يخرُج الطَبيب إليهِم
مُنى : فاقَت ! فاقَت بتّي مُش كِدا ؟
تُحيط نُور ظهر والدتها : أهدِي يا ماما ؛ طمنّنا يا دكتُور ؟
الطَبيب : للأسَف المريضة بتمُر بِي صدمة نفسيّة
نُور : كيف ؟!
مُنى : شنُو؟ ص.. صدمة نفسيّة كيف يعني ؟!
مُجتبى بإهتمام : ممكن تشرح لينا يا دكتُور
الطَبيب : الصدمة النفسية ممكن نقول عنّها جُرح نفسي أو هزّه نفسيّة نتيجة لقلق شديد أو توتّر أو خوف ؛ حالة ممكن يمُر بيها أيّ شخص لو إتعرّض لصدمة عنيفة سواءً إختطاف أو موت شخص قريب وما إلى ذلك , هل المريضة إتعرّضت لحادث مُشابِه أو شهِدت حادثة ؟
مُنى : ا.. أُختها , حاولت تنتحِر
الطبيب : لا حولَ ولا قوّة إلا بالله
نُور : طيّب والعلاج شنو يا دكتُور ؟
الطبيب : الوقت , من بعد ربّنا سبحانه وتعالَى الوقت هو المقياس الوحيد للشفَاء من الصدمة النفسيّة , حتحتاج لِجلسات مع طبيب نفسي مُختَصّ
نفيسة : إن شاءالله حاجة بسيطَة , ماتخافوا
الطبيب : نقُول إن شاءالله , لكن الإستهانة بيها أبداً مافي صالحكم
تجلِس مُنى بِعجز
نُور : طيب يا دكتُور بنقدَر ندخُل ليها ؟
الطبيب : حالياً مافي فايدَة من دخولكم لأنّها ماحتستجيب ليكُم , أنا ماعايز أكتِب ليها أي مُهدّئات لأنها لسّه صغيرة , لكن إنتو حافظوا عليها بعيدة تماماً عن أيّ حاجة ممكن تذكّرها بالحادثة
نُور : حاضر.. حاضر بإذن الله
ينصرِف الطبيب
تجلِس نور بِجانب والدتها : ماما
مُنى : دا شنو القاعِد يحصَل لينا دا
تُقبِّل رأسها بِعُمق وتحتضنها إليها : حتشفَى , حتبقى كويسة ماتخافي
نفيسة : قولي لا حولَ ولا قوّة إلا بالله يا مُنى , كُلها إبتلاءات عايزه الصبُر
مُنى : ونِعمَ بالله.. ونِعمَ بالله
في جهةٍ أُخرى :
تخلَع القفّازات , ترمِي بِها ؛ تمسَح جبينها المُتعرِّق , تخلَع زيّها وتمدّهُ إلى أحد المُساعدين , تخرُج بأنفاسٍ مُتقطّعة
تستنِد إقبال على الحائِط خلفها لِتنهَض ما إن تراها , يُهروِل محمّد إليها , وتراقبها نظرات آسيَا
تزفُر وترفَع نظرها إليهم : لِحقناها.. الحمدلله
تبكِي إقبال الدمع الذي أبَى أن ينزِل مُنذ أن رأتها بِتلك الحال
آسيا : اللهم لك الحَمد , الحمدلله
يحتضنها محمّد بإطمئنانٍ فارقَ قلبهُ مُنذ ساعات, تُربِّت على كتفِه بهدوء
في اليوم التالِي :
تضَع قدمها اليُمنى في العتبة مُستندةً عَليه , يُحيط خصرها ويرفعها لِتصعد إلى داخِل المنزل
تبتعِد عنهُ وهيَ ترى نظرات روان إليهِم : خلاص.. بقدَر أطلع فوق براي
يتجاهل حديثها ويسندها
تدخُل روان إلى غرفة الجلُوس بوجهٍ متجهّم خلف إقبال وآسيَا
في الأعلى :
يُجلسها على الفِراش بِرفق
تنطِق بصوتٍ هادئ دون أن تنظر إليه : شُكراً
يجلِس بجوارها , يُعلّق عينيه بِها : ليه عملتي كِدا
ترفع نظرها إليه : وما أعمل كِدا ليه
محمد : في أسباب كتير تخلّيك ماتعملي كِدا أوّلها إحترامِك لكلمة حرام المُقترنة بالتصرّف دا , إنتي عايشَة كِدا كيف ؟ كُل حاجة بالنسبة ليك مُرتبطة بعاطفتِك ؟ مافِي إحترام للمسموح والممنوع في الدّين ؟ ماعاملة خاطِر لأهلِك والبيحبُوك وممكن يموتوا بِي وراك ؟ خلّيك من دا كلُّو , إنتي فاكرة إنّك كدا بتنصفِي نفسِك على الظُلم العاشتُو وتريّحيها
مريَم : أيوَة.. بنصفها
محمّد : غلطانة
مريَم : إنتَ ماعشتَ الأنا عشتُو ! فَ تسكُت
يبتسِم نصف إبتسامة : عرفتي من وين إنّي ماعشتَ العشتيهُو ؟ لكن عارفَة ؟ دا المقياس ؛ إنّك تحترم أوجاع الناس بدُون ما تنبّش وتفتّش وراهم عشان تعرفها , أو ماتحترمها و تدُوس عليهم بأسئلتَك وإستفهاماتَك الكتيرة , أنا ما أخدَت منّك غير الإنتي حبّيتي تدّيني ليهُو.. ما إستفهَمت غير للأسئلة الطرحتيها وجاوبتي عليها براك , وكُنت مصغي ومُحترِم تجربتِك , لكن أيّاً كان المرّيتي بيهُو , وأياً كان الظُلم الإتعرّضتي ليهُو , فَ أعرفي إنُّو ليك يدّ فيهو ؛ خصوصاً بعد تصرُّفِك الأخير دا
ينهَض
تصِيح بنبرةٍ مُتحشرجة : أنا ماعندي حاجة أعيش ليها !
يلتفِت إليها , يُمسِك بِكفّها ويسحبها خلفهُ , يُجلِسها أمام المِرآة : عايني هِنا كويّس , شايفَة زُول ولا المنظَر قدّامك شفّاف ؟
تنظُر إليه بِعجز : أنا فعلاً شفّافة , أنا مافي حاجة ماليَاني من جوّه , حاسّه , حاسّه إنّي خاويَة !
محمّد : إنتي ماحاسّة كِدا إنتي قرّرتي تحسّي كِدا
تصرُخ : إنتَ مافاهِم !!
محمّد : لا فاهِم , وصدّقيني في فرق كبير بين إنك تكُون مُجبَر وبين إنّك تكون مُستسلِم
تُحيط وجهها بِكفّيها وتبكِي : أنا ماقادرَة أعيش بعد مُصطفَى..
محمّد : وقبلُو ؟ قبلو كُنتي عايشَة كيف ؟
مريَم : بَس إحنا بنمشي لقدّام مابنرجَع لِورا
محمّد : ماممكن نُكون عايشين في كوكب دائري وحياتنا خَط مُستقيم, أكيد بنلف ونرجع لنفس النُقطة .. بس كُل مره مع ناس مُختلفين ومشاعر مُختلفة ؛ كُلّنا كِدا
مريَم : أنا بلف وأرجع لمُصطفى , أنا حاولت ! واللهِ حاولت أتجاوز ؛ حتّى قرار تحفيظ القُرآن كان خطوة في التجاوز دَا .. بس بعدها إكتشفتَ إنو جوّاي حِتّة مِنُّو , إكتشفت إني حامِل ! برضُو نسيت.. وعدِّيت , حتّى إني إتخلّصت منُّو , إتخلّصت من آخر حاجة بتربُطني بيهُ ؛ لقيت نفسي بتذكّرو أكتَر , وبفقدُو أكتَر , بتمنّى لو إني فِضلتَ حامل منُّو عالأقل ! أنا لو شرطّت صورة ليهُو بَس ببكِي عليها أكتر ما ببكي على فِكرة إنو مات ! فِكرة إنّي أنساه وأرميه برّا حياتي دي بتحسّسني إني صِفر , صفر على الشمال
محمّد : أنا ماعارف مين منّكم كان على حَق ولا حَ أحكُم عليهُو لأنّو كان مُدمِن , لكن كلامِي ليك ؛ أيّاً كان الحصَل ماكان صَح تلغي حُبِّك لِي نفسك عشان تحبّيهُو للدرجة دِي , لأنّو أوّل ماخسرتيهُو عاينتِي لقيتي إنّك خسرتي نفسِك برضُو , إنِّك تكُوني آلاف الأصفار إلى المالانِهاية على الشِمال , ولّا صِفر واحد بَس حقيقي على اليمين ؛ دا قرارِك إنتي
يصدّ ذاهباً
تتحسّس مِعصمها المُحاط بالضِمادَة
وتُبلّله بِدمعِها
في جهةٍ أُخرى :
جالسةً في مُنتصف الفِراش , تحتضن ساقيْها سارحة في الفراغ
خلف ظهرِها تجلس والدتها , تُحرِّك أسنان المِشط بين خُصلات شعرها الطَويل بِلونِ البُن , تُزيحهُ عن وجهها وتُقبِّل خدّها بِحُب , تنكمِش على ذاتها رافضةً هذا القُرب
تتنهّد وتُفلِت المِشط : ليَان , حبيبة ماما ؛ أنا إشتقتَ لصوتِك يابتّي ماحتتكلّمي معاي ؟
تنهَض نُور من الكُرسي وتقترِب إليها : ليَان , عايزانا نرجَع كندا ؟ نرجع بُكرا ؟
مُنى : نمشي هسّي حبيبة ماما لو إنتي عايزَة , بس ورّينا الله يرضى عليك
تصد عنهم وتدفن خدّها في الوِسادة , تنكمِش على ذاتها وتنظُر إلى أبعد مِمّا تراهُ العَين ؛ تتذكّر منظر الدِماء التِي كانت تُكوّن هالةً حَول مريَم , مِعصمها الذي يحتضن الشفرَة , تُغمض عينيها بِشدّة وتنفض رأسها لِتذهب عنهُ هذهِ الذكريات
تُحيط مُنى رأسها بِخوف : بِسم الله , بسم الله عليك أُمّي أنا
تعُود نُور إلى كُرسيّها , تجلِس وتتنهَّد بِضيق
في جهةٍ أُخرى :
يطرُق الباب , تأذَن لهُ بالدخُول فيدخُل
تنظُر إليه مُستغرِبة : من متين بتدُق باب غُرفتنا قبل ماتدخُل ؟
يُغلِق الباب ويستنِد إليه بِظهرِه : من لمّا بقيتي تدخُليها بدُوني وإحنا جايين مع بعض
روان : إحنا ماجينا مع بعض , إنتَ جيت معاها هِي
يتقدّم إليها : أُوب أُوب أُوب ! على كِدا إنتي زعلانة منّي شديد ؟
روان : ماتهظِّر , الوضع أساساً مابيستحمَل الهِظار يا محمَّد ؛ خلاص قُول لماما آسيَا وقُولّيها ويا دار ما دخلِك شَر , ليه بنطوِّل في المواضيع !
يحكّ شعره : أنا ماقُلتَ ليك , لكن أُمّي عارفة إنِّك حامِل
تُقطِّب حاجبيْها بإستنكار : كيف ؟ عارفة ؟
محمّد : أيوة
روان : وعادِي ؟
محمّد : أكيد ماحتقُول لَي أمشي طلِّق بِت الناس
روان : وماتقُول ليك ليه ؟ مش دا سبب المصيبة دي أساساً !
محمّد : مُصيبة ؟
روان : أيوة مُصيبة , من جات ومافي من وراها غير البلاوي.. دا غير الإكتشفتُو عنّها أُمبارح
ينظُر إليها مُتسائلاً : إكتشفتِي شنُو ؟
تنهَض إليه : البِت دي.. حاولت تجهِض قبل كِدا يا محمّد , يعني كانَت حامل ؛ تتذكّر اليُوم الأنا جيت فيهُو مُتأخ..
يُقاطعها : ما سألتي نفسِك ليه حاولَت تنتحر يا روان ؟
روان : محمّد أنا بحكي ليك في شنو وإنتَ بتقُول في شنو !
محمّد : أنا عارِف دا كلُّو
تشهَق : عارِف !
محمّد : أيوَة
روان : محمّد إنتَ فاهم حجم الحاجة الإنتَ عارفها دِي ؟
محمّد : عارِف
روان : ماما آسيَا لو عِرفَت ماحتخلّيها ثانية واحدة في البيت دَا !
محمّد : وماحتعرِف
روان بإستنكار : كِيف ؟
محمّد : ماحتعرِف !
روان : محمّد أنا مقدّرة إنَّك خايف تحصَل مشاكِل لكن صدّقني دا الحَل الوحيد عشان نتخلَّص مِنّها !
محمّد : إنتي كيف بتتكلّمِي كدا ؟
روان بعدم إستيعاب : بتكلَّم كيف ؟
محمّد : كأنِّك ما روان
روان : عشان عايزة أحافِظ عليك بقيت ما روان ؟
محمّد : لأ , عشان بتتعاملي مع مأساة إنسان أدّت بيهُو للإنتحار بِهوان , وإنتي المُفترض دكتُورة
روان : إنتَ زعلان لأنّي ما سألتَ ليه حاولت تنتحر ؟ عايزني أخلّي زواجي اللي بيخرَب وأسأل عن سبب تصرّفها الغبِي دا ؟ طيّب يامحمّد.. ليه حاولَت تنتحِر ؟
يتنهَّد : أنا طالِع
تُمسك بِذراعه : محمّد
يُفلته مِنها , يستلِم مفاتِيحهُ ويخرُج
تأخذ نفساً عميقاً وتزفرُه , تجلِس في مُقدّمة السرير , تُحيط طرفيْه بِكفيّها وتشدّه مُفرغةً غضبها بهِ
في جهةٍ أُخرى :
يفتَح الباب ويخرُج مُهرولاً , ما إن يزفر الهواء الذي إحتشد بِرئتيْه حتّى يراها , جالسةً على عتبة الباب
محمّد : مريَم ؟
تلتفِت إليه
محمّد : شنو المقعدِك هنا
مريَم : إتخنقتَ من البيت , مابيدخُل ليهُو هوَى
محمّد : قُومي طيّب, إنتي أساساً مُحتاجة تغيّري جَو
مريَم : وين ؟
محمّد : تعالي بَس
مريَم : دقايق طيّب أجيب تُوبي من جوّه
يُغلِق الباب ويسحبها من كفّها
مريَم : راسي مكشُوف حمشي وين كِدا !
في جهةٍ أُخرى :
يُطرَق الباب
مُنى : أطلعي شوفي منُو يا نُور
تنهَض , تفتَح الباب لِترى سمَر أمامها , تخرُج إليها وتُغلِق باب الغُرفة خلفها
سمَر : عندِك ضيف برّا
تعقد حاجبيْها : ضِيف ؟
في جهةٍ أُخرى :
جالساً , مُباعداً بَين ساقيْه , عيناهُ تحتضنانِ الأرض وكفّاه يحتضنان بعضها
تدخُل نُور إليه بإستغراب : آدَم ؟
ينهَض , يمدّ كفّه مُتردداً
تُصافح كفّه الذي لم يصِل إليها بَعد , يبتسِم بإرتباك
نُور : الجّابَك شنُو !
آدَم : مش المفروض يكون في إتفضّل بدَل السؤال دَا ؟
تضحَك : معليش , إتفضَّل أقعُد
يجلِس : ماقدرت أنُوم من لمّا قُلتي لَي الحصَل مع ليان
تجلِس : الحمدلله على كُل حال
آدَم : هي كيف هسّي ؟
نُور : على حالها
آدَم : طيّب لقيتو مُعالِج نفسي يتابع معاها ؟
نُور : ما فتّشنا أصلاً , إحنا مفكّرين نرجع يا آدَم
آدم : طيّب, أنا حقطَع الإجازة وأرجع معاكُم
نُور : لالا.. لا يا آدَم , إنتَ أُختَك هِنا مُحتاجاك
آدم : أُختي الهِنا معاها أُمّها وأبوها بَس أخواتي الهِناك براهُم
نُور : بالنسبة لِماما اللي تَم تجاهُلها
آدم بِضحكة : هِي كمان بتِّي
نُور : جدّو آدَم !
يضحَك
تبتسِم
آدَم : ماتضايقي رُوحِك.. فترة وحتعدِّي
نُور : أنا بَس مابقيت فاهمَة شي , بَين مريَم وليَان وناس البلَد والشُغل , حقيقي ضِعت
آدَم : صح ما قُلتي لي , حصل شنو في موضوع العقد ؟
تضرِب جبينها : يا الله .. نسيتُو بِطريقة !
__
في جهةٍ أُخرى :
تلفّ الحجاب حَول وجهِها
محمّد : مابيمشّي الحَال ؟
مريَم : لا هِي ماشاء الله الدكتُورة ذوقها حلو في اللِبس , لكن طرحة زي دي مع جُلباب زي دَا ماتنفع
محمّد : مالو فُستانِك ؟
مريَم : فُستان شنو دا جُلباب !
محمّد : إنتو مُعقّدين شديد.. مافارقة كتير على فِكرة
مريَم : لا دا غالباً عِندك إنتَ بس , الزمن دا حتّى الأولاد بِقت تفرق معاهم التفاصيل دي وتفاصيل أتفَه من دِي كمان
محمّد : صدّقيني كُل واحد حياتُو فيها تفاصِيل كفاية تغنيهُو عن الإنتباه للفُستان اللي إنتي لابساه.. إذا كان فُستان أو جُلباب أو شوّال فحَم حتّى
تنظُر إلى المنظَر أمامها : إحنا مُفترض نسكُت في حضرة المشهد دَا
ينظُر إلى البحر أمامهُ , يأخذ نفساً عميقاً ويزفرُه : ننزِل ؟
مريَم : لا.. خلّيني هِنا دام ربّنا سترني بالسيارة دِي
يبتسِم بِخفّة , يفتَح النوافِذ
تُعلِّق نظرها بالبحر أمامَها : كَان..
يلتفِت إليها بإصغاء
تُكمِل : كان لمّا يشوف البحَر, أو موية جاريَة في أيّ مكان زي اللي بتتردّ فيهُو الروح , بيبتسِم من جوّاه ؛ ويقُول لي أنا حاسس إنو ربّنا بيدّيني فُرصة تانية طالمَا بقدَر أشوف المنظر دا وأسبِّح من عظَمتُو
محمّد : شنو الودّاهُو على طَريق الإدمان
مريَم : نفس السبب اللي ودّاني على طريق الإنتحار, بَس هو كان جبَان أكتر من إنُّو يتخلّص من نفسو في كَم ساعة
محمّد : أنا ماعارِف السبب اللي ودّاك على طريق الإنتحار يا مريَم
مريَم : النّاس , النّاس سبب كُل حاجة ؛ عارِف الكوكب لو مافيهُو ناس ؟ كان حيبقى جنّة ! أي حاجة مافيها ناس جنّة
محمّد : لو ما بنستخدِم بعض كشمّاعات لأغلاطنا , الكوكب حيبقى جنّة
تنظُر إليه , تصدّ عنهُ وتأخذ نفساً عميقاً , تزفرهُ ولا ترتاح
تفتَح الباب وتنزِل
يلحَق بِها
تقِف , فيقِف خلفها
تتحدّث ودمعها ينزل هادِئاً على خدّيها : كان وحِيد.. ماكان في اُم تواسِيه ولا أبو يواسِيه وهُم بيقولو ليهُو إنتَ مامعروف ليك أصل ولا فصِل.. ولمّا رمُو ليهُو أصلو في وشّو زي الذنب , وقالُو ليهُو فكِّر في وحدَه من مقامَك.. بتّنا بِت عرَب مابتعرِّسك إنتَ لو كِملوا الرُجال
تلتفِت إليه : بَس هُو كان راجِل ! هُو ربّنا حددّ الرجولة لأصل مُعيّن وإستثنى الباقي ؟
محمّد : دي كانَت مُشكلتهم معاهُو ؟
مريَم : مُشكلتهم ما كانَت , مُشكلتهم لِسّه , مُصطفى أدمَن ومات ! أنا رِجعت من المُوت.. عشان أستمر وأخرّب علاقة إتنين ماليهم أي ذنب في اللي حصَل لي , بَس هُم مُشكلتهم لِسّه إنتَ فاهم ؟ هُما مابيوقّفهم مُوت زول أو مرحلة الزُهد في الحياة اللي بيوصَل ليها بِسببهم , تصرُخ بنبرةٍ مُتحشرجة : هُمّا لسّه , ماكفّاهم كُل القتلُوه عايزين يقتلُو فيني حبُّو , عايزينو يبقى نكِره زي ماهُمّا شايفينُو حتى في حياتِي , حياتي أو خشبَة المسرَح اللي ربّنا خلقها عشان يمثّلو كُل الأدوار اللي بيشتهُوها فيها إنتهَت من بدرِي , ولسّه بيمثّلو فيها , لسّه مُصرّين يختّوني في دُور أنا مابشبهُو وماعايزاه !!
يُراقب حركة كفّها المُرتعِش أثناء الحديث , يسحَبها إليه
تُخبّئ وجهها في صدرِه وتبكِي كُل الحديث الذي مازال يخنق صَوتها , يحتضنها إليه مُربِّتاً على ظهرها , وكفّها الذي بَين أصابِعه
يبتلِع دمعهُ بِصعوبة : أنا آسِف
تبتعِد عنهُ وتمسَح دموعها
محمّد : مريَم
تهرُب بعينيها عنهُ
محمّد : أنا بَس حبّيت أهدِّيك , إتضايقتِي
مريَم : مافِي مُشكلة.. أنا بَس ؛ ماعايزة أرجع للبيت دَاك
محمّد : ياتُو بيت ؟ بيتنا ؟
مريَم : أيوة
محمّد : أودّيك بيتكُم طيّب ؟
مريَم : البلَد ؟ لا خلاص بيتكُم أهوَن
يبتسِم : طيّب رأيِك شنو أحجز ليك في فُندق ؟
مريَم : ما للدرجة دِي
محمّد : لالا يلّا
مريَم : عايِن , لا ماعايزَة كِدا أنا
يفتَح قِفل السيارة : أركبِي
تفتح الباب بإستسلام وتصعَد
__
مساءً :
آدَم : دا المكَان ؟
نُور : أيوة شكلُو هو
آدَم : مُتأكِّدة ؟
نُور : أيوة دا العنوان !
آدَم : شكلُو مكان رومانسِي ما كافِيه عادي يعني
تنظُر إليه بإستنكار
آدَم : خلاص أنا غلطَان
تنزِل , ينزل خلفها
تخرُج إحداهُنّ من المطعَم , تُهروِل نَحو الشارع باكِيَة , لِيصطدِم كتفها بِكتف آدَم
تلتفِت إليها نُور
آدَم : آسِف.. يراها باكيَة : ف.. في مُشكلة ؟
تتجاوزهُ وتُشير لِسيّارات الأُجرة
يلتفِت إليها : يا أُخت !
نُور هامسةً لهُ : خلّيها يا آدَم إحنا مالنا !
يُشير لها بِيده أن تنتظِر : إستنّي بَس
يقطَع الشارع إليها
تتنهَّد نُور بِضجر : وقتها أفلام البنات دِي يعني ؟ يا آدَم !
يمُد لها بِمندِيل
الفتاة بصوتٍ مُتحشرِج : لو سمحتَ خلّيني في حالي
آدَم : طيّب.. بَس لو عايزَه نصيحتي ماتمشِي باكية , كِدا أي زول ممكن يستضعفِك ويأذّيك
تصرُخ في وجهِه : وإنتَ مالَك !
يضَع المنديل داخِل كفّها ويتراجَع , تُلقِي بهِ أرضاً وتسِير مُهرولةً بِلا هُدى
نُور : إنتَ كِدا جِنتل يعني ؟
آدَم : أبداً , أنا عملت المُفترض يعملوا أي زول وبَس
نُور : آدَم , إحنا في السودان ؛ مافِي كندا , مُتذكّر الحاجة دي ولا حقعُد أذكِّرَك بيها كتير ؟
آدَم : يا نُور دا تصرّف إنساني , التصرفات الإنسانية ماداخلة ضِمن إيطار الدولة أو الدّين حتّى ؛ مفهُوم ؟
نُور : ما لأنّو المُجتمع الإنتَ بتتعامل معاهُو ماعندُو الثقافة دي يبقى إنتَ بتبذل نفسَك في الفاضي , شُفتَ قِلّة ذوقها معاك وكيف رمَت المنديل؟ تلقاها قايلاك عايز تعاكِسها
يضحَك
نُور : واللهِ جد أسألني أنا من العقليات المريضَة دِي
آدَم : يلّا ندخُل طيِّب ؟
في جهةٍ أُخرى :
" ماما نفيسة قالت لي أستناك ونتفاهَم ؛ بَس أنا إتكلّمتَ كتِير يا محمّد , ماعاد في حاجة تنقال ؛ بس في حاجات كتير لازَم تتعمِل , لما تقدَر تخُتّني أنا والفِي بطني في المكان البنستحقّو جوّه عين أي زول ماراضِي.. حتلقاني في بيت أُبوي ؛ تعال سُوقنِي"
تطوِي الورقَة وتضعها فوق وِسادته ؛ تجرّ حقيبتها وراءها وتتسحّب وصولاً إلى باب المنزِل , ما إن تخرُج حتّى يغشاها ضَوء السيّارة القادِمة نَحوها , تفتَح عينيها بِصعوبة , يسحَب مِفتاح السيّارة ويترجّل عنها بِحاجبان معقُودان
تبتلِع ريقها مِراراً
ينظُر إليها مُستنكِراً : روان.. ماشّه وِين؟
يُتبَع..