الفصل الخامس

950 35 5
                                    


إن من يحمل مصباحه خلف ظهره لا يرى غير ظله.

طاغور

-ضع كوب العصير فوق مكتبي إذا سمحت.

أومأ الساعي مطيعًا بابتسامة خفيفة. رحل بعدها تاركًا الباب شبه مفتوح والصينية بيده تحمل أكوابًا أخرى وفناجين منتظرة الذهاب إلى أصحابها.

وضعت ساقًا فوق الأخرى بأناقة وأريحية، لا مبالية باهتزاز المقعد المعلق في إحدى زوايا مكتب ابنتها، عيونها معلّقة بجسد عشتار المضموم إلى بعضه وذقنها المستند على ركبتيها، والجينز الداكن يوفر لها حرية الحركة.

ملّست فوق شعرها المبعثر كما هو منذ الصباح، تراقب جلستها فوق الوسادة الأرضية بأعين ضائعة شبيهة بطفلة مشردة.

-ماذا حصل ليحدث هذا الإنفجار كله؟

الصمت الذي طال دون رمشة من عيونها لم يتعجلها في معرفة إجابة شافية، فقط انتظرت بكل صبر وهدوء كأي أم تدرك تخبط ابنتها.

-كنت أظنني قادرة على التناسي مع تأكدي في فشل النسيان، لكن كل يوم أقضيه معه... مشهد الخيانة يقض مضجعي.

-تشكين في تصرفاته؟

رفعت عيونها المحمرة وقد فارت بها الدماء: أعيش معه لحظات لم أذق حلاوة طعمها قبلًا، حتى وقتما أحببته... لكن فجأة تعرض ذاكرتي مشهد خيانته كأنني أحياه من جديد، والغصة التي بقلبي تمنع عليه السعادة بالقرب، تزهد في وئامه الحديث.

أضافت ساخرة: تمنيت مرارًا أن أفقد الذاكرة حقًا علّني استريح!

أخفضت جذعها مقتربة منها فيما لسانها ينطق بعملية: لكن الذاكرة لا مفر لها من العودة، وقتها ستقفين في نفس مكانك الحالي، والحيرة تملؤك بين الاستمرار مدعية جهلًا لا تشعريه، ومعرفة ستفرق بينك وبين من تحبين.

زامت بصوت موجوع: ظننت راحتي بقربه!، لكني لا أجد للراحة مكانًا أو طعمًا... بكل الحلاوة التي يُعيشني إياها لا أتذوق إلا مرارة العلقم.

تخللت أصابعها شعر عشتار ترتبه بشرود: يبدو أننا يا صغيرتي لم نخلق لتقبل الخيانات، فأنا لم استطع العيش مع خيانة والدكِ لي مع عمله، وأنتِ بنفس الوضع لكن مع خيانة أشد إدماءًا للفؤادِ.

حدجتها بنظرات ضائعة: دبريني يا أمي، ماذا أفعل؟ وما الحل الأمثل؟

إلتوت شفتيها المصبوغة بدرجة باهتة من البني: ليس هناك حلولٌ مثلى، فقط ما تقدرين على تحمله بكل مرارته مهما كانت... الخيار أمامكِ... إما تظلين معه وتتمالكين غصتك كلما طرقت خيانته أبواب عقلك تاركة للأيام قدرتها السحرية على النسيان، أو تتنازلين عنه وترتاحين من غصتك السامة لأوج فرحتك...

رواية حادث مع سبق خيانةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن