تفاوتت ردود أفعال المتواجدين وهم يحدقون في أسيل الجامدة عند باب غرفة الاستقبال المفتوح .. مذهولة لهوية ضيوف العائلة الذين حرص أسلان على أن يكونوا أول العارفين بزواجهما .. تخيلت أي شيء .. إلا أن يكون بقسوة رميها في موقف كهذا بلا رحمة وبدون مقدمات ..
نساء عائلة دار أوغلو كن ينقلن بصرهن بين وجوه ضيوفهن بقلق وتوتر .. بعكس أسلان الذي اختفى تهكمه فجأة ليطل برود متشفي من عينيه وهو ينظر بثبات إلى وجه السيد فريد الذاهل ..
اختلف أيضا ما فكر فيه كل فرد من عائلة ألتانجي وهو ينظر إلى آخر وجه توقع أن يراه اليوم .. أو أبدا .. علي فكر محموما بأن أسيل لم تغرق حقا .. لقد أنقذها أحدهم .. ولسبب ما انقطعت أخبارها لسنتين .. أرزو التي أخذت تحدق في وجه أسيل وكأنها قد رأت لتوها الشبح الذي ظل يطاردها لسنوات في أحلامها وكوابيسها على حد سواء .. تراه شخصيا هذه المرة .. تتدفق دموعها وفكرة واحدة تتردد في عقلها .. ( أنا لم أقتل أسيل .. أنا لم أقتل أسيل ) ..
ترنحت السيدة لمعان في وقفتها فأمسكتها موشكان الأقرب إليها بسرعة قبل أن تفقد وعيها .. نظرت لمعان إلى وجه أسيل الممتقع وهمست :- أسيل .. أهي أنت حقا ؟؟ ولكن كيف .. كيف ؟؟
قبل أن ينطق أحدهم بكلمة .. أو يلاحظ نظرات التحدي التي صوبها أسلان نحو فريد بالذات .. كان الجواب قد طرح نفسه باندفاع ذلك الأخير نحو أسلان مزمجرا :- سأقتلك أيها الحقيرعلي .. الأكثر وعيا وانتباها لما يحدث .. كان أول من كسر ذهوله في الوقت المناسب ليقف في وجه والده الذي ظهرت على ملامحه علامات إجرام لا يستهان بها .. أمسك به وهو يقول دون أن يتوقف عقله عن العمل وتحليل الموقف :- إهدأ يا أبي
قاومه فريد هاتفا بين أسنانه :- سأقتلك لما فعلته بها أيها الشيطان الحقير
لم يتاثر أسلان ولو قليلا بغضب فريد الأعمى .. بل كان يبدو وكأنه في انتظار هجومه هذا كي يرد له كل ما عاناه يوما على يديه .. قال أسلان ببرود :- وماالذي فعلته بها ؟؟ لقد أعدتها إلى الحياة .. لقد أخرجتها من القبر الذي دفنتها فيه حية .. لقد أعدتها بعد أن أبعدتها وكأنها مذنبة كللت بالعار بعيدا عن جميع أحبائها
اقترب خطوة وهو يقول بين أسنانه بصوت امتلئ بالكثير من الغضب والحقد :- لقد أبعدتها عني أنا .. لقد كنت مستعدا لخنقها بيديك هاتين لئلا تكون لي .. لقد طغى جنونك وحقدك على أي اعتبار آخر فما عدت ترى غير إبعادها عني مهما كان الثمن .. حسنا .. لقد كشفت خطتك الحقيرة .. وفشلت أشد الفشل .. إذ ان أسيل لي الآن .. زوجتي وملكي ..
نقل فريد بصره عاجزا بين أسيل التي بدت كالأموات مكانها .. وبين أسلان الواقف أمامه بشموخ وتحدي .. لقد كان الانتصار .. غضب المرارة التي عاناها لسنوات بسببه خلال السنوات الماضية يفيض منه .. لم يفكر بأفراد عائلته المصدومين بالحقيقة التي اتضحت .. بل كان بصره مركزا على أسيل .. وانحسر غضبه فجأة ليحل محله الذعر والألم .. لم يفكر أبدا بأن أسلان يمكن أن يكتشف خدعته .. إلا أنه فكر كثيرا بما كان ليفعله لو أنه عرف بأن أسيل حية ترزق في طرف بعيد من العالم .. كان ليصب غضبه أولا على الفتاة المسكينة .. ثم على باقي المتورطين في الأمر .. وهو لم يبالي أبدا في هذه اللحظة بمصيره هو .. لقد كان ينظر إلى ابنة أخته التي كانت تترنح ضعفا وإذلالا ... ألما ومرارة .. فقال متألما :- ما الذي فعله بك يا صغيرتي ؟؟؟ كيف استطاع جرك إلى هنا ؟؟ ما الذي ارتكبه في حقك ؟
أدار أسلان نظره نحوها .. يرمقها بعينيه اللامعتين وكأنه يطالبها بإخباره .. أخبريه بما فعلته بك .. أخبريه ..
ارتعشت وصور ما حدث بينهما في منزله المهجور في دبي تلسعها بعنف .. ثم نظرت إلى خالها التعس هامسة :- لم يفعل شيئا خالي
اقتربت ببطء أمام نظرات أسلان الجامدة .. وقفت إلى جانبه مخاطبة خالها بخفوت :- لم يكن مضطرا لفعل أي شيء غير الظهور أمامي لأعرف بأنني أريد أن أكون معه ..
أمسك أسلان بها .. وقربها منه محيطا إياه بذراعه دون أن يغفل عن تشنجها البسيط الذي حاولت إخفاءه عن أعين الآخرين .. أخفضت أسيل بصرها وكأنها تخجل مما ستقوله ثم تمتمت :- أنا .. أنا أحب أسلان .. لطالما أحببته .. وحياتي بعيدا عنه .. ما كانت حياة على الإطلاق
قال خالها بقهر :- فكان أن عدت إليه .. أن خضعت له ورضيت بأن تكوني زوجة لرجل مثله .. بعد كل الجهد الذي تكبدناه .. بعد كل ما فعلته لأجلك
منعت نفسها بصعوبة من البكاء ولهجة المرارة في صوت خالها .. وخيبة أمله بها تعذبها وتحرق قلبها .. تمتمت :- ما فعلته لم يكن خيرا بحقي خالي .. أنت قتلتني .. أبعدتني عن عائلتي .. وعن الرجل الذي أحب
ساد الصمت ثقيلا على المكان .. مترافقا مع جمود مخيف من الجميع وفريد ينظر إلى ابنة أخته المطأطأة الرأس .. قبل أن يقول :- لنذهب من هنا يا لمعان
اندفع نحوالباب خارجا .. فألقت لمعان نظرة دامعة العينين نحو أسيل قبل أن تلحق به .. أما أرزو .. فقد رمقت أسيل بنظرات مجروحة وغاضبة .. ثم لحقت بوالديها .. لحقت بهم أسيل نحو باب الفيللا .. تنظر إليهم مغرورقة العينين بالدموع وهو يستقلون سيارة خالها دون أن يمنحوها أي نظرة وداع .. أحست بشخص ما يمسك بوجهها بين يديه .. فرفعت رأسها إلى علي الذي قال بثبات :- أراك لاحقا أسيل ..
تركها وهو ينزل درجات المدخل القليلة قفزا بينما لحقت به نورا قائلة :- علي ... انتظر ..
استدرات أسيل نحو أسلان الواقف في البهو ببرود دون أن يظهر عليه أي دليل تأثر .. نظرت إليه منهارة وكأنه قد انتزع روحها من بين أضلعها مجددا .. كأنه قد اغتصبها مجددا .. أمام أعين الآخرين هذه المرة .. توتر فمه وكأن الصرخة التي لم تتجاوز شفتيها قد اصمت أذنيه .. صرخة ألم وغضب .. صرخة كانت تقول فيها صراحة بأنها لن تسامحه قط على ما يفعله بها .. وكأنها ما عادت قادرة على النظر إليه أكثر .. هرولت تصعد الدرج إلى الطابق العلوي هربا من المزيد من الإذلال العلني .. بينما أظلم وجه أسلان وكأن الحياة قد فارقته .. لاحظت والدته تعاسته .. فتمزق قلبها ألما على حزنه .. اقتربت منه .. وبسطت يدها على صدره كي تدفعه للنظر إلى عينيها الدامعتين .. وهمست :- أنت تؤذي نفسك قبل أن تؤذيها يا ولدي
أنت تقرأ
في محراب العشق
Romanceاحمل قلبي في حقيبة وأرحل . . أقف في مفترق طرق . . البحر من امامي . . وهاوية حب لا قرار لها من ورائي . . خياران أحلاهما مر . . هل أتبع قلبي فأخسركل شيء ؟ . . أم عقلي وضميري فيخسر كل من أحب و حبيبتي جيهان . . أستودعك . . فأذني لي بالرحيل . . إن قابلته...