الفصل السادس

1K 31 1
                                    


الضياع هو أن تكون قريبًا من كل شيء بعيد، وبعيدٌ عمن هو أقرب إليك من حبل الوريد.

أسمهان الحريمي


أوصدت الحجرة الثالثة بالمنزل، الواقعة في مؤخرته، بمجرد إغلاق الباب تصبح أقرب لشقة صغيرة أخرى لا جزءًا من شقة.

ارتفع صوت المسجل بموسيقى صاخبة، والحجرة الخالية إلا من أثاث قليل في الأركان يكفي بقية متطالباتها المحدودة، وفرّ لها حرية التمايل.. دون اعتبار إلى أي رقصة تنتمي حركاتها؛ فتارة تتمايل في رقص شرقي يُناسب مقاطع قليلة من الموسيقى الغربية، وقليل من التغنج في حركة بطيئة؛ كأنها تراقص روحها الهائمة في ضلال، وتارات تقفز وتتخبط في كل الاتجاهات.

شعرها يتبعثر فوق أكتافها، مجنونًا، مشعثًا، غاضبًا يحنق على الأفكار المشتتة، وعدم الحسم في القرار، عادة أخرى اكتسبتها منذ معرفتها بمحمد.

الجرّاح الذي ملأ صدرها بعلامات مبضعه، لكن للأسف ليس لتخفيف ألم أو تطبيب وجع بل لخلقهما بشتى الطرق.

البقاء والاستمرار في تمثيل الغباء أم الرحيل حفظًا للمتبقي من كرامة مهدورة، خاطية فوق تيمها؟!

ألم تكن قد اتخذت قرارها في نهاية لقاءها مع أمها؟ لِمَ الآن تحتاج إلى إعادة التفكير ورأسها يدور في دوامته مجددًا؟؟

لإنها تعرف؛ تركْ حبها له خلفها ليس بالأمر الهيّن، فعلتها من قبل وانتهى الأمر بحادثة!، حادثة خرجت منها بخدوش وكدمات لا أكثر... لكنها فتحت الباب أمام مسلسل فقدان الذاكرة، فإن لم تملك القدرة على الهرب لن تعود بعِزَّة غائبة!

الضوء الأحمر المعلق جوار الباب أفاقها من دوامة النجوى الممتدة بلا نهاية، إضاءة تذهب وتأتي كل ثلاث ثوانٍ، إضافة صمم على وضعها؛ كي يستطيع الوصول إليها داخل صومعتها.

ذكرى المرة الأولى لاكتشافه عادتها المريبة تلك، الإنعزال والموسيقى الصاخبة حد الصمم، رقص وتمايل لم يرهما لكنها أنبأته بهما... كاد يفقد رشده وقتها، قلقه فاق الحدود... كسر الباب ليراها تجلس أرضًا لاهثة بعد ساعتين متواصلتين من التخبط في الهواء مسمية ما تفعله رقصًا!.. وما معنى الرقص في المعاجم إلا اهتزاز الجسم على نغم؟!

ظنها متعبة، مريضة، أصابها ضرر، وبعد دقيقة من عدم الاستيعاب.. فهم، لهاثها وإحمرار وجهها ليس علامة مرض، انتفاض جسدها بين ذراعيه ما هو إلا بقايا طاقة استنفرت.

صاح وغضب، كسرّ القليل مما وجِدَ بالغرفة، حطم مسجلها الموسيقي!، بل وأمر بكل كِبر أن لا غرفة ثالثة بمنزلهما بعد اليوم!، ستقفل بالضبّة والمفتاح.

رواية حادث مع سبق خيانةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن