الفصل الثاني

9.7K 159 13
                                    

روح


الحاضر

توقفت عن الكلام وتوقف هو عن الكتابة، نظرت للأوراق التي يكتب عليها ظننت انه قد بدأ بكتابة قصة متكاملة لكنها لم تكن الا عبارة عن ملاحظات سجلها، اثار فضولي فسألته: لِمَ لَمْ تكتب القصة، أعني انها مجرد ملاحظات.
ابتسم وهو ينهض ليجيبني وهو يشير بقلمه تجاهي: انتِ ذكية بالمناسبة، بالطبع لن اكتب قصة كاملة امامكِ، أولا انا اكتب قصصي على حاسوبي المحمول واحتاج وقت طويل ريثما أجد الأسلوب الذي سأبدأ به.
سار تجاه مكتبه ووضع الدفتر والقلم ليلتف الي مسترسلا: انا ادون اهم ما قلته ومن خلاله سأكتب القصة.
سرت تجاهه وانا اُعلق بنفاذ صبر: متى ستساعدني؟
ابتسم ابتسامة خفيفة ثم رفع كتفيه وسألني: الستِ متحمسة لأنك عدتِ للحياة مرة أخرى؟
علقت ببرود: انا لم اعد.
قال بتفهم وهو يثني ذراعيه لصدره: فعليا ربما، ولكن روحكِ مازالت معلقة في الحياة، صمت لثواني بعدها عاود النظر الي من جديد، ثم شيء غريب من المفترض ان لا تبقى روحكِ هنا.
بقيت اراقبه نعم بالفعل هناك شيء غريب، سار ليجلس على حافة سريره المفرد وبقي يجول بعينيه في المكان اثناء تفكيره، اقتربت منه لأقف امامه، وجهه مألوف علي، ملامحه وشيء به يخبرني انني قد رأيته من قبل لكنني لا اذكر.
أيقظني من التحديق في وجهه صوته فسألني: لم تحدقين بي هكذا؟
اجبته وانا اضيق عيناي ناظرة اليه: اعتقد انني رأيتك من قبل لكنني لا اذكر اين ومتى.
ابتسم بسخرية وأجاب: لا اظنه انا، لأنني قد هاجرت مع اسرتي منذ خمس عشر سنة تقريبا، حينها كنتِ مراهقا اعتقد ذلك.
لا، شيء يخبرني انه هو لكن ذاكرتي تخونني، سألني: ربما عندما كنت مراهقا في العراق؟ هل رأيتني؟
حركت رأسي نافية لأجيبه: لا بل وانت هكذا، كبير بهذه الهيئة،
اغمضت عيني بقوة لأفتحها، اردفت: لا، لا يمكنني التذكر.














جوى

٢١ ديسمبر ٢٠١٤

كنت قد ذهبت الى منزله بعد انتهائي من الجامعة، بالطبع كذبت واخبرت امي انني ذاهبة عند صديقتي، انا لست مع الكذب واكرهه ولكن عائلتي بالذات يستحقون ان يُكذب عليهم لا يحبون الصراحة، ليس هم فقط بل مجتمعي بأكمله، يمجدون الكاذبين ويدوسون على الصادقين، لأنهم يعلمون ان بالصدق يرون انفسهم على حقيقتهم وان الصدق يعيبهم، لو اخبرتهم انني اذهب لمنزله سيقيمون علي القصاص وسأتهم بالزنا بالطبع، وهم لم يسمعوا ولم يروا ما نفعله، لا يعلمون انه لم يلمسني قط، لا يعلمون ان لقاءاتنا عذرية اكثر من أولئك الذين يتضاجعون كل ليلة في منزلهم عبر سماعات الهاتف، نلتقي في منزله لأن العيون تلتهمنا في أي مكان، تنبذنا وتأكل لحمنا وهم لي يتعرفوا حتى على اسمائنا.
عندما دخلت لمنزله بنسخة مفتاحي بالطبع وكأنني زوجة. كان هو يجلس على الاريكة البيضاء ذات الوسادات السوداء الكبيرة والغير مرتبة، يجلس امامه على الطاولة الكبيرة المربعة حاسوبه المحمول وكاميرته بجانبه، والسيجارة بين شفتاه اللذيذتان. رفع ذراعه التي تمتلئ بالوشوم يحيني دون ان ينطق بحرف، ابتسمت واقتربت لأنحني واقبل وجنته. رميت بجسدي على الاريكة بتعب لأشاهده وهو يقوم ببعض التعديلات على صور احداهن من جلسات التصوير التي يجريها، اعتدلت بجلستي وانا انحني قليلا للأمام واٌركز على صورة الفتاة ذات الشعر الأشقر الطويل هي جميلة.
علقت وانا اشعر بالغيرة بداخلي لكنني تظاهرت انني بخير: انها جميلة.
نفث دخانه ليقول وهو مازال مستغرقا في عمله: الصورة؟
نهضت من مكاني مجيبة: لا، الفتاة.
سرت تجاه السرير وانا العنه بداخلي، تبا له ولعمله هذا، ماذا الى متى سيبقى يصور الجميلات والاعلانات لهن، ويلمس احداهن ويخرج برفقتهن لأماكن أعجز انا عن الخروج معه فيها.
رميت بجسدي على سريره المبعثر، حاولت ان اهدئ من نفسي لأغمض عيني واتنفس فحسب، اعتقد انه لم يكن قرارا صائبا عندما تنفست، كان هناك عطر نسائي على الفراش بالطبع هو ليس عطري. اعتدلت وانا افتح عيني بصدمة، جززت على اسناني لأناديه: حبيبي.
- ممممم.
اجابني ببرود وهو يعمل، نهضت لأقترب منه وانحني اليه متسائلة: ضاجعت من في الامس؟
رفع رأسه ونظر لي بصدمة، ابتسمت بسخرية معلقة: اجل عطرها قد بقي على سريرك ولكنه نوع رخيص.
نهض وتوقف امامي وهو يتأفف: الن تتوقفي عن هذه الهلوسات، انه عطركِ.
اشرت بسبابتي تجاه نفسي لأعلق ونبرة صوتي ترتفع: لا ليس عطري.
رفع كتفيه بتجاهل: اذن اعتقد انكِ توهمت.
ضربت صدره بقبضتي لأصرخ: لست كذلك، انت تعلم ان ما أقوله صحيح.
امسك بمعصمي وهو يجز على اسنانه ليقول: اجل فعلتها يكفي.
جررت ذراعي من قبضته لأبتعد خطوة للوراء، أكمل هو بصوت مرتفع: ماذا تريدينني ان افعل؟ أبقى قديسا من اجلكِ، انا رجل ولدي احتياجات، انا لست بيوسف.
صرخت قائلة: وانا لست بمريم، انت تريدني ان أكون كذلك وانت حتى لا تستطيع ان تكون مثلي، تطلب مني ان اصون نفسي وانت مباح للجميع.
ككل رجل يتظاهر انه متفتح ولكن عند موقف معين يعود لجذوره: انا رجل هييي.
قلت باشمئزاز: انت مقرف، جميعكم مقرفين.
دفعته واقتربت من الاريكة لألتقط حقيبتي فلمحت صورة الفتاة التي كان يعمل عليها سألته: هذه هي أليست كذلك؟ اخبرتني بالأمس ان لديك جلسة تصوير وأنك مشغول.
صرخ بي: لم اكذب بالفعل كنا نعمل وبعدها.
انحنيت لأحمل جهازه وارميه بقوة على الأرض ليتحطم بينما هو بقي ينظر الى بصدمة، حملت حقيبتي وانا اشعر انني لم اشفي غليلي توجهت تجاه الباب قائلة بصوت مرتفع: كان عليكما اجراء جلسة تصوير وانتما في الفراش.
أغلقت الباب خلفي بقوة وانطلقت خارجة وانا أحاول التقاط انفاسي، اخذت فورا سيارة اجرة واتجهت للمنزل، كنت أحاول منع دموعي بصعوبة وانا اراقب نظرات السائق الذي يسددها لي عبر المرآة وهو يحاول ملاطفتي، تبا لكم جميعاً. وصلت للمنزل بسرعة قصوى انعزلت في غرفتي لأبكي، وكأن هناك بركان انفجر بداخلي، اُغمض عيني بقوة واحاول منع دموعي كفي يا فتاة كفي عن ذلك، أهي المرة الاولى التي يكسر بها قلبكِ؟ من المفترض ان تكوني قد اعتدتِ على الوجع. صوت بداخلي أجابني لكنني تعب منه، في كل مرة اعتقد ان حجم الألم سيتضاءل مع كل جرح الا انه لا يفعل، الجرح لا يكف عن النزيف والدموع لا تنفذ ابداً. دخلت اختي نجمة للغرفة فتوقفت عند الباب تنظر الي بحزن، لقد اعتادت على رؤيتي وانا ابكي، وانا منكسرة في أحضان هذه الغرفة، حاولت مسح دموعي بقوة لأنهض من على السرير وانا ابتسم امامها قائلة: انا بخير، انا على ما يرام.
في الواقع لا اعتقد انني كنت أقول لها هذا بل لنفسي، أحاول اقناع نفسي انني بخير، دخلت للحمام لآخذ حماما منعشاً وبعدها اتصلت بصديقة لي اُخبرها انني ارغب بالخروج فوراً، لا لن انزوي بين هذه الجدران، المي سيبقى يؤلمني أينما كنت، وانا اُفضل ان يؤلمني وانا ارتدي ثياب جميلة واتبضع في المركز التجاري.
قمت بوضع (الماكياج) وضعت بالتحديد احمر شفاه أحمر، ارتديت حذاء بكعب عالي لا اعلم أي علاقة تلك بين كعب حذائي العالي وبين شعوري بأنني قوية عند ارتدائي له. اخذت صورة لنفسي وانا ابتسم ابتسامة مزيفة واضعها على (الفيس بوك)، لا لن أقوم بنشر اُغنية حزينة او كلام يبين ما اشعر به. خرجت برفقة صديقتي ياسمين، هاتفي لم يتوقف عن الرنين لكنني مع كل رنة كنت ابتسم فيها بنصر، اسفة لأنني خيبت ظنه ولم أسقط.
سمعت صوت رنين يعلن عن وصول رسالة الي فتحتها لأجده قد كتب لي (انتِ مصيبة)، كتبت له (بل انا لعنة حلت عليك اليوم)، بقي يبعث الي برسائل يتساءل فيها عن مكاني لكنني تجاهلته. جلست مع ياسمين في أحد المطاعم، فتحت قائمة الطعام قائلة: أرغب بطلب الكثيييير من الطعام.
لا انا كاذبة وانا لست بخير واقسم انني في أي لحظة قد اضع رأسي على الطاولة وافضح نفسي بنحيب في هذا المكان لكنني متماسكة لدرجة السقوط.
قالت ياسمين مقترحة: دعينا ننتظر علي سيأتي بعد قليل لنأكل معاً.
لا ارجوكِ لا اطيق وجود أحد إضافي الان، لا وقت لجلوس حبيبكِ معنا ليسألني عنه، لأجيبه انه مشغول بخيانتي مع احداهن كعادته. كنت مستغرقة بتصفح قائمة الطعام حتى سمعت صوت علي وهو يحينا، رفعت رأسي لأراه يقف معه! ابتسم حبيبي الخائن الي بنصر واقترب ليسحب الكرسي الذي بجانبي، جززت على اسناني لأحكم قبضة يدي بقوة. سألني علي: كيف حالكِ جوى.
بلعت ريقي واُجبت بابتسامة مزيفة: بأفضل حال.
علق هو ليجيب علي: الا تراها انها في أفضل حالاتها، حتى انها قد وضعت احمر شفاه احمر، هي رائعة.
التفت اليه وانا امسك سكين الطعام واهدده قائلة: اياك ان تتحدث معي.
قهقه بصوت مرتفع ليقول: افعليها.
حاولت ياسمين التدخل قائلة: هييي اهدئا، نحن وسط الناس يمكننا حل الموضوع بالتفاهم.
قلت وانا اتظاهر الهدوء ساخرة: اووه تفاهم، رائع لأن حبيبي قد خانني كالعادة مع احداهن.
بعجز سألتني: ربما اسئتِ الفهم.
اشرت تجاهه: لقد اعترف.
صمتت لأنها تعلم ان موقفه سيئ جدا. علق هو: انتِ لا تفهمين انها ليست خيانة، عندما تدخل غيركِ امرأة لحياتي اعتبريها كذلك.
صفقت لأضحك: واو ما هذا المبدأ جسدك للعاهرات وقلبك لي! كم انت عظيم.
نهضت لأحمل حقيبتي وانا اضيف بغضب: شكرا ياسمين لأنكِ اخبرته عن مكاني.
حاولت ان تناديني لكنني خرجت فورا، تبعني هو للخارج حتى استطاع اللحاق بي والامساك بذراعي، كنت اقاومه لكنه قال لينهي الموضوع: حسنا اعتذر انا اسف.
هدأت حركتي لأعلق ساخرة: في كل مرة تعتذر وتكرر فعلتك.
حاول الهجوم علي متحججاً: وانتِ لا تملين دوما من عتابي، تعجزين عن فهمي.
قلت له: عليك ان تفرح عندما اعتابك، لأن بعتابي لك ارغب ببقائك، بسماع كذبة وعذر منك، ان لم اعاتبك يوما فتأكد أنك حينها لم تعد تعني لي شيئا من الأساس.
امسك يداي ورفع احداهما لشفتيه قائلا: انا اسف، عاتبيني، اغضبي حسنا موافق، ان كنتِ ترغبين بالابتعاد لأيام، لكن لا يمكنك انهاء أي شيء بيننا هكذا.
بقيت انظر لعيناه، سحقا عيناه دوامة ضياعي، عيناه لا تكذبان اعلم انه ليس ملاك لكنه صادق. جوى اصمدي أكثر، دعيه يلم نفسه أكثر، دعيه يُعذب بالابتعاد عنكِ أكثر، دعيه يتألم كما تألمتِ، لكن قلبي اللعين سيؤلمني ان تألم هو، المه لن يشفيني بل يمرضني.
قلت له وانا أحاول ان أبدو متماسكة: حسناً، لكنني بحاجة للتفكير واخذ وقتي، أعني انني غاضبة منك سأهدأ لاحقا.
أشار بكفاه يحاول تهدئتي: مذهل، اهدئي وخذي وقتكِ، المهم اننا معا.
هذه هي الحقيقة التي لا يمكننا انكارها هي اننا معا دوما رغم ما يبدر منه، وان حاولت انكار هذه الحقيقة فكأنني أنكر أحد تلك الحقائق التي تخص الكون، وهي ان الشمس ليست كروية مثلا. سنفترق عندما تنطفئ الشمس وتصبح كتلة من الجليد لا من نار.














روح


٣ مارس ٢٠٠٥

أكره مدرستي لا اعلم هل كل الأطفال يكنون هذه المشاعر تجاه المدرسة ام انني الوحيدة؟ ام لأن مدرستي بائسة فهي الوحيدة التي كذلك؟ بل أكره التعليم برمته، طرقهم، كتبهم، صفوفهم القديمة، واروقتهم المزدحمة.
أضف الى ذلك الطابور الصباحي ذاك الذي يجعلنا نتراقص مرتعشين من البرد ونحن نستمع لخطبة كتبتها معلمة لأنها أوامر اُمليت عليها ليستمع اليها طلاب قد تركوا اذهانهم في المنزل قرب المدفئة.
لم أكن اشعر انني عادية حينها، لأنني لم أكن أرضى بالصمت، في ذاك الوقت لم يكن الخضوع قد سلك طريقه معي. كانت معلمة الدين قد انتهت من الشرح وتركتنا لنفعل ما نشاء، حينها كنت احمل في حقيبتي الزهرية دفتر للتلوين لسندريلا، بدأت اُلون صفحة احدى الصفحات التي تحمل رسمة الأمير يرقص مع سندريلا. اقتربت مني احدى صديقاتي لتلقي نظرة على الدفتر، لتفتح ثغرها الصغير بأعجاب قائلة: انه رائع، هل لي بألقاء نظرة عليه؟
ابتسمت لأسمح لها بتصفحه، لم انتبه للمعلمة وهي تقترب لتقف امام مقعدينا، امسكت بعنف بالدفتر قائلة بصوت مرتفع: ما هذا؟
اجابت صديقتي وهي تنحني ببصرها للأسفل: انه لها.
أشارت بإصبعها الصغير تجاهي، بلعت ريقي لم أكن مخطئة، اين الجريمة التي ارتكبتها؟ اقتربت مني وهي تنظر لي بعينين متقدتين لتصرخ بي متسائلة: ما قلة الادب هذه؟ كيف تقتنين هذه الأشياء؟ انها شياطين، الله سيدخلكِ في النار.
رفعت رأسي لأنظر لها بتعجب، لم قد يدخلني الله النار وانا لم افعل شيء سوى انني لونت؟  ام ان الحياة هكذا تعاقب من يلونون، من يضعون شيئا مختلفا، من يُحَسنون من تلك اللوحة القبيحة؟
قلت ببراءة وانا اشعر بإحراج لأن الجميع كان ينظر تجاهي: لكنني لم اخطئ، انها ليست حرام.
صفعة قوية ادارت من رأسي تلقتها وجنتي، قالت وهي تصرخ: انا من احدد، ستعاقبين.
جعلتني انهض واقف في الزاوية بجانب سلة المهملات هكذا اخبرتني انه المكان الذي استحقه. وقفت وانا أرى تلك العيون التي تشمت فيمن يقف هنا، هكذا علمونا ان من يخالف رأي المعلم يعاقب ويستحق السخرية، لمجرد ان له رأي مختلف، وان كان محقا. ومن هنا تتربى الأجيال على ان من يختلف عنا هو شخص منبوذ، شخص سيئ، لا نحاوره ولا نسمعه، نشتمه ونقذف به خارج علمنا، لا نصحح من المخطئين ولا نحاول ان نفهم لم اختلف تفكيرهم عنا.
رأيت حينها ابتسامات واستهزاء، هم من قسمونا من هنا بدأت امراضنا على الكراسي الدراسية، من هنا بدأت الفجوة، عندما كانوا يفرقون بيننا، من كان جيدا في الدراسة يستحق المقدمة ويستحق ان يُفصل عن أولئك الفشلة، حتى صنعوا لهم طبقات.
لم يخبروننا ان استيعابنا مختلف، ظروفنا مختلفة، حياتنا ومقدار دراستنا.
صادفت على مر السنوات لاسيما في المرحلة الابتدائية فتيات لم يكن مرتبات، لكنهن أصبحن محط سخرية للمعلمة قبل الفتيات، كانت بعض المعلمات تسخر منهن ومن شكلهن امام الصف بأكمله لتتعالى الضحكات، لأراهن وحيدات في الفسحة تجد كل واحدة زاوية تحت ظل لتختفي فيها وتراقب العالم بصمت وحسرة.
لم يتساءل أحد لم هي كذلك؟ هل لديها من يعتني بها؟ هل أمها على قيد الحياة؟ ما الظروف التي جعلتها منسية حتى في منزلها؟
المهم ان بعد تلك الصفعة في يومها عدت للمنزل اخبرت امي عنما حدث، سألتني امي بقلق: ما الذي اقترفته؟
حكمت علي انني اقترفت شيئا قبل ان تسمع الحكاية، اجبتها بحزن: لم افعل شيئا، لكنها طلبت رؤيتكِ.
نهضت امي من مكانها لتذهب للمطبخ وهي تحدث نفسها بصوت عال غاضبة: يا إلهي لقت تعبت من هذه المشاكل اليومية، (هم البنات يبقى للممات).
وضعت يدي على وجنتي امسحها هي لم تقبل ذاك المكان الذي المني، لم تسألني عن الوجع ولا عن السخرية التي حظيت بها، هي لم تفعل شيئا.
في اليوم التالي ذهبت معي للمدرسة وهي طوال الطريق ممسكة بيدي توبخني.
- الى متى سأظل اتحمل مشاكلكِ ومشاكل اختكِ، ليتكما كبيرتان لأزوجكما وارتاح من هذا الهم، ااه يا اللهي.
وصلنا للمدرسة بعد ان امتلأت اذاني وثمل عقلي من التوبيخ، كنت برفقة امي عندما تحدث مع المعلمة، حاولت امي ان تلاطفها قائلة: نحن نعتذر، ما كان بيدها مجرد دفتر رسوم للأطفال وانا بنفسي اشتريته لها.
ابتسمت لأن امي قد دافعت عني للمرة الاولى، لكن ما صدمني هو ما قالته المعلمة وهي باردة: مشكلتي لم تكن مع الدفتر، بل لأنها كانت تلعب به اثناء الدرس وانا اشرح، وعندما طلبت منها ان تتوقف جادلتني تخيلي!
عفوا اليس من المفترض انها تعلمنا الدين؟ هل في الدين كذب؟ اليس الكذابين في النار؟
بقيت انظر اليها بصدمة، بينما اذناي تجاهلتا عتاب امي وتوبيخها الي امام المعلمة، نعم لقد قللت من شأني امامها ووعدتها انني سأعاقب أيضا في المنزل. لم أنسى ذاك اليوم ولم انس شكلها هي أيضاً، ولا حتى امي وانا في أمس الحاجة لتنصرني.
















روح


الحاضر

ابتسم هو بحزن ورفع كتفاه بعد ان انتهيت من السرد ليقل معلقاً: اعتقد ان الجميع قد عانى على تلك الأرض.
بقيت انظر اليه ببرود وكأنها ليست قصتي ولا تعنيني، وكأنني لم اعشها. قلت وانا انظر للأرض بشرود: لحسن الحظ انني مت وتخلصت من هذ العالم.
قال وهو ينهض من مكانه ويفتح ذراعيه مشيراً: الا تحلمين بعالم أفضل؟ تصنعينه انتِ، لا يملى عليكِ شيئا.
سرت تجاهه وانا اُعلق بصوت منخفض: لم احلم وانا حية، هل سأحلم وانا ميتة؟
أصبحت اُواجهه سألته: متى ستساعدني؟
ترك دفتره وقلمه على الطاولة وقال وكأنه مستعد لشيء: حسنا لنبحث أولا في الاخبار أي شيء يخبرنا انكِ غرقتي.
قلت له وانا اشير الى نفسي: أليست هذه روحي! ماذا أكثر؟
سار تجاه حاسوبه المحمول وجلس على حافة السرير ليفتحه قائلا: لا، اشك ان هناك شيئا اخر، رفع رأسه ونظر الي مباشرةً، هناك فليماً قد شاهدته البطلة تتعرض به لحادث فتنام في غيبوبة لتظهر روحها، أعني انه.
صمت وهو يدور ببصره باحثا عن كلمات تمكنه من الشرح لي: ان كنتِ قد متِ فلا يجب ان أرى روحكِ ولا يجب ان تتواجدي هنا، بينما ان كنتِ في غيبوبة او شيء ما شابه ذلك قد يفسر ما يحدث.
قلت وانا اعقد حاجباي: حاول فقط البحث عن مركب قد غرق منذ فترة.
بدأ يعبث، يتأفف مرة ويتنهد مرة أخرى، وضع حاسوبه جانبا ليستقر على السرير وانحنى للأمام يفرك يداه ببعضهما نظر لي بتركيز ليقل: هناك قارب غرق في بودروم، تمكنوا من انقاذ أربعة اشخاص، وتمكنوا من إيجاد أربع جثث، لكن هناك أكثر من عشرون فرداً لم يتمكنوا من إيجاد جثثهم حتى.
قلت بصدمة: ربما وجدوا جثتي.
نهض من مكانه والاف الأشياء تدور في ذهنه، ضيق عيناه وهو ينظر الي ويبتسم ليقل: وربما تكونين أحد الأربعة الناجين.
نظرت له بخيبة لأعلق: لا اريد ان أكون من بينهم.
بدهشة وحاجباه يرتفعان في جبينه علق: الستِ سعيدة؟ فكرة ان تكوني على قيد الحياة فكرة عظيمة.
ببرود رفعت كتفي قائلة: لا. ما الرائع في ان تكون على قيد الحياة وانت وحيداً؟ بل ما الرائع في ان تكون جزءً من هذا العالم الموحش؟
اقترب مني خطوة وكأنه يأمرني: المشكلة انهم لم يذكروا ما جنسهم او أعمارهم او أي شيء يخصهم لكن يجب ان اتقصى عن الامر. رفع كتفاه ليكمل، لذلك سأحاول اقناعكِ ان الحياة تستحق خلال هذه الفترة ستكملين سرد تفاصيل حياتكِ لأكتبها، اتفقنا؟
بقيت اُفكر لدقائق، ماذا ان كنت على قيد الحياة وهو اخر شيء اتمناه؟ لا رغبة لي بخوض الحياة مرة أخرى، ارغب بأن تفنى روحي وتتلاشى لترحل الي أي مكان موقنة انه سيكون أفضل من هذا العالم، أشار لي بيده ليعلق: لا اعتقد انكِ قد خضتي تجربة من قبل، جربي ماذا ستخسرين أكثر من كونكِ روحا؟
قلت وانا اطفو بعيدا في عالم الذكريات: خسرت الكثير.
- اذن يجب ان تجربي.
سألته بقلق: ماذا ان لم أكن على قيد الحياة؟
عاد ليجلس على حافة السرير ويعود بظهره للخلف ليستند على يداه التي استقرتا على الفراش: انا واثق انكِ على قيد الحياة، ان لم تكوني فأصاب بالجنون حينها.
اقتربت منه لأقل بتردد: حسنا، مواف...
لكن ظلام باغتني، لم أستطع اكمال كلامي لأغيب عن هذا العالم مرة أخرى.































عبدالله

٣٠ يوليو ٢٠١٥


منذ الليلة الماضية وانا اتصل بجوى لكنها لا تجيب، لم يحدث بيننا شيء والقلق ينخر جسدي بقوة للمرة الاولى اشعر بشيء غير طبيعي. اتصلت بصديقاتها لكنهن مثلي لم يسمعن صوتها حتى ولم تذهب للجامعة، حاولت ان امارس عملي ويومي بشكل طبيعي لأطرد أي وساوس بداخلي وأنها بخير وانني وقعت في شرك مزاجها المتقلب، حتى انتهى اليوم وقاربت العقارب على ان تقف عند منتصف الليل وهي لم تظهر، نظرت امامي لزجاجة الكحول عشيقتي الثانية كانت تستقر على الطاولة تدعوني لأفرغ ما بداخلها بي لكن هذه المرة محاولتها فشلت. نهضت حاملا هاتفي ومعطفي وخرجت من منزلي متجها للسيارة، لا ثم شيء غير طبيعي بها، اتجهت فورا الى منزلها أوقفت سيارتي امامه اخذت نفسا عميقا وانا اراقب ذاك السجن الذي تُحبس به، الجحيم الذي لا يمكنني إخراجها منه، ماذا علي ان افعل للقائها أأطرق الباب واخبرهم انني قلق عليها.. سيسألونني من انت؟ ماصلتك بها؟ أأخبرهم انها تعني العالم بأكمله؟ الجميع يرانا غرباء ولا أحد سوانا قادر على تقدير مدى ترابطنا، كمحاولة أخيرة يائسة بعثت لها رسالة (انا امام منزلكِ اخرجي والا سأفعل شيء مجنون واقتحمه).
امهلتها دقائق ومنحت لعقلي فرصة للتأني وإيجاد حل، راقبت باب المنزل تفتح لتظهر هي وتراقب الجوار بحذر، خرجت وهي تضع على رأسها شال يلثمها، سارت بحذر مقتربة تجاهي فبدأت ضربات قلبي تزداد مع كل خطوة تخطيها، فتحت الباب وجلست بجانبي لأدفع كل ما بداخلي من ثوران لأوبخها: اين انتِ؟ لم لا تجبينني؟
كانت هادئة على غير العادة مما دفعني لأمسك بمرفقها بقوة واديرها لتواجهني ناظرا لوجهها، وهنا كانت الصدمة، وجهها متورم، عيناها منتفختان شحوب وتتلون وجنتيها باللون الأزرق والاحمر، اتسعت عيناي ليقف كل ما بي وكل ما يحيط بنا. مدد يدي وهي ترتعش تجاهه وجهها ولكنها عادت للوراء حيث تدور عيناها في الفضاء الذي لا يشملني، سألت بعجز: من فعل هذا؟
ابتسمت وهي تدير وجهها ناحية المنزل القذر ذاك لتعلق: من غيره، ابي.
همت بفتح الباب لتترجل قائلة: علي الذهاب.
تركتها تتلاشى من امامي وانا صامت، ضعيف بل جبان، رأيت ظلها يمحى من على الأرض لتترك صدمة بي. أسندت يداي على المقود ووضعت جبهتي على يداي، الى متى سأراقب ذاك الرجل وهو يبغي عليها؟ لم لا املك صلاحية اقتحام المنزل والوقوف امامها لأحذره عن مس شعرة منها؟ لم انا جبان مع أكثر امرأة اُحبها في هذا العالم؟ جبان عن امتلاكها، جبان عن الدفاع عنها، فقط أقف مكبل اليدين لا حول لي ولا قوة، اعتدلت لأحرك السيارة وابتعد عن هذه المنطقة التي تحنقني واعود لوكري. عدت للمنزل أغلقت الباب بقدمي ورميت مفاتيحي ارضاً، بدأت اخلع معطفي ثم تبعه قميصي، توالت قطع ثيابي تقلد بعضها وتهبط ارضا حتى أصبحت عاريا اسير في مملكتي التي أكون فيها كما اشاء. سرت تجاه البار الذي تصطف عليه عشيقاتي، التقت احداهما وانا انظر اليها بشهوة بدأت اشربها لأرتوي بعشيقتي من ظمأ حبيبتي، مسكينة افرغت كل ما بها بداخلي لأخونها مع اختها التي لم تفتح بعد، وهكذا جلسن فارغات ينظرن الي بحيرة بعد ان عجزن عن اسكاري، سرت وانا اتخبط قليلا بين الارائك أحاول الوصول لهاتفي اللعين، بحثت في قائمة الأسماء التي تكثر في هاتفي عن احداهن. عن بديلة تحل مكانها على سريري كما افعل دوماً، أحاول اخماد ما بي بأخريات، لكنني اتناسى دوما ان ماء البحر لا يشبع الظمئان كذلك هي. اتصلت بإحداهن وطلبت حضورها، جلست ارضاً وانا ممسك بزجاجة جديدة، مع كل رشفة كنت العن فيها نفسي، والعن الساعة التي دخلت فيها هي حياتي، لتجعلني عاجز عن كل شيء، عن تركي لهذا البلد القاتل، عن اقترابي من امرأة اشتهيها، عن دفاعي عنها، عن الشعور بأنني قذر لتركها هكذا، أتذكر ذات مرة سخرت مني متسائلة: لم تخاف فعلها معي، علقت ساخرة، لا تخبرني أنك تخاف الله؟
حاولت ان اسألها متهربا من الإجابة: لكنك تخافينه لذلك لا ترغبين بي.
هي ذكية أصرت على المطالبة بإجابة فكذبت عليها قائلا: حبيبتي، انتِ تفتقرين للخبرة.
رفعت حاجبيها لتقل بدهشة: خبرة!
اشرت لنفسي موضحا: انا في سن لا يمكنني ان اعلم فتاة من البداية كل شيء، برأيكِ لم يترك الرجال زوجاتهم ويلجؤون لعاهرات؟
ثنت ذراعيها لصدرها تنتظر الإجابة، أكملت: لأنهن ينقصن للخبرة، لا يمكن للزوج توضيح كل ما يرغب هو به، او شرح ما يريدها ان تفعل، هههه سيكون حينها محاضرة لل.
ضربتني بمخدة قائلة: سخييييف، اذن لم يتزوج من الأساس؟
جررتها لأضمها لصدري: يتزوجون لأنهم يرغبون بالاستقرار، استقرار مظهري امام الناس، زوجة جميلة وفية تربي الاولاد جيدا وتصون سمعته.
حاولت ان تقنعني: لا، بل يتزوجون لأنهم يرغبون بإمضاء عمرهما معا.
سخرت: هذه كذبة أيضاً، لهذا انا لن اتزوج ابدا، نحن لن نتزوج، لأنكِ حينها ستكونين عادية بالنسبة الي، ستفقدين بريقكِ.
تابعت كلامي وانا اُدخن ببرود: ستكونين مملة وانتِ تنتظرينني يومياً، تنامين بجواري كل ليلة.
ابتسمت هي بسخرية حاولت ان تخفي حزنها، لكنني كذبت حينها في كل شيء قلته، لن اثمل منها ابداً، لن ارتوي مهما شربت منها.
عدت من ذكرياتي على صوت طرق الباب رميت تلك البائسة الفارغة من يدي ارضا ونهضت لأفتحه الدوار يراقص رأسي، ضيقت نظري وانا أراها احداهن لكنني حتى لا اذكر اسمها، ابتسمت لتقترب وتطبع قبلة على شفتي، أغلقت الباب خلفها بينما هي سارت متجهة للمكان الذي تنتمي اليه، لوثت جسدي مجددا ومرارا بجسد غيرها، وامارس ما منعه إلاهها والعن نفسي على عجزي، والعنها، والعن اسمي وهذه الأرض التي تمد من جُبني.

انتِ مجرتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن