الفصل الثاني

5.1K 57 2
                                    

اعتادت رجاء على صفعات الحياة المتتالية حتى بات خدها يتوقع من اين تأتي اللطمة لكن هذه المرة الصفعة كانت اعنف واقوى افقدتها شقيقتها الوحيدة وبعيون تنهمر بالدمع وقلب يعتصر بالألم وارتها الثرى بمدافن العائلة بجانب قبر زوجها ووالد ابنتها آية .
لم تدرك الصغيرة حتى الان ما يجري من حولها كل ما اخبرتها خالتها به ان والدتها ستسافر للعمل و هي ستتكفل بها ريثما تعود وكأي طفلة في سنها بين الفينة والاخرى تسال متى ستعود ماما ورغم ان جواب رجاء في كل مرة يكون عندما تنهي عملها لم تمل الصغيرة من طرحه، ولم تمل الخالة من الاجابة.
كان اسبوعا شاقا عليها انهت خلاله كل الاجراءات المتعلقة بالحادثة وكان لاسم ابراهيم الشاوي دور في تسريع الامر فلولاه لكانت امضت سنين بالمحكمة لتتحصل على مبلغ التعويض رغم انه لن يعيد شقيقتها لكنها اعتبرته حق ابنة اختها ولن تتنازل عنه. وبعد ان اتصل السيد ابراهيم بصاحب المصنع اضطر خاضعا لدفع المبلغ دون مماطلة كما اراد ان يفعل، استلمت رجاء المال ووضعته كوديعة باسم آية عله يساعدها عندما تكبر، انشغالها وحزنها لم يمنعها عن الاتصال بفرح والاطمئنان عليها وعلى الجميع كل يوم بل حتى انها كانت تحثها على الدراسة و التركيز على امتحاناتها.
اما عن رؤوف فقد باشر عمله كسائق للسيدة ايمان و استقر بغرفة متواضعة بالمبنى الخاص بالخدم، كان يظهر نفسه الشاب الرزين و المحترم الذي اجبرته ظروفه على عمل لا يليق بشخص حامل لشهادة عليا اضافة الى وسامته و هيئته الرجولية استطاع بمدة قصيرة ايقاع ايمان بشباكه وجعلها تعجب به ، كان يعرف حق المعرف انها صيد من خلال عمه الذي كان يحكي بحسن نية ومن باب الثرثرة عن ربة عمله وعن نزواته التي لا تخفى عن الجميع عدا زوجها او ربما يعرف هو الاخر ويتجاهل الامر. ولكن ما يثير السخرية ان ايمان هي الاخرى كانت تراه صيدا مختلفا عن باقي الرجال الذين عرفتهم وارادت الايقاع به .

دلفت فرح الى المطبخ حيث كان عبود الطباخ البالغ من العمر اربعين سنة لكنه يحمل داخل اضلاعه قلب طفل بما يمتلك من طيبة و محبة لكل من حوله ، منهمكا بتحضير الغداء
-الله يا عمي عبود رائحة الطعام تفتح الشهية.
-سيكون الطعام جاهزا خلال خمس دقائق، تبدين سعيدة ، ما السر يا ترى؟
ابتسمت فرح وتحدثت بحماس
-اليوم ستعود خالة رجاء الى القصر، الم تخبرك سوسن ؟
-سوسن تخبرني فقط الكوارث اما الاخبار الجيدة فتبقيها لنفسها، تصل بالسلامة ، لقد اشتقنا لها جميعا، باي ساعة ستصل
-مساءا، سأرسل لها السائق الجديد لإحضارها
خرجت من المطبخ مسرعة و اصطدمت بوالدتها التي كعادتها وبختها
-ما هذه التصرفات الرعناء، هل تظنين نفسك بحلبة سباق
زفرت بوجهها وقالت بتكلف
-آسفة
- ثم ماذا تفعلين بهذا الوقت بالمنزل لماذا لست بالمدرسة الآن
أجابت بسخرية:
-شكرا على اهتمامك غير المعتاد ، لكن يؤسفني ان اخبرك ان اليوم عطلة
-فرح ما هذا الاسلوب الذي تحدثين والدتك به
-والدتي!!! نعم اسفة لقد نسيت انك والدتي مثلما نسيت او ربما تناسيت ان لك ابنة.
شعرت ايمان بالإحراج لكنها لم تعلق على كلام فرح وانسحبت قائلة
-تأخرت عن جلسة المساج وداعا .

وصلت رجاء اخيرا بصحبة ابنة اختها الى قصر الشاوي تدعو الله ان يقبل السيد بإقامة الصغيرة بقصره، لم تكن تعلم المسكينة المصير الاسود الذي ينتظرهما .
استقبلها الجميع بحب و اشتياق وقدموا لها التعازي  وخاصة فرح التي ارتمت بأحضان رجاء
-اشتقت لك كثيرا خالة رجاء القصر بدونك لم يكن له طعم
تحدثت سوسن بعتب:
-لم يكن له طعم يا فرح وماذا عنا هل نحن اصنام ام تماثيل و طعام زوجي امهر شيف بالعالم
اوقفتها رجاء عن الحديث لأنها اذا لم تفعل لم تكن لتسكت وقالت
-انا ايضا اشتقت لك كثيرا يا فرح و اشتقت لك ولطعام زوجك يا سوسن
-هل هذه الجميلة ابنة راوية
-نعم يا سوسن اسمها اية ، اية سلمي على خالة سوسن
قالت الصغيرة باستحياء
-ملحبا
وتراجعت خلف خالتها و امسكت طرف ثوبها تتخفى به
اقتربت منها فرح و انخفضت الى مستواها وقالت بلطف
-انا فرح اختك الجديدة
قالت رجاء باندهاش
اختها؟
-نعم اختها الكبرى اليس كذلك يا اية
رفعت اية نظرها الى خالتها التي اغرورقت عينيها بالدموع وهزت لها راسها بنعم، امسكت فرح بيدها وقبلتها من وجنتيها وقالت لها
-لدي الكثير من الالعاب هل تريدين رؤيتها
-نعم
-خالة رجاء سآخذ اية الى غرفتي
-انتظري حتى اقابل السيد ابراهيم لأحدثه بشأنها
-بشان من ستحدثين زوجي وما هذه الجلبة؟
صوت ايمان المزعج خرب جمعهم وجعل الجميع يتفرق ولم يبقى سوى رجاء واية وفرح وسوسن التي علقت كعادتها بصوت لا يسمعه سواها
-يارب خذ زوبعة هانم و ارحنا منها .
تحدثت رجاء بلباقة وادب كعادتها
-مساء الخير سيدة ايمان كيف حالك
-اهلا رجاء تعازي لك بوفاة شقيقتك
-شكرا سيدتي
التفتت الى فرح وقالت
-الم انبهك مليون مرة ان لا تختلطي بالخدم ، اصعدي الى غرفتك
ببرود اجابت
-لا ، سأنتظر ابي
قبل ان تصرخ عليها تدخلت رجاء بهدوء وقالت
-انسة فرح لابأس اصعدي الان لتنامي فلديك مدرسة بالصباح الباكر
قبلت اية وقالت
-تصبحين على خير يا جميلة اراك غدا، تصبحين على خير خالة رجاء.
وذهبت الى غرفتها تحت انظار والدتها الساخطة
-اذن ماذا تريدين من السيد ومن هذه الطفلة
تنحنحت رجاء وحاولت ترتيب ما ستقول فهي كانت ترغب ان تفاتح ابراهيم بالموضوع اولا فهو اكثر لينا من زوجته لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
-انها اية ابنة اختي، لم يتبقى لها احد سواي بعد وفاة والديها و كنت اتمنى ان توافقي والسيد عل  اقامتها معي بالملحق وسأكون ممتنة لكما ما حييت.
-لماذا تقيم معك ، ضعيها بملجأ للأيتام او دار رعاية او مدرسة داخلية.
توقعت ان تقول شيئا كهذا فهذه المتعجرفة لا تحنو على ابنتها فلذة كبدها كيف ستحنو على ابنة اخت خادمتها وقبل ان تجيب دخل السيد ابراهيم الذي كان قد سمع جزءا من الحديث.
-مرحبا رجاء متى وصلت
احست انه طوق نجاتها وقالت بنبرة تحمل بعضا من الامل
-مرحبا سيدي وصلت قبل قليل
لمعت عينيه ببريق شرير وهو ينظر لتلك الطفلة البريئة وقال دون ان يبعد عينيه عنها
-اذن هذه هي ابنة اختك المتوفاة
-نعم سيدي وكنت آمل ان تسمح لها بالمكوث معي
-ولما لا طالما انها لن تؤثر على عملك او على نظام القصر
ردت بحماس و بسرعة
-لا اطمئن اعدك انك لن تحس بوجودها لا انت ولا السيدة ايمان
احست هذه الاخيرة بالغيظ لكنها لم تكن لتعارض ابراهيم ابدا
-هذا جيد
ثم وجه حديثه لزوجته بعد ان احاط خصره بذراعه
-تعالي معي اريدك بموضوع
وصعدا درج سويا وقبل ان ينعطف الى جناحه نظر الى اية من فوق كتفه نظرة تحمل الكثير لكن احدا لم يفقه ما وراءها.



ادمان من نوع اخر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن