بداية جديدة

5.1K 50 1
                                    

البداية الجديدة، كلنا نبحث عنها، وأنا أيضا أبحث عنها مذ خرجت وعائلتي من ذاك العالم المشبوه، العالم الذي جعلني أؤمن لأكثر من خمسة عشر عاما أنني أعيش في دائرة من نور، لا تشوبها شائبة. 

نحن بشر مغتربون من عقود، أقول هذا وأنا الآن وفي هذه اللحظات التي يخط بها قلمي الحروف أشعر بألم الغربة الحقيقي الذي ما شعرت به من قبل. منذ سبع سنوات، ومنذ تلك اللحظة التي شعر الناس بها أنهم مظلمون بدأت أشعر بالغربة الحقيقة. كنت أعيش ببلد اعتبرته بلدي وكنت أغني نشيده الوطني صباح كل يوم في الطابور الصباحي، واحتفل بعيد استقلاله، وأشارك في الفعاليات الوطنية هناك، لكنني صدمت وفجعت حينما بدأت الحقيقة تخرج من بين الصخور، ولكن في بلدي الحقيقية. فأصبح البلد الذي أعيش فيه، وولدت فيه وأمضيت خمسة عشر عاما بين أُناسه يعتبرني لاجئة بسبب توافد اللاجئين من بلدي الحقيقية. أصبحت معاملة الناس معنا سيئة للغاية كَمعاملتهم مع الكلاب. أصبحت أُنادى بِأسوء الألقاب حين أمشي في الشارع، وفي المدرسة تغيرت نظرات صديقاتي إلي، أصبحن يسألنني أسئلة غريبة تُبيِّن لي أنهنَّ يردن مني أن أبقى بعيدة حتى لا ألطخ سمعتهن فتصبح أشهر فتيات المدرسة تمتلكن صديقةً لاجئة. ولأُوصف شعورهنَّ تجاه هذا الأمر سأكتب (يع!). 

سئم أبي من هذا الأمر مع أنني لا أشكو ولا أقول، ولا أزال أعتبر الهم والتعب الذي أشعر به لا شيء أمام تعب والدي. فقرر السفر إلى تركيا الذي أصبحت بالنسبة لنا الملاذ الوحيد، لم يعد هناك أي بلدٍ يَستقبلنا بدون فيزا وإجراءات تعجيزية ومبالغ طائلة تقدر بآلاف الدولارات. أما تركيا فكانت بالنسبة لنا كيثرب للمهاجرين مع الرسول. و للآن وبعد مضي ثلاث سنوات تقريبا عن الرحيل من ذاك البلد لا أزال أذكر ذلك الموقف في المطار عند ختم الجوازات وقبل الصعود إلى الطائرة، قال لنا الشرطي باستهزاء وكأننا نبكي الخروج من البلد:

"أنتم تعلمون أنكم لن تعودوا أبداً إلى هنا إن خرجتم أليس كذلك؟ "

نظرت إليه نظرة استصغار وأنا أشعر بالقرف من تصرفه، وأشعر بالقرف من نفسي؛ كيف استطعت ان اتعايش مع هؤلاء البشر طوال طفولتي ولم أشعر بأنهم خونة ونُكراء وأصدقاء مصلحة! حتى أنني منزعجة لأنني لم أجد في قاموس كلماتي كلمة غير اصدقاء أضعها بالفقرة! 

وصلنا إلى تركيا، ثم إلى بيت أخي الذي سافر قبلنا بسبع سنوات بسبب انعدام فرص العمل للغرباء في البلد الذي كنا نعيش فيه. ونحن في سيارة الأجرة بطريقنا لبيت أخي تلخبطت مشاعري، شعرت بقليل من الشوق تجاه ناس أعدهم على أصابع يدي، الناس الذين كانوا خير بديل عن الأقارب بعد تخلي الأصليين عنك لانك مغترب سياسي. 

شعرت بخوف في قلبي، طوال عُمري القصير وأنا أحلم بركوب طائرة والسفر، توقعت أن تكون طائرتي الأولى لِموطني الأصلي لكنها كانت لبلد اللجوء. ترى ما الذي خبَّأته لنا الدنيا بعد هذا؟ أيوجد شيءٌ مؤلمٌ أكثر من مشهد صديق أدار لي ظهره بسبب جنسيتي؟ ومنذ متى جنسيتي سيئة؟ ألا يذكرون حينما كنت أمر في أي مكان ويبتسم الجميع لي لأنني سورية، كوني سورية كان شيء عظيم يَحسدونني عليه، لا أُخفي عليكم بعد بدء الثورة شعرت بالبغض تجاه من بدأها، لكن والله والله واحلف مرتين في أقل من شهر سجدت سجدة شكر لله أنها حصلت واستغفرت لبغضي الأشخاص الخطأ، كشفت لِي الثورة عن وجوه من أعتبرتهن صديقاتي. 

عاشق ومعشوق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن