حبيبتي جيهان :
أتمنى أن أتمكن من الفضفضة لك .. من إخبارك عما يخيفني ويؤرقني .. مما يدفعني هاربة إلى أحضانك .. أتذكرين يوم ضبطتك تتحدثين هاتفيا خلسة مع إياد أيام عشقكما الأولى ؟؟ كنت أشعر بالتسلية والفرح لضبطي لك في فعل شائن .. أختي الكبرى الرقيقة والناعمة والمعصومة عن الخطأ .. تقع أخيرا .. في الوقت نفسه كنت أشعر بالخوف وأنا أراك تغرقين في لجة غرام لا قرار لها .. أخبرتني ضاحكة عندما أخبرتك ..( لا يجدر بالحب أن يكون مظلما إلى هذا الحد .. أنت متشائمة .. الحب نور وضياء .. الحب هو ما يدلك على الطريق الصحيح نحو السعادة ..الحب حياة .. وحبي لإياد .. هو حياتي )
فهمتك عندما قابلت الشاب الخجول الجاد .. يوم تقدم لخطبتك فور تخرجكما .. إياد كان نورك .. دليلك .. حب حياتك .. حياتك .. لطالما تمنيت أن أجد حبا مماثلا .. للأسف .. ظننت لفترة طويلة بأنني لن أفعل أبدا ... لم أكن أبحث عنه .. تعرفين وجهة نظري .. يجب أن يجدني هو .. وقد فعل
جيهان ... ماذا لوكان هناك جانب آخر للحب .. جانب مختلف عن ذاك الذي جمع بين والدينا .. بينك وبين إياد .. بين خالي فريد وخالتي لمعان .. ماذا إن كان هناك حبا مظلما بالفعل .. ذاك الذي يحيل حياتك إلى حزمة من الخوف والقلق وعدم الاستقرار ..ذاك الذي تعرفين بأنك ستموتين بدونه .. وتضيعين معه .. ذاك الذي يناقض كل صحيح .. إلا أن قلبك يأبى إلا أن يراه صحيحا مئة بالمئة
لا أظنني سأرسل إليك هذه الرسالة جيهان .. فأنا عائدة إليك على أي حال .. إلى دفء وجودك معي .. إلى أمان وحماية إياد ..قد أحكي لك عنه في يوم من الأيام ..عندما أتعلم أن أعيش بدونه .. بدون أن يحرقني الألم مع كل شهيق أتنفسه .. حبيبتي جيهان ... لقد اشتقت إليك .. أكثر مما ظننت أنني سأفعل يوماتوقفت أسيل عن الكتابة عندما أتاها صوت لمعان يقول :- هل أنت جاهزة حبيبتي ؟
أغلقت أسيل حاسوبها المحمول .. ونهضت متمتمة :- أنا جاهزة
وضعت الحاسوب في الحقيبة المخصصة لها .. إلى جانب باقي حقائبها المرصوفة إلى الجدار .. عندما أرادت حملها أسرعت لمعان تقول :- سينزلها علي إلى الطابق السفلي .. تعالي لنحتسي بعض القهوة معا قبل أن ننطلق
ابتسمت أسيل .. ورافقت خالتها إلى الطابق السفلي متساءلة إن كان احدهم قد لاحظ بأنها تتحرك كالدمية بلا روح .. وقفت عند مجموعة من الصور المؤطرة المعلقة على الجدار في الصالة بينما سبقتها خالتها إلى المطبخ لتحضر القهوة .. تأملت أسيل الصور العائلية بصمت .. ثم مررت أناملها فوق إحداها برقة .. سمعت صوت خالها يقول بهدوء :- أنت نسخة عنها
نظرت إليه من فوق كتفها .. ثم عادت تنظر إلى وجه والدتها الجميل والمشرق .. كانت أسيل قد أخذت عنها شعرها الأشقر النحاسي .. ولون عينيها الحشيشي الأخضر .. تمتمت :- أظنها كانت أكثر ذكاءا مني ؟
قال باسما وهو يقف إلى جانبها :- أنت مخطئة .. لقد كانت سيدة الطيش بلا منازع في صباها .. لا شيء على الإطلاق كان بقادر على الوقوف في وجع اندفاعها وحيويتها .. حتى عندما اختارت رجلا غريبا لتتزوجه وتسافر معه بعيدا .. لم يستطع أحد إيقافها
داعب شعر أسيل الناعم وقال بحنان :- أنت تشبهينها تماما أسيل .. أنت أيضا تمتلكين حماسها وحيويتها .. ورؤيتها الناصعة البياض للعالم .. أنت أيضا قادرة على القتال بأسنانك في سبيل ما تؤمنين بصوابه
قالت بمرارة :- هل أنت متأكد ؟
ضمها إليه وقبل قمة رأسها ... ثم تنهد قائلا :- سأفتقدك كثيرا
أحاطته بذراعيها .. وتركت دموعها تسيل على وجنتيها دون أن تقول شيئا .. عندما تركها .. رأت أرزو واقفة عند باب غرفة الجلوس ... ودموعها الحبيسة تغشي عينيها .. عندما غاب فريد في المطبخ تاركا الفتاتين معا .. قالت أرزو بحزن :- لا ترحلي .. لست مضطرة للسفر الآن .. لقد وعدت بالقاء لنهاية الصيف
أخذت أسيل نفسا عميقا ثم قالت :- ثلاثة أسابيع ليست بالفرق الكبير أرزو .. صدقيني .. من الأفضل أن أرحل الآن
قطعت أرزو مساحة الغرفة .. وضمت أسيل إليها بقوة وهي تقول ضارعة :- ستعودين لزيارتنا .. صحيح ؟
لا ... ترددت هذه الكلمة في رأس أسيل دون أن تنطق بها .. ما من حاجة لتخبر آخر من تبقى من عائلتها غير شقيقتها بأنها أبدا لن تعود لرؤيتهم مجددا
احتسى أفراد العائلة القهوة معا في غرفة الجلوس .. أخذوا يتمازحون فيما بينهم بطريقة بدت لأسيل سطحية جدا .. لقد خيم الوداع على رؤوسهم جميعا .. فباتت الابتسامة زائفة جدا حتى في أصدق لحظاتها ..
خيم الصمت في سيارة فريد أثناء توجه العائلة إلى المطار .. احتراما لصمت أسيل الشاردة .. التي لم تتوقف عن تأمل كل تفاصيل المدينة في الطريق.. كانت السماء غائمة كأول علامة على انتهاء الصيف وبداية الخريف .. فكرت أسيل بأن السماء قد تمطر اليوم .. إلا أنها لن تكون موجودة لتغتسل تحت مياهها .. ستكون بين أحضان جيهان لحظة سقوط أول قطرة مطر
.. رغم إدراكها لضرورة ما تفعله .. إلا أنها عرفت يقينا بأنها لم تملك خيارا آخر .. لقائها الأخير مع أسلان أوضح لها الكثير .. بأنها فيما يتعلق بأسلان .. بقربه منها .. بلمسه لها .. الخاسرة تماما .. من الصعب بالنسبة لفتاة كانت المسيطرة على حياتها لسنوات طويلة أن تجد نفسها تائهة .. وفاقدة لإرادتها وكيانها وحتى لكبريائها لأجل رجل .. إذ أنها حتى وهي تهنئ نفسها على قوتها في اتخاذ القرار الصحيح .. والرحيل .. مازالت تقاوم رغبتها في الذهاب إليه .. في قبول دعوته الغير منطوقة للانتماء إليه ..
قاطعت لمسة يد أرزو أفكارها .. فالتفتت نحوها لتلحظ الأسى على وجهها وهي تقول هامسة :- لم أرغب أبدا بأن ينتهي الأمر بهذه الطريقة أسيل
لم تفهم أسيل ما قصدته أرزو .. إلا أنها ابتسمت مطمئنة وهي تشد على يدها بإجابة صامتة تمنت أن تكون مقنعة .. علي كان صامتا بدوره .. وقد كان حزينا لسفرها .. قال لها عندما أنزل حقائبها بعصبية :- لا أصدق بأنك تسافرين وتتركيننا لحياتنا المملة .. سأشتاق لشخص مثلك يشاطرني كل صباح جميل بمسيرة على البحر .. شخص غير معقد ( وغمز اتجاه أرزو الحزينة بحيث عجزت عن السخط منه ) اتبادل معه أطراف الحديث بحرية دون خشية فقده أعصابه
كانت مضطرة لتصنع الهدوء كي تخفف من وطأة الفراق على أفراد عائلتها الحبيبة .. بل لافتعال الفرح والحماس لرؤية جيهان .. جيهان التي صرخت كالمجنونة عندما عرفت بمجيء أسيل .. وبدأت تمطرها هاتفيا بكل الطرق الرائعة التي تستطيعان قضاء الوقت بها ما إن تصل ..
رؤيتها لكمال منتظرا إياها في المطار كانت مفاجئة رائعة .. سالت دموعها رغم إصرارها على التمسك بصلابتها .. بدا بدوره شاحبا بعض الشيء .. وهالات سوداء تحيط بعينيه .. كانت أكثر انشغالا بحالها من أن تلاحظ تحاشيه النظر إلى ارزو التي انزوت بعيدا مطأطئة وقد اعتلى وجهها احمرار طفيف ... اقترب من أسيل أمام نظرات فريد المتسامحة .. وقبل رأسها بحركة أخوية قائلا بحنان :- ستراسلينني .. صحيح ؟
هزت رأسها صامتة .. فقال هامسا بحيث لم يسمعه سواها :- وستخبرينني عن سبب رحيلك
هزت رأسها من جديد مانعة نفسها من البكاء مجددا .. ثم اختطفت من أمامه لتلقى نفسها محتضنة من قبل خالها .. ثم خالتها ... علي الذي حملها بفظاظته المعتادة ضاحكا .. ثم أرزو التي بكت على كتفها بشدة حتى اضطرت والدتها لإبعادها عنوة عن أسيل .. التي سار معها خالها حتى ودعها وهي تجتاز الحاجز المخصص للمسافرين جارة عربة الحقائب أمامها .. لوح لها قائلا :- احرصي على أن يكون هاتفك مفتوحا حتى تطمئنينني على صعودك للطائرة
قال صائحة :- عدني بألا تنتظر .. سأتصل بك عند حصول أي مشكلة ..
.. كانت تعرف بأنه لن يفعل .. قهو مرتبط بأعمال لا تنتهي كونه أحد أهم موظفي شركة دار أوغلو .. وكان هذا أفضل بالنسبة إليها .. لم ترغب بأن تعرف بأن أحدا ينتظرها في أي مكان كي لا تتراجع عما تقوم به ... ذكرها هذا بهاتفها المقفل منذ ثلاث أيام خشية أن يتصل بها أسلان .. الذي انتظرها بالتأكيد داخل يخته دون فائدة .. تخيلت مرارا أثناء أرقها وتفكيرها المضني خلال لياليها الأخيرة جنونه عندما لم تظهر في النهاية .. تخيلته يحوم كالأسد الحبيس فوق الميناء عاجزا عن القدوم إليها واقتحام أمانها داخل منزل خالها .. كانت تعرف بأن وصوله إليها بأي طريقة يعني السقوط .. لذلك حرصت خلال الأيام السابقة على ألا تغادر المنزل إطلاقا .. عاهدة إلى خالتها بمهمة شراء الهدايا المناسبة لكل من جيهان وإياد
لقد تحررت الآن .. صحيح ؟ .. أطلقت نفسا حارقا بينما الدموع تغشى عينيها .. دموع الألم ووجع الفراق .. إنها تشتاق إليه منذ الآن .. تشتاق إليه إلى حد يذهلها .. فقبل شهر أو أكثر قليلا .. لم تكن تعرف عنه شيئا .. وهاهو الآن .. يرسم قلبها بحدود هواه ... يتخلل ألأنفاسها .. يتردد اسمه مع كل خفقة في قلبها ..
أخرجت هاتفها مع أوراقها .. وفتحته وهي تتجه بحقائبها إلى منصة الوزن .. وقفت وراء صف من المسافرين .. محاولة عزل نفسها عن محيطها في طريقة لقتل أحاسيسها .. كل ما عليها فعله هو الصمود حتى تصل إلى الطائرة .. وبعدها .. تستطيع أن تبكي قدر ما تشاء .. فلن تكون قادرة على التراجع ..
دوى رنين هاتفها ..فرفعته إلى أذنها تلقائيا .. دون أن تتوقع صوته بدلا من صوت خالها القلق .. يهتف بخشونة :- أقسم لو أنك صعدت إلى الطائرة قبل أن ألحق بك لندمت
تعالى لهاثها وهي تنظر حولها مذعورة .. لم تستطع في غمرة اضطرابها أن تميز بين القامات المتباينة المحيطة بها .. هل هو هنا ؟؟ قريبا منها .. يتربص بها .. كيف عرف بنواياها .. كيف وجدها ؟
أتاها صوته يقول مختنقا :- كيف استطعت أن تفكري بالرحيل .. كيف ؟
لم تستطع الكلام .. كيف وعقدة من الخوف تتشكل في حلقها .. قال بصوت من فقد كل سيطرته على أعصابه :- ستستديرين الآن ... وتعودين أدراجك .. مع حقائبك أو بدونها .. أنا لا أهتم ..
تمتمت هامسة :- أسلان .. لا أستطيع أن أعود .. أنا راحلة
هدر قائلا :- على جثتي ..
أخفض صوته الهادر وهو يقول بلهجة جمدت الدماء في عروقها :- ستستديرين الآن أسيل .. وستخرجين إلي حيث أنتظرك .. وإلا فقسما بالله .. لن ينام خالك هذه الليلة إلا في الشارع ..
أطلقت شهقة عنيفة لفتت أنظار الناس من حولها ... استغل حالتها رجل تجاوزها بحقائبه ليحظى بدورها دون أن تشعر به .. همست بصوت مرتعش :- لا .. لن تفعلها
قال بلؤم :- أتراهنين ؟؟؟ ربما حان الوقت لنصفي أنا وفريد جميع حساباتنا .. ما رأيك ؟
أغمضت عينيها هامسة بتوسل :- أسلان .. أرجوك .. أنا لا أستطيع البقاء ..
:- وأنا لن أبقي ذلك الرجل أمام عيني ليذكرني بخسارتي لك أسيل .. أنت .. مقابل عمل خالك ..
كانت تستطيع تجاهل تهديد أسلان .. بمتابعة طريقها صعودا نحو الطائرة .. بالرحيل إلى الأبد رامية كل عواقب فعلتها وراء ظهرها .. إلا أنها كانت أضعف من ان تفعل .. ربما هي لا تعرف أسلان منذ فترة طويلة .. إلا أنها عرفته بما يكفي لتدرك بأنه قادر على تدمير كل ما يقف في طريقه إن لم يحصل على ما يريد ... وفي هذه المرة .. خالها سيكون كبش الفداء .. لم تستطع أن تفكر وصوته يقول عبر الهاتف بخفوت :- الآن يا أسيل .. ستأتين إلي والآن حالا
ارتعدت هامسة :- لا أستطيع .. ما تزال عائلتي خارجا في انتظاري .. سيرونني .. سيعرفون
قال ببرود :- لا .. لقد غادر فريد ومن معه بعد دخولك منطقة المسافرين على الفور ... أنا من سيكون في انتظارك
أدركت بطريقة ما عبر ذهنها المشوش .. أن أسلان كان واقفا يراقبها أثناء وداعها لعائلتها .. وأن مشهد الوداع المؤثر بينها وبين كمال قد أثار جنونه .. تمتمت بلهجة باكية :- اسلان ... دعني أذهب .. أرجوك ..
زمجر هاتفا :- أقسم أنك ستمتلكين أكثر من سبب حقيقي للبكاء إن لم تتحركي حالا
قسوته جرحتها في الصميم .. وهي تمسك بعربة حقائبها .. وتتحرك عائدة من حيث أتت .. لم يجادلها أحد موظفي الأمن عندما اختلقت بذهن مشوش سببا لعودتها .. رأته في انتظارها .. لا .. لم يكن في انتظارها .. كان قد وصل إليها بخطوات واسعة كأسد ينقض على فريسته .. حدقت به عاجزة عن الإتيان بأي ردة فعل .. بينما بدا هو كطاقة غاضبة صرفة .. بهيئته المشعثة ... ليس أنه لم يكن يبدو بذقنه النامية وشعره الثائر .. أجمل من أي وقت مضى .. إلا أنه كان يبدو كالعاصفة عند بداية هياجها .. وعرفت أسيل بأنها هي من سيكون أول ضحايا هذه العاصفة .. وربما .. بقليل من الحظ .. الضحية الوحيدة .. ألقى نظرة واحدة على وجهها الشاحب .. قبل أن يحيط ذراعها بأصابعه القاسية .. ويسحبها خلفه جارا عربة حقائبها باليد الأخرى .. قالت لاهثة وهي تجاهد لمتابعة خطواته الواسعة والسريعة :- أسلان انتظر .. انتظر .. أسلان .. دعني أذهب
وكأنها تخاطب جدارا بتوسلها العاجز ... الكثيرون استداروا ليحدقوا بهما بفضول .. بينما لم يظهر على أسلان أي تأثر وهو يتابع سحبها إلى خارج المطار .. حيث فوجئت أسيل بزخات المطر تصفعها برقة .. حاولت مقاومته هاتفة :- أسلان توقف ... لن أستطيع الذهاب معك .. ستفوتني الطائرة
قال من بين أسنانه :- أنت لن تستقلي أي طائرة .. أنت لن تسافري إلى أي مكان
هتفت به بانفعال :- هذا ليس قرارك أنت ..إنه قراري أنا .. اترك يدي الآن وإلا صرخت وجمعت أمن المطار حولنا وسببت لك فضيحة
توقف فجأة تاركا عربة الحقائب .. والتفت نحوها بحركة فاجأتها قال ووجهه قريبا من وجهها :- اصدري صوتا واحدا يا أسيل .. صوتا واحدا .. وقسما بالله لن تكوني أنت من يقوم بالفضيحة
اتسعت عيناها وقد عقد لسانها .. فتابع مسيرته بين السيارات في الموقف الخاص بالمطار .. بينما جاهدت هي لتثبت كلا من حقيبتها .. وحقيبة حاسوبها المحمول فوق كتفها .. عندما توقف أمام سيارته الضخمة لم يتركها .. ترك العربة .. وأخرج مفاتيحه ليفتح حقيبة السيارة الخلفية .. وبيد واحدة كان يحمل حقائبها ويرميها كيفما اتفق داخل السيارة .. هتفت بعجز :- ليس من حقك فعل هذا .. أنت تختطفني مجددا .. لن أسكت هذه المرة أسلان ..
أغلق الحقيبة بعنف وهو يقول :- يمكنك الصراخ كما تشائين فور انفرادنا .. و سأكون مسرورا بإسكاتك
جرها مجددا فصرخت به ثائرة :- توقف عن سحبي ورائك وكأنني بهيمة لا رأي لها .. أنا لن أرافقك إلى أي مكان .. أنت سو ....
لم تستطع إكمال عبارتها إذ سرعان ما دفعها بقوة ليصطدم ظهرها بباب السيارة .. وقبل أن تعي ما يفعله .. كان يضغط بجسده على جسدها.. ممسكا ذقنها بين أصابعه .. وكاتما صراخها بفمه ...كما وعدها بالضبط
لم يكن في قبلته أي عاطفة كتلك التي عرفتها في المرات القليلة التي قبلها فيها .. لقد كان فيها غضب وقسوة .. وكأنه يفرغ إحباطه وعجزه بها .. رغم عنفه وفظاظته .. وجدت نفسها ترتعش بين يده كالقطة المبتلة .. بينما المطر يزداد غزارة بالفعل فوق رأسيهما
رفع رأسه أخيرا .. ونظر إليها مطبقا فمه بصرامة ملاحظا حالتها .. ثم وبدون تعليق .. فتح الباب الأمامي .. ودفعها لتجلس فوق المفعد .. مغلقا الباب ورائها
خلال لحظات لم تعيها كان قد احتل مقعد القيادة .. لم يدر المحرك على الفور .. ظل ساكنا مكانه .. بينما يهدر صوت أنفاسه العنيفة في أذنيها داخل المساحة الضيقة.. يحدق في المقود وكأنه يحاول تهدئة نفسه .. بينما تقطر مياه المطر من شعره وملابسه .. انكمشت ملتصقة بالباب ترتعد خوفا من إحساسها بقربه الشديد .. كانت حرارته تلفحها .. ورائحة عطره تلف دماغها بسحابة من التشوش ... وجودهما داخل السيارة .. والمطر الغزير في الخارج والذي انسكب سكبا على الزجاج الأمامي .. عزلهما تماما عن العالم الخارجي .. فجأة .. لم تعد بقادرة على الجدال .. فصمتت تماما بينما أدار السيارة أخيرا وانطلق بها .. لم تعرف إلى أين يأخذها .. لم تجرؤ على طرح السؤال .. لم تكن حتى تنظر عبر النافذة لتتبين وجهتهما ... كانت ضائعة في فكرة فشلها في السفر .. في الابتعاد عنه .. كانت لتكون في طريقها إلى بر الأمان الآن .. وهاهي الآن في طريقها إلى المجهول .. كل ما يتعلق بأسلان هو مجهول بالنسبة إليها .. حتى الطريقة التي عليها اتباعها في مواجهته ... كانت مجهولة لها
أنت تقرأ
في محراب العشق
Romanceاحمل قلبي في حقيبة وأرحل . . أقف في مفترق طرق . . البحر من امامي . . وهاوية حب لا قرار لها من ورائي . . خياران أحلاهما مر . . هل أتبع قلبي فأخسركل شيء ؟ . . أم عقلي وضميري فيخسر كل من أحب و حبيبتي جيهان . . أستودعك . . فأذني لي بالرحيل . . إن قابلته...