فوق أرضية الغُرفة الباردَة تجلِس , تنظُر إلى الفراغ حَولها , لا كُرسيٌّ ولا فِراش.. ولا حاجةً لها للإتّكاء , لقَد إستطاعت الوقوف حتّى هذِه اللحظَة ؛ مابعد ذلك هيِّن.. مابعد هذهِ اللحظة , هذا الخِدر الذي يملأ أطرافها , الكدمَات التي تملأ جسدها , خُصل شعرها منثُورة أمامها ؛ الدم الذي يقطُر من ذراعيْها , وجهها الذي ماعادَت تشعُر بهِ.. كُل ما بعد هذهِ اللحظَة سيمُر مرور الماء فَوق الزُجاج , تبتلِع دمعها
وهيَ تذكُر الصفعة الأولى التي تلقّتها من مُصطفَى.. وكانَ عُذرهُ " ماكُنت في وَعيي " كَم صفعةً تلقّتها ؟ ومِن مَن ؟ هل بقيَ كفٌّ صافحتهُ لَم يصفعني؟
تنظُر إلى الجُدران التي بدأت تضيقُ بِها , تبتسِم ؛ كَم باباً أغلقتهُ عليّ وكان الأذَى خلفهُ؟ تُلملم أطراف الفُستان لِتُغطّي جرُوحها النازِفة .. كَم درباً ظننتهُ نجاتِي وكانَ فخّاً؟ كُل شيءٍ مُظلِم , وبارِد , حتّى الرُّوح ؛ بارِدة , وماعادَت ترى في الحيَاة جدوَى..
يُفتَح الباب
تنكمِش على ذاتِها بِخوف
يدخُل إليها.. لكن هذهِ المرّه دُون عصَا
خلفهُ إقبال
تأكُلها اللهفَة لإحتضان إبنتهَا
ولكن
"حُكم القوي"
يتحدّث بغضبٍ لم يتخلّص منهُ كاملاً : حتتكلّمي ولا أزيدِك ؛ المرقِك من بيت راجلِك شنو؟
تنظُر إليه بِثبات , دُون أن يرفّ لها جِفن : طلّقني
يزداد حاجِباه الغاضبان إلتحاماً , يُزمجِر : شنُو !!
تُحيط إقبال رأسها بِلا حيلة
في جهةٍ أٌخرى :
يرتجِف جسدها الهزيل , تضمّها والدتها إليها أكثَر ؛ تُراقبها بنظراتٍ خائفة : ليَان.. إنتي خايفَة ليه يا ماما , إحنا كويسين ! إنتي كويسه ماف زُول حيهبشِك ماحسمَح ليهُو !
تنطِق من بين حشرجات صوتها : م.. مريَم
تُربِّت على شعرها : مريَم قويّة , وحتكُون كويسَة
تصِيح : ليه بيعملوا ليها كِدا !!
تُثبّتها : بسم الله , بسم الله ؛ أهدِي أُمِّي أنا
تنهَض بإنفعال , تنهض مُنى خلفها , تقِف أمامها : ماشّه وين يا ليَان !
تُبعِدها لِتفتح الباب : زحِّي
مُنى : ليَان ماتطلعي , ماتتدخّلي الراجِل دا ماعندو رحمَة !
تصرُخ : زحِّي !!
منى : الله يرضى عليك يابتِّي , الله يرضى عليك ياليَان
تُزيحها بإنفعال وتخرُج , تُهروِل خلفها
تدخُل إلى غُرفة مريَم
تراهُ
مُمسكاً بِعُنقها , مُزمجِراً : إتكلِّمي !! عملتي شنو !! فضحتينا بِشنو مع الراجِل !!
إقبال مُتوسّلة : الله يرضى عليك يا الفاتِح , البِت حتمُوت في يدَّك !
تركُض ليَان لِتحجزهُ عنها , تصِيح : كفايَة !! عمّ ولا رَب إنتَ ! خلاص !!!!
يصفعها : لو ناقصِك أدب إنتي كمّان إتكلّمي عشان أتصرَّف
تُهروِل مُنى لِتُمسِك بِها : ليَان
تنفضهَا عنها وتخرُج ركضاً
مُنى : ليَان !
تلحَق بِها : ليَان ! ماشّه وين !!
يخرُج الفاتِح بعدَ أن أنهَى تهديدهُ يجرّ خلفهُ إقبال من يدِها
في جهةٍ أُخرى :
جالسةً فوق رمل الشاطئ , تُداعب حبّاتهُ بِأصابعها
تبتسِم وهيَ تنظُر إلى أقصَى نُقطةٍ يصِل إليها نظرها
في البَحر : كان عُمري 10 سنوات لمّا جاب لي أوَّل وردَة, كانَت حمرا ؛ وأنا مابحب الورد الأحمَر.. قبل ما أقولّيهو لون الورد البحبّو أُمّي قالَت لي شيليها وأشكُريهُو.. قُلتَ حاضِر ؛ كُنتَ بقول نعَم وحاضِر كتير.. ولازِلت يعني ؛ في حاجات كتير بعترِض عليها , يمكِن لو كُنتَ بعترض عليها بِصوت عالي ماكان أنا روان القدّامِك حالياً , يمكن كُنتَ بقِيت روان مُختلفة تماماً عن كُل التوقّعات
نُور بإهتمام : المنعِك إنّك تتمرّدِي شنُو؟ آدَم إتمرَّد على كُل حاجة وسافَر
تنظُر إليها : الحُب هو الرابط الحقيقي الوحيد بيننا وبين الأماكِن , أنا قعدتَ لأنّي بحِب , وغالباً هُو كمان
تهرُب بِنظراتها عنها : ما إلّا , هو بَس إتعوَّد على هِناك
تلتفِت إلى آدَم الذي يُجهِّز طاولة الطعَام : هُو ما إتعوّد على هِناك , آدَم إتعلَّق بِهناك ؛ أنا كُل ما يجِي بلمَح في عيُونو لهفة إنّو يرجَع , عمرو ما حسّ بالإستقرار هِنا , رغم إننا هِنا.. أُم وأَب وأُخت , مافي حاجة بتغيِّر أولويات الإنسان قدُر الحُب
تتأمّل آدم بِنظرات حائِرة , تنفُض الأفكار عن رأسها وتنهَض : يلّا , شكلُو الأكل جِهز
آدَم : يلّا , بِقيت ليكُم خالتو مُنى الليلة
تضحَك نُور وهيَ تسير نحوهُ : أحلى نُسخة من خالتُو مُنى
يبتسِم : الله يخلِّيك
روان : إستنُّو , ناخُد سيلفي قدّام الطاولة المُفتخَرَة دي
آدَم : جِداً
تقِف أمامهُم , يُحيط هو خصر نُور بِكفّه , تنظُر إليه بينمَا يضحَك
تلتقِط روان الصُورة بملامح عانقَت السعادة من جديد
في جهةٍ أُخرى :
يُهروِل نزولاً من الدرَج : ماسامعين الباب دَا؟
يفتحهُ , يُقطِّب حاجبيْه بإستنكار : ليَان
تلتقِط أنفاسها اللاهِثة
يُشير إلى الداخل : إتفضّلي !
تهزّ رأسها أن لا
محمّد : في شنُو ؟
تتحدّث بأنفاسٍ مُتقطّعة : أطلَع.. خلّينا ؛ نمشي , لو إتأخّرتَ شوية.. حنلقى ؛ مريَم.. ماتَت
يُقطِّب حاجبيْه : كيف؟؟
تصِيح : مافي وقت!! أطلَع!
يتفقّد جيُوبه , يخرُج ويُغلِق الباب خلفهُ
يُهرولان نَحو السيّارة
في جهةٍ أُخرى :
جالسةً مُنى على عتبة الباب
إقبال في الداخِل , تسير ذهاباً وإيّاباً ؛ إنقطَع بُكاء مريَم , والقلق يأكُلها ولا حِيلة..
يقتحم صمتهُم دخُول محمّد , خلفهُ ليَان
تنهَض مُنى : ليَان !
يُهروِل محمّد إلى الداخِل : مريَم وين ؟
إقبال بِضعف : جوّه
يُحاوِل فتحهُ , مُغلَق
إقبال بِتبرير : عمّها
محمّد : زحُّو
مُنى : عايِز تعمل شنو ياولدِي
يصِيح : زحُّو !
يبتعدُون
يأخذ خطوات قليلة إلى الخلف , ويقفِز بِكتفهِ ليكسر قفل الباب , يدخُل إليها , تنامُ على يمينها , فاقدةً للوعيّ ..
في جهةٍ أٌخرى :
معصوبة العَينين , تصعَد إرتفاعاً مّا , مُمسكةً بِذراعه : ماوِصلنا؟
آدَم : قرّبنا
يقِف أخيراً , فتقِف , يُزيح العِصبة عن عينيها
تنظُر إلى الإرتفاع أسفل قدميْها , تشهَق
يضحَك : عايني فُوق ماتعايني تِحت
ترفع عينيها بِبُطء , لِتسير خلف لوحة النجُوم التي تبدُو كَ رشّة سِحر في قلب السمَاء , تفتَح عينيها بِدهشة .. كَم تبدُو قريبةً مِن هُنا ؛ كأنّ بإمكاني لمسُها
تنظُر إليه مأخوذةً بِجمال المكان : الله !
يبتسِم بِرضى
في جهةٍ أُخرى :
يضَع قطعة القطن بعد أن غرقت في الدماء , لِيتناوَل غيرها , يَمسح على الجروح التِي برُغمها لم يزَل ذلك الوجه أحبَّ وجهٍ إليه , يتحسّس كفّها الذي مازال كالثلج , تهذِي : يم.. يمكِن
محمّد : مريَم؟
تُحرِّك شفتيها : يمكن محمّد
يُقطِّب حاجبيْه بإستغراب : محمّد شنُو؟
تُكمِل : يجِي
يبتسِم مِلئ كُل شيء : جِيت
في جهةٍ أُخرى :
تخرُج وتُغلِق الباب الخلفي وراءَها , تنظُر حَولها وتهمِس : الجابَك شنُو !
يتقدَّم إليها : قِلقتَ
ليَان : لو زُول شاف..
يُقاطعها : أُمِّك لما إتصلتَ علي تسأل منِّك وبتبكِي قايلَه رجُولي شالتني؟ ماعارِف أصلاً كيف وِصلتَ هنا
ليَان : أنا كويسَة مافي حاجة تستدعِي خُوفَك
صُهيب : لا فِي
ليَان : لا ماف ! ويلّا أمشي عشان خاطرِي.. كفاية إحتفالات في البيت دا من الصبَاح
يُراقب نظراتها التِي تدُور في المكَان : ليَان أنا بحبِّك
يسقُط الهاتِف من يدِها , تشهَق ؛ تنظُر إليه بِعينان مشدُوهتَان
يهزّ رأسهُ بإستسلام مُؤكداً ماقالهُ لِلتوّ
في جهةٍ أُخرى :
يصِيح فيمَن حوله : بياتُو وَش جايّ ؟؟ جايّ يتصرّف زي الرُجال هسّي وين الرجولَة مِنُّو لمّن طلّقها؟
ينهَض محمّد إثر صَوتِه
يدفَع الباب ويدخُل إليه : الجابَك شنو ؟
يلتفِت إلى مريَم المُمددة خلفهُ : جابنِي الخلّاك تعمَل في مرتِي كِدا
يضرِب بِعصاه الأرض : دي بتّ أخوي قبل ماتكُون مرتَك
محمّد : تقُوم تعمَل فيها كِدا ؟
الفاتِح : إنتَ بعد طلّقتها جاي دايِر شنو ؟!
محمّد : أرُدّها
يُتبَع...