الفصل العشرون

12.9K 325 12
                                    

:- نورا ..... حبيبتي ..
فتحت عينيها بتثاقل .. تقاوم إغراءا شديد للعودة إلى النوم ... همست :- أسلان
مرر يده على شعرها الأسود القصير وهو يقول بحنان :- نعم .. أسلان ..لقد كدت تقتلينني قلقا يا صغيرة .. هل لديك فكرة عن الساعات التي قضيناها هنا في انتظار أن تفتحي عينيك
رمشت بعينيها مشوشة الذهن قائلة :- ما الذي حدث؟
تنهد بإرهاق فلاحظت لأول مرة تعبه وقلقه ... راودتها آخر ذكرياتها ... عندما كانت تحتسي الشراب برفقة رفاقها .. آخر ما تذكره تلك الحبة التي قدمها لها بوراك عندما بدأت تحس بالغثيان قائلا بأنها ستساعدها على الإحساس بالتحسن .. تمتمت بتعاسة :- ما الذي فعلته هذه المرة ؟
هز أسلان رأسه قائلا :- لا يهم ... المهم أنك بخير يا حبيبتي ..
أغمضت عينيها فانسابت دموعها غزيرة من عينيها وهي تقول :- كالعادة أسبب المشاكل لغيري ... لابد أن أبي غاضب مني كثيرا الآن صحيح ؟؟؟ وأمي أيضا .. لابد أنها قلقة حتى الموت ... ليتني مت علني أتوقف عن إتعاس غيري
قال بصبر :- والدك ليس غاضبا ... إنه ينتظر في الخارج أن يراك بفارغ الصبر ...لقد أخفته عليك كثيرا .. أتصدقين بأنه صار يبكي كالطفل الصغير عندما أخبرنا الطبيب أخيرا بأنك بخير ...
اتسعت عينيها غير مصدقة .. وهي تقول بصوت طفولي باكي :- لا تكذب علي أسلان ...
ابتسم بحنان قائلا :- أنا لا أكذب ... في الواقع أنا أيضا لم أصدق عيني عندما رأيته يبكي .. إلا أنها الحقيقة ... سيدخل ليراك بعد قليل برفقة أمي ... وبعدها .. سنتيح لحبيب القلب الفرصة لإلقاء نظرة خاطفة عليك قبل أن يعود إلى بيته أخيرا وقد قضى ساعات طويلة هنا
قالت بامتعاض :- هل بوراك هنا ؟؟؟
قال متظاهرا بالدهشة :- وهل اسمه بوراك ؟؟ ظننته قال بأن اسمه علي ...
قالت بلهفة :- علي هنا ؟؟
ثم عاد الضوء وانطفأ في عينيها وهي تقول بحزن :- لا ... لا أريد أن أراه
كان أسلان جالسا على حافة سريرها .. يداعب شعرها بأنامله .. حريصا على ألا يلمس الخراطيم الواصلة بين جسدها النحيل والضعيف وأكياس الغذاء السائل ... قال برفق :- سيكون هذا مؤسفا وقد كان السبب في إيجادي لك قبل فوات الأوان .. لقد اتصل بي متوسلا إلي حرفيا البحث عنك .. أقل ما نستطيع فعله لأجله هو السماح له برؤيتك قليلا
نظرت إليه بحيرة عاجزة عن استيعاب ما يقول .. كانت تعرف مدى امتعاض علي من أسلان .. إلا أنه رغم هذا تنازل واتصل به من أجلها .. قال أسلان بهدوء :- يهتم بأمرك كثيرا هذا الفتى .. إلى حد يغريني بضربه حتى أدمي وجهه غيرة
هتفت بدون تفكير :- لا .... أرجوك .. لا تؤذه
ابتسم للهفتها .. وأحس فجأة بأن نورا ستكون بخير مادام في حياتها شخص باستقامة ونبل علي .. أحنى رأسه يقبل جبينها في الوقت الذي دخل فيه الطبيب برفقة الممرضة لفحصها .. فوقف أسلان قائلا :- سأرسل لك والدتنا بعد قليل ... إنها متلهفة لرؤيتك
عندما خرج من الغرفة التي نقلت إليها نورا .. تلقفه أفراد العائلة بلهفة لمعرفة حالها فطمأنهم بهدوء .. ملاحظا الراحة على وجه والده عندما أخبرهم بأنها قد استيقظت وتحدثت إليه... والدموع التي مسحها علي بسرعة قبل أن يلاحظها أحدهم .. عندما دخل والديه إليها فور خروج الطبيب .. لاحظ أسلان وجود دنيا واقفة إلى جوار موشكان تتحدث إليها بينما ترمق أسلان بطرف عينها بقلق ... غلت الدماء في عروقه وهو يتذكر ما فعلته بأسيل ... اتصالها الذي حطم كل شيء ودمر كل ما بناه لأسابيع .. إغوائها الرخيص له في لحظة ضعف بغية ابتزازه عاطفيا واستعطاف أفراد العائلة بحمل غير مرغوب به ... اندفع نحوها بسرعة كثور هائج ... فتراجعت إلى الخلف مذعورة أمام نظرات موشكان الحائرة .. أمسك بذراعها بقسوة جاذبا إياها خارج المستشفى ..قاومته باستماتة وهي تقول بصعوبة :- إلى أين تأخذني ؟
قال جازا على أسنانه :- إلى خارج المستشفى ... خارج حياتي وعائلتي وكل ما له صلة بي
هتفت ضارعة :- أسلان ... أرجوك .. قد أكون ..
قاطعها ملتفتا إليها صارخا :- أنا لا أبالي دنيا ... لا أبالي مثقال ذرة بك أو بالطفل الوهمي الذي تظنين أنك تحملينه .. أنا أكرهك وأكره وجودك في حياتي .. وأتمنى لو أنني لم أعرفك قط ..
شحب وجهها في اللحظة التي ارتفع فيها صوت مراد يقول :- ما الأمر ؟؟ أسلان .. أنتما تجذبان الأنظار بصوتيكما
كان قد وصل لتوه إلى المستشفى عندما سمع بما حدث لنورا .. ورآهما في صالة الاستقبال حيث اجتذبا بالفعل الكثير من الأنظار .. لاحظ مراد يد أسلان التي اعتصرت ذراع دنيا بقسوة .. وملامحه الإجرامية .. بينما انكمشت دنيا على نفسها وكأنه قد حكم عليها لتوه بالموت ... أسرع يقف بينهما قائلا لأسلان بحزم :- اتركها يا أسلان
قال أسلان بغضب بارد :- لا أريدها هنا
:- لا بأس .... أنا سآخذها بعيدا ... فقط توقف عن إحراجها وإحراج نفسك
غرزت دنيا أسنانها في شفتها السفلى وهي تقاوم دموعها ... بينما تركها أسلان بالفعل ملوحا لها بإصبعه محذرا بلهجة مخيفة :- سأطلقك يا دنيا ... وأتخلص منك إلى الأبد هذه المرة ... وقسما بالله ستندمين أشد الندم إن وقفت في طريقي بعد الآن
تركهما عائدا إلى الداخل .. بينما أجهشت دنيا بالبكاء فسارع مراد بإحاطتها بذراعه مغادرا بها المكان ... أجلسها على أحد المقاعد الخشبية في الحديقة المحيطة بالمستشفى الضخم ... وجلس إلى جانبها مقدما إليها منديلا وهو يسألها برقة :- هل أنت بخير ؟
تناولت منه المنديل ومسحت دموعها وهي تهز رأسها نافية ... أخذ مراد نفسا عميقا ... وتركها تفرغ قهرها وألمها في دموعها حتى قال لها فجأة بصوت أجش :- لماذا تذلين نفسك له بهذا الشكل يا دنيا ؟؟؟ ما الذي يمتلكه أسلان دار أوغلوا ويدفعك للتمسك به بهذه الاستماتة ...؟؟ انت لا تستحقين هذه المعاملة السيئة .. تستحقين رجلا يحبك ويحترمك ويهتم لأمرك يا دنيا
تمتمت بمرارة وهي تمسح دموعها التي تأبى التوقف :- هل يمتلك أحدنا زمام قلبه يا مراد ؟
قال بحزم :- ربما لا ... إلا أننا جميعا نمتلك زمام إدارة حياتنا .... يمكنك ببساطة أن تتحلي بالقوة الكافية لأن تقولي لحياة الذل مع أسلان لا ...
هتفت بتعاسة :- الأمر ليس بهذه السهولة
قال بإصرار :- بل هو ليس بالصعوبة التي تظنين يادنيا ... خاصة لو كان هناك من يقف إلى جانبك خطوة بخطوة لدعمك ... مانحا إياك البديل الأفضل ... بديلا يحبك بصدق .. يحترمك .. ويقدر أي إنسانة مميزة أنت
كانت يده تمتد لتمسك بيدها وهو يتحدث بصوت أخذت العاطفة تتخلله مع تدفق الكلمات من فمه دون ان يدرك ... مما جعلها ترفع رأسها محدقة به بصدمة .. تنظر لأول مرة إلى الرجل الذي وقف إلى جانبها طويلا ... وساندها كصديق دون أن تراه حقا .. همست :- مراد
قال بتوتر وهو يشد على أصابعها :- فقط فكري بالأمر دنيا ... أنا لا أفرض عليك شيئا .. فقط أريدك أن تفكري بالبديل .. وأعدك بألا تندمي
نظرت مذهولة إلى وجهه الوسيم الداكن .. إلى عينيه السوداوين القلقتين .. إلى لحيته الفرنسية الأنيقة التي لطاما داعبته وسخرت منه بشأنها رافضة الاعتراف بإعجابها بها ... امتدت يدها تلقائيا نحو بطنها المسطح .. قد يكون الوقت مبكرا للتأكد من حملها ... إلا أنها كانت تشعر بطفلها يتكون بين أحشائها وكأنها تراه ... طفلها وطفل أسلان .. أسلان الذي يكرهها الآن أكثر من اي وقت مضى ... أسلان الذي بدأت صورته تتلاشى الآن وصورة مراد الآمنة تحتل مكانها بإصرار ... أغمضت عينيها بقوة ماحية كل الصور عنهما .. واشتدت أصابعها فوق بطنها وهي تهمس لمراد :- لقد فات الأوان الآن يا مراد .... فات الأوان


في محراب العشقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن