الفصل الاول

372 7 1
                                    


حلَّ الصباح وتسللتْ أشعة الشمس نافذة غرفتي...
كانت الساعه السابعة، كم احب هذا الوقت حيثُ الخيوط الذهبية التي تخترقُ زجاج النافذة هي اجمل لون أراه.
فتحتُ عينيَّ، لقد نمتُ جيداً ليلاً، قمتُ من سريري إلى النافذة، حرّكتُ الستائر لتدخلُ المزيد من أشعة الشمس لـتُنير الغرفة
أخذتُ حمام دافئ وخرجتُ اختار الملابس التي سأرتديها لأول يوم في الشركة الجديدة...
اخترتُ سترةً سوداء طويلة وضيقة مع أزرار ذهبية وسرّحتُ شعري بطريقة عفوية كـعادتي ثم وضعتُ القليل من مساحيق التجميل، وارتديتُ قبعة كوبولا صغيرة مع كعب، رششتُ عطري المفضل و خرجتُ...

بينما كنتُ اقود سيارتي واستمع لأبراج الصباح
رن هاتفي...
- الو... عساهُ خيراً، ليلى المجنونة تتصل من الصباح الباكر
- يا بلهاء العالم تقول صباح الخير اولاً...
- حسناً صباح الخير، لنرى ماذا لديكِ؟
- الليلة... حفلة ميلاد في منزل كمال صديقي في الشركة و ستآتين معي، اخجل ان اذهب لوحدي، والصديق وقت الضيق كما تعلمين...
- ليلى لا اسمعك الشبكة اختفت، سأغلق.
اجابتني بصوت عالٍ:
- ليان سأكون عندكِ في الساعة الثامنة و سآحرق الشبكة على رأسكِ إذا كُنتِ غير جاهزة...
كانت صديقتي المجنونة و الحبيبة ليلى، في الواقع نجد صعوبة كبيرة في التكلم بجدية، احب إغاضتها وجعلها تصرخ من الحرقة.
ليلى هي كل ما تبقى لي، بعد ان فقدتُ ابي و أمي بحادث سير وأنا في الرابعة من عمري.
بقيتُ عند اهل ليلى و كبرنا كأختين توأمين، بعد تخرجي من الجامعة اصبح عندي عملي الخاص لذا قررتُ ان اعيش مستقلة واعتمدُ على نفسي...

ارتديتُ فستان ازرق داكن من قماش الستان، كان مكشوف الاكتاف وضيق من الخصر، تركتُ شعري ممُوجاً ثم اخترتُ طقم القلادة و الأقراط المفضل لدّي...
وصلنا الى مكان الحفل، كان منزل كبير جداً من الخارج يبدو كـ القصر، تُغطيه إضاءة كثيرة تُبهر الناظرين،
وله حديقة كبيرة فيها الكثير من أنواع الأشجار و الزهور الملونة، ومسبح مُمتلئ بالماء و مغطى بأوراق الورد...
دخلنا قاعة الحفل واستقبلنا كمال صاحب الحفل، اوصلنا إلى طاولتنا، جلستُ انظرُ إلى المنزل كيف هو جميل ومُنظّم بهذه الطريقة...
و بعد نصف ساعة، انطفأت اضواء القاعة، اصبح المكان مظلم ثم اشتعل ضوء ابيض على مسرح القاعة مُسلّط على شخص يجلسُ على كرسي كملك يجلسُ على عرشهِ يُمسِك بـآلة جيتار يحتضنها كإبنتهِ، يجعلها قريبة من قلبهِ، بدا أنيق جداً مع ذاك الوجه المُلتحي والأكتاف العريضة...
بدأ الغناء كصوت مزمارٍ يدقُ باب القلب بحرارة، صوتهُ مع ما تفعلهُ يديه بتلك الآلة جعلَ المكان تحومُ حولهُ ملائكة العشق وكأنها جاءتْ لتلتقط قلوب العُشاق بعد ان سقطتْ أرضاً من شدة الشوق والحنين...
نزلَ من المسرح بعد أن انتهى ذاك العالم الخيالي، كنتُ سارحة فيهِ انظر لجسدهِ المتناسق وطوله الفارع بينما هو يمشي مُتجه نحوي وسط تصفيق الجميع...
حسبتُ إنني أتخيل هذا الموقف حتى ركلتني ليلى كمحاولة لإستعادة وعيي، هو بدأ الكلام:
- مساء الخير
- مساء النور، كان ما فعلتهُ عظيماً!
- شكراً لكِ...
اجاب بـخجلٍ وكأنهُ لأول مرّة يسمعُ مديحاً من أحد.
قاطعتنا ليلى قائلة:
- سيد مراد لقد كُنتَ رائعاً
- شكراً ليلى
- أُعرّفكَ على صديقتي ليان، ليان انهُ السيد مراد مُديري
عاد للنظر إليّ:
- تشرّفتُ بمعرفتكِ سيدة ليان
- لي الشرف سيد مراد
تلاقتْ أعينُنا لثوانٍ -كانت تبدو اطول بكثير-
حتى انطفأت الأضواء مجدداً لتشتعل الإضاءة الحمراء مع موسيقى الجاز الهادئة...
أستدركَ السيد الأنيق قائلاً:
- هل أكون محظوظاً الليلة لـلرقص معكِ؟

شعرتُ ان قلبي قفزَ من صدري، ليس فرحاً ولا خوفاً، لا اعرف الوصف المناسب لـذاك الشعور، ليس حزناً أيضاً، فقط كل شيء بداخلك يرتجفُ، تتفجر معركة وكأن كل المشاعر قامتْ قيامتها، تتلاطمُ واحدة بالأخرىٰ، تجعلكَ تكاد تلتقط أنفاسك.

مد يدهُ حول خصري... شدنّي إليه، امسكَ يديَّ وتوغلتْ أصابعي في فراغات أصابعه، وكأنني أحتضن باريس بشوارعها وأمطارها وحقول الأزهار فيها، كانت تلك رائحته...
- لماذا لم اراكِ سابقاً؟ اقصد مع ليلى؟
هو سآلني...
- ذلك لانني اعمل أيضًا، نحن في الغالب نلتقي مساءاً.
- ماذا تعملين؟
- مهندسة ديكور
- جميل، واضح جداً ذوقكِ الرفيع.
- اشكركَ سيد مراد... وانت كُنتَ مذهلاً، لا اعلم كيف اوصف لكَ جمال ما فعلت حتى!
ابتسم ابتسامة لطيفة وهو يحدّق بعينّي
كان ينظرُ بطريقةٍ و كأن عينيهِ تريد ان تآكل...

استدرك قائلاً:
- في الواقع أنا أُغنّي كهواية فقط، أحبُ كيف ان الناس يحبون صوتي، والمشاعر التي تتفجر داخلهم بسببي
- حقاً أنت بارع في ذلك... اشهد لكَ
أجبتهُ و أنا أضع يدي على قلبي.
- ما المشاعر التي تفجرتْ بداخلكِ يا تُرىٰ؟
سآلني.

ارتبكتُ، كان يسآل سريعاً، يتصرف بـاللا متوقع
فما المغزى من سؤاله؟ ثم انني لم اجرّب شعور ان يُحبني أحد أو يشتاق لي، لم يخونني أو يغدر بي شخص قريب، ما المشاعر التي تفجّرت بداخلي إذن!
أجبته هاربة من عينيه:
- اقصد انهُ حتى الذي لم يَعش أي قصة من قبل، قد عاش جو الحُب بكل تفاصيلهِ بينما كُنتَ تُغنّي...
ابتسم ابتسامة عريضة وقال:
- هل تعلمين... لم أكن أحبُ صوتي أبدا اكثر من هذا اليوم!...

 لم أكن أحبُ صوتي أبدا اكثر من هذا اليوم!

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
عالمي في عنقكِحيث تعيش القصص. اكتشف الآن