روح
١٤ نوفمبر ٢٠١٢
كنت حينها مراهقة للتو أحاول اكتشاف العالم انقب عن مشاعر جديدة، أحاول ان الفت انتباه احدهم، مدرستي حينها كانت بجانب مدرسة للبنين عند دخولنا وخروجنا منها نراقبهم وتراقبنا اعينهم بمتعة وهم مقبلين على التعرف على جنس جديد لطيف يختلف عنهم، كنت عند دخولي صباحا ارى دوما ان هناك صبي يقف عند باب المدرسة ينتظر الى حين وصولي، اعتقد انه كان يكبرني بعامين كان جميلا شعره اسود ابيض وعيناه بنيتان وقد بدأت شاربيه بالنمو قليلاً، اعتدت على رؤية وجهه صباحا لم يكن يكتمل يومي دون ان اراه، كان هناك شعور جديد ومختلف يكبر كل يوم في صدري، شعور غريب لأول مرة اجربه عندها تزداد نبضات قلبي لتسرع اكثر تحاول الطرق على صدري من الداخل تخاطبني ان هذا الصبي مختلف، رغم خوفي وتحفظي حينها الا انني لم اكن استطيع السيطرة على شفتاي فور رؤيتي لإبتسامته، في ظهيرة وعند خروجي من المدرسة وقد بدأت قدماي تقوداني عائدة للمنزل سيراً، شعرت ان هناك احداً خلفي، التفت لأراه يسير على بعد مسافة يتبعني وشفتاه تبتسمان كالعادة، توقفت لألتفت واقل وانا اقضب حاجباي: لم تتبعني؟
سألني: ما اسمكِ؟
- لا شأن لك، لم تجبني لم تتبعني.
سار مقتربا الي فعادت احدى قدماي خطوة للوراء، رفع يداه ليقل: لا تخافي مني، مد لي ورقة صغيرة قال لي: هذا بريدي الالكتروني.
التقطته منه وهرولت للمنزل خائفة وسعيدة بشيء اكاد ان اقبل عليه، لم انوي ان اُخبر أحداً لكنني لم أستطع كتم هذا الحدث الرائع الذي أصاب حياتي للمرة الاولى، اخبرت جدي نعيم أولاً.
سألني كصديق بعد ان سردت له ما حدث: وانتِ ماذا تشعرين؟
رفعت كتفاي لأعلق: لا اعلم، لكنني خائفة.
مد يده ليمسك بيدي بلطف ضغط عليها قليلا ليقل: هذه المشاعر خاصة جميلة احتفظي بها، ما رأيكِ ان تصبحي انتِ وهو أصدقاء، لا تستعجلي وتطلقي على ما تشعرين به حب.
ركز نظراته علي ليكمل: لم تجربي من قبل ان يدخل أحدهم من الجنس الاخر حياتكِ، لذلك لا تتسرعي في الحكم، وايضاً امنحي مشاعرك فرصة.
ابتسمت اليه وانا اشعر باطمئنان لا يوجد بعده، وجود جدي نعيم في حياتي كوجود القمر في الليالي المعتمة من خلاله أرى الأشياء وافسرها بوضوح، ارتاح له ومعه، أجد نفسي كالماء العذب صافية انا بدون مخاوف، بدون هواجس او تحفظ.
حينها ولأنني فتاة عادية اشبه الكثيرات قررت ان اطلع صديقاتي في المدرسة على ما حدث، اريتهن الورقة التي كتب عليها بريده الالكتروني ففرحن وبدأن يبين امامي قصورا ويحيكن قصصن من نسيخ الخيال، أيام تلذذت وانا اراه يوميا يقف يبادلني النظرات لتتضخم فكرة اضافته وبدأ الحديث معه.
كنت جالسة في الصف في احدى الدروس الشاغرة التي أتت فيها مدرسة أخرى تراقبنا من خلالها، كنت جالسة اتحدث مع صديقاتي حتى أتت مجموعة من الفتيات في نفس الصف توقفت احداهن لتسألني بمكر: اذن ما اسم حبيبكِ.
صدمت أي حبيب! التفت لصديقاتي لأجدهن صامتات ضيقت عيناي لأقرأ ملامحهن، وجهت كلامي الجاف للفتيات: انا ليس لدي حبيب.
قالت بإصرار: انا اعلم جيدا قصتكِ معه، هيا أخبرينا.
نهضت من على الكرسي بغضب لأقل: ما شأنكِ انتِ؟
اقتربت لتقل باستفزاز: أتخافين ان يحبني انا ويترككِ؟
دفعتها لأقل: انتِ سخيفة.
فدفعتني احدى صديقاتها لأسقط، ثم بدأنا بمشاجرة عنيفة وصراخ وصل للممرات حتى انتهى بنا المطاف في مكتب المديرة جميعنا.
ارتعدت اوصالي اثناء ضرب المديرة مكتبها وهي تصرخ بنا، سألتنا بتهجم: ما سبب الشجار ومن بدأه؟
قبل ان اُفكر بشيء وجدت جميع الأصابع قد اتهموني ودارت نحوي، صدمت! لأنني رأيت من بين تلك الأصابع، صديقاتي وقد وقفن ضدي حتى! قالت الفتاة التي بدأت في المشكلة: لقد بدأت تسرد لنا هي حكاياتها مع حبيبها وتقنعنا ان ما تفعله صواب وعندما اخبرناها انها لا يجب ان تكلم صبي هاجمتنا.
!!!.. كانت جميع علامات الاستفهام والتعجب مرسومة على وجهي، وشهدت صديقاتي مؤكدات لكلامها، كم الظلم بشع لكنه ان اتى من المقربين يصبح أقذر، بقيت أقف مصدومة عاجزة او مذهولة، حتى انني لا اعلم بم اصدم بقدراتهم على تأليف وتلفيق كلام! او بما فعلته صديقاتي!
كانت جميع تلك التساؤلات تدور في ذهني تمنعني من الاستماع لتوبيخ المديرة ولم استمع لها قالته وهي ترفع الهاتف وتتحدث عبره بل بقيت متوقفة لفترة عاجزة عن الإحساس بأي مؤثر خارجي، حتي رأيتها من بعيد تدلف للمدرسة وتقتحم بوابة الإدارة والشرار يتطاير من عيناها، انها امي! هل اتصلت بها المديرة؟ لم أكن سريعة في التفكير لأنها وقفت امامي وصفعتني لتجعلني افيق مما انا عليه، كانت دموعي تتساقط دون صوت بحرارة تحريق طريقها اثناء جريانها على وجنتاي، كلمات خرجت من افواه كاذبة جعلت مني ما انا عليه في موقفي هذا لأسمع كلام توبيخ امي والمديرة معاً، لأنصت لأمي وهي تتوعدني امام المديرة انها ستعيد تربيتي، جرتني من ذراعي بقوة وهي تسحبني لنخرج وتتوعد انها ستخبر ابي بكل شيء، حاولت قدماي غرز جذورها في الأرض لأقف واتوسل اليها: ارجوكِ لا تخبريه، اتوسل اليكِ، صدقيني لم افعل شيئاً، كاذبات صدقيني اقسم لكِ.
صفعتني صفعة أخرى لتجعلني اصمت وهي تقول: لقد وضعتني بموقف محرج، ستعاقبين على فعلتكِ هذه.
قضيت طريقي كله وانا اقسم بجميع أسماء الله الحسنى انني لم افعل انني بريئة مظلومة، لكن لا حياة لمن تنادي، وصلنا للمنزل لأجري لغرفتي خائفة من ابي استلقيت على سريري وغطيت جسدي لأرجف أسفل فراشي وانا اقنع نفسي انني في امان هنا، دقائق ربما مرت كأنها ساعات وصوت انفاسي الساخنة تعلو في الارجاء حتى شعرت فجأة ان الغطاء قد ازيل من علي لأنتفض برعب وارى ابي يقف عند سريري عيناه تقتد بغضب وامي خلفه كتابعة بعد ان وشت واخربته بكل شيء، اقترب منحنيا ليصل الي ويجرني من ذراعي ليقل: تحدثين أحدهم! تحاولين فضحنا!
اُنهى جملته بصفعة لأنفجر باكية اطلب منه الانصات الي، رأيت اختي قد عادت للتو من الخارج لترمي حقيبتها وتندفع نحوي تحاول حمايتي، لكنها ضربت معي يومها وحبس كلانا في هذه الزنزانة.
من يومها وانا أكره شيء يسمى صداقة، لم اتخذ أي صديقات في بقية مراحلي الدراسية، لم اسمح حينها لأحد بالاقتراب مني، المشكلة انني بت مشوهة في نظر الجميع وانا لم اقترف أي خطأ.
كرهت أيضاً امي حينها، لم تسترني، بل عرتني أكثر، كان عليها تصديقي، بل مساندتي وان كنت مخطئة، وجدت متعة بتسليمي لقبضة والدي.