:- من يكون ؟
طرح كمال السؤال بعد أن هدأ بكاء أسيل .. وتمكنا من الجلوس أخيرا على الأرجوحة القديمة .. الموجوة في حديقة منزل ألتانجي منذ الأزل .. تمتمت :- وهل كشفي عن هويته مهم إلى هذا الحد ؟
قال بحزم :- يجب أن اعرف من يكون لأفهم سبب خوفك منه .. لا أستطيع مساعدتك إن لم تكوني صريحة معي أسيل
قالت هامسة :- أنا لست خائفة منه .. ولا أحد على الإطلاق بقادر على مساعدتي إن لم أتمكن أنا من مساعدة نفسي
نظر إليها متأملا .. ثم قال بهدوء :- هل تحبينه إلى هذا الحد ؟
شهقت محدقة به مصدومة .. هتفت باضطراب :- لا .. أنا لا أحبه .. لا يمكن أن أحبه بهذه السرعة .. انا بالكاد أعرفه ..
ابتسم قائلا بعطف :- صدقيني أسيل .. معرفتك الكافية للشخص .. ليست مقياسا عمليا لمدى حبك له .. قد تقعين في حب شخص رأسا على عقب ومنذ النظرة الأولى .. وقد تبقين دهورا تحاولين إقناعه بحبك .. تنتظرينه ليبادلك المشاعر .. دون أن يفطن حتى لوجودك
نظرت إليه مليا ثم قالت :- تبدو خبيرا بالموضوع .. لقد سبق وأخبرتني أرزو عن فتاة أحببتها في الجامعة .. لن أقول أحبتك لأنني متأكدة بأن العشرات قد فتن بك
قال ضاحكا :- ليس لدي هذا التأثير على النساء .. أؤكد لك .. وأنت خير دليل .. لا أفهم كيف لم يشملك سحري الفتاك ..
قالت باسمة :- ربما لأنني عرفت منذ رأيتك بأن قلبك وعقلك مشغولان بغيري
اختفت ضحكته .. فقالت متأثرة :- هل أحببتها كثيرا ؟
تنهد قائلا :- لن تستسلمي حتى تسمعي القصة .. صحيح ؟
:- لن يحسن شعوري إلا ان أعرف بأن هناك من يفوقني تعاسة
رمقها بطرف عينه باستنكار فكاهي جعلها تتنهد قائلة :- أعرف .. أنا عديمة الإحساس .. لطالما كنت كذلك .. إن لم ترغب بالحديث .. فلا مشكلة لدي ..
ابتسم قائلا :- معك أنت .. أجد نفسي قادرا على البوح لك بكل شيء .. قصتي سخيفة يا أسيل .. ليست حقا مثيرة للاهتمام إلى هذا الحد .. ما حدث ببساطة أن الفتاة التي أحببتها .. ووهبتها قلبي يوما بدون شروط .. لم تحببني أبدا بالمقابل
همست بعطف :- أنا آسفة
تنهد قائلا :- أناآسف أيضا لأنني لا أستطيع أن أتخطى الأمر .. لقد عودت نفسي منذ فترة طويلة على تقبل أن وقوعي في حبها لا يعني أنها تحبني في المقابل .. رغم علمي في قرارة نفسي بأنها لطالما كنت لي المشاعر .. أعرف بأنني عنيت لها الكثير .. هي عاجزة فقط عن أن تحبني كما أريد
كان يتحدث بحزن أثر بها كثيرا .. كيف لشاب بمرح كمال أن يعاني بهذا الشكل في الخفاء .. قالت برقة :- أمازلت تراها ؟؟ لقد أخبرتني أرزو بأن انفصالكما خلال الجامعة كان هادئا .. أي أنكما بقيتما أصدقاء بعد ذلك
قال ساخرا :- لا تصدقي كل ما تقوله أرزو .. فهي لا تعرف أي شيء عن أي شيء مادام لا يتعلق بها
قالت باحتجاج :- أنت تظلمها بكلامك
تنهد قائلا :- أتمنى لو أنني أظلمها حقا .. أتمنى لو أنني مخطئ .. وأن تكون قادرة على النظر حولها بوضوح لتعرف أين تقف .. أرزو طفلة .. حتى وهي امرأة .. طفلة ترفض أن ينال غيرها قطعة الحلوى .. حتى وهي تعرف بأنها لن تأكلها أبدا ..
التفت نحو أسيل بشيء من الانفعال قائلا :- المشكلة هي .. أن قطعة الحلوى تلك .. لم تكن حتى من نوعها المفضل .. وأنا متأكد بأنها كانت لتتقيأها على الفور لو أنها أكلتها .. لقد عودت نفسها على أن ترغب بكل بعيد عن منالها .. وكونها تعسة بسبب أنانيتها .. يجعل رؤية الآخرين سعداء صعب عليها ..
فكرت أسيل بكلماته .. ثم قالت ببطء :- أظن عليها فقط أن تجد قطعة الحلوى المناسبة لها
ضحك بمرارة قائلا :- هذا مضحك .. إذ أن أرزو لا تحب الحلوى على الإطلاق .. تحب كل ماهو حامض ومر .. هذه هي أرزو .. مجنونة بكل المقاييس
قالت أسيل برقة :- اظن هذا منبع جاذبيتها
أخفى عينيه بيده للحظة .. ثم أبعدهما قائلا :- كيف تحول حديثنا من سبب بكائك .. إلى قصة حياتي التعسة .. إلى أرزو المجنونة ؟
ضحكت بصوت عالي تردد صداه في أنحاء الحديقة وهي تقول :- أنت من كان يبحث عن عذر لتصمني بشكواك ..
:- بل أنت من يبحث عن مخرج كي لا يتحدث عمن سبب له كل هذا الخوف .. وكل هذه الدموع
صمتت للحظات طويلة .. ثم همست :- لا أريد أن أتحدث عنه .. مجرد التفكير به يخيفني
نظر إليها متساءلا عن هوية الشخص الذي تمكن من اجتياح فتاة كأسيل بهذه السرعة في هذا الوقت القصير .. ومتى خرجت أسيل وحدها بدون رقابة أرزوالشديدة .. وحماية فريد المتعصبة ليتمكن الرجل الذي اخافها إلى هذا الحد من محاصرتها .. قبل هذا النهار ؟؟؟
قال بجدية :- أسيل .. كوني حذرة
هزت رأسها موافقة بصمت .. فتابع :- ستضطرينني لملازمتك كظلك من الآن فصاعدا .. تعلمين كم أكره أن أقوم بدور البطل الحامي .. كما أنني أكره رفقتك
هزت رأسها مجددا عاجزة عن الابتسام .. فتنهد قائلا :- حسنا .. أنت الفائزة .. سآخذك غدا إلى المسرح .. ليت قلبي لا يكون رقيقا إلى هذا الحد
مدت يدها لتمسك يده الدافئة وتشد عليها بامتنان .. فداعب شعرها الأشقر بيده الأخرى وقد طمأنه الارتياح في وجهها .. دوى صوت مرتفع يقول :- هل أقاطع جلسة رومانسية محرمة ؟؟؟
انتفض الاثنان وهما ينظران إلى علي .. المتكئ على بوابة السور .. محدقا بهما بابتسامة مسرورة .. قالت أسيل ساخطة :- لقد أرعبتني
:- من حسن حظك أنني من فعل وليس أبي .. أو أرزو .. يا إلهي كانت لتفضحكما أمام الجيران لو أنها من ضبطكما
قال كمال وهو يبتعد عن أسيل تلقائيا وهو ينهض قائلا :- لن تجد فرصة لفعل هذا .. علي أن أذهب على أي حال
ألقى نحو أسيل نظرة واعدة .. فابتسمت له قائلة :- أنتظر اتصالا منك
راقبا كمال يغادر .. ثم سمعا هدير سيارته قبل أن تبتعد .. ثم التفت علي نحو أسيل قائلا بامتعاض :- هل أنت جادة ؟؟؟ لطاما ظننت ذوقك أكثر ترفعا ..
ضحكت وهي تتقدم نحوه وتتأبط ذراعه قائلة :- أنا أصغر همومك أيها الشاب .. والدك الغاضب ينتظرك في الداخل ليستجوبك عن سبب تأخرك
قال مداعبا :- أستطيع ببساطة أن أشتت تركيزه بأن أحكي له عن المشهد العاطفي الجميل الذي شهدته قبل لحظات ..
:- افعلها لأقتلك
صمت للحظات .. ثم قال بهدوء :- أنت تعرفين بالطبع بأن كمال لن يكون يوما لك ..
تنهدت ولم تعبأ بتصحيح ظنونه حولها وحول كمال .. سارت إلى الداخل برفقة علي وهي تشعر بالامتنان لكمال لتشتيته أفكارها عن مشكلتها بقصة حبه الحزينة وغير المتوقعة ... دون أن تدري بأن نسيانها لما ينتظرها لن يدوم طويلا
أنت تقرأ
في محراب العشق
Romanceاحمل قلبي في حقيبة وأرحل . . أقف في مفترق طرق . . البحر من امامي . . وهاوية حب لا قرار لها من ورائي . . خياران أحلاهما مر . . هل أتبع قلبي فأخسركل شيء ؟ . . أم عقلي وضميري فيخسر كل من أحب و حبيبتي جيهان . . أستودعك . . فأذني لي بالرحيل . . إن قابلته...