الفصل الثالث عشر

2.4K 97 8
                                    

عبدالله
١٣ يناير ٢٠١٦


فتحت عيني لأشاهد السقف، مع كل اسف استيقظت لأقضي يوماً جديداً في هذا العالم، نهضت قليلا بكسل وانا اشم رائحة عرقي التي تمتزج برائحة الخمور التي انستني في الليلة الماضية. رغم برودة الجو في هذا الشهر الا انني لم أكن اشعر به سرت حافي القدمين لألامس السجادة ذات الفرو المرتفع بعض الشيء، حيث قامت بفرشها في المنزل خوفاً علي من البرد، تخاف ان أصاب بالبرد ولا تخاف ان تتركني أصاب بمرض في قلبي بسببها! سرت للمطبخ لأحضر قهوة تطرد هذا الصداع وقفت انتظر الة صنع القهوة لأراقب الزجاجات الفارغة التي تقف امامي على المنضدة، أسندت مرفقي على المنضدة واخذت عيناي تدوران في المنزل الذي اُصبح مقرفا وكل شيء ترك مكانه وتمرد، اخذت كوب القهوة الذي أيضا اشترته هي لي، تترك أشياء منها وترحل هي! أي فلسفة تتبعها في هذه التصرفات؟ جلست على الاريكة ووضعت كوب قهوتي على الطاولة الحزينة امامي حيث بقي عليها بقايا علب فارغة وعلبة للبيتزا منذ الليلة الماضية، التقطت سيجارة لأحرقها بين اصبعي حتى اخذني التفكير اليها، مرت عشر أيام وجوى مازالت تدعي اننا انتهينا، اعلم انها فترة وستعود تثور ثم تشتاق وتتأكد اننا غير قابلان على الانفصال، لهذا تركتها هذه المرة لم اقترب منها حتى تهدآ، لا استطيع مجرد التفكير ان تخلو حياتي منها، هي السبب الوحيد الذي يجعلني اتمسك في هذه الحياة وهذا البلد. أتذكر في بداية معرفتي بها، قبل عام ونصف تقريبا رأيتها للمرة الاولى عندما كنت في الخارج مع صديقي علي أخبرني انه سيلتقي بحيبته ياسمين. كان مقهى عاديا ذهبنا وجلسنا لننتظرها فدخلت ياسمين ومعها فتاة أخرى، لأنني رجل فبالطبع ركزت ناظري على مظهرها وشكلها اللذان اعجباني كان طولها رائع اعتقد انها تصل متر وستين او أطول بقليل، قوامها ممشوق شعرها طويل مموج بني ترتدي اقراط كبيرة دلالة على انه الفتاة ذات شخصية قوية، توقفت ياسمين ومعها جوى امامنا لتقل ياسمين بابتسامة: اسفة لتأخرنا، اعرفكما بجوى صديقتي في الجامعة.
نهض علي ليصافحها بينما انا بقيت جالسا ارمقها بنظرات باردة، قالت ياسمين مشيرة لي: وهذا عبد الله مصور رائع.
لم تبدي هي أي رد فعل بل كانت مثلي باردة تجاهي فحاولت إخفاء ابتسامتي لأن برودتي استفزتها وهذا ما يعجبني. بقيت طوال فترة جلوسنا انظر اليها دون ان تشعر وحينما تلتفت الي ازيح بصري عنها لأتركها تحترق، كانت واثقة من نفسها اثناء الحديث تحرك يداها وتشير لتمثل الفكرة التي تطرحها، تضحك بعفوية وصخب، اعلم انها لن تكون نوعي المفضل لتقيم علاقة، برغم قوتها تلك الا انها ما زالت نقية، وهي نظرة قلة من يمكنهم امتلاكها. رن هاتفها اثناء جلوسنا فنظرت له قائلة: علي الانصراف لقد تأخرت.
عرض علي عليها: أترغبين ان نوصلكِ؟
أشارت بيدها: لا شكراً، سأخد سيارة اجرة.
نهضت انا من مكاني أحاول ادعاء البرود قائلا: يمكنني ان اقلكِ في طريقي ان كان منزلكِ قريب.
رفعت أحد حاجبيها تنظر لي باستنكار لتقل: لا انه بعيد شكرا للطفك.
سرت امامها وانا اضع يداي في معطي الجلدي قائلا: اذن هو في طريقي.
التفت اليها كانت تنظر لياسمين بحيرة بينما هي اشارت لها انها تستطيع الوثوق بي، سارت خلفي لحين وصولنا للسيارة. كانت مقاعد سيارتي ممتلئة بالأغراض ازحتها من على كرسي الجانب لتجلس، جلست لترتدي حزام الأمان قائلة: بالمناسبة انت قليل الذوق.
التفت اليها لأعلق: اووه حقا!
- اها.
قدت سيارتي وانا ابتسم لوقع اثرها وكلامها، كانت تراقب الطريق بصمت لكن أنفاسها عالية وكأنها متوترة. قلت وانا انظر امامي اتجاهل النظر اليها: لا بأس، يمكنكِ ان تخبريني انها المرة الاولى التي تركبين فيها السيارة مع رجل.
لم تعلق بل اكتفت بالنظر الي ببرود، صمت انا أيضا ولكن بعد قليل قالت لتكسر جدار الصمت بيننا: انا لست خائفة منك.
- اذن؟
- انت مستفز فحسب.
استطاعت من جعلي اضحك، اوصلتها لمكان قريب طلبت هي مني ان اتوقف عنده. قلت لها قبل ان تترجل: ناوليني هاتفكِ قليلا.
أخرجت هاتفها من الحقيبة ببطء لتناولني أيضا فكتبت رقمي له وناولته إياها قائلا: يمكنكِ الاتصال بي لكن ليس مساءً لا اُحب ان يتصل الغرباء في هذا الوقت.
ابتسمت وهي تقول: حسنا.
ترجلت وبقيت انا أحاول إزالة غبارها الذي علق بي منذ رحيلها، هييي عبد الله ما الذي تريده منها هي حتى لن تفلح بأن تكون مجرد متعة، وبالطبع انت لا تفكر ان تحب حتى، لم فعلت هذا من الأساس؟
صوت عقلي تولى زمام الامور عندما بعثت لي رسالة تخبرني انه رقم هاتفها، لم اجبها بل ببرود دخلت للمحادثة لأريها انني عمدا لم اجبها، وكأنني ارغب في معاقبتها. بعدها بأسبوعين اعتقد ذهبت عمدا مع علي للجامعة الكتنلوجية كنت استطيع الاعتذار عن مرافقته اثناء ذهابه ولكن شيء بداخلي ادعى انني اشعر بالملل، أتت ياسمين هذه المرة بمفردها لتجلس معنا في مقهى الجامعة لم اسألها عنها ولم ابدي أي اهتمام، انسحبت من الجلسة بحجة رغبتي بتركهما بمفردهما لأدور في المكان واتجول به قليلا. خرجت للحديقة لأدخن سيجارة وانا اراقب الناس من حولي، حتى رأيتها تسير من بينهم متقربة كانت ترفع شعرها للاعلي وجهها ظهر اكثر جمالا. رأتني فاقتربت مني حتى أصبحت تقف امامي بالضبط لتسأل: ما الذي تفعله هنا؟
لم اجبها فورا بل جعلتها تنتظرني وانا امص رحيق سيجارتي ببطء وانفث دخانها في الارجاء لأجبها: مع علي.
ادعت البرود لتقل: اها.
همت بالمرور بجانبي وتركي لن يدي اللعينة امسكت بذراعها لأوقفها، كانت قريبة مني لا تنظر الي بل تنقب داخل عيني، تنظر لشيء في روحي، اعتدلت قليلا لأترك ذراعها واقل: لا اُحب ان اتحدث هنا.
سألتني: نتحدث عن ماذا؟
قمت بحك جبهتي بسبابتي وانا افكر في حجة او كذبة لكنني لم اجد، قلت بعد ان تركتها تتأمل إجابة مني: انسي، وداعا.
وتركتها تغرق في حيرتها لأبدأ بتأنيب نفسي لم ما زلت اريد الاقتراب منها؟ ما غايتي حتى!
أيام مرت وانا صارع نفسي كي لا اتصل بها، اجادل عقلي لأقنعه ان لا غاية لي مجرد عبث، وانها كغيرها ليست الفتاة الاولى وهي ليست حتى نوعي المفضل من النساء ما كل هذا الخوف!
في ليلة كانت الحمى تسكن جسدي لا اقوى على ترك الفراش، حمتي جعلتني اهلوس واقوم بتصرف غبي حينها فأتصلت بها، اجابتني ساخرة: اووه كيف تتصل بالغرباء مساءً!.
علقت ببرود: انها الحمى اللعينة.
سألتني بقلق: هل هناك احد يرعاك؟
ابتسمت بسخرية لأنهي المكالمة والقي الهاتف بعيدا عني على طرف السرير، عدت لأستلقي. جسدي كله كان يؤلمني ارغب بالنهوض لإحضار الدواء لكنني عاجز، نظرت للسقف بحسرة اين وصل بي المطاف. في يوم سأموت وحيدا وتتعفن جثتي ولن يكتشف احد موتي هذا ان لم امت في احدى الانفجارات. سمعت صوت طرق باب فاستغربت من اتى في هذه الساعة، نهضت والدوار يعانق رأسي، اتكأت على كل قطعة اثاث وقفت في طريقي لحين وصولي للباب، اتكأت بيدي على الجدار الذي بجانب الباب وبيدي الأخرى فتحته لأراها! صدمت وانا اراها بل شككت بنفسي لربما تكون مجرد هلوسات بفعل المرض بجنون رأيتها ترتمي في احضاني حاوطت يداها خصري لتتسع حدقتا عيني ورأسها استقر على صدري! بقيت مذهول حيث بدأت ضربات قلبي تسرع لتخترق صدري وتشي بما اشعر به، كأنني مراهق للتو احتضنته فتاة لا رجل جسده قد ثمل من ملامسة النساء، ابتعدت لتمد يدها على جبيني وتقل: اووه حرارتك مرتفعة.
كنت لا أزال تحت وقع صدمتي فجرتني للفراش، جلست عليه وهمت بتغطية جسدي مقتربة مني وانا ادوخ اكثر بهذه المسافة الصغيرة التي بيننا، قالت وهي تتلفت لترى المنزل: سأعد لك الطعام بعدها تتناول الدواء.
سألتها بضعف: كيف اتيتِ؟
ابتسمت لترفع حاجباها: اخذت عنوانك من علي.
حضرت لي الطعام كنت بوهن اراقبها وهي تحضره وتطير كفراشة في منزلي، لم يفعل لي احد هكذا منذ سنوات، لم يقترب احد مني لهذه الدرجة، احضرته لتطعمني لم اكن قويا لدرجة تجعلني ارفض شيئا بين حين واخر كنت اغمض عيني، نمت دون ادراك حتى افقت فتحت عيني وانا اشعر ان هناك شيئا على جبيني مددت يدي لأزيل قطعة قماش رطبة التفت لأرى نورا لشمس يحتضن المنزل. نهضت قليلا فرأيتها تنام على الاريكة نهضت من مكاني وانا اشعر ان جسدي قد استعاد عافيته لكنني تعرقت كثيرا. اقتربت من الاريكة التي كانت تغفو عليها، تنام بعفوية تثني ساقيها لصدرها انحنيت لأصل لمستواها فمدد يدي تجاهها لكنها فتحت عيناها فاعتدلت وتصنعت البرود، نهضت وهي تبتسم لتسألني: كيف أصبحت.
سألتها: كيف تنامين هنا؟ ماذا اخبرتِ عائلتكِ؟
مطت شفتاها لتجبني: انني سأبيت عند ياسمين.
ابتسمت بسخرية: الكاذبة الصغيرة.
سرت تجاه لمطبخي لأحضر لنفسي شاي بالأعشاب اقتربت هي لتقف بجانبي امام منضدة التحضير، قلت وانا احرك السكر بالملعقة داخل كوبي: انا خطر عليكِ.
التفت اليها لأكمل: ابتعدي عني.
وضعت يدها على خصرها لتقترب خطوة مني شعرت ان يدي ترتجف قالت: قد أكون انا خطر عليك انت.
انفاسي بدأت تزداد ثقلا لأجبها: ربما انتِ كذلك.
فتحت ذراعيها قائلة: اذن سأرحل ان كنت تفضل رحيلي.
همت بالرحيل فأمسكت بمعصمها اوقفها، انحنيت لأمسك بوجهها بيدي الثانية واقبلها للمرة الاولى لأكون خطيئتها الاولى، لكنها كانت وكأنها قبلتي الاولى انا، قبلة طعمها ووقعها مختلف، تحرك بما بداخلي من مشاعر تحركني انا ورجولتي، تخلق نشوة رائعة لا يمكن لأحد الوصول اليها، كانت رائعة في كل شيء، ابتعدت قليلا وبصعوبة عنها وكأن جاذبية القطبين تجمعتا عند شفتيها، كنت اتنفس أنفاسها، قلت: انا سيء.
حركت رأسها برفض: لا يهمني.
دخلت لداخلي لتجد عتمة مخيفة لكنها زينتها بنجوم لتخلق فضاء ملئ بالمجرات، بالمناسبة هي في اليوم التالي اخذت العدوى مني فأصيبت بالحمى.
عدت من ذكرياتي وانا اجز على اسناني العن نفسي على ما فعلته بحقها، اشتاق اليها اشتاق لأن المسها، لأن اتنفس أنفاسها، اشتاق لتخئبتها داخلي، لزرع يدي بين خصلات شعرها، للثمالة بها دون اكتفاء. لكنني مزلت مصر اننا لن نفترق لن ننتهي كما ادعت.

انتِ مجرتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن