19

2.6K 263 11
                                    

«توقف عن العبث أيها الأهوج!»

صوت حاد وغاضب اخترق مسمعي، وانتفض إياس الذي كان يحاول ملامسة إحدى المواد الهلامية.

«ها قد أتى»
قالت إسبر ضاحكة.

«من؟»
التفتُّ لها متسائلة، واتسعت عيناي باستنكار حين اقترب رجل كبير السن وقرص أذن إياس ليظهر الألم على وجهه.

«هل أتيتَ لتعبث بأشيائي! لقد كلفني الأمر كثيراً بعد قدومك آخر مرة أيها المتمرد!»

قال الرجل ذو الشعر الأبيض المبعثر، وتحدث إياس يحاول نزع أذنه من بين إصبعي ذاك العجوز «هون عليكَ عبقري لوغ، أقسم أني لم أقصد إفساد تجربتك!»

«كم مرةٍ أخبرتك أن لا تناديني بذاك اللقب أيها الصعلوك الصغير!»

صرخ عليه المدعو لوغ، وهو يهزه بحدة، وهتف إياس بيأس «حاضر، حاضر، حضرة العالم لوغوس المبجل! فقط اترك أذني لأنكَ تكاد تقتلعها!»

تركه لوغوس زافراً بنزق، وهمهم بيأس «الأحمق الذي سماك إياس يستحق الصلب، أنتَ بالفعل ميؤسٌ منك!»

«لا تسب والدي»

خاطبه إياس -الذي ارتطم جالساً على الأرض، بهدوء ونظرة حمقاء تعلو وجهه، فلَّوَح العالم المزعوم بكفه بلامبالاة، أما أنا فظللتُ أحدق بهذا المشهد الهزلي الذي يحدث أمامي باستغراب جمّ.

ما هذه التعاملات الغريبة بينهم!

«إذاً! ما نذير الشؤم الذي حط بكَ في مختبري؟»

سأله العجوز مبتعداً نحو أدواته، وانتفضتُ بحيرة وتوتر حين أجابه إياس معتدلاً بوقوفه «ضيفة إهاب»

توقف العجوز مكانه، والتفت لإياس بهدوء أصابني بالريبة، فالتفت إياس نحوي جاذباً إنتباه ذاك العجوز ذو الشعر المتطاير نحوي.

«دايون»

همس العجوز محدقاً نحوي وكأن ذكرى طرأت على عقله، واتسعَت عيناي ربكةً.

«هل تعرف أخي؟»

سألته متلعثمةً بلهفة.

«ذاك الأهوج! من لا يعرفه في هذه المدينة الحمقاء» قال العجوز ببرود، وأعطاني ظهره مستأنفاً تجوله في مختبره.

«لقد كان دايون يقضي جُلّ وقته هنا» قال إياس جاعلاً إياي أتفاجئ. أردف مقلباً عينيه «كان مزعجاً»

«لقد كان لطيفاً»

همسَت إسبر بجانبي تعارضه بنبرة تحمل الكثير من المشاعر، والتفت لها لأرى ابتسامة رقيقة تعلو محيّاها.

«تعرفان أخي؟ لحظة! هل قلتم كان يقضي وقته هنا؟»
تساءلتُ بسرعة، أنقل بصري بينهما.

«أجل هذا صحيح» قالَت إسبر جاذبةً انتباهي.

«كان صديقاً لأُوتاس، الأخ الأكبر لإياس، وقد كان يهرب من مملكته ويأتي ليقضي وقته هنا مع صديقه، لقد تنمرا على إياس كثيراً حتى نقمَ عليهما، لكن مكانتهما في قلبه كبيرة فلا تصدقي شكاويه الكاذبة» قالت ضاحكة مشيرةً لإياس الذي رمى لها نظرة منزعجة، ثم أردفَت بخفوت « كان ذلك قبل أن يحدث ما حدث»

عضَت على شفتها السفلى، وعيناي امتلأتا بالدموع، لكني تمالكتُها سريعاً.

«كانت تلكَ المكتبة هي محور حديثهما الدائم، وقد ساعداني كثيراً في معظم تجاربي» قال ذو الشعر المتطاير، رفع نظره من محاليله نحوي وأردف مشيراً بعينيه لجهة معينة «ستجدين هناك بعض الكتب بخط يديهما»

التفتُّ تلقائياً حيث أشار، وسارعتُ الخطى نحو الزاوية لأخرج الكتب واحداً تلو الآخر.

إنه خط أخي، خطه وروحه هنا، أخي عاشق الكتب.

«دايون!»

همستُ باكية، وأنا أقرأ ما خطته يداه، هناك خط شخص آخر جوار خطه، خط الأخ الأكبر لإياس كما يبدو.

هناك بعض المناقشات اللطيفة بينهما، أتخيل أخي وهو يكتب شيئاً ليزعج صديقه، والآخر يرد عليه، ثم ينفجرا ضاحكَين.

عضضتُ شفتي بقوة، وأنا أقلب الصفحات.

توقفتُ عند بعض الكلمات المكتوبة بخط أخي، وهناك خربشة عليها بلون مختلف، وكلمة غبي مكتوبة بجانبها، وبخط أخي ذاته رأيت جملة لذلك أنا صديقك مكتوبة أسفلها.

ضحكتُ من بين دموعي وأنا أقرأ الخربشات التي تبادلها أخي اللطيف وصديقه، لم تقاطعني إسبر، ولم يتدخل إياس.

لقد تركاني وشأني أتنفس كلمات أخي، وأعيش ذكراه، وأنا ممتنة لذلك.

حينها أدركت أمراً مهماً... مهما فعلَت عائلتي ومهما كان ماضيها، ستبقى مأواي وأبقى جزءاً منها.

_____

شبه فصل خفيف ولطيف
أتمنى أن تستمتعوا به 🙃💛🌟

||تيتان : فَقْد|| مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن