تمَّت

473 9 1
                                        

 "مرحبا.. أنا مِسك، هل تذكريني؟ لقد جئتِ على بالي فور عودتي لِرشدي..

بعد أن خرجتِي من بيتي رحلت مجددًا بنفس اليوم لأنني لم أملك القدرة على مواجهة أحد من أهلي وأصدقائي، ولأنني لم أعد أريد تخبئة ألمي لذلك رحلت لمكان لا يعرفني به أحد، ذهبت لحدود سوريا وتركيا، حيث أكون قريبة على جود قدر استطاعتي، تركت عنوان الفندق الذي بقيت به عند صديقتي. بقيت هناك لعامين، عملت في الجمعيات وحاولت أن آخذ قسطًا من الراحة وأن أراجع نفسي، كدت أُصاب بالجنون عدة مرات حتى أنني حاولت أن أتخلص من نفسي لكن صوته كان يلاحقني كلما اقتربت للنهاية فأُقاوم وأعود للحياة. استمريت هكذا دون أن أتواصل مع أحد من أهلي، لقد فهموني أخيرًا واحترموا رغبتي بالابتعاد. بقيت أحارب نفسي لعام وتسعة أشهر، ثم وصل جود. 

لن تصدقي ما حل بي بعد رؤيته، لقد مرضت ولم أستطع الحركة لأسبوع كامل، أمضيته كله بين يدي جود، كنت أهلوس وحرارتي مرتفعة وحالتي سيئة، وكأنني بعد وصولي لمرادي فقدت السيطرة على كل شيء. في اليوم الثامن عندما استيقظت لم أراه بجانبي، كنت قد استعدت صحتي حقًا فأيقنت أنني كنت أهلوس فحسب، جلست أبكي فجاء لغرفة النوم وهو يسألني عما حدث لي، جمدت في مكاني ولم أصدق ما كنت أراه، أظن جود فهم لحظتها أنني الآن استعدت وعيي لذلك ضمني وقال لي أنه عاد.. لم أستطع فعل أي شيء سوى أنني قربت نفسي إليه أكثر لأصدق ما كنت أشعر به، كنت أشعر أنني بين يدي جود.. لا أدري كم الوقت الذي أمضيته وأنا أبكي بين يديه وعندما فتحت فمي لأتحدث قال لي أنه يعرف كل شيء، قال أنه آسف لأنه لم يستطع العودة باكرًا.. منذ تلك اللحظة وأنا أُخبره بأنني أُحبه كلما التقت عيوننا، ومنذ تلك اللحظة لم أُضع فرصةً واحدة لأُمضي معه وقتًا ولأِصنع لنا ذكرى سعيدة، لم ابتعد عنه وهو كذلك، لم يكن يرغب بأن يبتعد عني، كنا بحاجةٍ ماسَّةٍ لبعضنا البعض، كنا بحاجة لتعويض كل لحظة خوف وألم ووحدة مرَّت علينا، كنت بحاجةٍ لأُنسيه ما عاشه بالسجن وما رآه، كنت محتاجة لمحو الندوب والجروح التي ملأته، كنت محتاجة لحضنه وللدفء الذي لم أشعر به سوى بين يديه، بعد عودته لم أعد بحاجة لارتداء ستراته البيضاء، لأنه كله موجود الآن.. أنا و جود تزوجنا دون زفاف و دون بدلة بيضاء، حتى الخواتم، ارتديت خاتم امي وهو ارتدى خاتم لوالده، لذلك بعد أن استوعبت عودته حقًّا وبعد أن عاد هو لطبيعته بعدما أمضاه بالسجن قررنا أن نقوم برحلة خططنا لها عندما كنا بطريقنا إلى دمشق، ونحن الآن بالمطار في اسطنبول، طائرتنا سوف تُقلع بعد ساعتين. مِسك، أنا شاركتكِ حزني وألمي وتعبي وحقٌّ عليَّ بأن أشارككِ فرحي وسعادتي. سعادتي أكبر من أن أستطيع وصفها وأنا أرى جود أمامي سعيد، يتحدث ويضحك.. عاد منذ ثلاثة أشهر، أمضيناها حيث كنت أنا، لا أعرف كيف عرف أنني كنت هناك ولم أسأله، كل ما يهمني هو أنه أتى، ولم يغب عنِّي أكثر. 

أشكركِ على كلِّ شيء مِسك وأوصلي سلامي لزوجكِ جود أيضًا واشكريه على ما فعله من أجلي. 

على أمل أن نلتقي جميعًا بعد أن أعود مع جود بالسلامة إن شاء الله. إلى حينها ابقوا بحفظ الله.

مِسك" 

مِسك حصلت على نهايتها السعيدة وأنا سعيدة جدَّا لأجلها.. لكنني بعد أن قرأت رسالتها فكرت، ماذا يمكن أن تكون عاشت في السنتين الأخيرتين؟ يبدو أنها تألمت كثيرًا حتى استحقت سعادةً كهذه.. 

لكن ماذا لو كان هناك المزيد ممن يملكون حكاية كحكايتها أو أسوأ؟ أرامل مع أطفال أو فتيات بأول شبابهن فقدوا أزواجهم وهم لا يعرفون إن كانوا أحياء أم أموات، والمجتمع الدولي يخرج ويصفهم بمخلفات الحرب! 

ياله من عالم! على قدر فرحي لها على قدر حزني على آلاف الفتيات ممن يملكون قصة مشابهة.. أتمنى أن يحصل كل من يستحق على نهايته السعيدة. 

تمَّت

🎉 لقد انتهيت من قراءة عاشق ومعشوق 🎉
عاشق ومعشوق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن