الفصل الخامس عشر

942 28 4
                                    


دعنا نتبادل الأدوار..

أنت تنتظر وأنا لا أعود.

محمود درويش


ارتسمت بسمة شقية على ثغرها، مُنزِلة عينيها عن الطريق الذي تتابعه بشوق مراهقة، أخرجت الهاتف من حقيبتها تطالع اسم المتصل بمعرفة مسبقة لهويته، وضعت الهاتف على أذنها هاتفة بتذمر متدلل: ما بالك يا رجل؟.. أليس اليوم افتتاح مسرحيتك الجديدة بعد غياب ويجب عليك الإنشغال في الكواليس؟

صاح بأحدهم قبل إجابتها: أردت معرفة موقعك.. هل اقتربتِ؟

نظرت عبر مرآة الرؤية الخلفية إلى السائق المنشغل بالهرب من الزحام: السائق يبذل قصارى جهده.

نفخ بعنف، استشعرت رغبته بإضافة رد كلامي لكن نداء ما توجه إليه ثم سمعت صياحه الغاضب من استهتارهم وعدم نفعهم في فعل شيء، لم تقاوم اتساع بسمتها.

-رجاءًا.. كوني هنا قبل العرض بوقت كافٍ، عليّ الإغلاق الآن.

اقفلت، متنهدة بحالمية وذكرى الأشهر الماضية تتوالى أمام ناظريها كأنها شريط سينمائي.

محمد اختلف، صار يُبدي إهتمامًا بها، حتى بعدما عاد إلى عمله، توقف عن تفضيل الأخير عليها؛ سهرة بالخارج كل حين، على فترات متباعدة مبديًا احترامه لتذمرها وإن كان يعلم كلاهما أنه غير حقيقي. مبيته معها بشقة مرسمها ومعمل إنتاجها الفني، وقتما تعاند مصرة على قضاء اليوم في الرسم، راضيًا بالحوار معها أثناء انشغالها بسواه؛ وإن كان لوحة قماشية فارغة تفكر بما تشغلها به، حالما يتعب ينام على وسائدها المنثورة في الأرجاء، لا تنتبه لنومته إلا حينما يطول الصمت من حولها.

أحاديثهما الطويلة عبر الهاتف لما يقارب الصباح، وقد تفجرت المواضيع المشتركة بينهما فجأة، فيتبادلا النكات، المزحات، والأحاديث الشقية بقدر أحاديث أعمالهما، وشئون حياة كل منهما.

لا تنكر حقدها عليه لمَّا أخبرها أنه اتفق مع غيرها لتصميم ديكور مسرحيته، لكنها تنازلت عن لومه رامية الأمر لحريته في اختيار من يجده مناسبًا لتنفيذ أفكاره، متجاهلة إلحاح قلبها في تحويل كل ما يفكر به واقعًا ملموسًا تكون هي صاحبة اليد العليا فيه، بالأخص رؤية عيونه الملتمعة بألق رؤية حلمه على خشبة المسرح كما تصوره تمامًا. زاد إلحاح هذا الهاجس منذ عرفت ولعه بالإخراج المسرحي، وأن إتجاهه إلى السينما كان حادثًا عرضيًا.

نظرت في ساعتها بتململ ثم رمقت الطريق المشلول بالكامل، ومحاولات السائق الإفلات عبر حارات وإلتفافات جانبية، أطول ولكن توفر عليهم توتر الجمود التام.

رواية حادث مع سبق خيانةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن