حدقت نورا بالمبنى المميز لشركة دار أوغلو بتردد وخوف .. بصعوبة شديدة .. منعت نفسها من الهرب عائدة أدراجها ومتخلية عن القرار الذي اتخذته عندما استيقظت صباحا .. وظلت طوال النهار تراجعه متسائلة عما يدفعها للقيام به ... فتتذكر حديث علي مع والده والذي استمعت إليه دون أن تقصد التنصت عليه ذلك المساء عندما كانت تعيش لحظات نادرة وغالية من الفرحة البريئة التي ظنت نفسها لن تعرفها ابدا .. فرحة انتهت عندما هبطت من السماء السابعة لتتحطم أجنحتها على أرض الواقع .. كان من المذل ومن المؤلم لها أن تظن طوال هذه الفترة أن علي يكن نحوها مشاعر خاصة فقط لمجرد أنها قد أحبته وتعلقت به كالغريق حين يتعلق بقشة .. بينما كان اهتمامه بها إنسانيا بحتا .. مجرد مساعدة لفتاة مضطربة .. تحتاج لأن تحس بالاهتمام كي لا تنتهي قتيلة حادث سير تحت تأثير الشراب .. أو ضحية اغتصاب لأحد رفاقها المضطربين مثلها .. كما سبق وتنبأ لها علي بنفسه ...
لم تستطع أن تكره علي حتى بعد أن عرفت حقيقة نواياه ومشاعره نحوها .. فهذا لا ينفي أنه كان الشمس المضيئة الوحيدة التي عرفتها في حياتها ... كل ما في الأمر أن الأمر كان مذلا للغاية .. جارحا للغاية .. أن تدرك أن شخصا أحبته بشدة .. لا يحبها بالقدر ذاته .. وكأن حياتها كلها تتكرر من جديد .. فلا أحد أحبها حقا .. لا أحد ..
تذكرت صباحا عندما استيقظت من نومها ما سبق وقاله لها علي مرة .. أنها تستطيع الحصول على الحب عن طريق زرعه أولا .. هل كان محقا .؟ يا الله .. فليكن محقا ..
دخلت إلى المبنى الكبير متجاهلة النظرات الفضولية نحوها .. كانت تبدو مختلفة بمظهرها الجديد .. بفستانها الأزرق الجميل والبسيط والمحتشم .. بشعرها المصفف بعناية وزينتها الخفيفة ..فلم يعرفها أحد في البداية .. وعندما سألت موظفة الاستقبال إن كان والدها موجودا .. ارتفع حاجبا الفتاة ذهولا ودهشة .. كما صعق كل من سمعها واستدار يحدق بالفتاة التي تبدو أي شيء إلا الإبنة الصغرى لرأفت دار أوغلو .. قالت أخيرا بنفاذ صبر :- حسنا .. هل سأنتظر هنا حتى أشيخ ؟
أسرعت الفتاة تقول :- السيد رأفت في مكتبه
بدون أي كلمة إضافية تابعت نورا المتوترة طريقها نحو المصعد الكهربائي .. وصعدت للطابق الثالث .. عبرت أمام المزيد من الموظفين الحائرين والمتهامسين من حولها .. لماذا هم مصرون على جعل الأمر أكثر صعوبة ؟ .. عندما رأتها سكرتيرة والدها الأربعينية .. والتي تعمل لديه منذ سنوات طويلة .. وقفت قائلة وهي تحاول إخفاء دهشتها :- نورا .. أهلا بك يا عزيزتي .. ما الذي جئت تفعلينه هنا ؟
قالت نورا بتوتر :- جئت أرى أبي .. أهو هنا ؟
ترددت السكرتيرة ثم قالت :- لديه ضيف حبيتي ..ربما عليك أن تنتظري قليلا .. إن أردت نصيحتي .. فوالدك ليس في مزاج طيب هذه الأيام .. خاصة مع غياب أسلان المستمر في الأيام الأخيرة ..من الافضل أن تعودي في يوم لاحق
فتح الباب ليخرج ضيف والدها .. رمقها بنظرات فضولية قبل أن يتابع طريقه .. نظرت نورا إلى السكرتيرة قائلة بتحدي :- لم يكن والدي في مزاج طيب قط
اندفعت نحو الباب الخشبي العريض لتفتحه متجاهلة صيحات المرأة من ورائها .. رفع والدها رأسه بعيدا عن شاشة حاسوبه .. ونظر عابسا إلى الفتاة التي اقتحمت مكتبه .. وفور أن تعرف إليها .. هتف غاضبا :- ما الذي تفعلينه هنا ؟
:- قالت بتوتر :- جئت أتحدث إليك
:- وكالعادة ... لا تعرفين شيئا عن أصغر أصول الأدب حتى لتقرعي الباب على الأقل .. ماالذي تريدينه ؟
نظرت إليه مرتبكة ..وقد طارت الكلمات منها .. بينما رمق مظهرها الجديد متفحصا إياها من رأسها حتى أخمص قدميها .. ثم قال مزمجرا :- ماالذي فعلته هذه المرة ؟ ما المصيبة التي تسببت بها وجاءت بك إلى هنا لتحاولي تملقي لتنظيفها ورائك
هتفت بذعر :- لم أفعل شيئا
نهض واقفا .. وهو يشير إليها بسبابته :- مهما كانت الحماقة التي ارتكبتها فأنا لن أتحمل مسؤوليتها هذه المرة .. لقد سئمت .. سئمت من كل المشاكل التي سقطت على رأسي منذ أنجبتك والدتك .. كان من الأفضل لو أنك لم تولدي قط
شحب وجهها وهي تلاقي عينيه العاصفتين مصدومة .. بل مجروحة حتى الصميم .. رغم أنه لم لم يترك وسيلة يوما في إظهار خيبة أمله بها .. إلا أنه أبدا لم يقلها مباشرة .. وفي هذا الوقت بالذات جاءت كلماته كالطعنة الحادة في منتصف صدرها ... هاجت مشاعرها فجأة .. وطارت كل نواياها في الهواء .. صرخت به ثائرة :- أنا أكرهك .. أكرهك كما تكرهني ...وأتمنى أن أختفي من حياتك مرة واحدة وبغمضة عين
اندفعت خارجة فزفر متاففا .. هتف لسكرتيرته القلقة عبر الباب الذي تركته نورا مفتوحا .:- أغلقي الباب .. ولا تسمحي لأحد بإزعاجي قبل فترة طويلة
أنت تقرأ
في محراب العشق
Romanceاحمل قلبي في حقيبة وأرحل . . أقف في مفترق طرق . . البحر من امامي . . وهاوية حب لا قرار لها من ورائي . . خياران أحلاهما مر . . هل أتبع قلبي فأخسركل شيء ؟ . . أم عقلي وضميري فيخسر كل من أحب و حبيبتي جيهان . . أستودعك . . فأذني لي بالرحيل . . إن قابلته...