يريدها أنثاه فقط، يقتلها ويحييها، يقربها منه ليسقيها خمر عشقه ثم يبعدها ليذيقها مرار بعده، وهي الضعيفة المستكينة المستسلمة لأمره.
صابرين الديب
ملأ الدنيا من حوله بزوبعة كالتي يستشعرها داخليًا، إن لم تكن أعظم، صاح في من حوله من الصاغرين؛ لإدراكهم الخطأ الواقعين فيه، يتلجلجون أمامه في عدم قدرة على إخراج تبرير واحد منطقي وصحيح يبرأ موقفهم دون جدوى.
اقتربت منه أمها تحدثه بعقل افتقده مؤخرًا: دع العتاب لوقت آخر، أن تجدها أهم، هي مع فقدانها للذاكرة إلى أين من الممكن أن تذهب؟
قبض رأسه بين كفيه يدور حول نفسه لكن بأقدام ثابتة.. معها حق، أين من الممكن أن تكون؟ لمنْ ستذهب؟ والدها مسافر ونسيت أمها التي بالكاد تعرفت عليها قبل فترة قصيرة.
القلق زاد وفاق الحد، وجد نفسه يركض ويركب سيارته بحثًا عنها في كل مكان، علّها قريبة ولم تستطع الإبتعاد كثيرًا. مشفى غبي ومهمل بتسيب، تركوا مريضة تغادر وحدها إلى المجهول بتبرير أشد مرارة من الذنب على أنها رغبتها والمستشفى غير قادرة على استبقاءها مرغمة.
سياسة المشفى المحترم أدت لضياعها من يده من جديد، عيونه مشتتة بين النظر في وجوه السائرين على جانبيه والنظر أمامه تركيزًا في القيادة، من أين يبدأ وأين سينتهي؟!
***
اقتحم حجرة مكتبها الصغير بحميمية، يكاد ينفث نارًا من أنفه كما التنين عوضًا عن الهواء المطرود من رئتيه نتيجة صعوده الدرج بسرعة دون فرصة لإلتقاط صدره أنفاس تبرد حرقته. مظهرها الواثق وارتفاع عينيها إليه باندهاش لاقتحامه المفاجئ ذاك، لا يَظهر منها ما يشير إلى الحادث الذي تعرضت له إلا لاصقة طبية فوق جبهتها وقد تدلت غرتها تخفيها مضيفة إليها غموضًا يصحبه إغراء.
-كيف.. كيف تخرجين وتأتين إلى هنا دون أن تخبريني؟!
ارتفع حاجبيها ببرود: ومن تكون أنت؟
أصفرّ وجهه، إنها حقًا لا تذكره!
منذ علم باحتمالية فقدان الذاكرة كاحتمال مطروح فوق الطاولة لم يقابلها أو يدخل غرفتها، يطمئن عليها من الخارج فحسب، يخشى أن يراها في ضعف كما فعل طوال غيبوبتها. أسبوعان في غيبوبة لا يفارقها خلالهما، وآخران خلال تعافيها اختفى خلف الستار يمنع عنها رؤيته، كأن مجرد ظهوره سيؤخر شفاءها.
كيف يتصرف الآن؟ يبرر موقفه؟... أراد للحظة أن يخبرها أنه زوجها، لكن بما يبرر تبخره من حياتها، فالأم التي وقفت جوارها تملك الحق في تأكيد صلتها، أما هو...
أنت تقرأ
رواية حادث مع سبق خيانة
Romanceيظن المرء في نفسه القوة حتى تُختَبر. هو عكس أولئك الضعاف، المتهاونين في حقوقهم.. المتنازلين عن كرامتهم لأجل مسميات، أولها "الحب". لكن وقت الجد.. يكتشف كونه مثل عامة الناس، وإن كان للقاعدة شواذ؛ فهو بالأخص ليس من شواذها.. بعدما وضعته الحياة في تحدي م...