الفصل السابع عشر

2.2K 76 3
                                    

روح

١٢ يوليو ٢٠١٥


لم يكن هناك احداً يستطيع تفسير ما يحدث لي، لم يتمكنوا من فهم انني بعد رحيل جدي فارقت روحي هذه الحياة، بقيت بلا أصدقاء ولا حبيب، لا احد! كنت اقضي ايامي وانا مستلقية في فراشي لا اريد مواجهة العالم الخارجي، كأنني مجرد رجل الي اتحرك لأنني يجب ان افعل ذلك، الا انني لا استطيع الضحك، قلت شهيتي بشكل كبير وبدأ الصداع منذ ذلك الحين يبني منزله داخل رأسي. جدتي امل أغلقت المنزل وقرروا بيعه، لا يمكنني استيعاب انني لن استطيع الذهاب له، لن أتمكن من سقي الحديقة، تم بيع كل قطعه لمسها وعاش معها جدي. كرهت حتى امي في هذه الآونة الأخيرة لم تأبه لتوسلاتي بأني تبقي ذاك المنزل، الاماكن ليست مجرد مساحة من الفراغ نسكنها، بل هي حكايات نعيش داخلها، نبني اوطانً عليها، نلتقي بأشخاص ونودع اخرين فيها، وتبقى ذكرياتنا معهم معلقة على جدرانها.
بدأت انازع الالام اخفيها واحاول ان اتجاهلها، كألم عظامي لي و تلك الأصوات التي تصدرها عند تحركي، لم اكن عادية ولم يكن احد يستطيع فهمي او ربما هم لم يحاولوا حتي، من كان متفرغاً لي من الأساس؟ هل فكر احدهم بي؟ سأل عن حالي ولم تغيرت؟ كم تمنيت ان احلم بجدي طوال تلك الفترة، كم دعوت ان يزورني في الحلم، ولو للحظات، لكن احلامي كانت تخلو من طيفه، وكأنه يعاقبني، وكأن روحه استكثرت علي حلم اروي به شوقي لصديقي الوحيد وعالمي.
عندما لاحظت امي بعد فترة نوبات الهلع التي كانت تصيبني، عندما تحدث مشكلة في المنزل ليبدآ ابي بالصراخ كنت قد بدأت اتعب مع كل مشكلة تحدث امامي، تلك القوى التي كانت تجعلني ادافع عني اختي او اقف واكون وسط تلك النزاعات قد خارت، وتبدلت مكانها ازمة جديدة وهي انني بت اضع يدي على اذناي واصرخ، افرض صوتي على ما يدور من حولي لعلي اجعلهم يتوقفون.
اخذتني امي وجدتي في احدى المرات لشيخ، قيل عنه انه رجل صالح لا توجد عقدة الا وقد قام بحلها، كنت كماشية تقدني امي خلفها دون مقاومة مني، ذهبنا لأحد المنازل في احد المناطق، توقفنا امام احد المنازل الفخمة، علق على المنزل من الخارج الكثير من الرايات الملونة، دخلنا للداخل حيث سلكنا طريق جانبي يقابل الحديقة الامامية لندخل للمدخل الرئيسي، دخلنا للداخل حيث كانت غرفة للضيوف، سجاد احمر مفروش في الممرات والغرفة بأكملها، قلدت امي وجدت وهما يخلعان احذيتهما قبل الدخول لتضعاها جانباً. لم يكن هناك ارائك بل جلسة أرضية وسائد تقف امام الحائط الذي طلي باللون الأخضر الباهت، لم يكن هناك شيئاً يتطابق مع أي شيء، نساء كثيرات يتردين العباءات السوداء، ينظرن في وجوه الدخيلات، ليعدن ويراقبن من يجلسن امامهن، تخمن كل واحدة منهن القصة التي اجبرتها لتأتي لهذا المكان، رائحة بخور تدور في المكان، كنت تائهة، في دوامة، لا اعرف احداً وصدري يضيق مع مرور كل ثانية.
ايقظتني امي من شرودي وهي تهزني من كتفي لتنهض برفقة جدتي فنهضت وسرت معهما داخلين احدى الغرف، دخلنا وقت اشرعت الباب لنا سيدة في سن امي ترتدي حجاب اسود وعباءة سوداء، أغلقت الباب من خلفنا، نظرت للمكان كان شبه مظلم، نور الشمس يطل بخجل من طرف الستارة التي أغلقت بشكل سريع فبقيت تلك المساحة، بخور اكثر تصنع غيوم تملأ سماء الغرفة، ورجل يتوسط اريكة تقع في المنتصف، كان رجل ربما عقده الخامس، يرتدي جلباب فقط، امامه طاولة وضع وسطها بخور، وبجانبه كان هناك حرمل يضيفه وهو يحينا.
جلست انا بين جدتي وامي لأسمع امي تشكو له وتحدثه عن حالي: لا اعلم ما الذي أصاب ابنتي، كانت جيدة جدا، فجأة تغير حالها ولم تعد تتحدث كثيرا، وقلت شهيتها، حتى انها تدخل بين فترة وأخرى في حالات من البكاء الهستيري.
ابتسم الي ليسأل امي عن اسمها واسمي، اخبرته امي فصب في كوب ماءً ليبدأ بالهمس له وهو يقرب تجاه فمه، كانت جدتي تردد بعض الآيات وتسبح، انتهى فمده الي قائلا: اشربي منه قليلا ثم ناوليني إياه.
نظرت بحذر لكوب الماء ثم نقلت نظراتي بين جدتي وامي التي تدعوني لفعلها، شربت قليلا واعدته اليه، ليضيف مجددا بعض الحرمل، ويغمض عيناه، فتحها وكأن هناك روحاً تملكته من خلال اخذه لنفساً عميقاً فقال لأمي بأسف: ابنتكِ مسحورة.
شهقت امي بينما لطمت جدتي خدها، نظرت له بدهشة! انا مسحورة! اكمل بأسف: هناك الكثير من يحسدونها ولا يريدون لها الخير.
ضربت امي بحسرة كفها براحة كفها الأخرى: كنت اشعر بذلك، جميعنا محط انظار للحاقدين، حسبي الله ونعم الوكيل بمن فعل هذا لأبنتي.
أشار لمساعدته بأن تجلب قنينة ماء ناولها لأمي ليقل لها: لتشرب منه عند الغروب يومياً، وهذا ..
اخرج من كيس قماش من الحرير الاخضر يجلس بجانبه على الاريكة كيس قماش صغير جدا به عقدة من الأعلى لونه ابيض، مده لأمي ليكمل: وهذا حرمل ضعيه المغرب كل يوم وعندما يصبح رماداً ارميه في الحمام.
اخذته منه امي الكيس وفي الخارج دفعت له مبلغاً وقدره وقد ساعدتها جدتي في تسديده خوفاً من ابي، وهكذا داومت امي على اشرابي الماء العادي جدا وحرق الحرمل كل يوم.















عبدالله

٢٢ مايو ٢٠١٦

شيء ناعم لامس شفتي، رائحة اعتاد جسدي ان يشتهيها، ايقنت انها هي، فرفعت يدي لشعرها من الخلف دافعاً رأسها تجاهي، لأتعمق بتقبيلها، لأمص رحيق تلك الزهرة، فتحت عيني بينما هي ابتعدت قليلا، ابتسمت وانا أرى عيناها امامي تتوهجان، ابتعدت اكثر قائلة: صباح الخير.
رفعت جسدي قليلاً: نظرت جانباً للستائر التي فتحت، واشعة الشمس التي انطلقت تنتشر في المنزل، صوت فيروز الذي ينبعث من مشغل الأغاني، المنزل كان مرتب جدا، لم يعد هناك اثر لزجاجتي الفارغة ولا أي صحون سكنتها بقايا الطعام، التفت لجوى التي رفعت شعره كله للاعلى وكورته لتتساقط بعض شعراتها البنية المموجة على وجهها.
نهضت من على السرير بحماس لتقل: هي استحم سأحضر لك الفطور.
انتصبت واقفاً بجانب سريري المبعثر لأبدأ بالسير تجاه خزانة ثيابي، سمعتها تقول لي وهي في المطبخ: لقد جهزت لك ثيابك.
التفت لأرى ثيابي قد حضرت ووضعت لي جانباً، ابتسمت لأعلق الخزانة اهم بالدخول للحمام، توقفت عند الباب اراقبها تعمل كنحلة، تحاول بذل قصار جهدها لإسعادي، هي تفعل أشياء حتى لا تقوم بها في منزلها، دخلت للحمام لأخلع عني ثيابي الربطة، دخلت اسفل الدوش لأتلقى المياه منه، انتهيت لأرتدي ثيابي، لوهلة شعرت انني اسرع في كل شيء أقوم به فقط لأخرج اليها، في كل صباح ابقى لفترة طويلة غارقا اسفل هذه المياه.
خرجت من الحمام لتنطلق عيني بالبحث عنها، لم تكن في المطبخ، بل شاهدت باب المنزل التي تؤدي للحديقة الخارجية مفتوحة، من خلال النافذة المشرعة رأيتها في الخارج تحضر طاولة، سرت للخارج وانا ابتسم حتى وصلت للباب لأقف واحدق بالطاولة التي اعتلاها أنواع كثيرة من الطعام، بيض، (قيمر عراقي)، (كاهي)، مجموعة من الاجبان وشاي خمرته هي حيث جرت رائحة الهيل لتمسك بياقتي وتسحبني تجاهها.
سألتها وانا أرى منهمكة: كم الساعة الان؟
اجابتني دون ان تلتفت: اعتقد انها التاسعة.
استغربت من حضورها في هذا الوقت فبحت فوراً بدهشتي: وما سر هذا النشاط؟
التفت لتسير مقتربة مني، رفعت ذراعيها لتحيط برقبتي: لم نتناول الفطور يوماً معا، رغبت بذلك.
جلست امامها حول الطاولة الدائرية التي سترت خشبها وساقيها بمفرش ابيض، اغمضت هي عيناها بانسجام بسمة تزين شفتاها قالت براحة: هل توجد سعادة اكبر من هذه؟
ابتسمت لبساطتها، لمحدودية تفكيرها بالسعادة. أكملت هي مضيفة: الجو رائع، صوت فيروز، فطور رائع، والاهم انت معي.
قلت وانا ابتسم بعد ان شربت من الشاي قليلاً: بلى هناك شيء اكثر من هذا السعادة.
أسندت
مرفقيها على الطاولة لتقل: لا تحدثني عن سعادة الاخرين في دول ثانية، انا راضية بحالي في بلدي.
انهت جملتها ورفعت (استكان) الشاي لتشرب منه وعيناها تغادران بعيداً عنه لتتجول في الحديقة.
- تتزوجيني؟

انتِ مجرتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن