روح
الحاضر
بعد انقطاع لا اعلم اين ذهبت او ماذا فعلت لكنني فجأة أجد نفسي الان في حديقة لم يسبق لي رؤيتها، مكان واسع به أشجار لا صوت في الارجاء سوى قرير الماء وتغريد العصافير، رفعت رأسي للسماء لأري الشمس كان نورها مختلف تماما دافئ ونقي، سرت بقدمي العاريتان على العشب حتى رأيت امامي منزل صغير امام بابه شرفة من الحجز وتنتشر بها اوعية للنباتات، امام المنزل كانت هناك اريكة خشبية مطلية باللون الأبيض، اقتربت وانا المح أحدا يجلس عليها بعد ان اقتربت أكثر أدركت من يستقر عليها، جدي نعيم! قلتها بتعجب رفع رأسه ونظر الي وعلى وجهه ابتسامة عذبة، فتح ذراعاه لي سرت بخطوات سريعة تجاهه لكنه اوقفني وهو يضع كفه لأتوقف على مسافة تبعد عنه، قال لي بهدوء والابتسامة لم تفارقه: ابقي في مكانكِ.
نظرت له بدهشة لم لا يريد الاقتراب مني، ركزت النظر على ملامحه لم يكن يرتدي نظارات طبية كما كان، ثم ان وجهه بدى صافيا ابيض، عيناه تلمعان بالحياة وتعكسان لون الحديقة الخضراء من حولي، سألته بحزن: لم لا تريدني ان اقترب؟
- احذري من الاقتراب، تمسكِ في المكان الذي هناك.
رمشت عدة مرات لم افهم مقصده، تلفت حولي وانا اسأله واُخبره ما يدور في رأسي: هل هذا يعني انني في الجنة؟
التفت اليه مجددا لكنني لم اره! واُصبح المكان الذي كان يقف به ظلاما وكأن الظلام بدأ يأكل المكان ليصبح فضاء معتم.
ظلام دامس وهدوء مريب دام لفترة فقد بت أعجز عن اُدراك الوقت والمكان، حتى سمعت صوت رنين وكأنه رنين ساعة، تلاشى الظلام لأنظر لشيء لونه ابيض عليه مروحة، نهضت فأصبحت في وضع الجلوس لأتلفت حولي وجدتني على ارض خشبية في غرفة سبق وان رأيتها من قبل، نهضت لأقف على قدمي هي ذاتها غرفة ذاك الكاتب وذات الفندق. نظرت للسرير كان فارغاً، سمعت صوت جري المياه من الحمام بقيت أقف انتظر خروجه لم عدت مجددا هنا وأين كنت؟ فتحت باب الحمام خرج هو يجفف وجهه بمنشفة بيضاء صغيرة ازالها ثم توقف ينظر الي بصدمة عاد للوراء اغلق باب الحمام مجددا وفتحها خرج بخطوة للأمام ثم خاطب نفسه قائلاً: عدت لأتوهم من جديد!
اقتربت منه حتى بت أقف امامه: اتعلم ما الذي حدث لي؟
رفع رأسه للأعلى وهو يأخذ نفسا عميقا ثم عاد ينظر الي مبتسماً: ههه لقد اختفيتِ يا انسة روح او شبح، او أي شيء كنتِ.
لا أتذكر أين رحلت او أي شيء سوى انني رأيت جدي، وضع يده على خصره وسأل بفضول: هل وجدتِ مثواكِ؟
حركت رأسي نافية بلا، سار تجاه مكتبه ليلتقط هاتفه متسائلا: وما الذي تنوين فعله؟
لا اعلم اشعر ان رأسي فارغ تمام لا فكرة لدي حول أي شيء، اقترب مني ليقل بجدية: الا ينتابكِ فضول في البحث عن الحقيقة؟ في خوض هذه التجربة بين الموت والحياة؟ هل تجدين ما يحدث معكِ عاديا لتتركيه هكذا؟
سألته ببرود: ما الفائدة؟
حاول ان يشرح لي: ستتعلمين الفائدة فور خوضكِ للتجربة، التجربة نفسها تعود بفائدة وان كانت فاشلة فقد تكون اكسبتكِ خبرة.
ازحت نظري عنه لأنظر للأسفل: الأموات لن يُفيد شيء، ارغب بالعودة لذاك المكان الذي رأيته مع جدي.
حرك يده امام وجهي ليجعلني اترك تحديقي في الفراغ وانظر تجاهه: رأيتِ جدكِ؟
اجبته: اجل.
ضيق عيناه ليسألني: وهل جدكِ متوفِ؟
حركت رأسي ببطء. سار خطوات امامي ليفكر بصوت عالِ: يقولون انه قد التقى بشخص ميت في حلمه واُخبره انه سيصبح معه او يمسك بيده فأنه سيموت، توقف في المنتصف وسألني بدهشة: هل امسكتِ بيده؟
اجبته: لا، لم يسمح لي طلب مني التوقف.
صفق بيده وهو يبتسم بنصر: رائع، اذن ما فكرت به صحيح.
سار تجاه خزانة ثيابه واخرج معطفه ليكمل: هيا نخرج لنتحدث في الخارج.
خرجنا من الغرفة معا لننزل للأسفل قال لي اثناء سيرنا: ستكملين سرد قصتكِ لي.
سألته وانا انظر اليه: ما الذي استنتجته؟
غطى وجهه بكفيه بخجل ليقل: لا تكلميني، الجميع يراني اُحدث نفسي وكأنني مجنون.
لم أكن أستطيع رؤية ملامحه، كيفية نظرت له او استنكارهم منه، مجرد ظلال بدون أصوات او تعابير. خرجنا للخارج بدأنا في السير متجهان الى مكان يشبه الغافة تتزاحم فيه الأشجار. قال وهو يسير بجانبي: فكرت انكِ في غيبوبة لذلك ربما منعكِ جدكِ من الاقتراب منه بمعنى انكِ ستموتين ان اقتربتِ.
سألته: الم تتحقق من هوية المفقودين؟
رفع كتفيه ليجب: بلى، ثلاثة رجال، لكن هناك فتاة في المشفى المركزي لاسطنبول في غيبوبة، لا يعرفون عنها أي شيء.
- هل هذه انا؟
ابتسم بحماس ليجيبني: انا اشعر انها انتِ سترين.
تساءلت: وان لم أكن؟
ابتسم وهو يحاول ان يطمئنني: ستكونين انتِ انا واثق، والان أكملي لي قصتكِ فأنا متشوق.