قصة قصيرة ⚘

128 2 0
                                    

#أنين_أرواح

تحسست بيدها الماء البارد وإذا بالأمواج الهائجة تداعبها معانقة إياها حتى تبللت ثيابها لم تأبه لذلك ، ما دامت قد غمرتها فرحة لا توصف ....مر الوقت بسرعة وهي مازالت تستمتع إلى أن أدركها وقت الغروب لتودع الشمس الطبيعة واعدة إياها بالعودة صباحا ....تسللت بدلها خيوط الظلام فألبست السواد ذلك الشاطىء الذي قضت فيه حياة أروع أيام طفولتها

رفعت نظرها إلى السماء لترى ضوء القمر الخافت وصورته المنعكسة على المياه الزرقاء البعيدة .... كم أثارها مشهد الغروب هذا ! فقد افتقدته وغاب عن رؤياها مدة طويلة....أكيد ما كان ذلك اختيارها لولا الظروف التي أرغمتها على الرحيل غصبا عن هذا المكان لتعود إليه الآن وتجد كل شيء ما زال على حاله إلا البيت الذي احتضنها مع والديها

البيت يبدو أمام عينيها وقد اهترأ وتداعى ولم يبقى فيه سوى الآثار دنت بخطوات متثاقلة وقد انتابها ذعر شديد......المسكينة هيأ لها وكأنها تسمع أصوات أرواح تناديها لتخبرها حقيقة ما حدث ....لم تستطع حينها تمالك نفسها ودمعة نزلت على خذها لتسافر بذاكرتها إلى الوراء

تلك الطفلة المرحة وحقيبتها على ظهرها بفستانها المدرسي تعبر ممر البيت الذي كان يضم المقهى في الأسفل.... فتصعد إلى الطابق الأعلى دون أن تلتفت إلى الزبائن الذين ارتفع ضجيجهم مخترقا الجدران إلى الخارح ....صوت آخر عذب اخترق مسامعها كعادتها إنها أمها التي تطلب منها تغيير الملابس وتناول غذائها

لقد كانت حياة تعيش بين أحضان أسرتها الصغيرة في ذلك المقهى الذي امتلكاه أبوها وأمها....هما مثلا لها الأمل والمستقبل والأمان ، كل ذلك تحطم في لحظة عند عودتها يوما من المدرسة لتجد البيت تأكله النيران ....ما اللعنة التي أصابته ليحترق كل شيء وتزهق أرواح بداخله

أغمي عليها من فرط الصدمة وشدة البكاء فبقيت على تلك الحالة ساعات استفاقت لتجد نفسها في المستشفى وحيدة ....لم تعرف ما الذي حصل ؟؟ فقبل ذهابها إلى المدرسة كان المقهى يعج بالزبائن والحياة تملأه..... الآن رائحة الموت في كل مكان بعد أن رحل الكل ما بقيت سوى أشلاء جثت متناثرة ومتفحمة ودمار في كل ركن من الأركان هي شهقة واحدة أخذت معها كل شيء لتستبدل أحلامها وطموحها بمشاعر الفقد والحرمان

استمر وقوفها أمام الأطلال مدة طويلة دون أن تشعر بمرور الوقت إلى أن ربت على كتفها أحدهم هو زوجها الذي أخذ بيدها محاولا إبعادها عن المكان الموحش الذي ذهبت فيه أرواح بريئة ضحية الطمع وفكرة إرث استولت على النفوس الجشعة...... فما بات يتراءى لها سوى الاستيلاء على أموال الغير بالغصب ، بعد أن صور لها الشيطان طريق الشر وسهل لها اتباعه حتى تبيد تلك الأرواح من الوجود رغبة في إشباع أهوائها اللامنتهية

مسح زوجها دموعها بيده واعدا إياها أن يتابع تفاصيل القضية التي مازالت خيوطها غامضة حتى استعصى على العدالة الوصول إلى الجاني .....أكيد أن حياة لن تخمد نيران غضبها رغم مرور تلك السنين حتى تأخذ بثأر والديها ....فهي ما زالت تسمع أنين أرواحهم داخل ذلك المبنى ولن تصمت حتى يقبض على تلك الروح الشريرة التي أنهت حياة أبرياء.... بينما هي مازالت سائحة بين دروب الحياة تقتنص كل من صادفته في طريقها لتمارس عليه كل أنواع الظلم والطغيان

خواطر 🍃حيث تعيش القصص. اكتشف الآن