الفصل الرابع عشر

13.6K 321 11
                                    

فتحت الباب بحذر .. وسارت عبر رواق واسع كانت أرضيته المرمرية تلمع بالنظافة رغم عتمة المكان .. قادتها قدماها إلى حيث فاحت رائحة شهية خلبت لبها وجعلت معدتها الخالية من الطعام منذ أيام تقرقر جوعا .. وقفت عند باب المطبخ الواسع حديث الطراز ... ونظرت إلى أسلان الذي جمع شعره الأسود الكثيف خلف رقبته على شكل ذيل حصان صغير بينما كان يفرم شيئا على منضدة المطبخ الصغيرة .. كان مديرا ظهره العريض لها .. إلا أنه أحس بوجودها وكأن خيوطا لا مرئية تربط بينهما.. قال بهدوء :- تعالي .. لقد كاد الطعام يجهز
أخذت نفسا عميقا لتعب مجددا من الرائحة الزكية هامسة :- طعام
التفت نحوها قائلا :- أعرف بأنك جائعة .. لابد أن تكوني كذلك وقد تحسنت قليلا .. تعالي اجلسي .. لن يستغرق الحساء طويلا لجهز
تقدمت مترددة .. ملاحظة نور الشمس الغاربة القادمة من النافذة .. لقد تأخرت كثيرا .. أين حقيبتها ؟
جلست على أحد المقاعد .. فمنحها أسلان ابتسامة تقدير لامتثالها لأمره .. وكانه قد توقع أن تجادله اكثر.. هزت كتفيها قائلة بتوتر :- أنا جائعة حقا .. ولا أظنني أقوى على الذهاب إلى أي مكان إن لم آكل شيئا
فاجئها بأن انحنى يطبع قبلة عفوية على رأسها وهو يقول :- هذه هي فتاتي ..
تحرك ليقلب الطعام فوق الموقد.. جاهلا للاضطراب الذي اعتراها بسبب قبلته .. أخافها التفكير بإدراكه التام لمشاعرها نحوه .. للضعف الشديد الذي يسببه لها قربه .. يا إلهي .. يجب أن تخرج من هنا
تمتمت :- يجب ن أتحدث إلى خالتي أسلان .. لابد أنها تكاد تجن الآن من القلق .. أرجوك .. أحتاج لاستعادة هاتفي
ظهر العناد على وجهه وهو يقول :- ليس قبل أن تأكلي شيئا
تنهدت .. واستكانت حتى سكب لها طبقا ساخنا من الحساء ... جلس مقابلا لها على الطاولة .. أمامه طبق مماثل .. مراقبا إياها وهي تتناول ملعقتها .. وتحتسي الشفة الأولى .. أغمضت عينيها .. وتراجعت على مقعدها متأوهة :- يا إلهي .. أنت طباخ بارع
ارتسمت على شفتيه ابتسامة جذابة .. جعلت قلبها يعود ليسابق اللحظات بسرعة خفقانه .. وقال :- ستذهلك كثرة مواهبي ..
هزت رأسها وقالت :- لا .. لن تذهلني .. عرفت منذ رأيتك بانك من الأشخاص القلائل الذين يجيدون الكثير من المهارات .. وكأنك تشعر بالنقص والتقصير إن سمحت لمعرفة ما أن تفوتك
نظر إليها متعجبا .. وقال :- هذا صحيح .. لطالما كنت فضوليا .. ومصرا على أن اتقن فعل كل شيء .. حتى إن لم أمارسه قط .. لقد كنت أقضي ساعات في المطبخ مع طباخ العائلة .. أراقبه يصنع وجباتي المفضلة .. ومع السائق خلال فترة المراهقة .. ممددا إلى جانبه أسفل السيارة عندما كان يحاول إصلاح عطل ما .. وطبعا .. أذهلت أمي وأخفت أبي حتى الموت عندما أصريت على أن أتقن التطريز .. وهو فن تمارسه أمي دائما في أوقات فراغها ..
ضحكت بصوت مرتفع .. فرنا إليها كما تهفو الفراشات إلى لهيب النار .. مراقبا ضحكتها المشرقة الجذابة .. عفوية ابتسامتها .. جمالها الخلاب .. والذي يعود معظمه إلى جمال روحها .. لقد كانت الفتاة نفسها .. تلك التي خلبت لبه قبل سنوات وهي ترقص تحت الشجرة بدلال .. إنها هي .. الفتاة التي قدر لها أن تكون له
لم تفطن أسيل إلى الانفعالات المتصارعة داخله .. أبعدت طبقها عاجزة عن اكل المزيد .. وقالت معتذرة :- أخشى ان تخذلني معدتي إن قسوت عليها
قال واجما : - لا بأس .. سآتيك بحقيبتك كي تتحدثي إلى خالتك .. رغم أنني لا أبالي حقا بردة فعل خالك .. إلا أنني لن أحب تدخل الشرطة في الموضوع
نهض مغادرا المطبخ .. بينما ارتعدت وهي تفكر بالشرطة .. هل يمكن لخالها أن يبلغ الشرطة إن لاحظ اختفائها ؟؟؟ أم أنه سيورط الشرطة إن عرف بتورط أسلان في الأمر ؟
وقفت فأحست بدوار طفيف .. فكرت بأن تأثير الدواء المسكن الذي قدمه لها أسلان قد بدأ بالتلاشي .. إلا أنها تماسكت لاحقة به إلى صالة واسعة أسالت لعابها بديكورها الأنيق .. لطالما كانت مهتمة بفن الديكور .. في الواقع .. لقد أملت أن تجد عملا في مجال الهندسة الداخلية فورأن تستقر أمورها في دبي إلى جانب جيهان وإياد .. وهذه الغرفة .. هذه الشقة في الواقع .. كانت مرتبة بالطريقة التي كانت لتتبعها نفسها في ترتيبها .. غرفة الجلوس الحديثة الطراز .. اللوحات السريالية التي توزعت على الجدران الكريمية اللون بتناسق .. طاولة الطعام الزجاجية والمستديرة التي أحاطت بها أربع مقاعد جلدية إلى جانب نافذة احتلت جدارا كاملا ..
تمكنت من خلالها من رؤية البحر بإطلالة رائعة الجمال .. سمعت صوته ورائها .. فاستدارت لتجده واقفا عند باب الغرفة .. ينظر إليها وعواطف جياشة تطل من عينيه
تأملته ذاهلة .. وكأنها وضوء الغروب القادم من النافذة الكبيرة خلفها ينعكس على طلته الجميلة تراه لأول مرة .. وتدرك من جديد مدى جاذبيته ووسامته.. أحست بالدوار مجددا .. لسبب مختلف هذه المرة .. فأسندت نفسها إلى ظهر أحد المقاعد الجلدية كي لا تخذلها ساقاها .. قال لها بدفء :- لقد تخيلتك واقفة هنا مئات المرات .. إلا أنك ما كنت ابدا بهذا الجمال ..
كان يحمل حقيبتها الجلدية .. نظرت إليها باضطراب .. وكأنها تتوسله أن يعيدها إليها فينهي عذابها .. اقترب ببطء .. وقدم لها الحقيبة .. تناولتها مادة ذراعها قدر المستطاع .. محافظة على أكبر مسافة ممكنة بينهما .. فتحت الحقيبة .. وبحثت عن هاتفها لتجده مقفلا فلم يفاجئها هذا .. فور أن أعادته للعمل .. دوى رنينه وكأنه كان في انتظارها .. رأت الاسم المكتوب .. فردت بارتياح ولهفة :- كمال ..
:- أسيل .. أين انت ؟ هل تدركين القلق الذي سببته لنا ؟ أخبريني أين أنت كي آتي لأخذك
لم تدرك بأن أسلان قد أصبح إلى جانبها فور أن سمح بالاسم الذي نطقت به .. وأنه قد سمع ما قاله كمال على الجانب الآخر .. والذي تابع بقلق :- أرزو معي هنا الآن .. وهي تظن بأنك مع .. مع أسلان دار أوغلو .. هل أذاك ؟ هل ..
انقطعت المكالمة .. فأدركت متأخرة بأن أسلان قد انتزع الهاتف من يدها وأنهى المكالمة بنفسه .. قالت باحتجاج :- لماذا فعلت هذا ؟
قال من بين أسنانه :- أخبرتك بأنني لا أطيق احتكاكك بذلك الفتى
سماعها لصوت كمال .. جعل شيئا من القوة والثقة يدفعانها للقول بحدة :- هذا ليس من شأنك .. كمال صديق عزيز ولا يحق لك على الإطلاق منعي من التحدث إليه .. أعطني الهاتف ..
مدت يدها بنية انتزاع الهاتف من يده إلا أن يده الأخرى أسرعت تمسك بمعصمها قبل أن تصل .. وتجذبها بقوة أخلت بتوازنها فسقطت على صدره العريض القاسي .. تخبطت بين أحضانه في محاولة منها للابتعاد .. إلا أنه كان قد أحاطها بذراعيه مقيدا إياها بينهما بإحكام .. هتفت بعنف وهي تدفعه بيأس :- ما الذي تفعله .. اتركني الآن أسلان .. الآن
قال بنعومة :- لست في موقع يخولك إصدار الأوامر حبيبتي .. ما أفعله الآن هو إفهامك بالضبط الحق الذي أمتلكه عليك ..
اتسعت عيناها عاجزة عن فهم قصده .. حتى أحست بأصابعه تلتف حول خصلات شعرها الطويلة والناعمة .. شهقت عندما جذبها ليرتفع رأسها إليه .. وبدون مقدمات .. أحنى رأسه قابضا على شفتيها بين شفتيه كالنسر حين ينقض على فريسته بوحشية وانتصار .. انتفضت مذعورة .. حاولت الابتعاد ... ضربته قبضتاها فوق ذراعيه الفولاذيتين بيأس .. أنت تحت شفتيه بنشيج مكتوم حمل احتجاجا وذعرا لم يوقفاه .. كان عنيدا .. غاضبا ومصمما .. وفاقدا للسيطرة تماما .. وهو ينال ما ظل يحلم به ليال طويلة مذ رآها .. بالكاد أحس بمقاومتها وهو يزداد لهفة وعمقا في قبلاته ... بينما تلمسها يداه بشغف أحرقها .. وأزال صمودها بسهولة .. كانت أضعف من أن تقف في وجه هجومه العنيف .. كانت أرق من أن تقاوم قوته .. كانت تحبه .. أكثر مما يجب .. لتتمكن من منع نفسها من الانجراف معه
تلاشت ساقاها من تحتها .. وهو يرفعها عن الأرض بخفة .. وكأنه قد تعب من الانحناء .. التفت ذراعاها حول عنقه وهي تستسلم لقبلاته بضياع .. عاجزة حن تمالك نفسها .. يا الله .. ما الذي يحدث ؟
شهقت عندما حرر شفتيها أخيرا .. وارتعشت عندما احست بفمه يتذوق انحناءة عنقها بحسية أطاحت بصوابها .. دفنت وجهها في عنقه .. همست متوسلة وهي تتشبث به بقوة :- أرجوك .. أرجوك
كان يعرف بأنها ماكانت تتوسله ما يريد .. وكان يعرف بأنه قد تمادى جدا في إظهار مشاعره .. لم يرغب في إخافتها أكثر .. إلا أنه وفي كل مرة يراها فيها يجد نفسه ضائعا بها .. وكأن عقله يختبيء بعيدا فور اقترابه منها
زفر بقوة وهو يضمها إليه بقوة .. ببطء شديد .. أوقفها على قدميها دون أن يتركها .. فدفنت وجهها في صدره العريض ..و بين طيات قميصه الناعم .. أخذت تبكي بانكسار ..
حملها بسهولة إلى الأريكة الوثير على الجانب الآخر من الغرفة .. جلس ضاما إياها في حجره .. وأنفاسها الحارة واللاهثة على عنقه تسبب له من الألم الجسدي ما لا يطاق .. مرر يده على شعرها الناعم مبعدا إياه عن وجهها .. سمعها تهمس :- لماذا تفعل هذا بي ؟
زفر بقوة .. وهمس هو الآخر:- ليتني أعرف
أحس بجلدها حارا للغاية تحت لمساته .. فلم يفاجئه أن وجدها غائبة عن الوعي بعد دقائق طويلة أبقاها خلالها في حجره .. يهدهدها كالطفل .. يداعب شعرها وعنقها برقة وكأنه يحاول بحنانه أن ينسيها وحشية عواطفه .. برفق .. مددها على الأريكة بشكل مريح ..ونهض ليحضر الدواء .. وإذ بجرس الباب يدوي برنين صاخب أجفله .. ألقى نظرة عابرة نحو أسيل الغارقة في النوم ... ثم اتجه نحو الباب ليفتحه ..
اندفع كمال نحوه ممسكا بتلابيب قميصه هاتفا بعنف :- أين هي أيها الحقير ؟ ما الذي فعلته بها ؟
.. تخلى أسلان سريعا عن تأثير المفاجئة ليدفع كمال بقوة بعيدا عنه .. كمال الذي دفعه غضبه وقلقه الشديدين لتوجيه لكمة قوية لفك أسلان فور أن ابتعد قليلا ..
هدر صوت قوي :- توقفا
تمكن مراد من دس نفسه بينهما مبعدا أسلان الثائر عن كمال الذي هتف بعنف :- أين هي ؟
تعالت شهقة أرو عاليا وهي تهمس :- أسيل
انفعت إلى داخل الشقة .. نحو أسيل النائمة على الأريكة .. لا حول لها ولا قوة .. لامست جبينها الساخن بقلق .. ملاحظة شحوب وجهها .. فأدرات وجهها نحو أسلان هاتفة بسخط :- ما الذي فعلته بها ؟
قال مستعيدا وقاره .. بسخرية جافة :- اهدئي أرزو .. قريبتك بخير .. إنها محمومة قليلا
هتفت بحدة :- نعم .. كم من المناسب أن تحتجزها لديك وهي بهذه الحالة العاجزة
قال ساخرا :- ما الأمر أرزو ؟ هل تغارين ؟؟ آسف عزيزتي .. أنا لا أختطف عادة إلا من تعجبني حقا
تمكن مراد مجددا من منع كمال من الوصول إلى أسلان الذي بدا قادرا على قتل أحد بغضبه الواضح ... وقال بجدية :- اهدأ كمال .. من الافضل أن تأخذا أسيل من هنا وتعيداها إلى البيت قبل أن يشعر فريد بغيابها
تلاقت نظرات أسلان وكمال بتحدي كانت ذبذباته لتهدم جدران المكان بعنفها ... قبل أن يمتثل كمال لأمر مراد .. ويتجه إلى أسيل .. ابتعدت أرزو عن طريقه كي يتمكن من حملها بين ذراعيه .. ثم سارت معه حتى الباب .. إلاأنه حرص على التوقف قليلا ..ومواجهة أسلان قائلا ببرود :- لن يجد فريد الفرصة لقتلك إن اقتربت منها مجددا .. لأنني أنا من سيكون قاتلك
عندما غادر كمال وأرزو برفقة أسيل .. أغلق مراد الباب ورائهما في الوقت الذي غمغم فيه اسلان حاقدا :- ليس إن قتلتك أولا ...
التفت مراد نحوه هاتفا بغضب :- ما الذي أصابك أسلان ؟؟؟ هل جننت ؟؟ أقسم بأنني أشك أحيانا بقواك العقلية .. لقد اختطفت فتاة مريضة من وراء عائلتها .. ألم تفكر بردة فعل خالها على تصرفك هذا .. بردة فعل والدك .. والدتك إن شاع الخبر .. وتسببت بفضيحة اخرى .. ألم تفكر بدنيا ؟
هتف أسلان بنزق :- بحق الله يا مراد .. ما الذي تفعله هنا على أي حال ؟
قال مراد متوترا :- ما الذي تظنه ؟ لقد اتصلت بي أرزو مذعورة ..ولا أعرف من أين جاءت برقم هاتفي .. لتسألني عن عنوان شقتك .. مخمنة بأنك انت من أخذ الفتاة .. وأنك طبعا ستحضرها إلى هنا .. كان علي أن آتي معها ومع رفيقها لئلا يقتلك أحدهما
تحرك أسلان بعصبية في أنحاء الشقة التي بدت له ضيقة جدا في تلك اللحظة .. وكأن جدرانها تكاد تطبق على صدره من فرط شعوره بالغضب والإحباط
مرر يده على صفحة وجهه بانفعال فسمع صديقه بقول بقلق :- أسلان .. لم أرك يوما على هذه الحالة .. ماالأمر ؟
لم يمنحه أسلان ردا وهو يتناول هاتف أسيل المرمي على الأريكة ... قال مراد بجدية من وراءه :- لقد اخترت الفتاة الخطأ أسلان .. أسيل لا يمكن أن تكون لك .. لا تستطيع مقاومة الواقع
التفت إليه أسلان قائلا بتصميم :- هل تراهن ؟
هتف به مراد غاضبا :- ماالذي أصابك ؟؟؟ أنت ما عدت مراهقا لتركض وراء فتاة لا تنتمي إليك لمجرد التحدي .. اهتمامك بهذه الفتاة سيعود بالكثير من المصائب عليك .. هل لديك فكرة عما تعنيه هذه الفتاة لفريد ؟ عما سيفعله إن فطن لاهتمامك بها ؟ إن عرف أبوك بما تقوم به .. ؟ أسلان .. أنت على سلام مؤقت معه الآن بمعجزة حقيقية .. فلا تفسد كل شيء
وكأنه ينفخ في قربة مقطوعة .. بدا أسلان الذي ظل يجوب الغرفة كالذئب الحبيس غافلا تماما عن كلمات صديقه .. الذي قال بصوت خافت :- لا تسبب لدنيا المزيد من الألم .. إنها لا تستحق ماتفعله بها .. معرفتها باهتمامك المجنون بهذه الفتاة ستقتلها ..
التفت إليه اسلان أخيرا قائلا من بين اسنانه :- أنا لا أهتم ذرة بدنيا .. أو برأفت دار أوغلو .. أو بفريد ألتانجي .. لقد دفعت الكثير وتنازلت عن الكثير بسبب ثلاثتهم .. وقسما بالله فإنني لن أمنحهم المزيد
تمتمت أسيل بامتعاض :- ... لقد اكتفيت أرزو .. حقا
قالت أرزو بإصرار :- ستنهين كوب العصير كاملا .. سمعت ما قالته أمي .. لا اعذار
تأففت أسيل وهي ترفع الكوب من جديد إلى شفتيها لتحتسي المزيد منه .. بينما راقبتها أرزو باهتمام وهما تجلسان على الأرجوحة القديمة في حديقة المنزل .. وعندما أنهت الكوب أخيرا .. قالت بنزق :- هل أنت مرتاحة الآن ؟ متى ستدركان أخيرا بأنني ما عدت مريضة ؟
قالت أرزو بوجوم :- ربما ما عدت مريضة .. إلا أن صدمة الرعب الذي سببته لنا قبل ثلاثة أيام لا يمكن أن تزول بسهولة
احمر وجه أسيل وهي تحدق في الكوب الزجاجي الفارغ .. قبل أن تقول بخفوت :- أشكرك لعدم إخبارك خالتي بما حدث حقا
قالت أرزو بتوتر :- لقد صدقت أمي بأن كمال هو من وجدك ذلك الصباح وأحضرك إلى منزله .. لو أنني أخبرتها بالحقيقة .. بأن أسلان دار اوغلو هو من وجدك .. بأنه قد أخذك إلى شقته في المدينة .. وجزء مني يظن بأنه ما كان علي إخفاء الأمر .. لكانت أخبرت أبي .. ولو عرف أبي بالامر لكان رد فعله متطرفا في حال نجا من الأزمة القلبية المحتملة ... لأرسلك على أول طائرة بعيدا من هنا أسيل ..
تمتمت أسيل :- ربما هذا هو التصرف الصحيح
قالت أرزو بقلق :- أن تهربي ؟؟ ليس هذا من طبعك .. أنت حتى لم تخبريني بما حدث هناك .. ألا تذكرين شيئا .. أي شيء عما فعلته في شقة أسلان ؟
ازداد تورد وجه أسيل وهي تغمغم :- ليس الكثير .. لم أكن واعية تماما .. أحسست به يهتم بي .. يعطيني الدواء .. وعندما صحوت قليلا .. أعد لي بعض الطعام
قالت أروز بريبة:- أهذا ما فعله فقط ؟؟ اهتم بك ؟ لا أعرف لماذا تبدو لي هذه الصورة غريبة عن أسلان دار أوغلو .. أن يطبخ ويطبب دون أي نوايا خبيثة
نظرت إلى عيني أسيل قائلة :- انت تعرفين بأن النوايا الخبيثة كانت موجودة بالفعل .. صحيح ؟
أشاحت أسيل بوجهها .. إذ كانت الذكرى واضحة في كل جزء من ملامحها .. لو أن أرزو تمعنت بها .. لأدركت حقا إلى اي مدى وصل الأمر بين أسيل وأسلان .. لقد قبلها .. قبلها حقا ..ربما هي لم تكذب عندما أشارت إلى قلة وعيها .. إذ أن الذكرى ما كانت قوية جدا .. إلا أنها كانت واضحة بما يكفي لتؤرقها ليلا .. لتطبق على أنفاسها .. لتنشر الحمى من جديد في أوصالها لتبدو وكأنها ما تزال تحت تأثير المرض
تمتمت أسيل :- لقد انتهى الأمر الآن .. لحسن حظنا أن ضررا لم يقع
قالت أرزو بجفاف :- لا ... لا كثير من الضرر .. فقط توبيخ أبي لكمال المسكين .. وطرده تقريبا من البيت للقلق الذي سببه لأمي
قالت أسيل بحزن :- لم أسبب سوى المشاكل منذ مجيئي ... هاهو كمال يتشاجر مع خالي لأول مرة بسببي
قالت أرزو بلا اهتمام :- لا تهتمي .. كمال أشبه بالعلقة .. سرعان ما سيعود مستعطفا أبي بنظرته تلك الشبيهة بنظرة جرو جائع .. ولن يقاومه أبي أو أمي كالعادة
قالت أسيل برقة :- ماالأمر أرزو ؟؟؟ هل تشاجرت مع كمال بدورك ؟؟ تبدين غاضبة
قبل أن تقول أرزو أي كلمة .. أتاهما صوت فريد يقول :- كيف حال صغيرتي ؟ أراك أفضل حالا اليوم
انحنى ليقبل جبين أسيل فقالت أرزو باحتجاج :- هل أسيل هي صغيرتك الآن ؟ وماذا عني أنا ؟
قال مداعبا شعرها الأحمر بحنان :- توقفي عن الغيرة أرزو .. أنت تعلمين قيمة هذه الشقراء الحلوة لدي
عندما دخل إلى البيت .. قالت أرزو بحنق مصطنع :- يبيعني لأجل عابرة سبيل حسناء .. وما إن تسافري حتى يأتي إلي زاحفا ظانا بأنني سأنسى خيانته
ضحكت أسيل .. فابتسمت أرزو آخذة الكوب قائلة :- سآخذه إلى المطبخ .. وأرى إن كان الغداء قد جهز أم لا .. أنا أتضور جوعا
ما إن دخلت أرزو إلى البيت .. حتى تناولت هاتفها .. وحاولت من جديد الاتصال بكمال .. دون أن تحظى برد .. منذ ثلاثة أيام وهي تتصل به دون فائدة .. بدا كمال وكأنه يرفض أي احتكاك بها .. منذ ودعته عند باب منزلها بعد توبيخ والدها له .. عندما نظر إليها بطريقة غريبة قائلا :- أخبريني أرزو .. كيف عرفت بأن أسلان دار أوغلو هو من أخذ أسيل ؟
ارتبكت أرزو لسؤاله المفاجئ .. ترددت قليلا قبل أن تقول :- لم أعرف حقا .. لقد خمنت فحسب .. أنا أعرف مسبقا بأنه يهتم لأمر أسيل .. فقد لاحظت نظراته إليها ليلة الحفلة .. أعرف أيضا بأن أسيل قد قابلته مرة ..أو مرتين .. لا أعرف حقا لأنني لم أسألها .. وعندما وصفته لي أمي عرفته على الفور

في محراب العشقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن