الفصل الثالث عشر

900 33 2
                                    


لا تصدقني حين أقول لك: انتهينا!

غادة السمان



مالت على الطاولة تفرغ فوقها ما تحويه الصينية المعدنية في يدها الأخرى، مبتسمة للزوجين الحديثين. واقف خلف منضدة الحساب، عيونه تتابعها، متنقلة بخفة بين الطاولات والابتسامة الساحرة لا تفارق ثغرها تزيده فتنة في عيونه، لا يذكر أن امرأة استحوذت على انتباهه بهذا الشكل قبلًا، هو رأى بالتأكيد من هنَّ في كامل أناقتهن، ليس مجرد جينز مستهلك مع قميص بأكمام مثنية لما قبل المرفق، وميدعة سوداء تحمل شعار المطعم.

للحظة لا يستوعب كيف قبل توظيفها في المطعم، ليس مقابل أجر حقيقي، بل إكرامية بسيطة إضافة لمأوى وطعام، فالسيدة قررت التحرر من حياتها لفترة والسعي خلف هواية تركتها خلف ظهرها، هواية لن تستطيع العيش من ورائها على الأقل في الوقت الحالي... والحل: عمل بسيط وما يكفي لسد احتياجاتها الأساسية وساعات كافية تتفرغ خلالها للرسم، بالأخص في هذه المنطقة ضمن الجزء الشمالي للبلاد، فتأخذ إمتياز الجو المعتدل حيث «يُستفز فنها الكامن» كما عبرت.

انتبه من شروده على كف أمه السمين يربت فوق كتفه بحنية، دار رأسه صوبها مطالعًا ابتسامتها: ألن تذهب للراحة؟

تدحرجت عيونه في الأرجاء فتبين خلو المكان من الزبائن وإغلاق الباب: سألحقك.

قرصت خده بحميمية يألفها قبل أن تتركه صاعدة إلى الأعلى عبر سلم داخلي مخفي وراء باب جانبي، وقد تم تصميم المكان ليصبح الطابق العلوي شقة والسفلي مطعم.

تأكد من إحكام غلق الغاز ونزول القاطع الخاص بكهرباء المطعم، أضاء مصباح يدوي كي يتبين طريقه إلى الأعلى حينما سمع صوت زحزحة أحد الكراسي. اتجه صوب الصوت وتفاجئ بتقوقع عشتار فوق كرسي بعدما عدلت وضعيته لتصبح في مواجهة الزجاج البديل للحوائط الأسمنتية المطوقة للمطعم، فعل مثلها بمقعد آخر يجاورها.

انتبهت له فخصته بابتسامة ناعمة: مرحبًا.

اتسعت شفاهه بأخرى مقابلة: لِمَ لمْ تنامي؟

كتفت ذراعيها معيدة نظرها إلى الخارج: سمعت أن هناك مجموعة من الشهب ستمر عبر السماء للأرض، ويمكن للمرء رؤيتها دون حاجة إلى التكنولوجيا الحديثة وأدوات معقدة.

-أها، لو كنت أعلم بسهرتك هنا لما أطفأت الأنوار.

-بالعكس... الظلام يمنحني رؤية أوضح واسترخاء إضافي.

فرك كفيه معًا وهمَّ بالنهوض عارضًا: إذا سمحتِ لي بالإنضمام إليكِ في هذه الجلسة؛ سأصنع لكلانا مشروبًا يقوي أجسادنا على مقاومة الشتاء الذي بدأ في التسلل من أسفل الأبواب.

رواية حادث مع سبق خيانةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن