الفصل الثامن

786 34 3
                                    


الغضب، أو إعلان الغضب، يعني خسارة نصف المعركة سلفًا.. ومع الغضب، مع الانفعال يبدو الإنسان عاريًا، تظهر نقاط ضعفه، وتظهر الأسلحة التي يريد أن يستعملها، وعندها يكون خصومه قد اضطروه للوقوف أمام بنادقهم في الأرض العراء.

‎عبدالرحمن منيف| مدن الملح (الأخدود)



أمسك ذراعها بعد إغلاق باب الشقة فور دخولهم، حاولت التملص فتركها محققًا هدفه بجعلها تتوقف لكي يتحدثا.

التفتت صوبه ببرود، تستعجله نظراتها المتأففة، لا تطيق وقوفهما معًا ورؤية وجهه في هذه اللحظة حيث يتكالب على ذهنها كل ما هو سيء في علاقتهما مدمرًا السلام النسبي الذي ساد الأيام الأخيرة.

-ماذا حدث؟

أعصابه لم تعد تحتمل الشد أكثر من ذلك، جرعتها في النكد وتنغيص الحياة زادت هذه الليلة. لا ينكر حقها في الشعور بالضيق لكن ليس إلى هذا الحد، لقد وصل التوتر بينهما إلى المنتج ليُنهي السهرة سريعًا، ويفر كما الفريسة من أمام أسدٍ جائع.

عقدت ذراعيها أمام صدرها، أبيضت مفاصلها القابضة بشدة على حقيبة سهرتها الصغيرة: ماذا برأيك؟

كز على نواجذه، ونبرة التهديد تنضح من بين أحرفه المشدودة: لقد سألتك.

-أبدًا، لم تكتف بجعلي أقابل عشيقتك بل أجبرتني على مجالستها ومشاركتها العشاء أيضًا، بكل برودة أعصاب وإنعدام للمشاعر.

-لقد رأيتِ إصراره، ولم يكن بمقدوري إحراجه؛ لإن هدفي أن اتخذه منتجًا لمسرحيتي المقبلة... وقد أراحني اقتراحه للموضوع من تلقاء نفسه.

أصدرت صوتًا ساخرًا: طبعًا، فالعمل أهم مني... زوجتك ومشاعري، فلأحترق ما دام عملك هو المقابل.

ثار وأججت غضبه هجماتها المبررة: وأنتِ... عادت لكِ الذاكرة فجأة بمجرد اشتمام أنفك لموضع شجار أفاقت من سباتها... أليس كذلك؟

رفعت سبابتها في وجهه تنفي اتهامه وتقابله بآخر في إنفعال: لا تُلبسني رداء الخسة وتظهر نفسك كحمل وديع؛ أنت تعلم كما أعلم أنا أنك أدركت الحقيقة قبل أيام... ولا تنكر ذلك، فقد قرأته في أفعالك وعيونك.

ألقى سلسلة مفاتيحه فوق سطح الطاولة الزجاجي جوار الباب بعنف مصدرًا قرقعة عالية. ارتفع صوتها بشماتة مهاجمة وعيونها تلمع بنصر باهت، ويدها تتحرك في تعبير حركي عن الإضطراب.

-ألم تكن من خنتني معها، وخالفت عهود الزواج من أجلها؟؟... تركها صديقك، زبلها، وعيونه برقت إعجابًا من أجلي... أجزم أنه لولا زواجنا لم تأخر لحظة إضافية في طلب يدي.

رواية حادث مع سبق خيانةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن