الفصل الثاني "اللحاق" ١

169 27 5
                                    

*

" لو كنت أنت معي, و الناس غائبةً عني

لما ضرني من غاب أو هجرا...

إن كنت حولي فكل الناس حاضرة حولي

و إن غِبت لم أشعر بمن حضَرا"

-سعيد يعقوب

*

مضى شهران, و ما من خبر وارد من إيليا حتى الساعة, تحول استياء ميراي و خيبتها إلى قلق و توتر, هل أصابه خطب ما؟ لو كان الأمر كذلك لأرسل رسالة على الأقل, أو بعث أحد معارفه ليعلمها عن حاله, أضحى الأمر مشكوكا فيه, و ما أكد ذلك هو وفود مجموعة من الرجال ضخام الِبنى مرتدين بذلات سوداء إلى دار إيليا, أين تقطن والدته المريضة في الوقت الراهن, و لحسن الحظ كانت ميراي في مقرب منه, فتدخلت و حاولت معرفة ما يحصل, خاصة و أنها هي من يقوم بالعناية بالوالدة, صادفتهم و هم يطرقون الباب, و ما هي إلا ثوان معدودات حتى باشروا محاولة في اقتحام الدار.

" ماذا تحسبون أنفسكم فاعلين؟ كيف لكم أن تقتحموا بيتًا في وضح النهار, ألا تخجلون من أنفسكم؟"

" أستميحك عذرًا آنستي, لم نظن أن أحدًا غير سيدة كبيرة السن تقطن هنا, و لعلمنا بعدم مقدرتها على فتح الباب, لم نجد حلا غير مداهمة الدار"

تفاجأت ميراي من قدر الاحترام الفائق في كلام الرجل, لم تحسب أن خلف هذا الجسد الضخم, رجلًا نُهيكًا جَحْجَاحًا, أومضت بعينها مع إيماءة خفيفة برأسها دلالة على تفهمها, و سألته عن الغاية من زيارته المفاجئة.

"لقد تلقينا أوامر بنقل السيدة المريضة إلى بيت السيد النبيل"

" و من السيد النبيل؟"

" ابنها, آنستي"

لم تستوعب الشابة ما سمعت, إيليا سيد نبيل؟ له أشخاص ينفذون أوامره؟ ما الذي يفعله بحق الله هناك؟ تبعثرت أفكارها و لم تجد ما تلفظ به, لكنها عاودت سؤاله مرة أخرى بعدم تصديق.

" هل سيدك يدعى إيليا رازن"

" أجل هذا هو اسمه"

" توقف, حسنا حسب ما قلته, فإن ابن السيدة طلب منك نقلها إلى المدينة"

" أجل"

" ألم يخبرك بالسبب؟"

" رغم أنني لست في منصب يخول لي سؤاله عن السبب, إلا أنني أعتقد أنه أراد نقلها إلى المستشفى الكبير لتتلقى علاجها"

" ألم يسألك عن امرأة تدعى ميراي كندي؟"

" لا آنستي"

عقل ميراي في فوضى عارمة, لم تقدر على إخفاء الانكسار و الأسى البادي على ملامحها, لتُوجِمَ, لم يتبقى لها بعد أن أجابها عن سؤالها من كلام, هل هذه النهاية؟ هل تركها وفضل البقاء في المدينة على التواجد معها؟ تساؤلات عدة غزت تفكيرها, و فيما هي تتشرب خمر خيبتها حتى الثمالة, أفاقت عندما قفزت فكرة إلى عقلها, اتجهت نحو الرجل الذي حادثته سابقا.

" أعتذر عن إزعاجك مرة أخرى سيدي, لدي طلب مُلح, و لا أحد غيرك يقدر على تلبيته"

" تفضلي"

" أعلم أنك سيدي قد ترى في ذلك وقاحةً, و إني تالله إن لم أكن في فاقة, لفضلت أن أحفظ ماء وجهي, هل لك أن تسمح لي بالذهاب معكم إلى المدينة لبيت السيد النبيل؟"

لم يبدي الرجل أي تعبير محدد على وجهه, إلا أنه أجابها بدون أي تردد

" لا أقدر آنستي على فعل شيء خارج نطاق ما كلفت به, و أمل أن لا تجعلي من رفضي حصاةً عالقة بقلبك, أعتذر عن عدم مقدرتي على مساعدتك"

" لا حرج سيدي, أنا من عليه الاعتذار"

أحنت رأسها في حيرة من أمرها, و فيما هي عائدة أدراجها, ألاح إليها الرجل بكمه كي تعود.

" أتحتاج شيءً سيدي؟"

" أظن أنه يمكنني مساعدتك في شيء آنستي"

اتسعت عيناها, و أجابته ببعض التلعثم في كلامها

" أخبرني سيدي, أية معلومة و لو صغيرة قد تساعدني في بلوغ مبتغايَ"

أخرج قلما من حقيبة كان قد جلبها من العربة التي غَشِيَ بها, مع قصاصة صغيرة من الورق, كتب عليها عبارة و سلمها لها

" لا أدري إن كانت ستفيدك, إلا أنا هذا هو عنوان منزل السيد النبيل"

"حقا؟ أشكرك سيدي, لا أدري كيف أرد لك صنيعك"

" لا شكر على واجب"

~

《 ما رأيكم بهذا الجزء؟ ما الذي تعتقدون أن على ميراي القيام به؟》

كونفالاريا أيار -زنبق الوادي-حيث تعيش القصص. اكتشف الآن