أنا من هؤلاء الأشخاص الذين يقفون بثبات أمام الماضي حتى لا يهزهم ثم يذهبون حاملون شرف الإنتصار بأن لا شيء كسر صمودهم.
مجهول
رمق ساعة معصمه على ضوء مصباح الشارع قبل الولوج إلى عتمة المطعم، الساعة تتعدى الواحدة بعد منتصف الليل، أي مضت ساعات على مشيه منكبًا على وجهه في الطرقات، طالع المحيط من حوله قادرًا على تخيل كل شيء في موضعه رغم الظلام.
حركة هينة على يمينه، لفتت نظره قبل أن يمس كفه الدرابزين صعودًا إلى الشقة العلوية يُطمئن والدته التي بلا شك تنتظره قرب النافذة حتى تتنفس الصعداء على عودته سالمًا. انتبه للشعر ذي اللمعة على ضوء الشارع المنعكس على الحائط الزجاجي أمامها.
اتجه إليها، سحب كرسيًا، وجلسا متجاورين كما كان يوم مراقبة الشهب. حدج السحب، ولون السماء وشكلها ينبئان دنو الأمطار. لا نية له لبدء الحديث، ينتظر إعلانها عن سر تواجدها، وهي بلسانها من كادت تضع نقطة النهاية.
-انتهى الحفل، ورحل الجميع.
همهم: أجل.
-انتظروك مطولًا، لكن غيابك طال.
عاد إلى همهمة نفس الإجابة بنفس الشرود.
أخبرته بنبرة متحدية: حسنٌ، من الجيد أنك غبت.
أضافت تتحدى نفسها في اختراق غلالة اللا مبالاة المغلفة لكيانه: أريد متابعة حياتنا سوية.
أخيرًا سأل: لماذا تراجعتِ؟
-«لو عاملت كل امرئ بموجب استحقاقه، من ينجو من الجلد بالسياط؟.. عاملهم حسب نبلك أنت ومنزلتك، فكلما قل استحقاقهم زاد الفضل في كرمك» هكذا قال شكسبير في مسرحية هاملت.
قالتها بعنجهية تتنافى مع كل ما فكرت به وقررته. استرسلت بشرود وصوتها يستكين فجأة بعد اندفاعها الغير مدروس في الهجوم: رحيلك جعلني أفكر من جديد، هل حقًا أنت رمانة الميزان في علاقتنا؟، هل هو غرورك وحدك؟.. وجدت أنني كذلك جعلت كبريائي أعلى من زواجنا، كفعلك بغرورك؛ مددت أنت كفك في سلامٍ فنبذتها بكبرياء، وبالتفكير... فإن كنت تعاملت معك كذلك في السابق فلا استغرب الحال التي وصلنا إليها.
انكست رأسها: اتعلم أشد ما أوجعني؟.. في يوم كهذا، عوض أن نكون جنبًا إلى جنب، نتقاسم النجاح، ونتقبل التهاني يدًا بيد، كنت غائب؛ تفر مما أفعله بكلينا!
سحبها من ذراعها يُجلِسها فوق وركيه، يموضع رأسها في عنقه، مملسًا شعرها الحر: صه، المهم أننا معًا الآن، ما دون ذلك محض هراء.
همهمت ليقاطعها: ولكن..
-لا تضيعي جميل الطريق بالنظر إلى العثرات.
أنت تقرأ
رواية حادث مع سبق خيانة
Romantikيظن المرء في نفسه القوة حتى تُختَبر. هو عكس أولئك الضعاف، المتهاونين في حقوقهم.. المتنازلين عن كرامتهم لأجل مسميات، أولها "الحب". لكن وقت الجد.. يكتشف كونه مثل عامة الناس، وإن كان للقاعدة شواذ؛ فهو بالأخص ليس من شواذها.. بعدما وضعته الحياة في تحدي م...
