لن يفتقدك أحد مادمت لا تعني له شيءٌ، هذا ما رأيته في الذين أحببتهم كثيرًا.
نجيب محفوظ
مستقرة في جلستها أعلى صخرة وفرشاتها تعيث الفساد في درجة مخلطة من الأخضر لتصل إلى نتيجة تبغيها، ثم ترتفع إلى صفحة اللوحة الموشكة على الإنتهاء من لمسة فنية إضافية.
ترسم قليلًا وتشرد كثيرًا، وبين هذا وذاك مرّ الوقت دون أن تدري. نبهها صوت محمد القادم من مسافة قريبة ناظرًا في ساعته: ظننتكِ قلتِ أن عطلتكِ في فترة الصباح فقط؟
سألته متابعة ما تفعل: وكم الساعة الآن؟
-تقترب من الواحدة ظهرًا.
شهقت: سريعًا هكذا؟.. لم أنتبه.
إلتوت شفاهه في سخرية: واضح.
تشاغلت بجمع أغراضها بعدما رمقته بنظرة مغتاظة: لم أجبرك على مرافقتي.
اندهش معارضتها المفاجأة، وهي لم تلمح بنظرة حتى على رفض هذه الرفقة: وكيف كنتِ لتصلي إلى هذه البقعة ذات الجمال الخلاب؟
تجولت بنظراتها في المحيط مع إقراره الصحيح. لقد ذهلت حالما وصلت إليها، متناسية بُعد المسافة عن الطريق العام ووعورة الأرض الغير ممهدة، والتي -كما أخبرها محمد- هي جزء من سحرها وطريقتها في الحفاظ على نفسها من الهلاك على أيدي بني البشر الغير مقدرين للجمال الرباني وسحر الطبيعة البرية.
أشجار منبثقة عالية، بأنواع مختلفة، تعرفت على البعض والآخر غريب عليها، زهرات برية، ألوان رائعة أشعلت مرجل إبداعها وأجبرت يديها على التحرك بالفرشاة فوق الورق الأبيض لساعات دون إنتباه، تجذبها إلى عالم آخر أكثر جمالًا بسحره المختلف.
تقدمها حاملًا عنها أغلب أغراضها، وترك لها حرية حمل حقيبة متوسطة الحجم تحوي إبريق قهوة تم تحليتها بالشيكولاتة كما تهوى، والقليل من أغراضها الشخصية.
رمق تأخرها عنه بخطوتين من جانب عينه ثم قال معيدًا نظره للأمام: كفاكِ تلفتًا،
وانظري إلى موطئ قدميكِ!
نفخت بتأفف من تعنته عليها وأوامره المستمرة: إن كنت اعتدت هذا الجمال، فأنا لم أفعل!
تنهد بهدوء: سأحضرك إلى هنا من جديد.
غرد قلبها، وارتسمت البسمة فوق ثغرها؛ فهي على الرغم من عدم رحيلها حتى الآن إلا أنها بدأت تشتاق الجلسة والتأمل في بديع ما حولها، فكيف سيكون الحال عند المغادرة؟
-على الأقل تأتين بسروالٍ ما عوضًا عن هذا الثوب القصير.
أخفضت بصرها إلى ثوبها الربيعي رافعة حاجبيها من اعتراضه الجديد على أذنيها: لكان الثوب الطويل عركل خطواتي في وعورة الأرض.
أنت تقرأ
رواية حادث مع سبق خيانة
Romanceيظن المرء في نفسه القوة حتى تُختَبر. هو عكس أولئك الضعاف، المتهاونين في حقوقهم.. المتنازلين عن كرامتهم لأجل مسميات، أولها "الحب". لكن وقت الجد.. يكتشف كونه مثل عامة الناس، وإن كان للقاعدة شواذ؛ فهو بالأخص ليس من شواذها.. بعدما وضعته الحياة في تحدي م...