الفصل الاول

23.5K 409 84
                                    

انتِ مجرتي


فرح صبري























اهداء لعائلتي الصغيرة

لمجرتي (امي) دوماً وابداً، لعائلتي وصديقاتي.







***************






اهداء لعائلتي الكبيرة

مع كل خطوة اخطوها تجاه نجاحي، اجدكم ترافقونني، شكراً لوجودكم في حياتي.




















صديقي القارئ عدني أنك ستحتفظ بالسر، لا تحدث به احداً.





































(الخوف لا يمنع من الموت، ولكنه يمنع من الحياة)

نجيب محفوظ






















على متن قارب مطاطي، يسبح في بحر ايجه، فارق البر منذ ساعات ليهرب بمن على سحطه لبر اخر يحتضنهم. على متن هذا القارب كنت انا. بآلامي، بذكرياتي، واوجاع جسدي. الوجع الذي لم يغادرني وكأن هناك مطرقة كبيرة تضرب جدران رأسي من الداخل، صداع يمسك بي بقوة يلازمني منذ فترة طويلة يأبى تركي، عيناي ذابلتان وجسدي مرتخي بأكمله، يضرب أسفل عامودي الفقري بقوة، اشعر بتشنجات أحيانا لكنه ينسحب ليترك عضلاتي ترتخي كلها حتى أفقد السيطرة عليها، حرك الهواء البارد شعري ليلثم وجهي بتجاهل تركته. شعرت بأخي الصغير يحتضن ذراعي أكثر باحثاً عن الدفء بقربي، لكن هيهات فلا وجود له بداخلي ولا في محيطي، أصوات بكاء الأطفال الصغار الذين تحملهم امهاتهم يتعالى شيئا فشيء، مع كل هبة ريح عاتية، مع كل موجة قوية. قارب في عرض البحر يحمل ثلاثون فرداً جميعهم اتفقوا على الهروب من الوطن، قارب بدائي الجميع مدرك اننا قد نغرق بسببه ولكنه الامل او ربما الايمان الذي سمح لهذا العدد بالوثوق به. نظرت ببرود لجدتي أمامي تمسك بيدها مسبحها وتسبح وبجانبها امي تبكي وتقرأ القران في سرها بينما تتحرك شفتاها بلا صوت، بضيق دسست يدي تحت زاوية ابطي، نظرت لأخي الصغير عندما سألني وهو ينظر لكل شيء بدهشة: هل سنموت؟
طفل يبلغ التاسعة من عمره يتساءل ان كانت حياته ستنتهي على مبنى قارب! أيمكن للحياة ان تكون أبشع من ذلك؟ سؤاله الموجع أعاد الي ذكريات شوهت طفولتي. بقي يحدق بي ينتظر إجابة بينما انا اراقب عيناه اللتان تلمعان برعب، لا ملامح لي ولا يمكنني ان اشعر بشيء، انا لست خائفة مثله ولا حزينة، انا تائهة.
- لا، لن نموت بل سنصل وسنعيش كما يجب ان نعيش.
التفت انا وهو لننظر لأختي التي بادرت بالإجابة، كانت تبتسم وكأنها في عالم غير هذا الواقع الحقير الذي نحن به الان! لم استغرب فهذا هو حالها المعتاد. مسحت على شعر اخي القصير لتقترب وتطبع قبلة على وجنته، ثم رفعت رأسها لتنظر الي بابتسامة دافئة، كانت هذه اخر مرة اشاهدها تبتسم بها او اشاهد ابتسامة على الاطلاق.
كانت الامواج تتلاعب بالقارب بقسوة، ترميه من موجة لأخرى لنتهاوى نحن ونمسك بقوة خوفاً من السقوط من على سحطه. أمواج تتوالى الواحدة تلو الأخرى وتهيئ لاقترابنا من نهايتنا، تضع بطريقتها خاتمة هذه الحكاية. كنت اُغمض عيناي لأمنعها من رؤية بشاعة ما نتعرض له، اثناء طيراننا على الامواج. الصراخ يزداد والبكاء يلعو بينما صوت انفاسي يطغي على الأصوات جميعها. اصطكت اسناني بحدة فوق بعضها عندما شعرت بشيء قوي يضرب القارب صوته كان عال شيء جعل يدي تفلت وتتحرك، لاُجرب الطيران للمرة الاولى، لتصبح هذه اول مرة أتحدى الجاذبية للحظات. أجزاء من الثانية انتهيت فيها من التحليق لأسقط سقوطا حرا بداخل شيء بارد، ها هي المياه التي لطالما خفت من السباحة فيها، سقطت اليوم بها شعرت انني على وشك ان ادفن داخلها، حركت يداي بحركة لا ارادية يمنيا ويساراً حتى رفعت جسدي للأعلى لأسمح لرأسي بالخروج منه لألتقط انفاسي، بدأت اسعل بقوة وانا اخذ كم كبير من الهواء، انتفخ صدري كله وهو يسحب الهواء لداخله، كنت أستطيع ان أرى الجميع وهم يصرخون ويحاولون النجاة، رأيت امي كانت بعيدة بعض الشيء تحاول ان تنجو وتصرخ تنادي علينا، حركت يداي لكن جسدي ابى ان يستجيب. ارتخى كله، حاولت الصراخ لأستنجد أحدهم، لكن لساني عجز، عقلي توقف عن العمل! يحاول ان لا يستوعب ما يحدث امامه، لا انه كابوس فقط! هذه ليست نهايتنا.
لحظة واحدة في الحياة سنرجو فيها انها ليست حقيقة، وأنه مجرد كابوس، نتمنى ان تكون حلم مزعج نستيقظ منه لنجد اننا ما زلنا نمارس حياتنا كما هي، لكن جميع تمنياتنا لن تحقق.
موجة قوية ضربتني لتصدر صوتا ترك صدى قوي على اذناي. صوت عالِ صدر ودفعة قوية قذفتني لداخل المياه من جديد لأسقط في الأعماق ويداي ترتخيان للأعلى. لأول واخر مرة اُجرب النظر تحت الماء.
هذه نهايتي وهنا انتهت قصتي
بل انتهت قصة ثلاثون شخصا كانوا في طريقهم لأرض قيل ان فيها سلام
قد نذكر في نشرة اخبار المساء، كمجرد رقم، عدد لا أكثر، لن يذكر أحدهم اسماؤنا، او حكايتنا، كيف ولدنا وعشنا
ستشرق الشمس، يذهب الطلاب لمدارسهم، وتتزوج احداهن ويذهب الرجال لعملهم. وسنُنسى! لأننا عشنا منسيون، ومتنا منسيون.
نحن قوم عشنا على ارض من المفترض ان اسمها دار السلام.
غنينا للسلام
قلنا عنه الشعر والقصائد
كان اسمه له الحصة الكبيرة من دعاؤنا
تحيتنا سلام
لكننا لم نره يوماً، سمعنا به كأسطورة
الا اننا لم نشعر به
مات بعضنا وهو ينتظره
ومات اخرون بسبب غيابه
سافر الكثيرون بحثا عنه
وهاجرنا نحن في البحر طالبين لقائه
حتى متنا ونحن لم نقابله بعد
سلام على سلام تركنا منذ زمن
سلام على من تمنى السلام
سلام على أرواح عانت بسببه
لا سلام لنا




















ظلام طويل لا اعلم كم دام، لكنني الان اشعر بأن هناك نوراً، أصوات مختلفة رغم ذلك أعجز عن تمييزها، فتحت عيني ببطء لأرى سماء زرقاء صافية، حركت رأسي جانبا لأرى عشبا اخضر هو الذي اضع رأسي عليه، بخفة وجدت نفسي انهض، وقفت انظر لنفسي مرتدية فستان ابيض يصل لركبتي، قدماي عاريتان تلامس العشب لكنني في الواقع لا اشعر به، لا وجود لصداعي المزمن او آلام ظهري، لا اشعر بأي شيء. نظرت لما يحيط بي، مساحة كبيرة من الشعب الأخضر ومبنى يشبه الكوخ الذي كنت اراه في التلفاز في طفولتي، كبير جدا لونه بني، به شرفات واسعة. رأيت بعض الناس يجلسون فيها واخرون يتجولون في الانحاء، لكن الجميع لا يراني! ولا انا! لا يمكنني تمييز ملامحهم، اراهم وكأنهم متشابهين لا يحملون ملامح ولا اختلافات، عبارة عن هيئات شيء اشبه بالخيالات. حملني جسدي الخفيف لأسير بينهم، لأسير وانا نكرة انظر لكل شيء بدهشة. ما هذا المكان! ولم انا به! إقتربت من هذا المنزل الكبير لأدخل بخفة هل كانت بواباته مفتوحة ام انني مررت من عبرها؟ توقفت لألتفت وانظر للباب الخشبي الكبير كان مغلقا! تلفت حولي لأجد شيء اشبه بالردهة لكن المكان بسيط جداً طاولة خشبية عالية يقف خلفها رجل هيئته بيضاء، يرحب بالوافدين وكأنه موظف استقبال، نوافذ كبيرة خشبية تسمح بمرور اشعة الشمس للنفاذ للداخل، ارض خشبية تعزف النساء عليها صوتا مميزا بخطواتهن بتلك الكعوب العالية، سرت وانا اراقب المكان لتأخذني خطواتي لسلم خشبي يتوسطه سجاد احمر. لا اعلم أي سرعة او خفة تلك التي جعلتني اصعد بها للطابق الثاني، وجدتني وسط ممر طويل به سجاد احمر في المنتصف، على الجانبي غرف منتشرة علق على أبوابها ارقام. سرت في الممر حتى توقفت امام باب مفتوح، دخلت لداخل الغرفة، كانت غرفة متوسطة الحجم بها نافذة واحدة وستارة بيضاء شفافة تتطاير استجابة للهواء المنبعث من النافذة، سرير خشبي بسيط فردي. التفت لأري جانبا كان هناك أحدهم، رجلا ًيجلس امام مكتب يوليني ظهره، مكتب وجهته على الجدار وبجانبه مدفئة كبيرة علق اعلاها لوحة غير مفهومة، باب صغير أخر بجانب المكتب الصغير وغرفة يغلفها ورق جدار ذهبي مزخرف باهت، بينما كانت عيناي تدوران في الارجاء أفزعني صوت: من انتِ؟
رأيت الرجل يقف امام المكتب لكنني أستطيع ان اميز ملامحه! كان شاباً ربما في أواخر العشرين، ابيض وشعره اسود مموجه، لديه شعر ذقن مرتب، يرتدي نظارة ذات إطار اسود عريض، طويل بعض الشيء. نظرت له وانا مصدومة، هل يتحدث معي! أيمكنه رؤيتي حتى؟ كرر سؤاله وهو يعقد حاجبيه بتوتر: من انتِ، كيف دخلتِ الى هنا؟
مددت يدي مشيرة ببلاهة تجاه الباب نظرت للباب كان مغلقا! اقترب وهو ينظر لي بغضب ليقول بفضاضة: اخرجي من هنا.
مد يده ليمسك بيدي ويجرني للخارج لكن تعلقت يده في الهواء، رفعت نظري له ثم عاودت النظر ليده ويدي! انا لا اشعر بشيء وهو قد لمس الهواء! ابتعد خطوة للخلف برعب كان فاهه مفتوحا من الصدمة، بقي ثوان ينظر الي يحاول ان يستوعب ما يحدث حتى انطلق بسرعة تجاه الباب فتحه بقوة ليصرخ لأحدهم، بقيت انا انظر أحاول تفسير ما يحدث. لقد مت لكن لم انا هنا؟ اليس من المفترض ان أكون في مكان اخر، لم تحديدا هو يراني؟ عاد ليدخل الغرفة وهو يصرخ وخلفه رجل بدا من هيئته انه أحد عاملي الفندق لكنني لم اميز ملامحه. توقف امامي وصرخ قائلا: كيف دخلت هذه الانسة الصغيرة الى غرفتي؟
لم أستطع رؤية ملامح الرجل لكنه بدا كأنه ينظر الي، أعاد النظر له قائلا: أي انسة؟
أشار الشاب تجاهي وهو يؤكد: هذه، امامك.
اجابه العامل: لا أرى أحد في هذا المكان سوانا.
اتسعت عينا الشاب وهو ينظر الي، نظر للأسفل ليغمض عينيه، اخذ نفسا عميقا ثم طلب من العامل الانصراف. رحل العامل بعد ان اغلق الباب خلفه، سار وهو مازال يتجاهلني تجاه مكتبه والتقط هاتفه من عليه ليعلق بينه وبين نفسه: هي ليست موجودة انت متعب فقط ستتأكد الان.
رفع هاتفه كأنه يهم بالتقاط صورة لي، صدر صوت التقاط صورة من هاتفه، نظر لهاتفه وهو يبتسم كأنه على وشك الانتصار لكن تغيرت ملامحه ليصدم بشيء شاهده، ليسقط من يده الهاتف. سرت مقتربة منه فانحنيت لأرى الهاتف الذي سقط على الأرض، نظرت للصورة كانت فارغة! نفس المكان الذي كنت أقف به لكنني غير موجودة! انا فعلا ميتة؟ بقيت مدهوشة لم انا هنا، اليس من المفترض ان أحظى بحياة برزخ؟ ان احاسب على حياتي!
دخل هو للحمام وتوقف امام الحوض فتح صنبور المياه وبدأ يغسل وجهه بقوة، غسل رأسه بأكمله. خرج من الحمام وهو ينظر الي بغضب والمياه تتساقط من على شعره الى وجهه، كانت عيناه بنيتان له رموش كثيفة، بقيت اُحدق بوجهه وانا في حيرة لم يمكنني رؤية ملامحه! اُغمض عينيه بقوة وضرب بكفه وجهه ليوليني ظهره قائلا بصوت مرتفع: لا انا اهلوس، انا بخير، هي ليست موجودة.
سار ليجلس على الكرسي الذي يقابل مكتبه ابتسم ليقل: انه ضغط فقط، كل شيء على ما يرام.
اقتربت منه وانا حائرة الشخص الوحيد الذي يراني ويمكنه مساعدتي قد جن! ببرود علقت: انا أيضا لا أستطيع فهم ما يحدث.
وضع يداه على اذناه واُغمض عينيه، نهض من مكانه بسرعة ودفع الكرسي بقوة ليسقط ارضا اغمضت عيني تبا أكره الاصطدامات، رفع نبرة صوته ليسألني: هيييي ما لذي تريدينه مني، توقفي عن هذا.
- ليتني أستطيع.
ساد الصمت في المكان الا أنفاسه السريعة، اقترب مني وهو متردد مد يده ليلمس كتفي ولكن أيضا علقت يده في الهواء، وانا لم اشعر بشيء، زم شفتيه واخذ نفسا عميقا ليكلم نفسه: لقد جننت، انا اتوهم.
قلت له: سبق وان اخبرتك أنك لست كذلك، انا أيضا، بقيت صامتة لثواني حتى أكملت: أستطيع، رؤيتك.
رفع أحد حاجبيه وسأل بدهشة: أأنتِ شبح؟ ام جن؟ ملاك؟
رفعت كتفي لأجيب: انا، اعتقد، انني، ميتة.
ابتسم بسخرية وهو لم يقتنع بعد بما قلته، دار حول نفسه وهو يتحدث بصوت مسموع: لا، لا يمكن لهذا ان يحدث، ماذا هل ستصدق ان هذه روح فتاة! هييي هل جننت، بل هل ستصدق ان لهذه الأشياء وجود!
بقيت اراقبه وانا صامتة، المثير للسخرية انني حتى عندما اموت لا أجد لنفسي مكان في عالم الأموات، صمت هو لدقائق وانا فعلت المثل. أكثر شيء اجدته عندما كنت على قيد الحياة هو الصمت. اقترب مني وقال وقد لمعت بداخل رأسه فكرة واقتدت عيناه حماسا ليقل: هذا رائع، ان كنت سأصبح مجنون برؤيتي لكِ فمرحبا بهذا الجنون.
نظرت له ببلاهة ليكمل هو: سأكتب قصتكِ، اشار بيداه وحاول اقناع نفسه، وان كنتِ وهم او هلوسات اصابتني فعلي الاستفادة منها، عاود النظر الي مستطردً اووه مثلا لم اعرفكً بنفسي.
اعتدل بوقفته ليسترسل بحماس: انا الكاتب محمد القيسي، بالطبع سمعتي عني.
حركت رأسي نافية، رفع حاجباه وقال بفخر: يبدو انكِ لا تقرئين فلو كنتِ كذلك كنتِ قد عرفتني فورا.
اشرت بإيجاب، اعتقد انني اكتشفت انني عشت ومت ولم اقرأ كتابا! قال مقترحا: لدي عرض لكِ.
أيضا لم اُبدي أي رد فعل فأكمل هو بحماس: سألتني ما هو وسأجيبكِ، العرض هو ان تحكي لي قصتكِ وسأساعدكِ في أي شيء تريدينه.
قلت في حيرة: انا ارغب، فقط بمعرفة لم انا هنا، أعني لم روحي هنا اليس من المفترض ان أكون في عالم الأموات؟
سألني بدهشة: انتِ لم تظهري هنا بإرادتكِ؟
حركت رأسي نافية، سألته: اين نحن؟
اجابني باستغراب: في إسطنبول، أعني في ضواحيها، أحد المنتجعات الهادئة.
علقت قائلة بشرود: لكنني غرقت في بودروم، أعني كنا هناك.
- سأحاول ان ابحث عن حادثة غرق كهذه مسح وجهه بكفه وهو يزفر، اقترب خطوة مني أكثر وهو يلوح في الهواء قائلا: لذلك انتِ تحتاجين مساعدتي، وانا احتاجكِ.
- من اجل؟
- كتابة قصتكِ.
قلت ببرود: لا أحد يرغب بسماع قصتي، صدقني هي ليست مشوقة.
قال مصراً: انا متشوق، احكي لي.
سار مسرعا تجاه مكتبه والتقط ورقة وقلم سحب الكرسي الخشبي وأشار الي، نظرت له أي انه لا يمكنني، فهم هو مقصدي فجلس هو وسألني بحماس: مهلا في البداية أخبريني ما اسمكِ؟
لم اجبه، بقيت صامتة، هل علي ان اخبره بإسمي الحقيقي، ذاك الاسم الذي كانوا يدعونني به الجميع عندما كنت حية! قبل ان انطق سألني قائلا: جوى!
!!
أشار بيده علي ليقول: هناك سلسلة تتعلق برقبتكِ عليها اسم جوى، هل كنت تضعينها قبل ان تتوفي؟
اجبت وانا اطرق برأسي. قال بابتهاج: ما رأيك ان اُطلق عليكِ اسماً اخر غير اسمكِ الحقيقي؟
اجبته ببرود: موافقة.
فرك ذقنه وهو يفكر بينما تدور عيناي في المكان، لقد مات الجميع جدتي، امي، ابي، اخي، اختي والجميع لكن لماذا علقت روحي هنا بمفردي! هل ستلازمني الوحدة حتى بعد موتي! قطع تفكيري صوته وهو يقول وبدا كأنه وجد اسما يناسبني: روح، سأسميك روح.
رفع كتفيه ليُكمل: لا اعتقد انكِ ستجدين اسما يناسبكِ أكثر منه.
























جوى


٨ ابريل ٢٠١٥

يقولون ان لكل شخص يحمل نصيبا من اسمه، وانا حقا تنطبق هذه المقولة علي، انا المولود الاول الذي وضعته امي، كنت سأقول انني الفرحة الاولى ولكنني لست كذلك، لقد كنت عبارة عن خيبة امل للجميع، نعم منذ ولادتي وانا افعل عكس توقعاتهم. ارادت جدتي (ام ابي) وابي مولودا ذكر. وشاء الله ان يخلقني من رحم امي التي كانت تدعوه ان يكون ذكرا خوفا من كلام (الناس)، حتى عندما ولدت امي القابلة عبست في وجهها حتى ظنت ان الطفل قد فارق الحياة ولكن الحروف تسربت من بين شفتاها العابستان لتقول: انها فتاة.
جدتي والدة ابي حمدت الله ان امي قد انجبتني في المنزل والا ما كان يلزم ان اولد في مشفى وفي النهاية سيكون المولود فتاة!
تهرب ابي من تسميتي كما ارادت امي ان تسميني على اسم والدة ابي (سعدية) لكن والد امي (جدي نعيم) حبيبي الاول بدلا من ابي، هو من سماني جوى لحسن الحظ انه فعل كذلك والا كنت سأكون سعدية.
وشاء القدر أيضا بعد سنتان ان تلد امي فتاة وتولى أيضا جدي نعيم تسميتها سماها (نجمة) اسمها كان رائعاً، حينها قد حرضت جدتي والدي على الزواج بأخرى لأن امي لم تنجب سوى فتيات، لكن كالعادة تصدى له جدي نعمان واقتلع تلك الفكرة الفاسدة من عقله، جدي نعمان كان مؤمن ان الفتيات ما هن الا أبواب جنة يرزق الله لمن يحبه من الإباء وكلما كثرت بناته كثرت أبواب جنته، وتؤمن جدتي سعدية اننا لسنا الا عار وعبئ لن ينفذ ابي منه الا بزواجنا او موتنا. شتان ما بين الاثنين!
منذ طفولتي وانا كنت متمردة، لم أكن عادية لا اشبه الفتيات العاديات، لم تكن تجذبني العرائس الألعاب ولا العاب المطابخ على عكس السيارات والعاب الصبيان، لطالما فضلت اللعب في الشارع، اللعب على الدراجات الهوائية بالطبع كنت اتلقى عقابا قاسياً بسبب أفعالي هذه لكنني بعد كل ضربة كنت اعود اقوى بإرادة أكبر، الضرب لم يكن يعلمني سوى العصيان أكثر لا الخضوع، يضربون الأطفال ليتعلمون واضرب انا لأتمرد عليهم أكثر. وها انا اليوم في نظر الجميع متمردة.
ولأنني كذلك فلم يكن سيليق بي سوى رجل مثله هو، ليس كمثله رجل ولا بعد سيأتي رجل مثله، هو ذاك الشخص الذي عندما تلتقيه تلعن كل تلك الايام والسنوات التي ضاعت وهو لم يكن فيها، هو الرجل الذي تهبه عمراً بأكمله.
كلانا كوكبان معتمان في فضاء واسع، كوكبان باردان بعيدان عن ضجة المجرات، لنا عالمنا الخاص بعيدا عن الواقع بلا منطق ولا قوانين، معه اتحرر من أي قيود واُصبح طيراً حراً. عشقه هو العشق الذي يستحق ان تنتظره طويلاً، كالمطر بعد فصل الصيف. معه أكون طفلة لا اخت كبيرة عليها تحمل المسؤولية، معه أكون انثى مثيرة، حبيبة مجنونة، صديقة وفية، معه أكون جوى حقاً.
كنت قد غفوت في احدى المرات التي أزوره فيها على السرير، منزله يشبهه جداً، كل شيء يطل على الاخر لا وجود للجدران، سرير واسع اسود جانبا امامه شاشة تلفاز كبيرة، مطبخ في الجهة الأخرى صغير، بار، ومكتبه الذي يعج بالفوضى.
استيقظت وشعري مبعثر ابتسمت بنعاس وانا انظر اليه يجلس امام مكتبه ويضع تلك السماعات الكبيرة الدائرية على اذناه، ولكن صوت الروك الصاخب قد استطاع ان يضع بصمته على الارجاء لأستمع اليه، نهضت وانا مرتدية قميصه الواسع الذي وصل لأعلي ركبتي، سرت تجاهه حتى احتضنته من خلف الكرسي ازلت السماعات وطبعت قبلة على وجنته فرك بيده الكبيرة شعري المموج البني ليبتسم قائلا: دعيني اريكِ شيئاً.
سألته بفضول: ماذا؟
جرني ليجلسني على أحد فخذيه ويشير الى حاسوبه المحمول، للصور الظاهرة عليه، قال وهو يريني اياها: ما رأيكِ؟
كانت صوري وانا نائمة، صورة وانا احتضن الوسادة وشعري يغطي وجهي، صورة أخرى بزاوية منخفضة قد صورت من قدماي حيث تظهران بوضوح ويظهر بقية جسدي مشوش، صورة وانا اقبض يدي كطفلة. أغلق الصور وقال: هذا يكفي.
مددت يدي أحاول فتح الملف الذي به الصور فأمسك بيدي ليعضها عضة خفيفة صرخت: اااه، هييي انت متوحش.
ابتسم ليقول: طعمكِ كالسكر.
ابتسمت وانا اقبل وجنته قائلة: وانت طعمك كالملح بالنسبة لي، كل شيء سيبدو بدونك بلا طعم.
علق ساخرا: أتقولين ذلك لأنك تحبين الملح كذلك.
سألته بالمقابل: لم قلت كالسكر وانت لا تضع سكر في قهوتك او شايك حتى.
ابتسم ليقول وهو يحاول النهوض: طمعه رائع لكنني اعلم جيداً انه مضر، بالرغم من انني اشتهي وضعه في كل شيء لكنني أحاول قدر الإمكان عدم الاقتراب منه، وهكذا انتِ ارغب بكِ بقوة لكنني لا يجب ان اقترب منكِ أكثر من ذلك.
بالمناسبة هو عكسي تماماً يهتم بطعامه، يحرض على تناول ما يفيده، عدا المشروب انه شيء استثنائي لديه، الا انه يتبع جميع المظاهر الصحية في الطعام والحياة.
نهض فاحتضنته من الخلف لأضع جبهتي على ظهره وابتسم وامرر يدي على صدره ذاك الكنز القوي الذي يخبئ قلبه الذي لي به مكان أكثر منه هو.
ان تشعر المرأة بأن لديها رجل، لا ذكر في حياتها، رجل تستند عليه عندما تنحني، رجل تضع رأسها على كتفه ليتساقط منها همها، وبلمسة منه تتأجج وصالها ومشاعرها، رجل يجعلها ملكة تشاركه في حكمه، رجل يصنع لها عالماً لا يضع عوالم بينهما، كل ما تريده المرأة هو رجل، لا ذكور بوعود مراهقين، بأحلام كاذبة.















روح


٢٠ مارس ٢٠٠٣

لأنك عراقي فالطبع لا يمكنك نسيان هذا التاريخ المعتم وذاك اليوم الأسود، لا اعلم ان كان يجب على ان أقول على الايام او الساعات انها سوداء فلطالما نهتني جدتي امل أفضل جدة في العالم على نقيض جدتي سعدية، منعتني عن تلقيب الايام بذلك وان جميع الايام هي لله وكل شيء قدره وقضاه هو خير، أي خير يا جدتي هو الذي ناله العراق بعد ذلك؟ أي خير شهدناه في الحرب؟ حرب اندلعت بيننا وبين دولة اسمها أمريكا لم أكن اعلم بشيء أكثر من هذا، لا اذكر جيداً ولكنني حينها كنت طفلة وصدقني ان الأطفال العراقيين قد ينسون كل الا ذكريات الحرب كيف لا وهل يرى الأطفال العاديون أشياء كهذه كل يوم؟ اعتقد انه بدأ الفجر، لأستمع للمرة الاولى لأبشع صوت يدخل اذني، واعتقد ان الجميع يتفق معي ان صوت (الغارة) هو الابشع، بل مرعبة هي كأنما تنذرنا ان النهاية اقتربت، بأننا على وشك الموت. بدت الأصوات مرتفعة جدا ومخيفة للغاية، كل شيء يهتز من حولنا، امي وجدتي امل تقرأن القران، اختي صامتة تبكي بصمت حينها اخي لم يكن قد ولد بعد، بينما ابي منزوي بمفرده، بكائي لم يكن عاديا بل كنت ارتعش، ابكي وانظر لمن حولي عل أحدهم يطمئنني، يخبرني اننا بخير وأننا لن نموت! هل شاهدتهم هذا المشهد من قبل؟ من طفل سألني نفس السؤال؟ انه اخي.
كانت امي تضع الكثير من القطن على اذني وكأنها ستمنع وصول الصوت لطبلتي. ذات مرة قد هدأت الأصوات فزاغت عينا اختي نحو التلفاز الذي كان يعرض أفلام تخص الحرب أيضا، تركت القران يستقر على جحرها، وفجأة عادت أصوات المدافع من جديد لتفزع اختي وتبدأ بتقليب صفحات القران وهي تحاول ان تتذكر ماذا كانت تقرأ من قبل. على ذكر الأفلام التي تخص الحرب أتذكر فيلمين وهما (الأرض) و (ما زالت الرصاصة في جيبي)، بالمناسبة بعد ان كبرت كلما كانوا يذيعون على القنوات المصرية أحدها كنت اتجنب مشاهدتها، الأفلام أيضا ترياق تحيي الذكريات داخلنا. اختي كانت تحب مشاهدتها في تلك الفترة، تلهيها عنما يحدث في الخارج. مدينتنا التي لم أتمكن من رؤية ازدهارها واكتشاف ينابيع جمالها كانت تصرخ مستنجدة، كانت تُضرب، تحاول الصمود.
مضى أسبوع على بدأ الحرب ولكنها كانت تزداد سوءً حتى قررنا ان نترك منزلنا في بغداد والذهاب الى أحد المحافظات الهادئة قليلاً، ذهبنا الى (ديالى) استأجرنا منزلا قديماً جدا. قبل الولوج اليه هناك ردهة لمحلات مغلقة وفي الداخل باب صغيرة تؤدي للمنزل حيث به باحة كبيرة، جميع افراد عائلة امي وابي اجتمع فيه، بحيث قسمنا المنزل علينا بل ضاق أكثر مما نظن. هناك الوضع اختلف لأننا كثيرون هذا يملك موضوعا للتحدث عنه وهذه تخبرنا بقصص حتى كدنا ان ننسى الحرب، ولكن الحرب لم تنسنا، وعاد القصف يقترب منا فخرجنا في تلك الليالي التي كان يشتد بها فنبيت في ردهة المحلات بعد ان نغلقها من الخارج، الجميع كان ينام على فراش نفرشه على الأرض. كانت جدتي امل تحاول ان تنسينا قلقنا واصوات القنابل، حكت لنا حكايات عن سندباد وبغداد التي لم نرها مزدهرة، وعلي بابا والاربعون حرامي على الأقل في ذاك التاريخ كانوا أربعين فقط، اعتقد انهم ازدادوا الان وأصبح اعدادهم بالآلاف، الغريب انني لا املك أي ذكرى عن بلادي قبل الحرب، صماء كانت قبل ذاك التاريخ وبدأت بتدوين الذكريات العصيبة من بعدها. قد ننسى كل شيء الا لحظات شعرنا بها ان هذه نهايتنا، ننسى العسل ولا يبقى لنا سوى المر لنتذكره.
جدي نعيم هو أكثر شخص كان في هذا الكون الذي اجده معه راحتي وفي كلامه متعتي، من خلال ذكرياته كنت أرى بلادي في ازمان مختلفة، عن زمن كنا فيه في المكان الاول حيث ننتمي، في زمن كنا وجهة للسلام لا للحرب، ولم يكن يذكر فيها اسم مدينتنا الا في تلك الاخبار التي تبث التقدم والحضارة، في الواقع جميع من في بلدي يعيشون على كلمة (كنا) هي من تصبرهم وتقويهم، الماضي الجميل هو الذي يبقيهم، في حين ان الجميع ينادي المجد للمستقبل ونحن ننادي المجد للماضي الذي لم نخضه من الأساس بل سمعنا عنه.
كانت من ضمن المتع ايضاً هو وجود دكان، يبيع أكياس رقائق البطاطا التي طبع عليها صور للاعبي كرة القدم، لم أكن افهمها ولم أكن مهتمة في فريق معين، الا انني كنت اشتريهم واقص الصور واجمعهم، كنا نتفاخر بأعداد الصور التي نملكها.
جدتي امل كانت تحضر لنا ايضاً (نستلة) هي تسميها كذلك، اختراع منزلي رائع يغنينا كان عن جميع الحلويات التي كنا نطالب بها، طبقة من البسكوت تصطف في قعر صحن مقعر ليغطيها طبقة من الشوكولا، ويترك ليجمد، فنأكله ليلاً وننسى الصواريخ، نلعق ملاعقنا لنترك لهم العالم ونطارد طعم بقايا الشوكولا.
اذكر يوم سقوط مدينتي، يوم ظنه البعض انه الخلاص، السبيل للخروج من القبو، لكنهم وجدوا ان القبو يسلك طريقاً نحو المجاري. كان المنزل في ذاك اليوم منقسم قسمين، ما زلت اذكر تجمع البعض امام شاشة التلفاز التي نقلت انباء سقوط بغداد تحت الاحتلال الأمريكي، نقلوا صور لتمثال صدام وهو ينحني لهم، هتف ذاك الطرف من المنزل، لأسير منطلقة للجهة الأخرى حيث كان الصمت سيد الموقف، كانوا هادئين، في اعينهم خيبة وانكسار، في عينيهم حب ودمار، في عينهم امل قد تبخر وطار.
بعد ذاك اليوم قد آن الاوان لنعود لبغداد، ولأننا كُثر فاستأجروا حافلة تقل الجميع، جلست على فخذ جدتي بجانب النافذة، راقبت الطريق بهدوء، رأيت مركبات روعتني للمرة الاولى، كانت مركباتهم ودباباتهم قد انتشرت كالمرض على جسد بغداد والطرق المؤدية اليها، وصلنا اخيراً بعد طريق طويل لمنزلنا في الكرادة، كانت نوافذ المنزل محطمة بأكملها، المنزل قد تلحف بالغبار، يبكي ويشكو الينا وحدته، يسرد لنا تفاصيل معاناته، بقدر الإمكان بدأنا حملة للتنظيف لنساعد امي، قبل حلول الليل، لأن الكهرباء حينها لم تكن قد عادت لوضعها الطبيعي بعد، كانت منقطعة بشكل تام. عدنا لمنزلنا ولم يعد حينها شيء على حاله، لا نحن ولا ارضنا.















عبدالله

٩ فبراير ١٩٨٥


هذا تاريخ يوم مولدي اللعين، يوم خرجت فيه الى هذا العالم القذر، وجودي ربما ازاده قذارة، أكره هذا اليوم وأكره اسمي، ما معنى ان يختار لي والدي اسم لا ارغب به، بل حتى انني لا أؤمن به، عبد، لا انا لست عبداً لأحد هذا ما ارغب ان يتقبله الجميع، انا رجل يراني المجتمع فاسد ويجلس رجال الدين على منابرهم ليلعنوني، ختموني بختم الترحيل لجنهم وأنها مصيري، فماذا اذن؟ ان كان مصيري واحد لم لا اعبث في هذا العالم ان كنت سأخلد غدا في نار يظنونها حقيقية، رجل يمتلئ جلده بالوشوم، وشوم لا أحد يفهمها، فقط يلعنونها، رجل يعشق الدخان والكحول بل انها تجري في أوردته أكثر من دمه. رجل صعب الطباع والمعاشرة، لا ضوء في عالمي مجرد ظلام دامس اعتادت عليه عيناي، امسيات معتمة لا نجوم في سمائي ولا قمر، الا نجمة واحدة قد زينت لياليي، نجمة اسمها جوى، تفاحتي المحرمة، المرأة التي رغبتي تفوق أي رغبة، امرأة استثنائية لا عطر يشبه عطرها ولا ملمس لأنواع الحرير يشبه ملمسها الناعم، القي بكل ما بي من شهوة في أجساد غريبة لأتخلص بما بي من دنس بعيدا عنها كي لا تتسخ بما اكنه لها من شبق.
لأنها تحب جميع الأعياد حتى الرسمية منها والغير رسمية كانت تحب ان تحتفل بيوم ميلادي بالرغم من معرفتها انني امقته، ما المذهل في ان سنوات عمري تزداد وانا عالق هنا على هذه الأرض انتظر حتفي. في ذاك المساء عدت للمنزل فتحت الباب لأدخل كان المكان مظلما كالعادة، أغلقت الباب خلفي لتفتح فجأة الأضواء لا لم اتفاجأ ثم ان عطرها قد حلق في المكان بأكمله وملأه، التفت لأراها تقف عند ازرار الإضاءة بجانب الحائط لتقول بمرح: انه يوم ميلاااااااادك.
خمنت قيامها بشيء كهذا، سرت لأرمي بمفاتيحي على الكرسي القريب من الباب، اقتربت منها حتى بقيت أقف امامها، كان ظهرها يلامس الجدار تبتسم ابتسامة واسعة وعيناها تشعان حيوية ولهفة. اقتربت أكثر حتى أسندت نفسي على راحة يدي التي استقرت بجانب رأسها، اقتربت منحنيا برأسي تجاهها وانا ارغب بتلقين هذه الصغيرة درساً، ثنت ذراعيها لصدرها لتسأل وهي تضييق عيناها ضاحكة: ماذا؟
ببطء امتدت يدي الثانية لتداعب خصلات شعرها المموج، قدر المستطاع أحاول ان اسجن قريني السيء، ارجوه ان لا يتهور ويلتهم بشهوته كل شيء، اقتربت هي مني لترفع نفسها مقتربة مني كانت ستهم بتقبيلي وهذا جل ما اتمناه لكن ليس الان وليست هذه الليلة بالذات، لم تكن قبلتنا الاولى ولكن قبلة هذه الليلة تعتبر تهديدا بالنسبة لي ولها فكل شيء بي منتصب متأهب لسلوك طريق يصعب عليها هي سلوكه، كل شيء اشعر به الان قد يجعلها تهوى في عالم من العتمة. لذلك قاومت وابتعدت لآخذ نفسا قائل: ماذا الم تحضري أشياء (خرابيط) كالعادة في مثل هذه المناسبات؟
صفقت بيداها وهي تجري تجاه المطبخ: بالطبع انتظر.
سرت لأخلع معطفي لأرميه على الاريكة واجلس عليها بكامل ثقلي لألتقط من امامي الكيس الصغير لأبدأ بلف سيجارتي بطريقتي، زاغت عيني ولساني يلحس طرف الورقة ناظرا لتفاحتي وهي في المطبخ منشغلة في حركتها السريعة للتحضير، راقبت جسدها الذي يفتك بي كل يوم، وهي مرتدية تحديدا هذه الليلة هذا الفستان الأسود الذي يصل لفخذها، خصرها المنحني المرسوم بعناية، شعرها الطويل المموج، ذاك اللون الأحمر قاتم الذي لونت به شفتاها، كل شيء بها انثوي يطمع برجولتي، الا انني هنا عاجز مكتفي بالمراقبة، اراقب قطعة حلوى لاذعة الطعم يسيل لعابي عليها كلما اقتربت مني، افقت من شرودي وصراعي مع شيطاني على صوتها وهي تغني لي حاملة كعكة بها شموع ابتسمت رغما عني لأعتدل بجلستي، وضعت الكعكة امامي لتقترب مني وتنحني طابعة قبلة قوية على وجنتي لتمد بيدها بالسكين.
- اقطع بالمقلوب وتمنى امنية.
علقت ساخرا: من المفترض ان تُحقق؟
ضربت كتفي بخفة مازحة: تمنى فحسب ربما تحقق.
تنهدت لأغمض عيني واقل بصوت مسموع: أتمنى ان اهجر هذه الأرض، ان لا اعود وابدأ من مكان اخر.
نفخت الشموع لألتفت ناظرا اليها، كانت عيناها خائفتان حدقتاها ترتعش، ابتسمت بسخرية لأقرص وجنتها قائلا: لا تخافي لن تتحقق على أي حال، اطمئني فمصيري ان اموت هنا.
دفعتني بغضب لتجلس بجانبي قائلة: اكرهك.
جررتها لأجعل رأسها يستقر على صدري لأضحك: احبكِ.
قبلت رقبتي هي مبتسمة: أتمنى ان لا نفترق ابدا.
لكن النجوم في تلك الليلة لم تكن عادلة لأنها تحيزت لأمنيتي وقررت ان تحققها لي، واهملت امنيتها.

انتِ مجرتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن