" و الله ما طلعت شمسٌ و لا غربت
إلا و حبك مقرونٌ بأنفاسي
و لا خلوت إلى قوم أحدثهم
إلا و أنت حديثي بين جلاسي"
الحلاج
*
بمجرد وصولها, و ما أن خطت أقدامها أرض المدينة المرَحِبة, حتى علت على وجهها ملامح الانبهار و الدهشة, لم تتوقع أن تكون بهذه الضخامة و السطوع, أضواء بألوان البراقة, تجعلها واضحة من على أميال عدة, و ما فاجأها أكثر نشاط سكانها رغم الوقت المتأخر الذي وصلت فيه, عربات خيل تمر من هنا, و بعض الرجال يشربون الشاي و يتسامرون هناك, نساء يتحادثن و يتضاحكن من على الشرفات, محلات و أدكنة مفتوحة, و أطفال يلعبون من جهة بلعبة العجلة الدوارة, و التي يقومون بتحريكها بعود طويل و الركض وراءها, لقد كانت قلقلة حول موعد وصولها, ففي مثل هذا الوقت, لا يُسْمَع إلا حفيف أوراق الشجر و عواء الذئاب في قريتها.
انطلقت ميراي في رحلة البحث عن نزل تقطن فيه إلى حين إيجادها لعمل, يخول لها استئجار شقة صغيرة, لم يدم البحث طويلًا لتجد نفسها أمام نزلٍ صغير, له حديقة أزهار متنوعة أعطته رونقًا و جمالًا, ثم باشرت صبيحة اليوم المقبل بمحاولة إيجاد عمل يناسبها.
مر أسبوع كامل دون جدوى و محاولاتها البائية بالفشل أحبطتها, حتى أنها كادت تحصل على عمل كمدبرة بيت لأحد النبلاء إلا أن الأجر كان منخفضا بالنسبة لها, و معاملتهم بدت دونية بشكل كبير, فقررت البحث عن وظيفة أخرى, و كشعاع شمس وسط ظلمة عاتمة, بزغت فرصة جيدة للتوظيف, و التي اغتنمتها لتصبح عاملة في محل للخياطة, تعلمت ميراي الخياطة مذ كانت في سن السادسة, لذا فهي تجيدها الآن بقدر معرفتها لراحة يدها, يمكنها الخياطة و عيناها مغلقة, نظرًا لبراعتها, إتقانها المبهر, و سرعتها في إنهاء عملها, حازت على إعجاب مدير عملها و مديحه, فكلفها بمهمة العناية بالمحل, و تفقد العاملين الآخرين, كما مُنحت أجرًا أكبر بطبيعة الحال, ما يكفيها لإعالة نفسها و العيش بأريحية, كما ادخرت بعضا منه و أرسلته لإخوتها.
*
اعتادت ميراي على الجو الجديد, و كونت صداقات مع بعض زميلاتها العاملات و حتى العملاء, و كانت علاقتها قوية مع زميلة واحدة لها تدعى لانا, فتاة مشرقة تتميز بشخصيتها المرحة و العفوية, خفيفة الظل, إلا أنها جدية في المواقف الجادة, ما جعل من السهل التقرب منها, و ميراي فتاة حاذقة, تنتقي صواحبها بعناية فائقة, فتاة داهية, سريعة الفهم و حيوية لا تسمع منها تأففا و لا تكلفًا, بسيطة في حديثها, لكن ما إن تتعمق في معرفتها تدرك أن هذا الجسد الضئيل, و المظهر الناعم الذي يشبه الزهرة, لا يخلو من الأشواك.
![](https://img.wattpad.com/cover/196397544-288-k917583.jpg)
أنت تقرأ
كونفالاريا أيار -زنبق الوادي-
Romance•تدور أحداث الرواية في أواخر خمسينيات القرن التاسع عشر, ساردةً قصة عاشقين انفصلا عن بعضهما, بعد رحيل الرجل لكسب المال في المدينة لشراء الدواء الباهظ لأمه العليلة, تاركًا حبيبته في قريتهما, وعد الحبيبان بعضهما بالالتقاء بعد سنة من انفصالهما في مرج أز...