الفصل الواحد والعشرون

2.6K 90 3
                                    

محمد

ما حدث بالفعل

لم أتمكن من إيجاد فكرة فوراً فعلاج هذا المرض صعب، لا يوجد أي علاج صريح له، بل محاولاتنا تقع في علاج لمسبباته، كالإكتئاب، لكن اولاً عليها تقبل الحياة، لتتمكن من سرد قصتها، لأغوص في الدوافع التي جعلت منها الفتاة البائسة هذه، انا مؤمن ان جزء مهم من شفاء المرضى النفسين موجود في البوح، ان أطلقوا العنان للسانهم بالتحدث عن كل ما يمروا به، لكن بعض الزملاء يجدونني متحمس أكثر من اللازم لأن نصف رحلة الشفاء في اخذ الادوية، على تحديد أولاً مسار العلاج الذي انوي سلكه، كنت اقف بالساعات اراقبها عبر النافذة وهي نائمة، شعرها الأسود الذي يغطي الوسادة اسفلها، لون بشرتها الذي اصبح شاحباً اكثر، دخلت للغرفة لأقترب اكثر، توقفت بجانب سريرها، كان هناك سلسلة تتعلق برقبتها التي برزت عظامها كثيراً قلت وانا اقرأ الاسم المكتوب: جوى، اسم جميل.
نظرت للطاولة التي بجانب سريرها، كان هناك صورة أحدهم وضعها، كانت وكأنها طبعت على ورق عادي ليست صورة، امسكت بالورقة لأرى فتاتين، احداهما يشع وجههما بالابتسامة وأخرى كانت تبتسم بنعومة بهدوء، ابتسمت لأخاطبها بصوت مسموع: ها انتِ هنا في الصورة.
قلبت الصورة لأرى ما كتب خلفها (جوى ونجمة٢٠١٤)، كانت ابتسامتها تلك هي منطلق لفكرة جديدة، حافز يدفعني لأن اعيد رسمها على تلك الشفتين، بحثت طويلاً واستشرت الكثير من اساتذتي، بعضهم اخبروني ان مرضها مسألة وقت لأن جسدها لن يقوى، جعلوني اتحطم بأنها قد تموت، وبعضهم حفزني بأفكار لم اجدها مناسبة، أيام وانا انام واصحو على فكرة واحدة وهي كيف سأعالجها، الى ان وجدت الفكرة فانطلقت الى مكتب الدكتورة نيولفر في المصح الخاص الذي تملكه، هو مصح لا يشبه أي نوع من المصحات النفسية، بل يبدو كمنتجع سياحي وسط الغابات، العلاج فيه يعتمد بشكل كبير علي التواصل، والجلسات النفسية بالتواصل مع الطبيعة، بخلق بيئة طبيعية للمريض تشعره انه بخير ليس ملزوم بأي شيء، هو أيضاً افادني شخصياً فالعمل في هذا المكان الرائع يمنحني طاقة اكبر، لاسيما ان المبدأ الذي اُقيم من اجله المصح يناسبني تماماً.
دخلت لمكتبها بعد ان سمحت لي مساعدتها، طرقت الباب وانا احمل بيدي الأخرى ملفها، قلت بحماس دون تحية: وجد فكرة رائعة.
ابتسمت لتخلع نظارتها قائلة: ما كل هذا الحماس يا محمد!
سرت مقترباً من مكتبها، ناولتها الملف لأجلس على الكرسي الذي يقابل المكتب قائلاً: سايكودراما.
كانت تقلب بصفحات الملف فلم تنتبه لما قلته: ماذا قلت؟
- سايكودراما، سأدخل التمثيل واخلق قصة لعلاجها النفسي.
ضيقت عينيها تفكر: فكرة مثيرة.
اقتربت أكثر ن المكتب لأكمل: هي تريد ان يصدقوها بأنها ميتة، سآفعل، سأمثل انها فعلا ماتت، لكن يجب ان يتم نقلها هنا، لتكتمل الخطة.
علقت مازحة: هل شاهدت فيلماً في الامس؟
- هههه سأصنع لها فيلماً.
- وكيف ستتدبر وتهيئ الظروف.
في الواقع لم تكن الخطة تحتاج الكثير من التعب والتفكير، عندما كادت تستيقظ ككل يوم، قمنا بوضعها في حديقة المصح في الخارج، بدلت الممرضات ثيابها ليلبسانها ثوب ابيض يليق بفتاة ماتت، راقبتها من خلال نافذة الردهة في الأسفل، لحسن الحظ انها عندما استيقظت لم ترى نظرات المرضى والممرضات الذين يراقبون بفضول خطواتها، لأنها لا تستطيع حتى من تمييز الملامح، راقبتها تسير تجاه مدخل المبنى رأيتها وهي تحدق في كل شيء بتعجب، ابتسمت لأن البداية تبشر بالخير، رأيتها تهم بالصعود للأعلى، فسرت بخطوات سريعة تجاه غرفتي التي حرصت على ترك الباب مفتوحاً ليس كما اخبرتها انه كان مقفلاً، كنت قد جهزت صورة للغرفة وهي فارغة بحيث ان توقفت في مكان سأتظاهر بتصويرها لتظهر الصورة فارغة، بالإضافة فضلت ان اخبرها انني كاتب وارغب ان تبوح لي بقصتها لأكتبها، وهي وسيلة لتسرد لي تفاصيل حياتها وماضيها، لكنها في لحظة معينة كانت اذكى مني عندما سألتني لم ادون ملاحظات، لحسن الحظ انني حينها وجدت إجابة مقنعة.
سقوطها لم يكن اختفاء كما اخبرتها، بل لأن طاقتها محدودة، جسدها الهزيل لا يقوى على الوقوف لوقت حتى بل الاستيقاظ، فكانت تسقط تعباً، خلال فترة نومها كنا نضع لها المغذي لأنها ما كانت ستقتنع بفكرة تناول الطعام، اما بخصوص رؤيتها لجدها فكانت عبارة عن أحلام، لكنني بطريقة اما اعتبرها وسيلة من عقلها الباطن ليجعلها تتمسك، تقاوم، فجدها هو بالنسبة لها امتن الخيوط التي كانت تربطها في الحياة، بعد انقطاع ذاك الخيط وموته، اختلت الموازين لديها، لذلك في هذا الوقت كانت محاولة لخلق جسر، او ربما كرأيي شخص طبيعي مؤمن من ان الموتى يشعرون بالأحياء فهناك احتمال ان يكون حقاً جدها شعر بما تعانيه لذلك كان يزور احلامها ليدفعها للمواكبة، لولا تلك الاحلام لا اعتقد انها كانت ستشعر بالطبيعة، وبي. شعورها بالمؤثرات الخارجية دوناً عن رؤيتها للناس هذا يؤكد انها تصالحت مع محيطها ليس الناس، بأن مصادر الإحساس في جسدها قد تمكنت من إعادة الشعور بما يصيبها، المرضي الأخرى لنفس مرضها قد يُجرحون، يسقطون، تتهشم عظامهم لكن نقاط الإحساس بالألم تكون شبه معطلة، يمكنني ان اعتبر تدخل روح جدها او ربما كما ذكرت خلقها لحلم به جدها كانت ضربة الحظ التي انتظرها.
ننتقل بعد ذلك لذهابنا للمشفى المركزي، تعلقها ومطاردتها لفكرة ان تكون في غيبوبة هي بصيص الامل الذي قادها بشكل نسبي للعلاج، احساسها ثم احساسها بي، كان شيئاً مثيراً.
سألتني الدكتورة نيولفر لتقاطعني من سرد تفاصيل ما فعلته: فعلا شيء مثير، أعني تواصلها مع الطبيعة هو شيء معتاد لشخص مقت العالم، لكن شعورها.
أكملت انا: هذا يدل انها تثق بي.
نهضت من كرسيها لتسير بإتجاه النافذة لتسألني: اخبرتها بكل شيء؟
اجبتها: لا، أعني انني اخبرتها بمرضها وكيف مثلت عليها، لكنني لم اُخبرها بقية التفاصيل.
التفت الي لتنسد نفسها على ظهر كرسيها الجلدي المتحرك: ومتى تنوي فعل ذلك، أعني ما هي خطتك لسير بقية العلاج؟
- هي لم تكمل بقية القصة، سأخبركِ بعد ان انتهي من هذه المرحلة، احتاج المزيد من الوقت، فنحن الى الآن لم نواصل بقية الجلسات، انتظرها ان تستوعب ما حدث لنكمل.
انتهيت من الحديث مع استاذتي، لأذهب فوراً لغرفتها بعد ان عادت للمصبح، لذات الغرفة التي قمت بالتمثيل بأنها غرفتي، طرقت الباب لأفتحها، دخلت للداخل، لم تكن على سريرها، بل تجلس على حافة النافذة العريضة، تراقب العالم الخارجي وهي تضم ساقيها لصدرها، ابتسمت قائلاً: مرحبا.
التفت الي بهدوء دون ان تعلق ثم عادت لتنظر للخارج، اقتربت من النافذة توقفت بالقرب منها علقت وانا انظر للخارج: لم لا نخرج؟ نتحدث.
نهضت من مكانها دون ان تجيب، انتصابها كان إجابة بحد ذاتها، خلعت عني معطفي الأسود لأضعه على كتفيها قائلاً: قد تصابين بالبرد.
بقيت هي تنظر الي باستغراب، رفعت يدي لها لأسألها: هيا بنا!
نظرت ليدي لثواني، ثم لوجهي حتى وضع يدي بين يدي، هي حقاً تثق بي، تحتاج للشعور بأن هناك احداِ بجانبها، يمكنها ان تمسك بيده، هذه اهم الأشياء التي افتقرتها بعد موت جدها.
يد بيد خرجنا لنسير في الحديقة، سألتها اثناء سيرنا: اما زلتي ترينهم ظلال؟
حركت رأسها بإيجاب، إجابة متوقعة هي لم تشفى بعد، تحدثت اثناء مشينا: هذه المرة عليكِ ان تخبريني بكل شيء، ليس من مقابل مساعدتي لكِ، بل فكري بها من منظور اخر، كأنني صديق.
توقفت لتنظر الي ببرود قائلة: تريد ان تساعدني لأنني حالتك، ليس لأنني أعني شيء لأحد.
اكدت على ما قالته هي: بالفعل ارغب بمساعدتكِ لأنكِ حالتي، لكن هناك شيء أكبر من عملي، وهو ان افتح السبيل لفتاة صغيرة مثلكِ لترى الحياة مجدداً.
اشاحت بوجهها بعيداً عني، أكملت انا: اسمعيني جيداً، كونكِ لم تغرقي، وما زلتِ تقفين امامي هنا، فهذا دليل على ان الله منحكِ فرصة لإعادة النظر في الحياة، وكأنها فرصة لخلقكِ من جديد، لنتفق ان الفتاة التي تحملين اسمها الان وهي روح، كائن جديد قد خُلق بعد الغرق، حتى انني لن ادعوكِ بإسمكِ الحقيقي ابداً، انتِ روح، التي ستحكي كل ما مرت به في الماضي، ونكتب كل هذا في صفحة لنحرقها لا نطويها.
شدت المعطف على نفسها اكثر اثر هبوب نسمات باردة، ابتسمت لأنها تشعر بالبرد كما افعل انا، لا اكثر مني ولا اقل.
سارت وهي تقول ببرود: ساُكمل.
لتعود لسرد بقية ماضيها لي.


































روح
٢٥ ابريل ٢٠٠٨

هذا هو يوم مولد اخي، امير، فرحة ابي الكبرى، لم يفرح هكذا بنا عند ولادتنا انا واختي، بل فقط الفرح يخصص عندما يولد الذكور، لا فرح يخص الإناث، هو من قام بتسميته على عكس إسامينا انا واختي عندما استعر حتى من تسميتنا، لحسن الحظ ان جدتي سعدية كانت ميتة حينها والا كانت ستبجل اخي أكثر منا حتى، بالمناسبة ابي لم يدعوه أحد باسم (أبو جوى)، من العيب ان يُدعى الرجل باسم ابنته الأكبر او أي ابنة، بل يجب ان يكون باسم ابنه او ذكر وان لم يكن لديه، كان يدعونه قبل ولادة اخي ب(أبو حسين) وهو ما اعتاد عليه الجميع عندما يرون احداً اسمه (علي)، شتان ما بين ابي (علي) وعلي خطيب ياسمين. كان ابي يدعه يفعل ما يُريد، عندما كانت امي توبخه يتشاجر معها قائلاً: دعيه يفعل ما يشاء هو رجل، حاسبي ابنتيكِ اللتان جلبتا العار لنا. عن أي عار تتحدث يا ابي؟ دوماً كنت اجي كلمة العار ترتبط بنا، هل العار يُخصص للنساء فقط؟ لحسن الحظ ان جميع الخلق سيُنادى بأسماء امهاتهم يوم القيامة، بأسماء نساء استعروا منها في الدنيا. عندما كان امير يسبني انا واختي اثناء شجاراتنا كان ابي يصرخ بنا بأن ندعه، بل احياناً كان يضحك مشجعاً إياه: أجل هكذا يا ولدي، اريدك ان تكون رجلاً، اصرخ بهن.
هذه هي الرجولة التي كان ابي يتحدث عنها، الصوت المرتفع والضرب، ممنوع ان نشتم او نتلفظ بألفاظ سيئة لأننا فتيات، ومباح لطفل صغير ان ينطق بها، ليس هو بمفرده، بل حتى أصدقائه كانوا هكذا، أحد أصدقائه كان يمنع اخته الكبرى من الخروج فتهتف امه قائلة: (يمة فدوة للرجال، عفية اصكرها).
بالرغم من معاملة ابي الرائعة لأخي لكنه كان في وقت الشجار يخاف، يجري ليدخل غرفته، انا واختي من كنا نشهد عليها، ونتدخل بها، كان يحاول بقدر الإمكان الهرب من العواصف التي تضربنا بشكل يومي، حتى بات يجلس طوال الوقت في غرفته، نراه بشكل طفيف في أوقات تناول الطعام.
















جوى

٣٠ أكتوبر ٢٠١٥

كنت قد انتهيت من محاضراتي مبكراً، قررت ان اذهب لمدرسة أمير لأخذه معي اثناء عودتي للمنزل، دخلت للمدرسة الابتدائية للبنين، استأذنت من الوكيل ان اخذ اخي معه وسط تملقه لي واسئلته الفضولية حول انني عزباء ام لا، وعن دراستي، تملصت منه بصعوبة حتى اتجهت لصفه، سرت في الممرات وانا أرى بعض الاولاد يمرقونني بنظرات اعجابه كأنهم يغازلونني، ابتسمت لتطورهم ونضجهم المبكر لأن يغازلوا فتاة في الثانية والعشرون، وصلته لصفه كان الباب مفتوح واحد المعلمين يقف امام السبورة يشرح لهم، كان شاباً مرتب، لا شيء اكثر، طرق الباب بيدي وانا ابحث بعيني عنه حتى رأيته يجلس في الخلف، انتبهت للمعلم الذي ينتظرني ان التحدث معه، فقلت بارتباك : اوه، اعتذر عن المقاطعة، جئت لأخذ اخي للمنزل، امير.
رحب بي المعلم ليسألني: أيمكننا ان نتحدث قليلاً.
شعرت بالقلق، لكنني بالطبع سمحت له، خرج من الصف ليسألني ونحن نتوقف على جنب: هل والديكِ على قيد الحياة؟
اجبته باندهاش: اجل.
- لم لا يأتون لحضور مجلس الإباء او عندما نرسل لطلب رؤيتهم.
سألته بشك: هل فعلتم ذلك.
اجابني بتأكيد: مراراً، مستوي اخاكِ متدني جداً. مشاغب للغاية، لا يقوم بحل واجباته، الكثير علي اخبار والديكِ به.
صدمت مما قاله، لم أكن اعلم ان امير مهمل لهذه الدرجة، بل انني لم انتبه ان كانت امي تشرف على واجباته يومياً ام لا، حاولت ان اطمئنه: سأحاول حل كل شيء.
ابتسم الي ليدخل للداخل ويأذن لأمير بالخروج، خرج وهو يسحل حقيبته في الأرض، اشرت بحزم لحقيبته قائلة: احملها.
ثنى ذراعيه لصدره ليقل بعناد: لم افعل.
هددته: ان لم تفعل ما أقوله، فصدقني انني مجنونة وقد افعل شيء يحرجك امام اصدقائك.
نظر لي بحقد ثم انحنى ليلبس حقيبته في ظهره، نزلنا للطابق السفلي وبخني قائلاً: لم اتيتِ؟ بل كيف تأتيتن لهنا؟ ماذا سيقول عني أصدقائي عندما تأتي اختي لأخذي.
اجبته ببرود: سيقولون أنك محظوظ لأنك تملك اخت تهتم لأمرك.
تأفف مني لنعود للبيت سائرين على القدمين بينما كان يضرب الأرض في كل خطوة، وصلنا أخيراً للمنزل فرمى حقيبته فور دخوله اوقفته عندما حاول ان يجري بإتجاه غرفته: التقطها هيا.
قال بدون اهتمام: سترتب امي البيت، او احمليها انتِ، انتِ فتاة.
أتت امي اثناء توبيخي له: احملها، اخدم نفسك بنفسك.
علقت امي وهي تمسح على شعره: دعيه انه متعب من المدرسة، وجهت كلامها له، حبيبي اذهب وغير ثيابك ريثما اضع الطعام على السفرة.
انطلق هو بنصر تجاه غرفته بينما انا اشتطت غضباً من كلام امي، هي من تعلمه وتغذيه بدلالها هذا، قلت لها بعتاب: دلالكم له قد أفسده.
اتجهت لغرفته في الأعلى، كان هو قد غير ثيابه وراماها ارضاً، أغلقت الباب خلفي وانا اسدد نظرات الغضب تجاهه قائلة: لم تجلس في الخلف في صفك؟
علق قائلاً وهو يعبث بجهازه اللوحي: ماذا تريدينني ان اجلس في المقدمة مع الفشلة.
- فشلة! ان كانوا هم فشلة فمن الرائع انت؟ بدرجاتك المتدنية؟
علق وهو يلعب بجهازه احدى الألعاب: لا شأن لكِ، ابي لا يقول لي شيئاً.
سرت تجاهه وهو يجلس على السرير بغضب سحبت منه الجهاز لأصرخ به: عندما تتحدث مع من أكبر منك، تحدث بأدب وتركيز.
نهض ليقف على سريره ليصبح موازي لطولي: انتِ سيئة، لا أحد يحبكِ، حتى انكِ تضربين كل يوم لأنك لا تسمعين كلام امي وابي، ابي يقول انكِ عاهرة.
اتسعت حدقتا عيني فور سماعي ما قاله لي، ظننت انه لا يستمع لما يقوله ابي لي اثناء شجاراتنا، بل وظننت انه لا يعلم معنى هذه الكلمة، مهلاً كيف يدعونني هكذا؟ رفعت يدي للأعلي لتهبط كصفعة على وجنته، تجمد هو في مكانه وانا كذلك، صرخ يبكي مستنجداً باُمي وابي، لبا نداء الاستغاثة له فوراً بينما انا انطلقت لأخرج من البيت بأكمله، لا لست في وضع يمكنني من الدخول في مجادلة معهم، علي ان استجمع نفسي اولاً.
ذهبت لمنزل عبد الله، اهرب الى عالمي الخاص، حاولت منع نفسي من البكاء وانا داخل سيارة الأجرة، وصلت لمنزله، لم تكن سيارته في مكانها، يبدو انه في الخارج، أخرجت مفتاحي الخاص، لأدخل للداخل، أغلقت الباب خلفي القيت حقيبتي على الأرض وسرت لأجلس على الاريكة، اذنت لدموعي بالنزول، متى أصبحت سيئة لهذه الدرجة؟ متى أصبحت استخدم الضرب وسيلة للتعبير عن غضبي؟ سمعت صوت الباب يفتح التفت لأراه قد عاد، توقف عند الباب ينظر الي بقلق حاملاً حقيبته علي كتفه، اغلق الباب ليأتي تجاهي فوراً: ما بكِ.
نهضت لأحتضنه وازداد بالبكاء، قلت له وسط شهقاتي: انا سيئة، لقد ضربت اخي.
اجلسني ليمسح بيده دموعي، حاولت تنظيم انفاسي، بلعت ريقي لأخبره عما حدث، قلت وقد عادت دموعي تتجمع في عيني: تخيل انه نعتني بالعاهرة! لأنه سمع ابي يقول عني ذلك، أترى الى اين ابي اوصلنا!
بإبهامه مسح وجنتي المبللة: انه طفل، لا يعي ما يقول.
- أصبحت سيئة كأبي، عندما يمسني الغضب ابدأ بالضرب.
- اشششش، وضع يده على شفتي ليكمل، انتِ لستِ كذلك، انتِ أفضلهم.
ابتسمت له لأقاوم دموعي، مطيت شفتي لأعلق: لكنه بات سيئاً جداً، امي وابي قد افسداه.
قال ليحاول اضحاكي: انتِ ماهرة في ترويض السيئين.
- انا انجذب اليهم ربما.
اقترب ليقبل شفتي بهدوء فأغمضت عيني لسحر شفتيه، ابتعد ليجعلني ادوخ فتحت عيني فابتسمت له قائلة: اعتقد انني الان املك طاقة لمواجهتهم، امسكت بيده بقوة لأكمل، لأننا معاً.
ثرثرنا قليلاً، لكن أزعجنا هاتفي لكثرة الاتصالات، اعلم ان بإنتظاري عقاب في المنزل، لا بل عقابين، نهضت من مكاني قائلة: يبدو ان علي ترك الجنة والذهاب فوراً للجحيم.
قال بخيبة وهو يعود بظهره للوراء على الاريكة: ليتني أستطيع انتشالك منها.
ابتسمت وانا اترك يده واهم بالخروج: سنفعل، هههه في يوم ما.
- اها.
ضحكت وانا اخرج، اعلم انه كاذب، ليس لديه امل، بل هو يستمر لأن علينا الاستمرار، لأننا قد نموت مختنقين ان خرجنا عن حبنا، لذلك هو معي، بينما انا احارب واعيش لأنني أرى نوراً امامي، أرى مجرة كاملة بإنتظاري.
عدت للمنزل وانا مستعدة لسماع النشيد التوبيخي كالعادة، كان ابي حينها في الصالة يجلس بوجوم، بين أصابعه سيجارة تحترق، يراقب الاخبار ببرود واقتضاب، بينما امي تضع امامه الشاي وبلسان معسول تدعوه لشربه، دون كلمة شكر كعادته اخذه منها، زاغت عينه تجاهي وانا أقف عند باب الصالة، اعتدل وهو يضع (استكان) الشاي على الطاولة، ليرحب بي باستهزاء: اخيراً عدتِ؟
ابتسمت له بنفاذ صبر، ليبدأ بحسابي: كيف تضربين اخاكِ؟ من الرجل بكما؟ من سمح لكِ بلمسه.
قلت وانا اجز على اسناني: هل يحق للرجل الضرب فقط؟ أعني لأنني امرأة فيجب ان اتلقى الضرب؟
استفزني أكثر: اجل هو كذلك.
- لم تحاسبه على ما نعتني به؟ على ذاك اللفظ السيئ الذي قاله بحقي؟
رفع يده مهدداً: ويلكِ ان تدخلتِ به مرة أخرى، مفهوم؟
اجبته لأنهي النقاش: مفهوم.
انطلقت للطابق العلوي، مررت من جانب غرفته حيث كانت بابه مفتوحة، نظر لي من بعيد بينما انا حاولت تجاهله، دخلت غرفتي رأيت نجمة نائمة تأففت ارغب بالحديث، سمعت صوت الباب يُفتح، التفت وانا أقف امام مكتبي فرأيت امير يقف عند الباب، قلت بحزم: لا يجوز فتح الباب هكذا، عليك الاستئذان.
اغلق الباب حتى ظننته رحل، لكن سمعت صوت طرق الباب، ابتسمت لأسأل: من الطارق؟
جاني صوته من خلف الباب: انه انا.
أسندت جسدي علي المكتب لأضم ذراعي لصدري: تفضل.
فتحت الباب واغلقه خلفه، اقترب مني حتى أصبح يقف امامي مباشرةً، قال وهو مطأطأ الرأس: انا اسف.
رفع أحد حاجبي لأسأله: على ماذا؟
اجابني ومازال ينظر في الأرض: لأنني شتمتكِ.
وضعت يدي علي خصري قائلة: وماذا ايضاً؟
- ولأنني سيئ.
ارخيت يداي ووضعتها على كتفيه وانا انحني لأصبح في مستواه: انت لست سيئ، قلبك مازال نقياً، لكن لا تقلد أي أحد، ليس جميع من يكبروننا محقين دائماً، دع قلبك من يقدك، ان رأيت أنك سعيد بفعل معين، افعله، أترى ان رفعك لصوتك والحديث مع اختك الكبرى شيء يجعلك سعيداً؟ أترى ان احزاني شيء يدعو للسعادة؟
حرك رأسه نافياً، امسكت بذقنه ورفعته لأنظر لعينيه قائلة: لنعقد اتفاق، مهلاً لاُريك.
التفت على اللوحة الوبرية التي اُعلقها اعلى مكتبي قائلة: سأضع ورقة هنا، اكتب عليها كل فعل جيد تقوم به خلال الأسبوع، سواء كان في الدراسة او مع أي أحد. وفي نهاية الأسبوع ستكون لك مكافأة.
سألني والحماس يتوهج داخل عيناه: ما هي، ما هي؟
قمت بحك جبهتي اُفكر ثم انطلقت اُخبره: ممم مثلاً، اصطحبك للذهاب للسينما، او نشاهد احد الأفلام معاً في المنزل، بالإضافة سأعد لك البان كيك الذي تحبه بالشوكولا.
صفق بيده وهو يقفز ليحاوط خصري قائلاً: اتفقنا، انا موافق.
رفعت كف يدي لأضرب بخفة كف يده دليل على إتمام تلك الصفقة.


انتِ مجرتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن