الجزء 11

542 13 0
                                    



تستقرّ كلماتهُ في مسمعها , بِجوار كلماتٍ كثيرة مُشابهة
تجلِس على حافّة السرير , لا تقوَى على حِمل نفسها ؛ تتذكّر كلمات مُصطفى لهَا.. قبل ثوانٍ من إغلاق عينيهِ إلى الأبد , حين سألتهُ ودمعها يقطُر فوق صدرِه ؛ "بتحّبني يا مُصطفى؟" "إنتِ منُو؟ أنا مابعرفِك".. قسوة صابرين عِندما نظرَت إليها وقد خسرت للتوّ الشيء الحقيقي الوحِيد الذي كان بِوسعه أن يربُطها بالحيَاة.. حينها رفعت سبابتها وأشارت لهَا أن تصمُت.. أن لاتشتكِي , ليسَ من حقّها أن تشتكي , تضيق أنفاسها وتمتلئ مُقلتيْها بالدَّمع , ترفع رأسها بحثاً عن مخرج, تُحاصرها الكلمات أيضاً ؛ حُضن والدتها الذي هرعَت إليه عندما صارَ الجميع ضِدّها " البِت بطلبوها عشرَه وبياخُدها واحِد يا مريَم.. بَس أنا عايزه مُصطفى يكون الواحد دا يا أُمِّي ! مُصطفى؟ دا لو آخر راجِل في الدنيا ما أدّيك ليهُو " تُحنِي رأسها.. تتذكّر تِلك الكلمات جيداً.. كَم أن لها أيدٍ تصفَع وأقدامٌ تركُل , كَم أنها تنتزِع الأمان من أوسَط الصدر وتتركهُ خاوياً يأكلهُ الخَوف.. تتذكّر جيداً أنهُ مع كُل خُذلان ؛ لا تجِد مكاناً تذهب إليه ؛ لا يُخفِّف حِدّة الخَوف عنها مكانٌ آمن تركُن إليه لِتستريح.. تظلّ حائرة , تُلاحقها الخَيبة كحظٍ سيّء , ويأكلُها الخَوف
ترفَع رأسها الآن لِتراه , تتردّد كلماتهُ التِي توقّعتها على مسامعها , تُعلِّق عينيها بهِ وتبتسِم : قرارَك صح


صبَاح اليوم التالي :

تُحرِّك مُكعّب السُكَّر لِيذوب داخِل الحليب : شُغل مُريح يعني بتحس إنَّك قاعد في بيتَك وبتتونّس مع أصحابَك
يبتسِم مُستنكراً : كُل الحالات دي أصحاب؟ دائرة الأصحاب المُمكن يزوروك في بيتَك مابتتجاوز 15 نفَر أساساً
تأتِي إليه حاملةً كُوب الحليب : بس برضُو , بتحس بِي دفَا , شُغلَك دا شُغل دافِي !
صُهيب : تحبّي نعمَل شراكة؟
تضحَك
صُهيب : بتدرسي شنُو إنتي؟
ليَان : حالياً لُغات وترجمَة
صُهيب : حالياً؟
ليَان : أيوَه ما أنا نويت أحوِّل لعِلم النفس !
يضحَك : دا عِلم صعب , مُحتاج في المقام الأول شخصيّة مُؤثرة جداً
تضَع الكُوب وتنظُر إليه : قصدَك أنا ما مُؤثرة يعني ؟
تتوقّف عيناه عن الحركَة لِثانية , ثُم يبتسِم : بالعَكس
تستلِم الكُوب وتبتسِم بِرضى : خلاص عرفتَ أنا عايزَه أكُون شنو
صُهيب : إنتي بتشربي في حليب جَد ؟
تأخذ رشفةً وتهزّ رأسها إيجاباً : بيهدِّي أعصابِي
ينهَض : الطبيب النفسي لازم يكُون أعصابه هادئة دايماً , ما متوتِّر زيِّك كِدا
ليَان : أولاً كلامك ماحيحبطنِي فَ ماتحاول عبثاً ! تانياً أنا متوترة لِسبب
يجلِس خلف مكتبه وينظُر إليها مُتسائلاً
بينما تُفكِّر هيَ بِشقيقتها


في جهةٍ أُخرى :

تحفظ الأرض إتّساع خطواتها , تمشِي ذهاباً وإيّاباً
مُنى : يا نُور أقعُدي ما كِدا , حتخلّي الناس ينتبهُوا وتجيبي لينا الكلام , عمّاتِك ديل مابيصدقّوا يمسكُو على زول حاجَة !
نُور بِقلق : يا أُمّي الساعة بِقَت 10 ولسّه ما إتّصل !
مُنى : إتّصلي ليهُو إنتي طيّب
تنظُر إلى والدتها بِتفكير , تهزّ رأسها رفضاً : لالا , مابتّصل
مُنى : طيّب جيبي لَي تلفوني أنا بتصل عليهُو
تُهروِل , تُحضر الهاتِف وتأتِي
تضع أُذنها فوق السماعَة
تتنهّد والدتها وتفتَح السماعة الخارجيَة : كِنّي شوية
تجلِس بِجوارها مُحرَجة


في جهةٍ أُخرى :
يُزيح الهاتِف عن أُذنه لِيرى المُكالمة في لائحة الإنتظَار ؛ يُعيد الهاتِف فوق أُذنه : خالتو مُنى معاي في الخَط , أنا خلاص داخِل عليك بس دقيقتين أرُد عليها ؛ تمَام , يلّا
يُجيب : ألو
مُنى : صباح الخِير يا آدَم
آدَم : صباح النُور , أصبحتُو كيف ؟
مُنى : الحمدلله يا ولدي بخِير , لكن قِلقنا عليك أهلَك قالوا شنو ماعِرفنا الحصَل عليك شنو
آدم : لالا ماتشيلُوا هَم , كُل حاجة تِحت السيطرة ؛ أنا هسّي كُنتَ جاي عليكُم أساساً , بس إتّصلَت علي ليَان ؛ حَ أجيبها وأجي
تزفُر نُور بإرتيَاح , مُنى : الحمدلله , خلاص مُستنيينكُم ؛ يلّا في أمان الله
آدَم : في أمان الله
يُنهِي المُكالمة , يدخُل عَبر باب العِيادة ؛ مروراً بِمقاعد الإنتظار.. الخاليَة , إلّا من شخصٍ واحد ؛ يُقطّب حاجبيْه مُتفقداً تِلك الفتاة التي تجلس بفُستانٍ أسوَد ؛ يقترِب فتّتضح ملامحها , يفرد حاجبيْه مُندهِشاً
ترفَع هيَ عينيها إليه , تشهَق
آدَم مُندهشاً : عايني إنتي مُنو وعايزَه منّي شنُو
تنهَض ضاحكَة , مُندهشة في الوقت ذاتِه : معقولة دي كُلّها صُدَف ؟
يرفع كتفيه علامةً منهُ على عدم المعرفَة
تمُد كفّها مُصافحةً إيّاه
يُصافحها : آدَم
تُصافحهُ : دانيَة


في جهةٍ أُخرى :

جالسةً أمامهُ , تطوِي الملابس , يُراقب حركة كفّيها وبالهُ خارِج الغُرفة , ترتسِم أمامهُ نظرة الدهشة التي بدَت عليها ؛ ومن ثُم إبتسامتها الغريبة , إصغاءَها الملئ بالترقُّب والخَوف.. لا يدرِي ؛ ويُريد أحداً مّا أن يُخبرهُ ؛ ما الذي يحدُث ؟
تنظُر إليه
تزفُر , تفهَم ما يمُر ب

هِ
أو
تظُن أنّها تفهَم ؛ مايمُر بِه
تنهَض , تصِل إليه ؛ تجثُو على رُكبتيْها
يُفيق من شرُوده , يُمسِك بِذراعيْها : قُومي القعدَة دِي..
تُقاطعهُ : أنا مُرتاحة كِدا
يزفُر
تنظُر إلى عينيه : أنا عارفة إنتَ حاسّي بِشنُو
ينظُر إليها نظرة مُرتابَة
روان : ما مُرتاح , وما مُتأكِّد من قرارَك ؛ ويمِكن لو جاتَك فُرصة حتتراجَع
يهرب بِنظراته المُرتبكة عنها
تُحيط خدّيْه بِكفّيها : دا طبِيعي , إنتَ إتأثّرت بالحصَل ليها يا محمّد , وكُنت واهِب نفسك لِمُساعدتها , طبيعي تحس إنَّك غِلطت وإنَّك إتخلّيت عنّها , بس صدّقني ؛ ليها رَب أرحَم بيها مِننا
يُمسِك بِكفّها , يُقبّل راحتهُ
تبتسِم

محمّد : ماعايز أفكِّر
تُريح رأسهُ على كتفِها , تُربِّت على خُصل شعرِه بهدوء
يرتخِي , يهرُب من نفسهِ إليها


في جهةٍ أُخرى :

ينهَض لِيُصافِح رفيقهُ : يلّا يا دكتُور
صُهيب : ما بدري ؟
آدَم : بدري شنُو بَس إحنا خرّبنا ليك مواعِيدك ؛ عِندك حالة برّا
صُهيب : لالا مواعِيدي إنتهَت بتكُون جديدَة
تحمِل ليَان حقيبتها وتنهَض : برضُو , حنبيِّت هِنا يعني ؟
آدَم : إفتكرتَ إنِّك حتكوني مُتأثّرة أكتر من كِدا في آخر جلسة ؟ الناس هِنا بتبكِي في الجلسة الأخيرة
صُهيب : ماتبالِغ إنتَ كمان
تضحَك : إتعرّفنا في ظرف صعب وكِدا , بس دكتُور صُهيب أضاف لي كتير , ماعارفة أعبِّر عن إمتنانِي بس خلّيتني أشوف الأمور بِطريقة مُختلفة جداً ؛ شُكراً بِحجم السماء
يبتسِم , لا يجد ردّاً
تمُد كفّها مُصافحةً إيّاه
يُصافحها
يتراجع بِخطواته إلى الخلف
بينمَا تتقدَّم هيَ بِخطواتهَا بِجانب آدَم : أها العرِس متين ؟
آدَم : إنتي عايزاهو متين ؟


في جهةٍ أُخرى :

تضَع حقائبها أمام باب الغُرفة , مُتأهِّبة للذهاب ؛ بإنتظار الورقَة التِي وعدها أن تصِل إليها اليوم
تُخرِج أدوات المِكياج التي لم تستعملها مُنذ أن أتَوا لها بِها
تُقلّب صُورتهما معاً بين كفّيها , تضعها , تملأ ظهر الصُورة بأحمَر الشِفاه
تتذكَّر كُل المرات التي إنتظَرت فيها كَلمة الحُب منهُ , ولم تأتِ , ولَم تأسَى ؛ بل إبتسمَت ؛ وإكتفَت بِوجودِه ؛ تتذكّر الحُزن الذِي دهاه من رفض الناس لهُ ولم يزُول حتّى بِقبُولها هيَ لهُ.. تتذكّر ضحكاتهُ التي كانت تكفِيها , نظرات الحُب القليلَة التِي كانت تُدفِّئ برد رُوحها ؛ لِطالما ظنَّت أنَّ الحُب صُلح , وهُدنة مع الحيَاة , أصبحَت الآن تعلَم أنّه خِصامٌ لِذاتها وحربٌ لا تنتهِي ضدّ كُل الأشياء عداه.. رغم أذاه , وحُبّهُ القليل , وشُحّ حنانهُ ؛ إلّا أنّ كُل الدُنى حربٌ ووحدهُ السلام لِروحها
تُكفكِف دمعها قبل أن ينهمِر
تسقُط كفّها الآن بعد أن بدأَت تتشبّث
لا تدِري للمرّةِ الكَم
لكّنها تسقُط
تخرُج خطواتها من هُنا ولا تدرِي أمام أيّ بابٍ ستقِف
لكنّها ستمضِي

في جهةٍ أُخرى :

تقفِز إلى جانبِه : أيوه ؛ ورّيني
يُشير بإصبعه على إحدى الصور : دِي
ليَان : ماشاء الله ذوقَك زي الزفت
آدَم : ليه بَس !
تسحَب الحاسُوب إليها : شُوف دِي مثلاً ؛ أو دِي ! دي دي حبّيتها
آدَم : ليَان
تلتفِت إليه : أيوه يا آدَم
آدم : إنتي العريس ولّا أنا ؟
ليَان : أنا , وأسكُت ما بتأثّر أنا بالكلام دَا برضو حختار ليك البدلَه
يضحَك : مُش لما أطلُب البِت أوَّل !
ليَان : صح , حتطلبها متين ! أسمَع ماعندنا بنات بيطلعُوا ويدخلوا بدون خطوبة
آدَم : صعبة لقيتِك
ليَان : أيوه عشان تبقى عارِف بس
يتنهّد
تضَع الحاسُوب جانباً وتعتدِل في جلستها : آدَم
آدم : أيوه
ليَان : العرس دا لعبة مُش كِدا ؟
ينظُر إليها مُطوّلاً , ينهض هارباً
ليَان : يعني لُو كُنتَ جاوبتني وحشمتَ نفسك كان أفضل من الحركة دِي !
يضحَك
ليَان : أنا عارفَة
يحكّ رأسهُ : خلينا نعمل رايحين أفضَل؟
تنهَض خلفهُ : إتغاضى عن أيّ حاجة يا آدم , إلا مشاعرَك ؛ خلّيك حاسِم فيها
يصمُت , ينطِق هازِئاً : لا واضح إنُّو صُهيب أثَّر فيك
تضحَك
يبتسِم مُحاولاً الهرَب من أفكارِه


في جهةٍ أٌخرى :

يطرُق الباب , تُكفكِف دمعها وتنهَض : أدخُل
يفتحهُ ويدخُل بخطواتٍ لا تُريد الوصول إليها
تحمل حقيبتها مُتأهّبةً للخروج
يمُد لهَا بالورقَة
تستلمها دُون أن تنظُر إليه
تتجاوزه ذاهِبة
يلتفِت إليها : مريَم
تلتفِت إليه بِملامح جامِدة
محمّد : أنا آسِف
مريَم : دا الكان لازِم يحصَل من البدايَة
محمّد : أوصِّلك طيب؟
تجرّ حقائبها وراءَها دُون أن تُجيب ؛ وتخرُج

__

في جهةٍ أُخرى :

آدَم : أُمّي وأبُوي ماعندهُم مُشكلة , هُم عارفين إني بعرِف نُور من لمّا إتولدَت ؛ ومُستوعبين فِكرة إنها ما إتربَّت مع أُختها دِي وفي كُل الحالات ماليها ذنَب كَونها أُختها
مُنى : حلو طيّب , المُشكلة وين
آدَم : المُشكلة أُختِي.. روان
مُنى : ماعِرفتَ تقنعها ؟
آدَم : وصعب تقتنِع
مُنى : والله ماعارفة أقولِّيك شنو ياولدي
آدَم : لا ماتخافِي.. الموضوع حيتحلّ إن شاءالله ؛ في النهاية هي حاجة مُؤقتة لو إضطرّيت بحكِي ليها إنها مُجرَّد لعبة, وفي الحالة دي مُمكن تقتنِع
مُنى : وهي لعبة فِعلاً يا آدَم ؟
آدَم : هُو أنا مكشُوف للدرجَة دِي ؟
تفتح عينيها على إتّساعهما , تتصلَّب خلف الباب مُندهِشة

__
مساءً

لا تُجيب
للمرّة الواحِدة بعد الألف ؛ يُحاوِل الوصُول إليها
ولا تُجيب
يتّصل على هاتِف والدتها
يأتِيه صوتها هادِئاً : ألو
محمّد : حاجّه إقبال , دا أنا محمّد
إقبال : أيوه يا ولدي عِرفتَك , أمسيتُو كيف؟
محمّد : أنا الحمدلله, بس مريَم ما بترُد ؛ هي وِصلتكُم؟
تُقطِّب حاجبيْها : هي جايّه علينا ؟
ينهَض من جلستهِ قلِقاً : من الصبَاح طلَعت !


يُتبَع...

بين نجمة وقمر ✨حيث تعيش القصص. اكتشف الآن