الفصل التاسع عشر

2.4K 86 6
                                    

روح

الحاضر

وصلنا للمشفى أخيرا، لم يصف صديقه السيارة بل أنزلنا امام الباب الرئيسية التي كانت تزدحم بحركة الدخول والخروج من جميع الفئات، أصوات سيارات الإسعاف تنتشر في المكان، مد محمد لي يده ليسألني بنظرة تأهب: مستعدة؟
نظرت للمشفى، ثم له، تذكرت كلام جدي في ذاك المكان، أجبته: مستعدة.
وضعت يدي في يده، شعرت ببعض الطمأنينة، سرت برفقتها لندخل عبر البوابة الزجاجية، فتحت فور اقترابنا منها، دلفنا للداخل، كانت كبيرة للغاية، ردهتها واسعة، في المنتصف كان هناك مكتب الاستقبال، المصاعد كانت جانبا، تتوزع الممرات من خلال هذه الردهة لتصبح طرق طويلة واسعة، كراسي انتظار تصطف على الجانب يجلس عليها البعض، الأرضية كانت لامعة، تعكس كل شيء عليها، ومنظف وضع لافتة صفراء على الأرض لينظف مساحة صغيرة، سرت برفقته ويدي ما زالت تمسك يده، صعدنا على السلم الذي اختبئ خلف باب بيضاء، سلكناه لنصعد للأعلي، عند كل طابق كتب رقم على لوحة مربعة بجانب باب تؤدي اليه، وصلنا للطابق الثالث، كانت الممرات بيضاء على جانبيها يوجد حزام يستند علي المرضى اثناء سيرهم، تدور الممرضات كالنحل في المكان، ضجة مألوفة، سرت خلفه تنتقل في الممر بين الغرف، بجانب كل باب توجد نافذة تظهر ما بداخل الغرفة، توقفنا امام غرفة علق على بابها رقم ٢٣٤، نظرنا من خلال النافذة لكن الستائر تحجب الرؤية، مرت ممرضة فبادر هو بسؤالها باليونانية، فتحت هي له الباب وهو يقول لي: لنرى.
دخلنا للداخل لأصوب عيني فوراً على السرير، لكن كانت هيئة رجل، بقيت متصلبة في مكاني بينما صمت هو يراقب الراقد امامنا، سألني وهو ينظر الي: لا يمكنكِ تميز ملامحه؟
حركت رأسي نافية وانا غارقة بصدمتي، التهمتني الحيرة والخذلان! تحدث هو مع الممرضة ثم انصرفت هي لتخرج وتتركنا، اقترب هو من سريره ليقل: تقول انه كانت توجد سيدة ولكنها كبيرة في السن في غيبوبة ايضاً تعرضت للغرق على متن احد القوارب التي تهاجر هجرة غير شرعية، صمت لثوان فنظرت له ليتم كلامه: لكنها ماتت، لحسن الحظ انها ليست انتِ فهي في عقدها الرابع.
شعرت بيده تعتصر يدي، نظرت ليده ويدي، رفعت رأسي ناظرة له بحزن، خرجنا من الغرفة صامتين دون حماس، انطفأ الامل داخلنا، هم هو بالدخول لأحدى الغرف، عقدت حاجبي ناظرة له فقال بهدوء: دعينا نتحدث هنا.
انسقت معه لأدخل لغرفة خالية، بها سرير واحد عليه فراش ابيض، نافذة صغيرة، وادراج خشبية باهتة، تلفاز معلق على الجدار يبث الاخبار، واريكة لونها اخضر غامق أسفل التلفاز تقابل السرير، شعرت انني سبق وقد رأيت هذه الغرفة، إحساس بداخلي يخبرني انها ليست المرة الاولى التي أرى بها هذا المكان، تركت يده لأدور حول نفسي ممسكة برأسي، ما الذي يجري؟ ما كل تلك الالغاز التي أعجز عن حلها؟ نطق هو ليجعلني افيق: ما الذي تفكرين به.
علقت ببرود وانا ارفع كتفي: اختفى ذاك الامل.
اقترب مني خطوة ليسألني: بأنكِ على قيد الحياة؟
حركت رأسي بإيجاب، اقترب أكثر حتى أصبح يقف امامي مباشرة ضيق عيناه ليقل: مرحباً بكِ مجدداً في الحياة.
لم افهم ما قاله! بقيت انظر له بروعة، قال بهدوء وهو يمسك يدي برفق ويجرني لأجلس على طرف السرير الأبيض: سأشرح لكِ كل شيء.
قبضت يدي بتوتر بعد ان شعرت انها ترتعش، قال لي بتركيز: انتِ لم تموتي من الأساس، تنهد ليغمض عيناه ويفتحها، ولستِ في غيوبة.
شعرت بعيني وهي تفتح نفسها أكثر من هول الصدمة! تجمعت كل الأسئلة داخل رأسي، لكنني نفخت عليها لأجعلها تتطاير، لترحل عني لأنني احتاج الاستماع اليه أكثر، لأنني مشوشة. سحب كرسي كان يستر بجانب السرير ليجعله يستقر امامي جلس عليه وتقدم ليستند مرفقيه على فخذيه ويشبك أصابعه: انتِ مصابة بمرض نادر، مرض يعجز اغلب الأطباء من تشخيصه او علاجه، ممممم، حاول ان يشرح أكثر: مرض نفسي اسمه متلازمة كوتار، او ما يعرف بالجثة المتعفنة، او الموتى الاحياء.
قاطعته بذهول: ما الذي تتحدث عنه؟ ما هذا الشيء.
رفع كفيه في الهواء يقول: اهدئي سأخبركِ بالمزيد عنه.
حاولت تنظيم انفاسي اغمضت عيني وفتحتها لأنظر له فقال: هذا المرض يشعر فيه المريض انه قد فارق الحياة، يعجز عن الشعور بأي مؤثرات خارجية، او حتى داخلية، هو مرض في العادة يصيب النساء أكثر شيء.
نهض من مكانه وسار تجاه النافذة ليقف امامها مسترسلاً: هو نوع من أنواع الوهم، المريض يصدق بشكل كبير انه فارق الحياة، مثلكِ، أثر تعرضه لصدمة، لا سيما ان كان يعاني من اكتئاب حاد.
التفت الي ليؤكد: كما كنتِ تعانين قبل اصابتكِ به، ابتسم ليقول: هناك مصابون به يشعرون ان جسدهم قد تعفن ويمكنهم ان يشموا رائحة الجثة، لكنه وهم.
اقترب من السرير ليعلق: بالطبع لديكِ فضول لتعرفي اكثر عنه، اسمعي انا شخصياً كطبيب نفسي لم اقابل يوماً احد مصاب بهذا المرض، سمعت عنه في الجامعة، لم نتعمق به، لأنه نادر، ولأن اغلب من اصابوا به قد توفوا فعلياً لأنهم يضربون عن الطعام والشراب لإقتناعهم انهم اموات لا يحتاجونه.
بقيت احدق به وكأن هناك شيئا أصاب رأسي، ما الذي يحدث من حولي! ما هذا الشيء! لماذا لم امت! قاطعته قائلة: كيف فعلت هذا ؟ الست كاتب؟ اليس من المفترض ان تختفي روحي؟ ماذا عن جدي؟
اقترب ليجلس بجانبي على حافة السرير قائلاً: سأخبركِ بكل شيء.



















محمد

ما حدث بالفعل

قدت سيارتي متجهاً لمقر عملي ككل صباح، منذ فترة ليست بالبسيطة تركت العمل في المشفى الحكومي وانضممت لفريق الدكتورة نيولفر للمصح الذي تقوم بإدارته بنفسها، توقفت عند إشارة ضوئية اسند ذراعي على نافذة سيارتي المفتوحة، اراقب الطريق امامي وعقلي غارق بالتفكير في الفكرة التي أحاول العمل عليها منذ فترة، وهي ان اذهب لمخيمات اللاجئين متأكد من انني سأجد اضرار نفسية تفوق امراضهم العضوية، هي فرصة لإيجاد شيء ابني عليه رسالتي للماجستير. صوت رنين انبعث في مذياع السيارة لأنني سبق وان قمت بتوصيل هاتفي بها، ظهر على الشاشة اسم الدكتورة نيولفر، ضغطت على زر الإجابة في الشاشة لأتحدث وانا اتحرك بعد ان تغير لون الإشارة للأخضر.
- صباح الخير استاذتي، انا في طريقي.
قالت لي: من الجيد أنك لم تصل بعد، انا لست في المصح.
قمت بتخفيف سرعتي لأسألها: اذن؟
- انا في المشفى العام، تعال الى هناك، انه يوم سعدك.
عقدت حاجبي أحاول تفسير كلامها، سألتها: لم افهم؟
علقت بمرح: عندما تأتي ستفهم.
بحماس حاولت العثور على طريق لتغيير مساري والتوجه الى المشفى المركزي، نادراً ما تقول الدكتورة نيولفر شيئاً كهذا، هل ستقوم بترقيتي او نقلي لمكان اخر؟ هدأت نفسي سأعلم كل شيء عندما أصل، عبثت بهاتفي لأقوم بتشغيل أغاني فيروز، صوتها في الغربة وطن، تمسح بيدها برقة على قلوب الذين اشتاقوا لمجذورهم، انا هنا منذ أكثر من خمس عشر عاماً، ربما عشت على هذه الأرض أكثر مما عشت في العراق، لكن مازالت تلك الجذور عالقة هناك، شعوري الدائم انني لا أنتمي لهذا المكان بالرغم من انني أسست حياة كاملة هنا، درست هنا، وعملت هنا، لكن بقي شيء عالق يؤلم المغتربين، تنزف جراحهم كلما سمعوا كلمة تذكرهم بأصلهم وبتلك الأرض التي هجروها، باُغنية، طعام او رائحة تعيدهم لمنازل بقيت باردة وحدائق جفت دون ان تُسقى.
وصلت اخيراً للمشفى، قمت بصف سيارتي لأترجل حاملاً معي حقيبتي الجلدية السوداء، ارتديتها على كتفي الأيمن لتصل لجذعي الايسر، سرت متجهاً للقسم النفسي، كان المشفى مزدحماً صباحاً، لحسن الحظ انني لم اعد اعمل به، سلكت السلم لأصل للطابق الثالث، تجاوزت الناس في الممر لأصل لمكتب الدكتورة نيولفر، كانت هي تقف عند الباب برفقة بعض المتدربين، ترتدي نظراتها الطبية، شعرها القصير مفتوح، تبتسم لهم وتجاعيد وجهها تظهر أكثر، هي في نهاية عقدها الرابع، علقها دسم بالمعلومات، وقلبها غارق بالتواضع.
توقفت امامهم فرفعت رأسها لتبتسم قائلة: لم تتأخر.
فتحت ذراعي لأجيبها بمرح: الفضول قادني لهنا بسرعة.
قام بإعطائهم بعض الملاحظات ثم سارت بجانبي قائلة: تعال معي.
سرت معها وفضولي يتضاعف أكثر، حتى وصلنا لغرفة أحد المرضى، بقينا متوقفين امام النافذة التي سمحت لي برؤية فتاة ربما في بداية العشرين، تنام على السرير وشعرها مفرود على المخدة، هالات سوداء تحيط بعينيها، تغرز المحاليل في يدها التي برزت عروقها، كانت بيضاء صافية لم يمر الدم عبر اوعيتها، وكأنها اميرة الثلج. قالت استاذتي: هذه الفتاة عراقية مثلك.
نظرت لها بتعجب، لكنها لم تأبه لنظراتي فسارت لألة بيع القهوة التي وقفت اخر الممر، أخرجت من جيبها قطع نقدية وادخلتها بها لتضغط على أحد الازرار قائلة: كانت على متن أحد القوارب التي تهاجر هجرة غير شرعية لليونان، التفت الي لتبتسم بخيبة، لكن القارب قد غرق، لحسن الحظ ان خفر السواحل قد تداركوا بعض الاحياء.
شيء يتكرر كل يوم، يهاجرون من سوريا او العراق هرباً من الموت، فيتلقاهم في البحر ليثبت لهم ان محاولاتهم بائسة وان حتفهم محتوم.
ثنيت ذراعي لصدري قائلا: أهي في غيبوبة؟
التقطت كوباً لتناوله لي اخذته منها، فعادت لتطلب لنفسها من جديد وتجيبني: لا، لديها اكتئاب حاد جدً.
سألتها وان ارشف القليل من الكابتشينو: لأي درجة؟
اشارت بيدها: لدرجة انها حاولت الانتحار كثيراً، تدخل في نوبة غير عادية فور استيقاظها، تعتقد انها قد غرفت، تصرخ،
انحنت لتأخذ كوبها وتكمل السير لتردف: عندما يخبرونها انها بخير، تهم فوراً بالبحث عن شيء يجعلها تنهي حياتها.
سرت برفقتها في الممر عائدين لمكتبها لأعلق: ما المشكلة؟ هذه بوادر اكتئاب حاد، أعني لا شيء مثير.
دخلنا لمكتبها لتسير تجاه الاريكة الجلدية السوداء واضعة ساقاً فوق الأخرى قائلة: قم بالإشراف على الحالة.
احتججت وانا اتكئ على مكتبها: لكنكِ تعلمين انني ابحث عن حالة خاص، هذه البوادر اعتدت عليها.
سألتني بشك: أي أنك ترفض ان تأخذ ابنة بلدك.
دارت عيني بتذمر لأقل: اين ملفها؟
عادت بظهرها للوراء لتشير بثقة تجاه المكتب: لقد حضرته لك.
اخذت الملف الأزرق الورقي، هممت بالخروج من المكتب لكنني استدرت تذكرت شيئاً فسألتها: اين مكتبي الجديد؟
ثنت ذراعيها لصدرها لتؤكد: طلبت منهم ان يجهزوا لك مكتباً خاص.
قهقهت: أي انكِ كنتِ متأكدة من قبولي لهذا العرض.
ارتشفت القليل من كوبها لتعلق: لنقل انه حدس.
خرجت وانا اضحك من مكتبها، نزلت للأسفل حيث يوجد مقهى اعتدت على اخذ استراحتي به، اخترت طاولة في الزاوية لأضمن بعض الهدوء، فتحت حاسوبي المحمول بعد ان اخرجته من حقيبتي، قمت بالرد على بعد الرسائل الالكترونية التي تخص مواعيدي، التقطت الملف الأزرق لأبدأ بقراءة اهم الملاحظات التي تم تسجيلها، فور استفاقتها بدأت تهلوس قائلة انها غرقت، كانت لا تتجاوب مع أي احد، وكأنها لا تستمع ولا ترى وهو شيء يحدث في حالات الاكتئاب، اكثر من مرة تم ضبطها تحاول القاء نفسها من الشرفة، فور محاولتهم للتدخل تبدأ بالصراخ حتى تهوى، أيضاً بدأ وزنها ينقص بشكل ملحوظ جداً، وهذا شيء طبيعي لمن لا يأكل ولا يشرب، لذلك فهي حتى اليوم تتغذى على المحلول.
عدت بظهري للوراء وانا اتأفف، رفعت نظراتي التي انزلقت قليلاً على انفي، عدت لأكمل قراءة. انهيت الملف وانا اشعر ان ظهري قد تشنج، اغلقته ثم قمت بإلغاء حاسوبي، لملمت كل شيء ليصلني اتصال أخبروني ان مكتبي ينتظرني، صعدت اليه ومارست يومي بشكل طبيعي.
في اليوم التالي فور وصولي للمشفى، قررت الذهاب لإلقاء نظرة سريعة قبل ان انشغل بأعمالي الثانية، عند وصولي لغرفتها كانت الباب مواربة، ألقيت نظرة للممرضة وهي تحاول ان تحادثها، لكن عينيا الفتاة كانت ناعسة، تنظر ببرود لللاشيء، مدت الممرضة يدها تحاول تحريكها امامها لكنها لم ترمش حتى، نظرت ليدها التي ملئت بأثار انغراس الكثير من الابر بداخلها، بل ان أوردتها ظاهرة بشكل كبير ومبالغ، قالت لها الممرضة: ارجوكِ تناولي شيئاً.
لم تحرك الفتاة ساكناً، بقيت تنظر للفضاء فنطقت قائلة بهدوء: لقد مت.
مدت الممرضة يدها تجاه شعر الفتاة لكنها صرخت فور ملامستها لها، صرخت: اتركوني، انا ميتة، ميتة.
بدأت تصرخ بهستيرية، بينما تحاول الممرضة ان تهدئها، دفعت الباب لأدخل وانا أمرها: احضري ابرة مهدئة.
سارت الممرضة لتحضرها بينما انا اقتربت منها، التفت الي وكأنها تراني، بقيت مصدوم، هل حقاً يمكنها رويتي ام انها فقط تحدق وتسرح في شيء اخر؟ حركت يدي في الهواء امامها يمنياً ويساراً، كانت حدقتا عينيها تتحركان مع اتجاه حركة يدي، هي تراني فعلاً، غرست الممرضة الابرة في ذراعها، حتى هدأت وانطبق جفناها على بعضهما، ونامت.
انطلقت فوراً اقصد مكتب استاذتي، وصلت اليها لكن المكتب كان فارغاً، نظرت للورقة المعلقة التي تطلعني على أوقات تواجدها، انها الثامنة وموعد حضورها في الساعة التاسعة والنصف، سرت عائداً لمكتبي اقتربت فوراً من المكتبة التي امتلأت بالكتب، بدأت اتصفح عناوينها عن كثب، اخذت ثلاثة منهم وقد بفردهم على مكتبي، سرت لأغلق الباب لأمنع أي ازعاج، جلست على كرسيي الجلدي المتحرك لأبدأ بالبحث، ثم شيء سمعت بأعراض تشبهه، مرض سبق لي وان درسته في الجامعة لكنني لم اصادفه في سنوات ممارستي الأربع، اخيراً وجدت ما ابحث عنه بعد مدة من الزمن لا اعلم كم استغرقت، شعري بألم في رقبتي، قمت بتحريكها بشكل دائري لأمسح على عنقي من الخلف، خلعت نظاري لأفرك اعلى انفي بين عيني بتعب، نظرت للساعة المعلقة بجانب الباب، كانت تشير للساعة العاشرة وربع، التقطت نظراتي لأرتديها مرة أخرى، اخذت الدفتر الذي دونت به جميع الملاحظات ونهضت متجهاً بإتجاه مكتبها، وصلت للمكتب كانت برفقة احد الأطباء، توقفت لأطرق الباب المفتوح قائلاً: اعتذر عن المقاطعة.
رحبت هي بي: اهلا بك محمد اجلس ريثما انتهي من.
قاطعتها بحماس: اسف لكنني يجب ان اخبركِ بشيء مهم.
وضعت الدفتر عند ابطي، قمت بحركة رجاء بيديي، فنهض الطبيب قائلاً: سآتي في وقت اخر.
شكرته واقتربت من مكتبها بينما هي تقول: ما الشيء المهم يا أستاذ محمد؟
ناولتها الدفتر لأقول بحماس: متلازمة كوتار.
قالت بتعجب: متلازمة كوتار؟ ليس اكتئاب.
اشرت قائلاً: جميع الاعراض تؤكد ذلك، هي لا تستطيع رؤية أحدهم، أعني انها ترى الجميع كظلال فقط دون ملامح، عبارة عن صور مشوشة، بالإضافة انها مقتنعة بشكل تام انها غرقت، جلست على الكرسي لأضع ساق فوق الأخرى فأكملت، تهلوس بكثرة انها ماتت، النقص الكبير في وزنها، صحيح ان الاعراض الظاهرة تشير لوجود اكتئاب حاد، لكن دعينا لا ننسى ان الاكتئاب الحاد يحتاج لصدمة قليلة ليصاب المريض بهذا المرض.
مطت شفتيها وهي تفكر بكلامي، أسندت مرفقها علي المكتب لتضيف: هذا يعني ان الفتاة كانت تعاني من اكتئاب حاد قبل غرقها.
هتفت: بالضبط، حادثة الغرق هي الصدمة التي أودت بها لهذا الحال.
نهضت من مكاني وانا اضع يدي في جيب معطفي الأبيض لأدور في المكان لأفكر بصوت مسموع: لكن يبقى السر كيف استطاعت رؤيتي؟ لقد شاهدتني، ميزت ملامحي.
ضيقت عيناها من وراء نظارتها الطبية الرفيعة لتعلق: شيء غريب، زفرت وهي تدور قليلا بكرسيها لتسألني، ما الذي تنوي فعله؟
اجبتها وانا اعصر عقلي: سأحاول ان اجد حلاً.

انتِ مجرتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن