وإني أُجيد الإفلات في عز تعلقي.. فلا تراهن.
مجهول
«الوداع... فليس لنا من لقاء»
جملة قصيرة، أرفقت عبرها طعنة غائرة إلى أعماق صدره وقلب غروره الأرعن، كلمات للسخرية خطتها باللون الذي كان المفضل عندها... أزرق العاشقين، وكأنها تخبره دون كلمات بحبها. ماذا ينتظر من ساحرة الألوان إلا شيء ملون مثلما لونت حياته... لتخرج منها الآن وتتركها ملطخة بالسواد.
في اليوم السابق انتفض على كابوس فقدانها، عقله الباطن حذره مسبقًا من هذا الوضع والحزن الذي يشعره الآن لكن المتعامي بالغرور مهما اهتزت أمامه الصورة لن يراها، خصوصًا وهي تخدش أعز ما يملك ويحافظ عليه... عنفوانه الشامخ.
وعقله اللا واعي يتآزر معها ضده، في عقاب جماعي شنوه عليه بغتة، تاركين الضحية بلا أسلحة أو قدرة على المقاومة، محروم من تحذير جديد بإمكانية اختفاءها من حياته.
استيقظ على هدوء، صمت، وسكون، عشتار... آلهة الحب والحرب، تخلت أخيرًا عن الحب واختارت الحرب، حرب صامتة، متلاعبة بالأعصاب... أعصابه وحده؛ فهي من اتخذت القرار... عقدت جلسة المحكمة وأصدرت العقاب... إعدام شخص لا يستحق الحب، كما قالت في آخر كلماتها بالأمس.
أستعود يومًا؟ بل أستسمح له بالوصول إليها ليحاول العودة؟...
والإجابة همستها له الأيام في أعماق عقله فلا داعٍ للمرور على أذن لا تسمع.
طرقة قوية من مطرقة القاضي صمَّت الأذان قبل أن يرتفع صوت قوي واثق وعميق يخبره بالحكم... لا، انتهت الفرص المتاحة وعليه الإذعان للعواقب.
***
خمسة أشهر والتوسل لا يجدي، أمها تقف كل مرة على الباب في عرقلة طريقه إلى الداخل، تخبره بقوة وتسلط أنها ليست هنا ولا تريد رؤيته... موضوعهما أنتهى... ماذا ينتظر منها؟
ومعها كل الحق!.. ألم تكن موضع أسرار حكايتهم، والمشاركة الوحيدة في محاولة ابنتها اليائسة في حب من لا يستحق بتمثيل دور الجاهلة الناسية؟
تغاضت عن تصرفاته المجحفة في حق ابنتها لكن كفى... للصبر حدود كما ترنمت كوكب الشرق، ويالها من صديقة لم يستطع الهرب من تقريعها في كل مرة يدير غنوتها التي تمايل خصر عشتار عليها أمام عينه، تنشده وتناشده تفتيح الذهن وفهم الرسالة... متغابٍ بائس، يستحق عقاب ألقته الآلهة عشتار، التي تخلت عن الحب لتتمسك بالحرب.
-منذ البريد الإلكتروني الذي أرسلته بعد ثلاثة أسابيع من رحيلها، تخبرني فيه عن رأيها في الثلاثة نصوص بحيادية شديدة، لم أسمع منها شيء.
هاه... مقدمة جديدة لتوسل جديد، وشاهين متصلب في وجهه كما أمه بالضبط، نسخة طبق الأصل؛ والنتيجة رجاء دامع لا يجدي مع أي منهما.
الكل –حتى هو- يرى أنها تحملت ما يكفي، خيانته كان من المفترض أنها القشة التي قصمت ظهر البعير ورغم ذلك صدمتهم بصمودها، والآن فعليًا لا يستحق حتى الرثاء.
-شاهين... أخبرني أين هي.. بالله عليك!
جامد وجهه، غير مشفق أو مبالٍ: لا أعرف، وإن كنت أعرف فلن أخبرك.
وكما الأم كما الابن... نفس الرد ونفس القناع فوق الوجه، وما باليد حيلة... هما الرابط الوحيد بالدم الذي لها صلة بهما هنا، فالأب منشغل، مبتور العلاقة الحقيقية مع ابنته... وما دامت الأم تتابع أخبارها وتعرف مكانها –المحفوظ بسرية شديدة- فالعلم غير مجدٍ بالنسبة إلى الرجل المتوج بلقب الأبوة.
-أريد الإطمئنان عليها فقط...
كرر الرجاء. قابلته سخرية شاهين المتراخي في جلسته: إذًا اطمئن.
صاح: ما هذا الرد؟
رفع حاجبيه مستعجبًا: ألم يكن هذا ما تريد الوصول إليه؟
حاول إيقاعه: وما الذي يجعلك متأكدًا هكذا؟
أجابه بأريحية: لو أصابها شيء؛ فلم تكن أمي جالسة في منزلها تتابع أعمالها الاعتيادية... كانت ستكون عندها الآن.
بـــــــــــــــــــــــــــــوووم...
مات الأمل، فقد أصبحت الكرة في ملعب الأم، وشهيرة أعتى من أبي الهول نفسه، إن فقد الأخير أنفه في محاولات كسر حصونه وصموده، فلن يتشقق طلاء أظافر شهيرة العازقي حتى مقابل أعتى الهجمات.
أصبت يا شاهين في رمي الحمل على الوالدة المبجلة، قصف جبهة بألف نقطة مقدمًا.
دوران وعودة إلى نقطة البدء، اختفت ويجهل مكانها، فاقدًا رغبة العارفين بالتنازل وإخباره. هو أخطأ وأكثر من مرة، لذلك استحق العقوبة المعلنة بصمت... عزل عشتار عنه وهذا نهاية الفرمان.
أنت تقرأ
رواية حادث مع سبق خيانة
Romansaيظن المرء في نفسه القوة حتى تُختَبر. هو عكس أولئك الضعاف، المتهاونين في حقوقهم.. المتنازلين عن كرامتهم لأجل مسميات، أولها "الحب". لكن وقت الجد.. يكتشف كونه مثل عامة الناس، وإن كان للقاعدة شواذ؛ فهو بالأخص ليس من شواذها.. بعدما وضعته الحياة في تحدي م...