الجزء 19

566 16 0
                                    


آدَم : طيّب , نحجِز بُكرا؟
مُنى : خلّيها بعد بُكرا
ينهَض : خلاص كويّس
نُور : ماشّي وين ؟
آدَم : حلفّ بالعربية شوية , لما تخلّصي إتصلي عليّ أجي آخدِك
نُور : أقعُد معانا لو ماعِندَك حاجة
ينظُر حَولهُ : إنتو ليَان وين ؟

في جهةٍ أُخرى :

تمشِي ذهاباً وإيّاباً أمام الباب
ما إن يصِلا حتّى تُهروِل إليهم : مريَم
تجرّ خُطاها إلى الداخِل , تنظُر في الفراغ
ليَان : خالتو إقبال ؟ قالوا ليكُم شنُو؟
تُهروِل إلى الداخل باكيَة
تُقطِّب حاجبيْها : مريَم , في شنُو ؟
ترفع نظرها إليها , تُحدِّق بِها مُطوّلاً , تفقِد وعيها شيئاً فَ شيء , تسقُط
تُمسِك بها قبل أن ترتطِم بالأرض : مريَم !! تصِيح : ألحقوني !


في جهةٍ أٌخرى :

تضَع الإفطار جانباً وتجلس بِجواره , تتحسّس جبينه : محمّد ماعندك حرارة , مالَك بَس !
يُريح رأسهُ فوق صدرها , وينكمِش إليها
روان : الفطُور طيّب
محمّد : ما لَي نفس
تمسَح على رأسه بِلُطف : لازم تمشِي المستشفى
يرفع رأسه إليها مُبتسماً : الطِب كلّو عندي , أمشي مُستشفى ليه ؟
تضحَك : لازم تعمَل تحاليل يا محمّد
محمّد : أنا كويِّس , ماتخافي
روان : برضُو
يختبئ فيها هرباً من أفكارِه
تحتضنهُ إليهَا بِقلق

في جهةٍ أُخرى :

تدخُل إلى غُرفة صديقتها , تضَع حقيبتها جانباً : بيتكُم مالو صانّي كِدا الليلة؟
مُستلقيَة مريَم على يمينها , مُنكمشة على ذاتها , تنظُر إلى الفراغ
تخلَع صابرين حِجابها : كان يُوم طويل في الجامعة , بَس عارفة ؟ أحلى يُوم
تُخرِج المنادِيل وتُزيل مكياجها , تنظُر إلى صُورة مريَم في المرآة وتتحدّث : ذاكرتَ لمُجتبى , غالباً ربّنا حيتُوب عليه وينجَح السنة دِي ؛ تضَع المناديل وتلتفِت إليها : بصراحة أنا ماعارفة وضع علاقتنَا دا شنُو.. بَس هُو عينو زايغة شديد يا مريَم !
تتأمّل صمت صديقتها : مريَم ؟
ترفَع نظرها إليها بِهدوء وتنطِق : عملتَ فحص كانسر
تشهَق , يرتجِف جسدها : شنُو ؟

__
في جهةٍ أٌخرى :

مُنى : لا حولَ ولا قوّة إلا بالله , يا إقبال البتعملي فيهُو دا ما صَح
تصِيح : البِت شافعه ! ماشافَت للدُنيا شي يا مُنى ماشافت للدُنيا شي يا ناس !!

مُنى : الواحِد مابيختار قدَرو يا إقبال , بعدين ماتتشاءَمي طوّالي كِدا , دا مُجرَّد فحص
إقبال : الدكتُور قال التحاليل ما مُطمّناهو , معناها شنُو !
تُربِّت نُور على ظهرها بِهدوء : بالمُناسبة , الدكاترَة ديل بيتفلسفُو كتير, النتيجة حتطلع نضيفة وحتشُوفوا
تُحيط إقبال وجهها بِكفّيها وتبكِي
يتنهَّد آدَم وينهَض
مُنى : لا حولَ ولاقوّة إلا بالله ..


في جهةٍ أٌخرى :

تنظُر إلى عَينيه باكيَة : هل مُمكن حياة الإنسان كُلّها تكون إمتحانات وإبتلاءات ؟
صُهيب : ربّنا بيخبّي السعادة في تفاصِيل صغيرة , ما لازم ندرِكها ؛ لكن بِشكل أو بآخر هي البتهوِّن علينا الحيَاة لغاية لحظة المُوت
تمسَح دمُوعها : أنا.. أنا آسفَة إنّي جيت ؛ شكلي بايخ وأنا بلجأ ليك لمّا أحتاجَك بَس..
صُهيب بإبتسامة : أنا مُوافق , المُهم تجِي ؛ أيّاً كان السبب
ليَان : صُهيب إنتَ..
يُقاطعها : دا ماوقت الكلام عنّي , أحكِي الجوّاك إنتي
ينظُر إلى ساعتهِ : يلّا ماعندنا زمَن
تبتسِم : ممكن أقعُد لغاية ما ينتهِي اليوم ؟
صُهيب : للأسَف لا
ليَان : حدفَع ليك حقّ المواعيد الحتضيع كُلّها
يضحَك : إنتي عبيطَة ؟
ليَان : أها شنُو
صُهيب : أنا عندي طيّارة بعد ساعتين من الآن
تُقطِّب حاجبيْها بإستغراب : طيّارة شنُو ؟
صُهيب : الطيارة بتُستخدَم لشنو يا ترَى؟
ليَان : إنتَ مُسافِر؟

في جهةٍ أُخرى :

تجثُو على رُكبتيها أمامها : لا يا مريَم , أكيد في شي غلَط , كيف.. كيف يعني؟؟
تهزّها : إتكلّمي ماتسكُتي كِدا !!!
تنظُر إليها : مُش بيقولوا الإنسان بيعرِف مُصيبتُه ياصابرين , أنا حاسّة بِكل دا قبل مايحصِل
صابرين : ماتتكلّمي كِدا , ماتتكلّمي كِدا ماتخلّيني أمِد يدّي عليك ! مافي حاجة من دي صَح , مافي حاجة صح وحتشُوفي
مريَم : غطّيني
تنهَض بِقلّة حِيلة , تُغطّيها , تضع الغطاء على أكتافها , تحتضنها وتُخبّئ وجهها فيها باكيَة
تنظُر مريَم في اللّامكان وتسرَح


صباح اليوم التالي :

تجلِس على طرف السرير لِترتدي حذاءَها
يُفيق من نومهِ , يرفع رأسهُ : نُور
تلتفِت إليه : صباح الخير
آدَم : ماشّه وين من الصباح كِدا؟
نُور : ماشّه أشوف مريَم في المُستشفى , ما أظنّ زول من ناس البيت مشَى معاهُم
آدم : إستنيني طيّب نمشي سوى
تنهَض : لا أنا جِهزتَ خلاص , تلتفِت إليها بعد أن تذكّرت شيئاً : وأيوة , إنتَ عندك موعد أصلاً
يُقطِّب حاجبيْه : موعد شنو ؟
تتحدّث بِنبرة راكِزة : دانيَة إتّصلت وقالت لي أكلّمك , مُستنياك في مطعَم ؛ رسّلَت العنوان في رسالة غالباً
يتنهَّد : إنتي فاه..
تُقاطعه : تمسَى على خير
وتخرُج
يزفُر ويتناول هاتفهُ


في جهةٍ أُخرى :

الطَبيب : أنا مُتأسِّف , لكن المريضة بتعانِي من سرطان الثدِي
يُناولها الأوراق : هدِي التحاليل لو تحبُّو تراجعوها في أيّ مكان تاني.. بس لازم تباشِر العلاج فوراً ؛ متأسِّف مرّة تانيَة وربّنا يكتِب ليها الشفاء ؛ ينصرِف

تستنِد إقبال إلى الحائط وقد خارَت قواها
تُراقب مريَم ذهابهُ ورجفة البُكاء إجتاحتهَا
تشهَق
لا تقوى حِمل نفسها
تسقُط فوق الكُرسي
تأتي إليها نُور مهروِلة : مريَم !
تنظُر إليها بأعيُن دامعة
نُور بِخوف : الدكتور قال شنُو ؟
تُحيط وجهها وتُجهِش باكيَة
تنظُر نور حَولها بِعجز , تجلس على أطراف أصابعها وتبكِي


مساءً :

ينزِل إلى سُفرة الطعام بِرفقة روان
مُجتبى : والله يا أُمِّي دا الكلام القالتُو ليّ صحبة مريَم
يدخُل محمّد مُقطّباً حاجبيْه إثر سماع إسمها
تُحيط آسيا صدرها بِقلق : يارب ألطُف بيها
محمّد بِخوف : في شنُو يا أُمِّي ؟
تنظُر إليه
يضرِب الطاولة : في شنُو إتكلّمُوا !!


في جهةٍ أُخرى :

تتمسّك بِثياب والدتها : أُمِّي أنا ماعايزه أموت
جالسةً والدتها على سجّادة الصلاة , ترفع كفّيها باكيَة
تُحني مريَم رأسها بِعجز , وصوت أخفضَت حِدّتهُ البُكاء : ماعايزَه أمُوت
تصِيح إقبال بِنبرةٍ مُتحشرِجة : يارَب.. أسألُك بِحقّ إسمك المكتُوب على جناح جبريل , وبِحقّ إسمك المكتُوب على جناح إسرافيل , وبِحقّ إسمك الذي تمّ بهِ الإسلام , وبِحقّ إسمك الذي تلقّاه منكَ آدم عندما هبط من الجنّة فناداك فلبّيتَ دُعاءه , وبِحقّ إسمك الذي قوّيت بهِ حملة عرشِك , بِحقّ أسماءِكَ كُلّها إلى مُنتهى رحمتِك على عِبادِك.. وبِحقّ كلماتك التامّة ؛
بِحقّ الإسم الذي ناداك بهِ إبراهيم فجعلتَ النار عليه برداً وسلاماً ؛ وبِحق الإسم الذي ناداك بهِ إسماعيل فأنجيتهُ من الذبح, بِحقّ الإسم الذي دعاكَ بهِ سُليمان فجعلتهُ ملكاً في الأرض , وبِحقّ الإسم الذي ناداكَ بهِ أيُّوب فأنجيتهُ من الغَمّ , وبِحقّ الإسم الذي ناداك بِه مُحمّد صلَّ الله عليه وسلَّم يُوم الغار فأنجيتَه ؛ أحفَظ ليّ بتّي يارب , أحفظها ليّ يارب
تخرّ ساجِدة : أحفظها يارب


بعد مرُور يَومين :

تجرّ حقيبتها إلى الخارِج , تقِف في مُنتصف المنزل وتنظُر حَولها ؛ تدُور كُل الأيّام التي مضَت هُنا في رأسها.. تذهَب ؛ ولا تدرِي هل ستعُود؟
تأتِي ليَان إليها , تُقبّل كتفها بِدفء : جهزتي؟
تهزّ مريَم رأسها إيجاباً
تدخُل إلى والدتها : ماما
مُنى من بين إنشغالها بالحقائب : أيوه يا ليَان , أنا جاهزَة ؛ أمشي أفقدي خالتِك إقبال بس
ليَان : نُور طلعَت؟
مُنى : آي في الطريق هسّي بيوصلوا


في جهةٍ أُخرى :

نُور : بعدين هِناك أفضل بكتير من هِنا , في نفس الوقت تغيّر جَو ؛ دي أكتر حاجة مُحتاجة ليها
آدَم : روان لو عِرفَت..
تُقاطعه : معليش يعني بس أختَك طبيبة , ومُفترض هي أكتر زول يقدِّر الحاجة دي ؛ دا سرطان ! فاهِم يعني شنُو سرطان!

آدَم : فاهِم يا نُور , لكن محمّد من يُوم عِرف بالحصَل دا وهُو مُختفي من البيت !
نُور : واللهِ دي مُشكلة راجلها بعد دّه..
ينظُر إليها
تلتفِت إليه : شنُو !
يتنهَّد


في جهةٍ أُخرى :

تُخرِج دفتراً مّا من حقيبتها , تبتسِم : تتذكّري الدفتر دا ياساب؟
صابرين : للآن مُحتفظة بيهُو ؟
مريَم : قُلت ما حفرّط فيه ولغاية مانحقّق كُل حاجة كتبناها فيهُو..
تنظُر إليها بأسَى
تتحدّث وهيَ تتحسّس غلاف الدفتر بأصابعها : كانَت أوّل أُمنية إننّا نعرّس البنحبّهم , نجيب أطفَال ونسمّيهم الأسامي البنحبّها ؛ ونسافِر ؛ نشُوف الدنيا من فُوق , تضحَك : في فترة جات كُنا بنتمنّى نبيع في عربيّة طعميّة
تضحَك : كُنا مُفلّسين بتذكّر
مريَم : كتبنا الحُب , والأحلام الكبيرة , والثروَة ؛ بَس ماكتبنا المُوت ياصابرين
تسحَب الدفتر من بين كفّيها , تحتضنها إليها : لو قُلتي الكلمة دِي تاني والله تتكفّتي يامريَم
تبتلع دمعها وتبتسِم


في جهةٍ أُخرى :

تصعَد درجات السلّم بِخُطى ثابتَة , تنظُر بِعينين تحجّر الدمع فيهِما , تبتسِم نصف إبتسامة وهي تتذكّر توسّلاتهُ , رغبتهُ في الذهاب.. في البقاء قُربها , أضعفُ الإيمان حتّى تنقضي هذهِ الفترة
تقِف أمام باب إحدى الشقق , تطرُق الباب
ينهَض , يعلَم أنهَا هيَ ؛ لم يعرف مكانهُ مُنذ يومين غَيرها
يفتحهُ ويعُود حيث أتَى
تدخُل وتُغلِق الباب خلفها
يجلِس على كُرسيّه سارحاً في الفراغ
تذكُر بُكاءها آخر مرّه "إنتَ بتحبّني ولا بتحبّها يا محمّد" " أنا ماعارِف.. أنا ماعارِف غير إنّي عايز أكون معاها هسّي, يا إمّا براي.."
تأخذ نفساً عميقاً وتزفرُه , تجلِس على حافّة السرير , تنظُر إلى تذكرة السفر بين يديْها : كندَا
ينظُر إليها بِعدم إستيعاب
تمُد لهُ بالتذكرة
يستلمها منها بِحاجبان معقودان
روان : حتسافَر مع أخواتها , ألحقهَا
ينظُر إليها بإستنكار
تبتسِم : ألحقها
محمّد : روان أنا
تُقاطعه : ماتقُول حاجَة , أنا ماعُدت عايزه أعرِف شي يا محمّد , العِرفتُو كفاني
ينظُر إليها بِعجز : حتخلّيني؟
تبتسِم : لو بقدَر كان دا حالي؟
ينزِل عن كُرسيه , يجثُوا على رُكبتيْه , يُمسِك بِكفّيها : ماتستاهلي أيّ حاجة من الحصل, أنا عارِف ؛ بس أن جاهدتَ نفسي , كلُّو كان فوق إرادتي يا روان
تنهَض
تصدّ عنهُ : عالأقل.. أرجَع قبل شهري الرابع ؛ عشان أنا نفسي من زمان , نشُوف إذا بنت أو ولَد مع بعض
ينهض , يُحيط خصرها ويحتضنها إليه , يُقبّل كتفها
تحني رأسها باكيَة

__
في جهةٍ أُخرى :

تقرأ أُمنياتها المُدوّنة على الصفحات , السراب الذِي ستظلّ تضحَك عليْه إلى الأبَد.. مُواصفات فتى الأحلام , المنزل الدافئ.. الأطفَال ؛ السبب الذي يدفعنا للمُقاومةَ والمُضيّ قدماً

تتذكّر ليَان حديثها الأخير مع صُهيب.. وذهابهُ دُون أن تُوقفهُ

يتأمّل آدَم نُور , يسير مُستسلماً نَحو نهايتهُ معها

تُمسِك إقبال بالمصحف الذي لم يعُد يُفارق كفّيها , بينمَا تُحصّنهم مُنى من الأذَى

يأتِي النداء , ينهضُون
يأتِي مُهرولاً
يقف أخيراً ليلتقط أنفاسهُ , يصِيح : مريَم
تلتفِت , تُقطِّب حاجبيْها : محمّد !

يُتبَع...

بين نجمة وقمر ✨حيث تعيش القصص. اكتشف الآن