاووسا للنساء .
وانا ايضا ساعيش معذب دون قلب لانها ببساطة اخذته معها ويومها ساختفى عن حياتهم للابد .
هذا شىء وحده واهلها شىء اخر فلن ينسوا ان ابنتهم عادت له لتكميم الافواه فقط اما العداء الذى حاولنا تلاشيه بتلك الزيجة فسيصبح العكس فسيكبر يوما عن يوما
فهل سترضى بهذا الحل ؟ ام ان نعتذر عن اخطاء ولدنا ونوضح لهم الحقيقة كاملة وابدا انا معها حياة جديدة نظيفة ويهدا الجميع خاصة ان القرية كلها قد اعلن فيها ان ليلى تزوجت منى ؟ وكأن القدر كان يرتب ما لا نعرفه نحن .
اما الامر الثانى ان طارق يعترف صراحة دون كبرياء انه يعشقها وانه قد اخطأ فى حقها ورماها بالباطل ويطلب منها ومن اهلها السماح وهى ايضا تعترف انها لازالت تحبه وسنعقد قرانهم من جديد وفى تلك الحالة ايضا ساختفى انا من حياتهم للابد .
اما الحالة الثالثة هى ان طارق يعترف انه قد اخطا ورماها بالباطل ونطلب من اهلها السماح ويكون زواجى منها اكبر دليل على تصديقنا لعفة ابنتهم ونحقن فى ذات الوقت الدماء بيننا وبينهم .
هذا ما رايته انا من حلول وعليك ان تقرر ماذا ستفعل لكن صدقنى ان رايت ان سعادتها هى واخى معا فلن اتردد لحظة فى البعد عنهم .
ربت الحاج صالح على كتف ابنه وقال : اعلم يا بنى انك ستفعل هذا ان وجب الامر فانت لست انانى او انتهازى ولكن ما يؤرقنى بل ويفزعنى هو ان اخاك لن يعترف بخطاه ولن يعتذر وان فعل حقا واعترف كذلك انه يعشقها فانا متاكد انه ليلى لن تعيش سعيدة معه لان المراة ان اضطرت لان تعيش حياة لاجل ارضاء اهلها ومن حولها فلن تعيش كامراة بل ستعيش كمجرد الة خالية من اى مشاعر وانا عندى ابنة ولا احب ان يفعل معها ما فعل بليلى
صمت لحظة ثم قال : يا بنى فى تلك الزيجة لم يخسر منذ البداية الا انت وليلى فهى من البداية عشقت وهما والان هى عشقت قلبا حقيقيا فان عادت لطارق فستظل تقارن بين الوهم والحقيقة ومن تذوق الحنان والامان صعب ان يعيش شاعرا بالوحدة والجفاء
امام انت فقد عشقت قلبا حقيقيا ولكن بالتمنى وما ان وجدت التمنى اصبح حقيقة بين يديك صعب عليك فقده وان فقدته فستعيش انت ايضا وحيدا محطما
فكيف لى ان اختار بين كل هذا واى حلا هو الاصوب
ايوب برجاء : يا والدى عليك منى ومن طارق الان ولكن اهتم الان بليلى حتى تلد فصحتها لا تتحمل ان تعرف بما قاله عنها طارق فهى دائمة النزيف وحملها غير مستقر فاود ان تعيش بقية اشهر حملها فى هدوء واستقرار وبعدها نفكر فى كيفية التصرف وحاول ان تبعدها عن طريق اهلها حتى لا يصيبها سوء منهم فوالدها الاحمق قد لا يتوانى فى قتلها .
ابتسم الحاج صالح وربت على كتف ولده وقال بحنان اب : عشقك لها واضح فى عينيك وفى قلقك عليها يا ولدى وكم تمنيت ان اراى منك تلك النظرة لحبيبتك من قبل والان وجدتها لاسعد ويطمأن قلبى عليك وان عرفت هى كم خوفك عليها ما صدقت نفسها
ابتسم ايوب ابتسامة صافية ولكنها حزينه على حالهم وقال : يا ابى ان اردت ان تعرف مقدار ليلى عندى فيكفينى ان اقول لك الحياة عندى هى ليلى
ابتسم الحاج صالح بعذوبة مرة اخرى وقال : وانا ايضا يا ولدى كم اسعد الان وانا اقول لك بارك الله لكما فى حبكما
ايوب : يا ابى لن اوصيك على ليلى ولكن يكفينى ان اقول لك انى اضع روحى امانه بين يديك فحافظ على روحى واياك ان يهينها احد . واعلم انها تحمل فى احشاءها قطعهة منك ومن اخى ومنى قبله فقد تغذى جنينها من دمى وكم عشقته قبل ان اراه حتى ظننت نفسى انى صاحب نبتته . يا ابى ان اردت ان ترانى بخير فشاهدنى فيها فهى منى وان اردت ان ترانى سعيدا فاسعدها فهى سعادتى وهى روحى التى تمشى على الارض فانتبه لروحى وقلبى فقد جعلتهم بين يديك وان اردت ان ترانى اعمى فاطمس عينى من ضى نورها فعينى قد غشاها نورها وان فقدته عميت عن الدنيا وان اردت ذبحى بسكين بارد فاجعل الدموع تعرف طريقا لعينيها ولكن وقتها تاكد اننى سانتقم ممن جعلها تبكى حتى وانا فى اخر رمق لى فكله يهون عندى الاها وتحاشى ان تثور ثورتى على من يؤذيها لانه لا يلومن الا نفسه فليلتى تعنى كل الليالى فى عمرى وانا من يحاول انهاء عمرى فسيدفع عمره قبلى
اخذ الحاج صالح نفس عميق فهو يعلم صدق كلام ولده فشد على كتفه بيده وقال : لا تخف يا بنى على روحك وقلبك وولدك التى فى احشاءها فانا خير صائن لهم
كما انى ساحافظ على تلك اليتيمة التى اشعر ان فرج الله لكما قريب بفضل رعايتكم لها
ابتسم ايوب ابتسامه راحة ورحل لياتى بليلى وريحانه وقد وضحت الامور ان ايوب قص على والده كل شىء بالتفصيل
عاد اليها وهو يرمقها من بعيد ووجدها شاردة حزينة فاقترب منها وحاول الا يبين لها اى شىء قد يزعجها وقال : لقد حضر ابى وهو فى انتظارك انتى وريحانة
قامت معه مستسلمة ولم تتفوه بحرف وسارت بجواره فمد يدة حتى لامس كفه كفها فاحتضنه وشد عليه حتى يشعرها بالامان ويؤكد لها ميثاقه معها انه سيعود اليها فنظرت له باعين دامعه فقال لها ساشتاق الى ترياقك وشهدك وعندما اعود ساخذ حقى منه كاملا .مالى سواك وقلبى فيك اذبته
مالى غير دمعى وفيك سكبته
ما كنت اعرف ما الغرام وما الاسى
والشوق والتبريح حتى ذقته
صمتت وصمت فشد على كفها مرة اخرى وقال : حافظى على ابنى ولا تهملى فى غذائك يا ليلتى وحافظى على ريحانتنا
نظرت له وقالت : يحرم على جسدى ان يتقبل دما غير دمك ولن تتشبع شراينى الا منك فقد اصبحت تجرى بداخلى مع جريان دمك ودمك لن يقبل معك شريك
كانت كلماتها تعنى له الكثير فكم طمانته بطريق غير مباشر انه اصبح وحيدا بقلبها وانها لن ترضى بالعودة لطارق وسيكمل طريقهما معا كما تمنوه وكما عقدوا له الميثاق
اخيرا وصلا الى مكان الحاج صالح الذى ما ان راها الا وابتسم لها وقبل جبينها بحنان اب ونظر الى بطنها فقد برزت وقال : كيف حالك يا بنيتى وكيف حال حفيدى؟
كانت كلمته بمثابة طمانة لها بان رايه لم يتغير فيها وانه على ثقة فى عفتها وهدوءه اوحى لها انه متقبل وجودها فى حياة ايوب ولكنها خجلت ان تتكلم معه فى شىء من هذا القبيل فاكتفت بكلمة الحمد لله
مال الحاج صالح على ريحانة وقبلها وبدا يتحرك بهما مبتعدا عن ايوب الذى وقف مودعا له وقد تمزقت نياط قلبه لفراق عينيها التى طالما غاص بها وها هو الان يفقد دفء كفها الذى كان لتوه حاضنا له
ابتعدا خطوات فنادى على والده قائلا : يا والدى انتبه لسعادتى التى جعلتها بين عينيك والى ضى عينى من ان يطمسه احد
.......
رحلت بعيدة عنه ورحل بعيدا عنها وظل كلا منهما حبيس احزانه هو فى سفينته حبيس امواج البحر وهى فى طريقها لشقته فى الاسكندرية ولم تتفوه باى حرف طيلة الطريق فعقلها قد توقف الا فى التفكير فيه
اما هو فكان قد تبدل حاله من نشيط الذهن وحاضره الى شارد الذهن اوفاقدهاطياف احبابى معى فى وحدتى
تغتال احزانى وتسعد خاطرى
لا عيب فيها غير انى كلما
فتحت اجفانى احتفت عن ناظرى
غابوا نعم لكنى رسمت حضورهم
فى سقف ذاكرتى بدمع محاجرى كانت ليلى تداعب ريحانة وهما لا يزالوا فى الطريق وكانت تمسح على شعرها وهى تاخذها فى حضنها ولكنها كانت شاردة الذهن ولم تفيق الا بعدما توقفت السيارة امام عماة فى الاسكندرية ولم تشعر ان المسافة كانت قصيرة بين الميناء وبين العمارة لانها كانت شاردة الذهن والدقائق تمر عليها كالدهور
تعجبت ليلى وسالت الحاج صالح على سبب استقرارهم هنا فقال لها : من الضرورى الا اطيل عليكى بالسفر حتى لا اشق عليكى فايوب اخبرنى ان حملك غير مستقر
نزلت معه وقد صدقته ولم تعلم انه يحاول ان يخفيها عن ابيها حتى لا يقتلها كما حاول ان يبعدها عن اى مكان قد تاتى لها منه اى اخبار من تلك الاشاعة التى فجرها ابنه
ما ان صعدت وفى يدها ريحانه ودخلت الشقة الا ووجدت صورة لايوب كبيرة تتوسط الحائط فنظرت بسرعة للحاج صالح الذى ابتسم لها وقال : نعم يا بنيتى هذه شقته
جلست مكانها تتاملا المكان فى صمت وتتخيله فى كل ركن
أنت تقرأ
قلب اخضر....للكاتبة رباب عبد الصمد
Romantikقلب اخضر....للكاتبة رباب عبد الصمد جميع الحقوق محفوظة للكاتبة.... كثيرا ما نفتتن بشخص ونتوهم ان الحياة والسعادة كلها بين يديه وان اسعفنا الحظ واقتربنا منه لوجدنا ان الجحيم كل الجحيم هو ما كان بين يديه وان ما ظنناه سعادة كان وهما مغلفا بشكل جميل ول...