-من هذا الذي يُحب أكثر؟
-انظر في الغياب، من يُعاود أولًا.
تقى أسعد
توقفت فوق الرصيف المقابل للمقهى، تقرأ لافتته بتمعن زائد وتراقب الحركة الخفيفة داخله، لمحته عبر الزجاج الشفاف يقف قرب طاولة منشغلًا بوضع الطلبات والابتسامة تواجه وجه زبائنه.
قبضت على الذراع الطويل لحقيبتها القماشية، وتقدمت تعبر الطريق، دلفت إلى المقهى واختارت طاولة بعيدة عن مرور الزبائن في الجيئة والرواح، وضعت حقيبتها على مقعد مجاور مطلقة بصرها في الخارج تتابع السيارات المارة.
تعيد حساباتها وتتمنى أن لا تندم على الخطوة الحالية. رؤيته من جديد أربكت دواخلها، شكله العبثي دون الهندمة المعتادة دغدغ روحها، استطال ذقنه وتبعثر شعره دون إهتمام حقيقي بتسريحه.
أصبح أقرب ما يكون لروحها وقتما تتمرد، حاله لا يختلف عن حالها كثيرًا منذ الإنفصال، وهي التي ظنته تخطاها وأن الجمود لم يصب حياة سواها.
-أترغبين في تناول شيء معين آنستي؟
أدارت رأسها ناحيته، رفعت النظارات الشمسية مرجعة خصلاتها الحرة إلى الخلف، تباطأت قليلًا وعيونهما تتحادث بلغة لا تحوي كلمات، أجابته في النهاية بصوت هادئ: قهوة بالشيكولاه.
-عفوًا؟
اهتز رأسه في إفاقة متأخرة من العالم الذي غرق فيه، أعادت مع ابتسامة متأنية: كوب قهوة محلاة بالشيكولاه.
تراجع خطوة للخلف لكن جسده يقابلها ونظراته تلتهمها، سألها بتوتر: هل تقابلنا من قبل؟
هزت كتفيها في لا مبالاة لا تشعرها حقيقة: يجوز، العالم صار قرية صغيرة.
أومأ دون وعي ثم عاد أدراجه لإحضار مشروبها، عقله يدور في متاهة وهناك أنوار تشتعل بضعف ثم تنطفئ، هناك سر خلفها لكن لا يستطيع القبض عليه.
رغم برودة الجو شعرت أن وجنتيها تشتعلان، اسندت خدها فوق سطح الطاولة البارد وعيونها ترتفع بالنظر إلى السماء فيما كبلت يديها فوق ركبتيها.
***
رفرفت رموشها قبل أن ينفصل صفيها بعيدًا عن مسار الرؤية، جسد رجل يحول بينها وبين الأشعة المتسربة من الشمس الغاربة، أعادت غلق عيونها ثم فتحهم من جديد.
أرجع ظهره سامحًا لشعاع الغروب من إلقاء تحيته الأخيرة للجمال الناعس، ورغم ضعف الإضاءة؛ فقد أزعجت عيونها وتمنت أن يواريها ظله مجددًا.
أنت تقرأ
رواية حادث مع سبق خيانة
Romanceيظن المرء في نفسه القوة حتى تُختَبر. هو عكس أولئك الضعاف، المتهاونين في حقوقهم.. المتنازلين عن كرامتهم لأجل مسميات، أولها "الحب". لكن وقت الجد.. يكتشف كونه مثل عامة الناس، وإن كان للقاعدة شواذ؛ فهو بالأخص ليس من شواذها.. بعدما وضعته الحياة في تحدي م...