جوى
٣١ يوليو ٢٠١٥
ندمت كثيراً، اجل ندمت لأنني اخبرته ان ابي ضربني لكن كيف كنت سأضع مسما للوحة التي رسمت على وجهي؟ لم يكن امامي خيارا لكنني الان ادرك مدى خطئي، بأن اخبر اهم رجل في حياتي ان ابي ضربني، بدلا من ان يخاف من تلك اليد التي ستعاقبه مستقبلا ان مسني بسوء امتدت يد والدي لتضربني انا، ليمنح شريك حياتي بحق التعنيف، ان فعلها فلن اصدم واخبره انها المرة الاولى التي تلمس شعرة مني بسوء لأنه يعلم ان ابي مارس هذا العنف مراراً، اهانني اول رجل في حياتي قبل الغريب، على مرار سنوات حاول صقل مني امرأة سلبية يتسع وجهها وجسدها للكمات واهانات سواء منه او من زوجي، يحاول ان يعلمني الصمت والخضوع منذ صغري، كما امي هي اليوم، سلبية وبائسة.
تذكرت قبل يومان، كنت في غرفتي متنفسي الوحيد في هذا المنزل، حتى سمعت صوت صراخ امي وبكائها المنكسر وصوت ابي الظالم وهو يمارس ظلمه علينا، قفزت من سريري مسرعة لأخرج لغرفة المعيشة، دخلت لأرى نجمة تقف جانبا تبكي بصمت خائفة بينما امي على الأرض ينهال ابي عليها ضربا ويترك صوته ليزعج كل جدران المنزل، اندفعت بينهما وانا اصرخ أحاول ابعاد يداه القذرتين عنها، صرخت في وجهه: كف عن هذا.
لكنه أنهى كلامي بصفعة قوية ساخنة على وجهي، بيد ثانية جر شعر امي وهو يجز اسنانه: هذه تربيتكِ أترين يا.......؟
دفعته بيديي بقوة لأبعده عنها وانا ما زلت اصرخ عليه، حتى شعرت بلكمة قوية ضربت وجهي شعرت ان عظم وجنتي تكاد ان تتحطم، لحظات حتى شعرت بجذور شعري تتمسك بفروته لأنه امسك بشعري بقوة يكاد ان يخلعه من مكانه وهو يشتمني بأقذر الالفاظ ليرميني ارضاً، رفع سبابته ليهدد كالعادة وهو ينظر الي بمقت: ان تدخلتِ مرة أخرى سترين ما سأفعله بكِ.
تهديده لم يردعني لأقل وانا اشعر بشيء لزج يسيل من انفي الى شفتي قلت بحقد: اكرهك.
ركلة قوية بقدمه تجاه بطني لأشعر ان احشائي قد تقلصت وإنحشرت في مكان وكأنها اصطدمت بجدار ظهري من الداخل، وضعت ذراعي على بطني لأنكمش على نفسي وانا اصارع صوتي في التصريح عن الألم، رأيت اقدامه تغادران المكان ثم صوت الباب وهو يغلق بقوة ليخرج ويبدأ البيت بالتنفس.
عقدت حاجبي بغضب وانا أرى امي تحاولان تلملم نفسها بعد ان قد ثوبها بقوة وعشرها الذي أصبح اشعثاً. اقتربت مني وهي تحاول انهاضي وطرح المبررات لطغيانه: لم تدخلتِ؟ كان غاضبا لا بأس.
ابتعدت عنها وانا أحاول النهوض: كان علي ان اترككِ تضربين اليس كذلك؟
ابتسمت بحزن معلقة: لا بأس هو هكذا عندما يغضب ولكنه طيب.
صرخت بها حتى شعرت ان حبالي الصوتية ترجوني لأصمت: كفىييييييي عن هذااااا، كفي عن التبرير له، لقد اكتفينا منه.
هممت بالخروج بعد ان مررت من جانب اختي التي تشبك يداها بالقوب من وجهها وتبكي، التفت لأمي لأبصق الدماء التي تجمعت في فمي أيضا ارضاً: اكرهكِ بقدر كرهي له، أكره ظلمه، وأكره ضعفكِ.
دخلت غرفتي لأرمي نفسي على السرير وانا احتضن بطني واُقرب ركبتاي لصدري واتلوى الما، اولم يقولوا انه لا يدخل أحد الجنة ان لم يسامحه شخص اساء اليه! سأقف حينها في طريقه في حال دخلوه الجنة، ان كنت بابا للجنة لأبي فسأكون انا بابه المقفل، لن اسامحه على كل إهانة، على كل ضربة تركت بي اثراً.
دخلت نجمة الغرفة وأغلقت الباب بهدوء لتقترب وتجلس على حافة سرير، مدت يدها لتمسح الدماء من على وجهي، بضعف ابتسمت لها: انا، بخير، ههه لقد اعتدنا اليس كذلك؟
قالت بحزن: انتِ لستِ كذلك.
علمت انني اكذب امسكت بيدها اللطيفة وقبلتها: سأكون بخير، اعدكِ.
عدت من ذكرياتي وانا أقف امام مرآتي، ابتسمت بحزن وانا اشغل اغنية (اليسا – يا مرايتي) بدأت اضع مساحيق التجميل، لا أحد يعرفني كمراتي، لا أحد شاهد انكساري ونشأتي مثلها، مرآتي رأتني عندما بكيت امامها، وواستني عندما قررت المواجهة، صبرتني وارتني كيف يجب ان أكون، مرآتي عكست ملامحي البائسة ورسمت على وجهي ابتسامة قوة مزيفة، راقبتني وانا اضع الأقنعة كل صباح واخرج لأواجه العالم،
مرآتي يا مرآتي أخبريني هل أبدو لهم انني بخير؟
وضعت كعادتي قناع اكثرت من المكياج لإخفاء ما على وجهي، لأنني سيئة فأنني استغل أوقات دوامي في الجامعة بالذهاب لرؤيته، طرقت الباب ففحته هو بقي ينظر الي بصمت بحزن، ابتسمت لأحتضنه واضع رأسي على قلبه، دلفنا للداخل لأبتعد عنه واحاول التظاهر انني بخير: انا جائعة للغاية، هل نطلب لنا شيئا نأكله؟ ام ماذا ترغب بأن اعد الطعام انا؟
كنت سأنطلق متجهة للمطبخ ولكنه امسك بيدي وادارني اليه امسك بيده يدي الثانية، بقي ينظر في عيني وعيناه تلمعان بلع ريقه وهو يقول: انا اسف.
اقتربت منه لأضع يداي على ذقنه: انا بخير.
ابتسم بعدم تصديق لينحني ويفاجئني وهو يحملني بين ذراعيه قائلاً: اليوم ستكونين اميرة تأمرين فقط.
وضعني على السرير لأتربع واقل وانا اقهقه كأنه لم يزر قلبي هما يوماً: لنطلب الطعام اذن.
انحنى وهو يضع ركبته على السريري ويقبل شفتي بلطف: حاضر سمو الاميرة.
استلقيت على السرير على ظهري لأراقب السقف الذي رسم عليه لوحة لجميع دول العالم، جميعها كانت ملونة الا العراق كان لونه اسود، عبد الله رسمها بنفسه، علقت وانا احملق باللوحة: يوما ما سألون تلك الخريطة.
اقترب هو فور انتهائه من المكالمة واستلقي بجانبي ليلصق رأسي برأسه كلانا ننظر للوحة، علق: تستحق هذه البلاد اللون الأسود، لو كنا على ارض غير هذه كنتِ ستقاضين والدكِ، كنتِ ستبلغين الشرطة عنه.
ادرت رأسي تجاهه: لكل مكان جانب مظلم، الأرض بأكملها تظلم من جهة ليشرق النور من جهة أخرى، لو كنت في مكان اخر كنت سأعاني بطريقة ما.
زفر: لما كنا هكذا تعساء.
ابتسمت وانا امسك يده: من قال انني تعيسة!
اقترب وقبل ارنبة انفي ليبتسم: احبكِ لأنك اقوى تعيسة شاهدتها.
شبكت اصابعنا بين بعضها واشرت بيدي الاخرى تجاه الخريطة، علقت: قد ترى انت انها سوداء معتمة، هذه المشاكل وما يقابلنا من مصاعب، لكن وسط تلك العتمة توجد نجوم لامعة مضيئة، تنير وتزين هذه العتمة، انت كذلك بالنسبة لي، انت نجمة تزين ليلتي المعتمة.
شد أصابعه على يدي وانا اراقبه يبتسم ثم عاودت النظر للسقف لأكمل: انت نجمة، اختي نجمة، جدي نعيم نجمة، جدتي، اخي وكل النعم التي تحيط بي نجوم تؤنس وحشتي.