الفصل الثالث
اسبل جفنيه للحظة يأخد نفس عميق واحد يليه الاخر ...ينفض كل ما هو فيه جانباً تارك حياته الشخصية وقلبه الذى مازال ينبض بالوجع جانباً ... ثم بعمليه كان يفتح باب السيارة .. وهو يهندم ملابسه مرتبها كعادته بأناقه لا تقبل الجدل بدله سوداء تعلو قميص بلون مماثل ...وربطة عنق رماديه ... اغلق أيان سيارته ...بعد ان سحب شنطة الحاسوب خاصته الجلدية ثم بخطوات واثقه متزنه كان يتوجه الى مقر الشركة ولم ينسى ان يرسم ابتسامة هادئه متواضعه في وجه كل من يقابله ..وكالعاده يحاول بعض العاملين متواضعه الحال مثل عمال الأمن او موظف الاستقبال تصنع اللطف الزائد فيصيحون في وجهه ملوحين بترحيب ..يعلم جيداً انه دون قَصد منهم ...فلا يهتم او يتوقف عند افعالهم بل يكتفي بهز رأسه او وضع كف يده على جبهته بشكل مستقيم ثم يلوح بها دلاله على تقبلهم وفهم سلامهم ... اما البعض الاخر من وضعه في خانت المنافسة ... دون ان يبطلوا جهد ان يسبقوه او يحققوا تفوق في وظائفهم مكتفين بسخرية مبطنه ..لا يعيرهم اى اهتمام يذكر مكتفي دائماً وابدا بوضع نصيحه عمه نصب عينيه :-" دعهم يتحدثون ..وانت أفعل !!" كلمات بسيطة لم يفهم معانيها عندما ذهب اليه مجرد فتى على اعتاب الرجولة كان يعانى من ظلم محتمع كامل ومنظومة اجتماعية " عنصرية الفكر " حتى حقه في التعليم والالتحاق بجامعة احلامه لم يناله هنا بل لم يجد الا أبواب التأهيل المهنى هي ما تفتح له ابوابها مجرد فنى لصيانة أجهزة الحاسوب ...غير عابئين او مهتمين بأنه قدم بالفعل ما يثبت انه قادر على تصميم برامج it"" بدائية وقتها وبأنه بقليل من الاهتمام والسماح له بالالتحاق بكلية الهندسة ..قد يحقق ما يصبو اليه ويقدم للبلد ما يستطيع اي فرد اخر المساهمه به ولكنه رفض مخبرينه دون اي مداراه " انت معاق"
ابتسم بسخرية وهو يهز رأسه نافضها من ماضيها عندما دخل مكتبه ... مغلق الباب ورائه ... بهدوء فتح حاسبه ولم ينسى ان يرسل لمساعدته رسالة بسيطة على هاتفها " صباح الخير يا بشمهندسة انا هنا ارجو ان يصلنى كل العمل المتأخر وما فاتنى خلال ثلاثون دقيقة "
وضع نظاراته فوق عينيه بعد ان خلع " جاكت البدله معلقه على ظهر كرسيه ...ثم شرع سريعاً وبأنامل ثابته تحفظ جيدا.خطواتها التى تعادل الضوء سرعة على ازرار لوحه المفاتيح كان أيان يضع " رقمه السرى المعقد" ثم يشرع في رؤية كل ما هو جديد في نظم المعلومات اذ يحفظ جيدا القاعدة الثابته ..ان عالم تقنية تكنولوجيا المعلومات متجدد بسرعة كبيرة حيث يجب البحث عن الجديد دائماً
للتعلم أكثر وأخذ خبرة أكبر و التطور بالتقنيات التى لديه دائماً لأن تكنولوجيا المعلومات مجال متجدد
بكل ما تعنيه الكلمة حيث ما تعرفت عليه الآن قد يصبح قديما بعد يوم واحد فهو كما يقال بحر كبير من العلوم .
ومضأت متتاليه كان ابتكرها لنفسه على هاتفه حتى تلفت انتباهه لبعض المكالمات الهامة اذا غرق في العمل .... جعلته يلتفت سريعا وبدون تأخر كان يفتح هاتفه متلقي الرسالة " هل عدت الى عملك "
أرسل مجيباً "عدت اليوم "
زفر سامح بأرتياح قبل ان يرسل اليه :-" جمعينا نمر بأزمات ..او حتى خيبات امل .. فالامر لم يقتصر عليك وحدك بنى "
رد أيان برسالة مختصره وكأنه ما عاد يطيق الحديث في الامر وتذكره ...:-" انا بخير عمى ..لا تقلق مجرد مرحلة انتهت من حياتى "
" أنكار الالم وادعاء التماسك لن يمحيه أيان "
ضرب سريعا وهو يقول بدون تردد :-" ومن قال انى أنكره ...انا فقط احاول ان اجمده ؛ حتى استطيع ان أفجره ممحيه من داخلي "
ارسل سامح مرة اخرى غير قادر على مقاومة نفسه ولكنه يثق ان جلد وقوة ابن اخيه بل ابنه الروحى يستطيع اكثر من التحمل والمواجهه :-" هل اعترفت بكامل فعلتها يصعب على التصديق ؛ بعد كل هذا الحب بينكم "
" تقصد الوهم ..الذى كان يعيش فيه ابن اخيك الاحمق .... ونعم تأكدت " أرسلها ..
بردوده سرت على طول عموده الفقرى والالم يعود بخنجره السام ينحر قلبه نحره فينبض بالقهر داخل أضلعه وبعجز يحاول ان يتحرر فلا يستطع الخلاص وهو يرسل لعمه باعتراف يخرج لأحدهم اول مره :-" حتى اللحظة لا اصدق انا الاخر ما وجدته عامين تخدعنى تجعلنى أتشكك في نفسى موهماً إياي بما ليس بي ..عامين احمل الذنب نحوها اواسيها عند كل محاوله تبوء بالفشل وهي تنهار على صدرى وبين ذراعي ..لأكتشف بعد كل هذا ... ان إمرأتى مجرد ممثله بارعة "
كان القهر يتدرج بألوانه على ملامحه انامله التى ترتعش فتخرج حروفها مرتبكة مليئه بالاخطاء الشنيعة عكس طبيعته فيستخدم مرات بعض الكلمات العربية مخلوطة بالانجليزية "
بدون حتى ان يراه كان سامح يستشعر كل ما يمر به ابن اخيه ...الحياة غير عادله وقدر أيان كان غير منصف معه ...ربما ولد بعيب لم يكن له يد فيه ولكن رب العباد منحه من الذكاء والبداهه والقوة والعزيمة ما لم يمنحها للكثير من شباب اليوم ..ولكنه لم يجد في حياته الا الخذلان ... يذكر جيدا عند وفاة اخيه والذى كان يدعم ولده جيداً ...مساهم ومساعد ملامح شخصية أيان ...وقدرته على الصمود امام الكثير من المعوقات التى قابلته ...عكس والدته تماماً ؟!
عندما ذهب وجد أن إبن أخيه اصبح شخص آخر محطم مكسور القلب مغتال المشاعر مع أمه ..عاشت داخل قوقعه من الرثاء انها سلبيه لم تقف يوماً في وجه أحدهم صارخه بحق ابنها بتكامله في عينيها ... فأخذ قراره بأن يفعل المستحيل ويصطحب إبن أخيه معه .... ولم يتأخر كثيراً ..وفعلها...لقد عوده على الاعتماد علي الذات لم يدلله ولم يعامله على انه ينقصه شئ فسعى له في توفير عمل بجانب الدراسة في كلية الهندسه في إنجلترا بلده التى هاجر اليها منذ اعوام ...ولم يخيب أيان ظنه ولكنه أصر بعدها على الرجوع لإسكندرية قابلته الكثير من العراقيل اول الامر والتى سرعان ما ذابت بعد ان أثبت إبن أخيه ذكائه في تخصصه...
أخذ سامح نفس عميق قبل أن يرسل له :-" لم تخدع الا نفسها .. ليس ذنبك أنك أحببت أو آمنت فلا تندم على ما منحته يوماً ..ولكن لا تسمح لنفسك في الانخراط بالرثاء .. والضياع..وإياك بالسماع لها او منحها السماح يوماً فالمخادع لا يصدق ولا يستأمن "
........................
منذ وقت كانت تقف امام مكتبه بنعومة .. تتأمله بعينين مشتاقتين ومتعاطفين مع ما عرفته حتى اللحظة لا تصدق ابداً ما سمعت بعض موظفين الشركة يتناقلونه ..لقد راقبته لثلاث أعوام كاملة ... ورافقته في العديد من صفقات العمل الرابحه .. كانت قريبه منه حد معرفتها بجانب من حياته الشخصية والتى بالطبع تتمحور حول زواجه من حب طفولته كما اخبرها يوماً بفخر عندما رأت صوره له مع فتاة ينامان على رمال الشاطئ في المغيب الغسق خلفهم بلون احمر ناعم يترآى للبعيد بأنه يهبط ببطء حتى يختبئ هناك بين أحضان الموج ...كما كانت تختبئ زوجته بين ذراعيه وهو يضمها إليه بتملك مقبل جبينها ...وكما كانت تلك الصورة على قدر جمالها وحالميتها موجوعة وقاتله للحبيب القريب البعيد ...
رسمت إبتسامة ودوده لم تخفي إرتباكها وهى تتقدم منه تضع يدها على حاسبوه بخفه حتى ينتبه لها ..
رفع رأسه علي الفور ثم بعد لحظات من تحديقه بها أدركت انه ينتظر كعادته بدءها في الحديث :-" لقد أرسلت جميع ما طلبته على الحاسب بالفعل ولكن " الريس " طلب ان أذكرك بأن آخر موعد لتقديم ما طلبه منك بشكل شخصى اليوم "
رفع أيان ابهامه والسبابة يفرك ما بين عينيه تحت نظارته قبل أن يكتب لها على أحد الاوراق " أخبريه ...سارة أنكِ مساعدتى وليس أحد السكرتارية ..كما أن هذا الامر لا يجب الحديث عنه ..هذا الملف بالذات حساس ؟!"
مشاعر من السكينة بالترافق مع إهتزاز ناعم بين أضلعها هي ما رفقتها فاقتربت تمنحه الرد وكل أمنية بداخلها ليتها تخبره أنها تستطيع الحديث بلغته ؟!!!!" بالطبع سأخبره ولكنه يعلم أنك تشاركنى بالفعل بعض من المعلومات وبأنى على اطلاع لتصميمك تلك المعلومات والبرنامج لهندسة السفن "
لم يجيبها بشئ على الفور بل تصنع إبتسامة مجاملة ثم كتب :-" وبعد إندفاعك هذا يجب أن نتخلص من هذه الورقة مهندسة " سارة"
هزت سارة رأسها بتفهم مدركة أنه كالعادة يعاملها برسمية ...لا تخلو من اللطف والرفق ..تتمتم لنفسها " كيف لعمياء كزوجتك أن تفرط في رجل مثلك وقد ندر في العالم من يحملون صفاتك .....بل كيف لأي إمرأة أن تقاوم سحر قربك او ترفع عينيها عن حسن خلق وتصرفاتك ..ترى من منكما ترك الاخر يا أيان وكيف لهذا العشق الذى كان يحسدك عليه الجميع بل ويستكثرونه عليك ..ان ينتهي بهذا الشكل القاهر ؟!"
................
رائحه الملح المخلوط باللافندر ...تسللت ببطء إلى مجرى أنفاسه تتشعب بجذور غير مرئيه بداخله حتى وصلت إلى داخل صدره ضاربه وتين قلبه ...فتجعله يستيقظ رغم كل المسكنات والادوية الممنوحة إليه ...فتح عينيه ببطء وهو يوقن من المسؤله عن هذا الصباح الذى منحه اكثر من امل في الحياة ..منحه هي وكأنه يخبره " عاندنى كما شئت تجبر على قلبك كما تريد ولكنك أبداً لن تغير القدر وهي كانت ومازلت قدره ...!!
فتح العينين الداكنتين المرهقتين ببطء ليتبين كتلة الشعر الملقي بجانب خَصره ... التوى فمه بابتسامة قهر ...وهو يرى جلستها المعذبه على احدى المقاعد تنحنى نحو سريره وتطوى ذراعيها تحت رأسها والذى لم يستطع تبين ملامحه من كتلة الشعر العسلية التى تنتشر على فراشه ...بهدوء وبطء كادت يده تخونه تتمرد على قراراته ...ويرفعها ليمررها بين طياتها الكثيفه برفق وتمهل يزيحها عن طريقه حتى يستطيع أن يصطبح بوجهها كما وعدها يوماً متخفين ؟!
في هذة اللحظة بالذات ....بدأ يسمع أصوات من الماضى..حلم شاب مجتهد الغربة اخذت من عمره الكثير ..هدته وارهقته ووقت اتى ان يرتاح وجد ان الجميع يطمع فيه يمد يده يريد أن ينهش منه ما استطاع الحصول عليه ....ولكن هي منذ أن وقعت عليها عيناه كانت موجته الرائقه التى أتت بالترافق مع القمر لتمد همسها نحو شؤاطئه الجافه والتى اشتاقت لقطرات الماء ...يده وصلت نحو جبهتها فيتعمد كشف جزء يعرف أن آثار غبائه هناك مازالت موجودة جرح طولي عميق اخذ يومها اربع غرز كاملة ..جرح كان المتسبب فيه دون قَصد ..ولكنه كان البداية معها ليعرف أنها إمرأة قلبه والتى حرمها مختار الزينى عليه لاحقاً ،...
.................
قبل ثلاث اعوام
كان يقف في حديقة المنزل ينتظر والدها كما أخبره ..فشد انتباهه صوت جلبه تأتى من وراء المبنى ..لم يقاوم فضوله أن يذهب الى هناك بحرص ليستطلع ما يحدث ...
ومن خلف الحائط أطل برأسه وعينيه تتوسع بتعجب ..من العرض الذى يراه ..كانت نفس الفتاة ذات الشعر العسلي الناعم " ديالا " نطق الاسم بتمتع مكرره في حلقه بتلذذ متذكر محاولته المستميته ليتقرب منها ليحذب حديث معها عندما يأتى لمنزلهم وتقوم هي بإدخال الضيافة اليه ... وتفر هاربه رافضه بعنف أي مبادرة لكلام بينهم
عاد بعينيه يراقب ..وقوفها وسط حوض بلاستيكى كبير يعلم ان بعض العوائل تستخدمه كبديل حمام سباحة للصغار وليست آنسة ممتلئه مغرية كل جزء منها ملفت للانتباه ....تتراقص في وسط الحوض وهي تمسك بخرطوم مياه كبير تضعه على رأسها فتتناثر المياه حولها في كل مكان ..ويدها الاخرى ..حسناً مثل المرة الماضية تماماً ترفع ملابسها حتى أسفل ركبتيها بقليل "...تقدم دون تردد يسند كتفه على الحائط ويربع ذراعيه على صدره ثم ما لبث أن قال مدعي التعجب ؛-" ما هى قصتك بالظبط مع رفع ملابسك يا فتاة ألم أخبرك أنى إكتفيت من عرض أول مرة "
تجمدت على الفور وخرطوم المياه يفلت منها واقع علي الارض ناشر رزازه ...نحو أركان ..الذى قفز على الفور نحوها وهو يشتم بلفظ لا يليق جعلها تشهق بصدمه ..على الفور كان يقول بغيظ :" أقسم بالله ان سمعتك تستخدمى كلمة مصيبتى تلك ..لأغرقك بهذا الشئ مرة أخرى "
عقدت ديالا حاجبيها ثم قالت سريعاً:-" تغرقنى بماذا هل أنت أحمق ..انا مبتله بالفعل ؟!"
وقف مكانه وابتسامته تتوسع وعينيه الوقحه تشملها بنظرة كاملة وهو يقول :-" إذن الانسة مصيبتى لديها صوت وتستطيع إستخدام كلمات أخرى "
لوت شفتيها بتهكم ويبدو أنها لم تلتفت بعد لنظراته :-" ويبدو أنك أحمق لتعرف الان انى لدى صوت إن كنت سمعت بمصيبتى هذا بالتأكيد يعنى انى أملك أحبال صوتيه مسبقاً .."
عينينه حملت نظرة مرعبة مصوبة اليها وهو يقول من بين أسنانه :-" مهلاً لحظة يا أُنسة ...رفع ملابس ..هل نعتينى بالأحمق للتو"
لم تهتم بنبرة التحذير في صوته اذ تراجعت على الفور قافزه من الحوض وهي تفلت ملابسها سريعاً ..تنوى الهرب هذا كثير منذ دخلت في مرحلة المراهقه لم يرى أحد إنش واحد منها ليأتى هذا الشخص بسهولة يكشفها مرتين ..
أربكها عندما تحرك سريعاً مجارى قفزتها ليقف في وجهها مباشرة وهو يقول بنفس نبرته الحازمة :-" ليس سريعاً هكذا ..؟!"
تراجعت خطوة للوراء حتى لا يلمسها ذراعه الذى وضعه امام جسدها رفعت وجهها لأعلي حتى تستطيع ان تنظر الى ملامحه الوسيمة ابتسامته المبهمه وعينيه التى تنظر لها بغرابه وكأنه اكتشف كائن ما ندر وجودة أو لم يصدق بوجوده يوما
" إبتعد من طريقي والا أبلغت الشرطة أنك تعتدى على العوائل "؟!
هز كتفيه ببرود وقال :-" وأنا سأبلغ والدك انه كلما دعانى للمنزل أجدك ترقصى لى وترفعى تنورتك"
شهقت وهي تتدهور خطوة اخرى للوراء:-" أنت تكذب ..بل أنا من أجدك في طريقي ؟!"
إقترب الخطوة التى تراجعتها ..فتراجعت هي خطوتين ..لم يبالي وهو يسألها :-" ماذا كنت تفعلي"
ضمت شفتيها بعناد وهي تخبره :/" هذا ليس شأنك "
أمال بوجهه بزاوية وقال برقه زائفه:-" وان طلبت بتهذيب..ستجيبى"
هزت كتفيها بلا مبالة مع فتح كفيها بقلة حيله وهي تخبره :-" ولكنى غير مهذبة بالأساس ..إذن محاولتك فاشلة"
ارتد رأسه للوراء بذهول وهو يردد غير متوقف عن التقدم وهي عن الابتعاد :-" ماذا قُلت ..يا ابنت الاسكندرية "
للحظة واحده بانت اللهفه في صوتها الذى سأله :-" هل تعرف مدينتى "
ادعي التفكير وهو يقول ببطء متأمل ملابسها المبتله :-" أممم ....لا لا أعرفها "
أُحبَطت ووقفت مكانها وهي تقول :-" إذن أغرب عن طريقي بدل أن أصرخ مدعيه انك تحاول التعدى علىّ "
يديه ارتفعت يرسم وهمياً سلاح ما نحو لسانها وقال بغيظ:-" انا لا أعرفها ..لأنى منها ولدت على شواطئها واختلطت دمائى بشوارعها ..وتشربت كل عضله في جسدى من مياهها المالحة ...مدينتى تعيش داخل قلبي وتمتزج بشراينى"
أطلت من عينيها نظرة عرف معناها جيداً اذ يتعايش معها منذ أعوام وقالت بصوت باهت بدا بعيد يأتى من بئر سحيق:-" أشتقت اليها ..منذ أتينا الى هنا يرفض بابا السماح لنا بزيارتها "
إستغل الفرصة واقترب منها خطوة أخرى وقال وهو يتفرس ملامحها :-" جميعنا نشتاق لجزء من أنفسنا ... والوطن يا حوريه يعيش بداخلنا نحمله معنا ..فلا تحتاجى الا كشف هذا الجزء من نفسك سامحه لها بالتجول فيه .."
لم تنتبه لاقترابه حد الخطر بل كل ما كان يشغل عقلها ان هناك أحد يتكلم بلسان حالها يحاورها ...ويغامر ليسمعها :-" عندما أغلق عيناي اسمع همس موجها مختلط بصخب اولاد الجيران ليل ونهار اشتم رائحه المطر المخلوط بتراب شوارعها ..يتسلل لمسامعى صوت النوة التى تزلزل دواخلى"؟
توقف مكانه ناظراً لها بانبهار اليست صغيرة جداً على ما تقوله .. على نبرة الشجن التى ينطوى ورائها حكايا مخلوطة بالأنين ؟!
فمه وقع نحو أذنها مباشرة وهمس بصوت حار لم يستطع السيطرة على ارتجافه :-" يوماً ما ..يا حورية سأعيدك بنفسى على شواطئها ...غارق بيك وفيك بين مالحها أذيقِك منه حتى ترتوى"
فتحت عينيها وهى تعود تهرب منه تتحرر عنه لخطوات وخطوات قائلة بشفتين مرتجفتين :-" المالح لا يروى ظمئان "
التوى فمه بشئ من التسلية وهو يقول :-" ومن قال أنى أنوى جاعلك ترتوى يوماً ..بل كل هدفي أصبح الان كيف أجعلك دائماً وابداً متعطشه ...يا حورية ؟!"
حدقت فيه متسعة العينين ...وقالت بنبرة ارتعشت رغماً عنها أنت تخيفنى"
إقترب خطوة وهو يقول :-" لا تبدى أبداً من النوع الذى يخاف "
رمشت بعينيها وقالت هامسة :-" ولكنك تبدو من النوع المخيف ؟!"
كان يحاوطها ...يحاصرها محارب أن يبقيها قدر إمكانه مستمتع بالحديث معها ولكنه كعادته سبب لها الأذى ..اذ لم ينتبه إليها عندما تعرقلت في ذلك الحوض منقلبه علي جبهتها ..والتى تدفقت منها الدماء علي الفور مسبباً لها هذا الجرح الغائر مازال يذكر كيف إنتفض جسده رعباً ...وهو يحاول مساعدتها فترفض باصرار والدموع تحبس في عينيها غير سامحه لها بالهبوط ..ولكنه كان المنتصر عندما أصر أن يأخذها في عربته ..ذاهب بها لأقرب مشفي ولم يستطع أن يقاوم نفسه وهو يخلع معطفه ليغطى به ملابسها المبتله ...
.......
أغمض عينيه بقوة والالم يرتسم على ملامح وجهه ويديه مازالت هناك على جرح جبهتها ..
يدها الناعمة الملتفه ككل ما فيها وضعت بدفء على كفه وصوتها الناعس يخبره :-" لم أنسى إهتمامك بي يومها ..رغم أن خوفك كان مبالغ فيه قليلاً "
فتح عينيه لينظر لها مباشرة وقال :-" كان يجب ان أهتم بعد ان تسببت أنا به "
إعتدلت قليلاً تلملم خصلات شعرها الناعم في رابطة شعر واحده تاركه بعض من خصلاته المتهدلة تحاوط وجهها المستدير وقالت :-" اممم ..دعنا نقول انك قدمت خدمه وها أنا أردها اليوم ؟!
ابتلع ريقه وهو يتمتم بخشونة زائفه :-" هل هذا سبب مجيئك يا ابنت الزينى رد دين "
هزت رأسها بالإيجاب ثم اتبعتها بوضع كفها علي قلبها وقالت بصوت مكتوم البكاء....بكاء على سعادتها المفقودة حبها الجريح ..أحلامها الفتيه والتى حطّمها على صخرة جحوده ...:-" بل اتيت لاسدد وعد كنت قطعته لقلبي "
بصوت مكتوم كان يسألها :-" وما هو هذا الوعد "
لم تقل شئ على الفور متحاشية النظر لعينيه باصرار ..يديها كانت عادات لتسريح بجانب ذراعه فلامسها بأصابعه متعمداً ...فرفعت عينيها مرغمة نحو عينيه وقالت :-" سأكون من الغباء إن أخبرتك وأنت من الحماقة ان لا تعرف الاجابة وحدك ...
" رباه لقد حاول الهرب منها ...بكل ما امتلك من قوة ..جعل كل حياتهم سوياً معاناه ومراره ..ولم تيأس منه مازال جزء منه يثور لكرامته يوجعه يتألم يخاف إن اقترب يعلن موت آخر ما تبقي له من كبرياء وكرامة ...
كان كليهما يغرق في عيني الاخر أناملة تضغط على أناملها بإصرار وكأنه يترجاها ان تفهم حديثه الصامت الذى لن يجرأ على البوح به يوماً ...متوسلاً ان تقاومه تبقي بجانبه أن لا تستغل ضعفه او تضغط على حاجته مثلما فعل به ذويها ...
لم ينتبه للظل المقيت والذى ملأ الغرفه بالتوتر علي الفور الا وديالا ترفع رأسها ثم تسحب كفها من تحت انامله بهدوء ...
أغمض عينيه بقوة ...عندما رأى وجه دلال المتجهم ..:-" هل امك تمنعنى من حقى لتخلي لكم الجو ...اليست هذة من كنت تطوق للخلاص منها أم أنك خدعتنى"
صوته رغم إرهاقه خرج آمر خشن مهدد :-" أخرسى واغلقي ..تلك القمامة والا ستندمين "
انسحبت ديالا بهدوء دون ان تكلف نفسها بقول كلمة ...او حتى منحها نظرة وكيف لها ان تجادل " قمامة " كما هو تفضل وقال ...راقبها حتى اختفت خلف الباب ...بمشاعر مغلقه وهى تحيط نفسها بذراعيها وكأنها تحجب ألم ومرارة ..بما فعله بهما ..رغم إدعائها الثبات..
..............
" لم أستطع منعها بالنهاية هذا حقها "
ابتسمت ديالا بهدوء وهى تقول :-" لا تهتمى خالتى الذنب لم يكن ذنبك"
أطل الحزن من عينى صفاء وقالت بهم :-" هل يأستى منه ...لا تخبرينى أنكِ ستغادرى بغير عودة "
لم تستطع ان تخبئ ارتجاف صوتها خيبة الامل التى لونته بدرجات قاتمة :-" المصيبة انى لم أيأس منه رغم ما يفعله بي..مازلت أتفهمه ..انا على وعدى ...خالتى ولكن هو من لا يفهم نفسه وخان وعده ؟!
صمتت ثم تابعت بحسرة:-" في الحقيقة هو خان الكثير من الوعود"
شعرت صفاء بالذنب بالعجز ..لعدم قدرتها على اصلاح ما بينهم ولكنها قالت بمحاولة أخيرة :-" ولكن رغم هذا تعلمى أنه يحبك أنتِ لا تتركيه لها أرجوك"
زفرت بقوة قبل ان تقول بتصلب :-" أنا لن اسمح لنفسى يوماً بالمنافسة على رجل باعنى ،.. ولكن ليطمئن قلبك تلك التى معه ليست منافسة لي من الاساس...ما بينى وبينه أكبر بكثير من أن يفهمه أحد يوماً
.......................................
إقتربت رانيا منها بتردد وهي تراها تسحب ملابس أخرى من خزانتها ثم تتوجه لحمام الغرفة الداخلية :-" كيف حاله "
أغمضت ديالا عينيها بقوة ثم اخذت نفس عميق ..قبل أن تجيبها :-" بخير حال .."
" هل مرت مرحلة الخطر "
توجهت ديالا نحو خزنة صغيرة فتحت إحدى أدراجها تسحب منشفتها وهي تقول بهدوء :-" لا أعرف الحادث مر عليه عشرة أيام فقط مازال مناطق من جسده تقبع تحت الضمادات الطبية ..ولم يتحرك من سرير المرض بعد ...اذن ليس لدينا تصور كامل على ما سيكون عليه !"
همست رانيا وهي علي ذات التردد :-" سيكون بخير ..."
زفرت ديالا بتعب متمتمه :-" أتمنى هذا ...فقط لا أريده الا ان يقف على قدميه مرة أخرى ...ولا يهم أي شئ آخر بعدها "
توجهت ديالا إلى حمام الغرفة دون رد ...فسمعت صوت رانيا المتردد يأتيها خجل مرهق ... ومتألم :-" وهو هل رأيتيه أو تحدثتى معه منذ ..منذ"
خنقتها العبرات وطبقت على أنفاسها بشعور أكبر وأشد عنفا مما شعرته من قبل لقد طنت أنّ الالم سيهدأ تدريجياً ..ستستطيع التحكم فيه علها تستطيع ..ان تفكر ان تجد مخرج للتكفير عن خطيئتها ...ولكنه كلما زاد إبتعاده عنها كان الالم يفترسها ..حتى جعلها مجرد ورقة يابسة في مهب ريح خريفية
" منذ أن طلقك ..لا لم أره ..لقد خسرت صداقته على ما يبدو بفضلك " صوت رانيا الجاف الخالى من التعاطف صفعها بنيران ..وكأنها على حين غره أمسكت أحد المشاعل ضاربه بها في وجهها مشعلة النار في كل جزء منها ..لتحترق؟!"
" أنتِ قاسية " تمتمت رانيا مرتجفه ...
إلتفت إليها ديالا متلبسه قناع الوقاحه والتى لم تمتلك غيره لسنوات للدفاع عن نفسها لحماية روحها ..لتختبئ خلفه حتى لا يرى أحدهم يوماً جانبها الضعيف فيقضى عليها :-" وأنتِ إنتهازية ... لا تهتمى الا بنفسك ومشاعرك ... أنتِ ومن بعدك الطوفان رانيا "
صرخت فيها رانيا بحده مخلوطة بالقهر :-" تباً لكِ ديالا انا أختك كنت صديقتك لوقت طويل ...لا تحاولي قطع محاولتي المستميته لكسبك؟!"
برقت عينى ديالا وزفرت نفس قاتم بارد...ثم قالت بجمود:-" تريدى كسبي لمصلحتك وحدك عاشمه في دعمى ملقيه كل جرحي على أشخاص آخرين معادك"
هزت رانيا رأسها بالرفض قبل ان تقول بصوت تدرج بألوان القهر :-" لا والله ما اردت الا أنتِ...وما تعشمت الا فيك ..أنا أريد أختى ديالا ...أن أصلح ما كان بيننا ...هل تظنى أنى أغطى عليكِ أقف أحرس لكِ الباب كل ليلة لتتسللى إليه أوصلك بنفسى للمشفى وآخدك منه أقدم كل ما أستطيع عليه ..فقط لانى أريد إصلاح صورة ما في عقلك ؟!"
لم تقتنع ديالا ولم تتعاطف ومن يلومها بعد كل ما رأته منها ...فسألتها بحدة واقتضاب :-" ماذا تريدى اذن ..حبي أخوتى أنتِ عاشمه رانيا ما خربتيه في اعوام لن يصلح بجرت قلم او اعتذار واهي ..لا يعنى لي شئ ؟!"
................................
بعد ساعتين لا أكثر كانت أراحت جسدها المتشنج بالفعل في حمام دافئ وبدلت ثيابها ،..ثم بهدوء وضعت بعض الاشياء التى قد تحتاجها في ليلتها الطويلة معه وخرجت ككل يوم متحججه بالمحاضرات الطويلة ...مستغلة أمها ورانيا الذين يغطون جيدا على عدم بياتها في المنزل .." ها وكأنه سيهتم من الاساس المهم لديه ان يتأكد بأنها لن تذهب لأركان " واهم بابا ..لولا فقط محايلة ماما لي ،.وحماقة الغبي حتى الان وتقلبه معى ..كنت رميت في وجههك وقوفي بجانبه مدت يدها تفتح مقبض الباب عندما آتاها الصوت الصلب القاتم من خلفها :-" الى أين "
لم تهتز ولم تتأثر وهي تستدير على عقبيها تخبره بهدوء دون ان تهتز فيها شعره :-" الى جامعتى "
نفس الملامح الكارهه ...ونفس الجمود والنفور والتى لم تعرف سببه يوماً ؟! نطق أخيرا. بغضب مكتوم :-" هل ذهبتى اليه "
رفعت رأسها بأناقه وملامحها منذ طفولتها كانت تحكى عن رأس صلب كالصخر لا يلين ...قيادية ..لا انقيادية نافره رافضة...لم تخضع لامر يلقيه يوماً فكان يستخدم معها القسوة والحرمان ..فلم تلن ولم يستطع هو ان يتقبلها ..خالق بينهم هوة كبيرة سحقيه لن يستطع احدهم ان يتخطاها يوماً :-" مازال زوجى وإن أردت الذهاب ...لن يمنعى أحد أي أحد بابا ؟!
جز مختار على أسنانه قبل أن يقترب منها سامح لنفسه ان يجذب خصل شعرها بين انامله يشدها منه وهو يقول بغضب أعمى :-" جربي تجاوزى او كسر كلمتى وانتِ سترى منى ما لم تريه في حياتك "
أغمضت ديالا عينيها لبرهه تحاول أن تقاوم نفسها ان لا تعامله بقلة أدب متعمده أن لا تنفض يده المهينه بعيداً عنها ...مذكره نفسها بصبر انه المرة الاولى التى يتطاول عليها بالايدى على الاقل ؟! " تُرى إلى أي حد أذاك أركان وهو يسترد حقه ليجعلك فاقد لسيطرتك وهدوءك هكذا يا سيد مختار ؟!"
شهقت أمها ويدها كانت الأسرع وهي تفلت شعرها منه وتقف حائل بينهم وصاحت بثورة رغم اضطرابها :-" ما الذى تفعله مختار ..منذ متى تمد يدك على إحداهن "
قال بصوت جليدى كان يقهرها في طفولتها ؟!:-" لا تجمعيها يوما برانيا فتاتى الغالية ؟!"
إبتلعت كلماته بصعوبة ...وقالت بسخرية لذعة :-" لا أظنها عادت تعنى لك هذا ...وان نست ما فعلته بها ...وطاوعتك مرة أخرى مغلقه عينيها ..اذن هي تستحق كل ما حدث لها وسيحدث.."
صوت امها قصف بصرامة وقوة :-" ديالا يكفي ،..وهيا اذهبي من هنا "
للحظات طويلة كانت النظرات بينهم متحدية قاهرة غير قابلة على التنازل الخضوع ..عينيها البندقيين كانت تشتعل بالإصرار بالتوعد وكأنها تخبره وتؤكد له حقيقة واحده ديالا لن تخضع لقيد يوماً ولن ..تسلم الا ما تقرر هي أنه يستحق ..المتمردة الغبيه كما كان يعلم تماما لن توصله يوما لشئ ........
...................................
قصيدة لـ أحمد فؤاد نجم
يا اسكندريه
بحرك عجايب
ياريت ينوبنى م الحب جانب
تحدفنى موجه
و البحر هوجه
والصيد مطايب
أغسل هدومى وانشر همومى على شمسه طالعه و انا فيها دايب
كانت الضحكات ترتفع بصفاء من حولهما أما هو يكتفي بمراقبة شفتيها باسمتاع ..كلماته التى تخرج موجهه اليها بعفوية ..بشوق يعلم وتعلم انه يغلب عليه همسه ..او وعد كان قديماً...ربما هي تدعي النسيان ولكن هو لم ولن ينسى يوماً ..لقد كان وعدها رغم صغر عمرها ..هدف ووسيلة زاده وزواده في الغربة ...التى استمر فيها ما يزيد عن سبع اعوام كاملة....
يدها كما الماضى لمست كتفه بخفه تشد انتباهه وهي تقول :-" اسم هذا المقهى مضحك ولكن مبهر ..
إرتبكت من تلك النطرة التى يوجهها اليها شاغل أنوثتها مغذية الشعور المتقد بداخلها للحب للاهتمام بذكرى كانت معه قديماً ...رغم أنّ كليهما كان مراهق...وقتها ولكنها كانت تراه أكثر من رجل كافي لها ..تشعر بالتلذذ من قربه ..بوجع ممتع يعصر قلبها من نظرات الإعجاب التى تتقض في عينيه الخضراوين كجمرتين تشعل دواخلها ...إبتلعت ريقها بصعوبة بينما هو يخبرها مشيراً :-" انها مقهى خاص بالصم والبكم ...بنا ..وبمن بالطبع ينضم إلينا بعض المثقفين الفنانين وأيضاً الأدباء والشعراء "
تجنبت تماماً ذكره بانه يخصهم ؟! وقالت بعفوية " ولكنه يبدو تاريخياً"...
كان المكان بدا يزدحم بالرجال بالفعل ..فمد أيان يده يجذب يدها ينوى المغادرة فسحبت يدها سريعاً تخبره " لا أستطيع"
جمر عينيه الذى اشتعل علي الفور ...جعلها تخاف منه ..تندم على لفتها انتباه لتلك الحلقة الذهبية التى تزين إصبعها .." تباً لم تقصد ان تذكره او تتذكر اركان المتجهم والذى يبدو كارهاً حتى اسمها ..في تلك اللحظة ..نفضت ذكره بعيداً ..متبَعه يد أيان التى امتدت مشير لها بالتقدم .. مشت امامه من نفس الطريق التى قدمو منه ، مشى كليهما جانب الى جنب في شوارع تحمل طرازا آثريا فريدا، ثم ممرات صغيرة تشبه السراديب والمغارات الموجودة فى الجبال والكهوف، وبمجرد وصولك للقهوة من خلال عبور هذه الممرات ستجد نفسك وكأنك فى عالم آخر ومختلف لقد كان المقهى يعج بالعديد من السياح ولا يتحدثون إلا بلغة واحده لغه الإشارة ...
إلتفت اليه تحاول أن تطرد الجو المتوتر بينهم وهي تسأله " هل تأتى الى هنا كثيراً "
"ولكنها بعيده عن حي العجمى"
هز رأسه بالإيجاب ..قبل أن يشير لها يفهمها" الشركة التى أعمل بها لديها فرع في محطة الرمل لذا معظم وقتى أحب أن يكون هنا "
عادت للسؤال في اي شئ حتى تصرف التوتر :-" ماذا تعمل"
عبس وهو يشير بضيق:-" لقد أخبرتك سابقاً لا يعقل ان تكونى نسيت "
ابتسمت بارتباك هامسة :-" لا لم انسى ...ولكن ربما أريد معرفة المزيد عنك "
كان خرج من الحارات الاثرية بالفعل فلم يعد يفصلهم بين الشاطئ الا ان يعبرا الشارع ..لم يتردد ايان ان يمسك يدها مرة أخرى ..غير مبالي باعتراضها ...جذبها سريعاً خلفه عابراً بها الطريق جرياً غير ..للحظات فقط كادات تصرخ ..ثم اندفع الاندرلين في أوردتها منحها نوع من السعادة ..وصل بها للبر الآخر بالفعل للكورنيش مباشرة ولكن يده التو تضغط علي يدها اليسرى رفضت تركها فاستسلمت مستمتعه بما يفعلاه متذكرة ماضى بعيد قريب كان الجرى على شاطئ البحر هو هوايتهم المفضلة ..ضغط علي يدها اكثر وهو يلتفت اليها مبتسم الوجه صاحب الملامح فبادلته ضغطه متحرره من الشعور بالذنب ..غير متذكرة الا عيناه هو التى حاوطتها منذ ان هبطت مطار القاهرة مانحها تلك الرسالة التى تحتفظ بها في تلابيب عقلها
كان وصل لسلم يعلوه حائط مقوص فهبط سريعاً جاذبها على درجاته لم يسألها ولم يحاول ان يفهم اى من حديثها فقط اكتفي ان يرفع احدى حاجبيه مع مد وجهه للأمام وكأنه يتحداها ان تعترض ..يشاكسها .. لم يلفتها الا بعد ان غاصت اقدام كليهما في رمال البحر ....
عندما تركها هناك انحنت واضعه كفيها على ركبتيها وهي تتنفس بتلاحق ..مبتسمه منتعشه ..ضاحكة منذ متى لم تشعر رانيا بالاكتمال هكذا منذ متى ...لم تعرف معنى انها تعيش حره لا تنتظر رأي أحد ولا تحتاج إذن مباشر يجب عليها أن تنفذه ...
كان الظلام حل بالفعل على عروس البحر المتوسط تارك البحر الازرق الصافي يضرب بنعومة الرمال من تحت أقدامهم ...السماء فوقهم بزرقه مماثلة ..والقمر هناك ابيض منير يسطع في الأرجاء يزيد حربها الداخليه ..جعل كل احشائها تتلوى صارخه بالحاجه " منذ ست أشهر خطبت لشريك والدها لم تشعر معه لحظة واحده بالاهتمام بالحب ..بأي مشاعر إنسانية حتى" فيجعلها الآن في تلك اللحظة التى يجذبها أيان فيها لتجلس بجانب جسده الممدد على الرمال لا تشعر بأي نوع بالذنب ناحيته ؟!"
جلست هناك طواعيه فوضع أحد يديه تحت رأسه وهو ينقش لها تحت ضوء القمر :-" بماذا شعرت هل تخلصت من الطاقة السلبيه التى كانت بداخلك"
للحظات عبيره الرجولى كان يضربها مرغمها علي استنشاقه ..ابتسمت بارتباك وهي تحرك شفتيها :-" منذ عشر أعوام لم أشعر أنّى حيه ...أنا بأفضل حال "
إعتدل أيان وهو يشير لها بدون مقدمات :-" لماذا قبلتى به إن كان يتعسك هكذا !!"
إشتعل وجهها باحمرار لم يعرف سببه ..بالترافق مع ارتجاف شفتيها وصوتها سوياً وهي تخبره :-" أركان جيد ..بابا يقول انه أكثر من مناسب"
عقد حاجبيه قليلاً وهو يتأملها طويلا طويلاً جدا بينما حركة صدره غير ثابته متزعزعة ومتسارعة لم يرد أن يخبرها ولن يعترف لها الان " ان هذا البابا رفضه قبل عام عندما ذهب اليه أيان طالباً وراغباً ان يراها ..متحجج فقط انه في الكويت بسبب العمل ويريد ان يرى جيرانه القدامى" ولكنه ذهب وراءها هي عندما عرف أنه أصبح الان في مكانه من حقه أن يحارب الدنيا ليصل اليها ...
" أنتِ لستِ صغيرة رانيا حتى تنتظرى ما يقوله بابا "
قرأت جملته ..بينما تأخد نفس عميق وهي تقول بنبرة مغلقه :-" منذ زمن طويل طويل جداً ..نسيت معنى أن آخذ قرار بنفسى ..لنفسى أو أرفض شئ ما يقوله والدى ..هو ..هو دائماً يعرف الصالح لي لن يضرنى أبداً"
أشار بتجهم" ووعدك "
تصلبت بالرفض المهتز وقالت بعدم اقتناع لما يتفوه فمها:-" أي وعد لقد كنا صغار ..بدليل ما نفعله الان كأصدقاء "
كان شعرها يتطاير مع نسيم البحر ..فيجعل قلبه يطلق آهات إشتياق لم يعد يسيطر عليها ليجعلها مكتومة ..فمسك إحدى خصلاتها الشاردة بين أنامله وهو يشير لها ببطء وانفاسه الحاره تداعبها تلفحها تجعل كل إنش منها يرتعش تأثراً وقل ذرة عقل فيها تضيع ذاهبه بغير رجعه مع كل حركة منه :- أنتِ فتاتى انا منذ ان اقتفت من شفتيك عذريتها منذ ان طوقت عنقك بسلسالى ..والذى مازلتى تحتفظى به بجوار قلبك..منذ ان اطلق فمك وعوده ...وانا غير منصف أبداً ..وغير جيد التعامل مع الوعود الناقصة...أنتِ لى رانيا
..........................................
وكانت ...
مازالت تذكر عينيه الخضراوين التى تحاوطها ...مطاردته اياها بغير انصاف محاولته المسميته لتذكيرها بعشق قد كان ،.غير عارف بأن القلب لم يعشق يوماً سواه بان أنوثتها لم تتفتح أبداً على يد الاه ولكنها كانت تعاند تكابر تحاول أن تلتزم بالقوانين كعادتها بأمر والدها ...موهمه نفسها بأنها تستطيع أن تكسب أركان ولكن كيف تستطيع ان تكسب رجل لا تشعر نحوه بشئ من الاساس...رجل لا ينظر نحوها الا بالبرود وربما الكراهية ؟!!
رجل كان كل نظراته باردة ميته كارهه ولا تحيا وتشتعل وتنبض بالحياة الا عندما يرى طيف ديالا المعذب مثله؟!
رباااااااه
شهقت رانيا بعنف وهي تنتفض من على الفراش ..وكأن الحقائق التى تتذكرها بمشاهد بطيئه ومكرره تكشف لها ما كانت غافلة عنه ..
وقفت في ساحه الغرفه مضطربة تتذكر في إحدى المرات دعت والدة أيان والدتها وهي وديالا على عشاء أصر أيان أن يكون أمام كبينته الخاصة
" يا الله" كيف لم ترى عينى ديالا الباكية حتى تورمت وعينى أيان التى اطلقت شرر مكتوم ..بينما يربت على كتفيها يخبرها أنّ كل شئ سيكون بخير ولن يسمح لأحد بأذيتها ..بل لن يسمح لأحد بأخد ما هو لها...يومها بعد أن أنهت مكالمة بارده مع أركان ذهبت سائلة فأكد كليهما أنه مجرد التواء لكاحلها..
بعدها غرفت في دوامة من مشاعر أيان الجامحه عمداً أصر أن يراقصها يده تستريح على خَصرها مشعله كل جزء منها لتصرخ مطالبه بالمزيد من الدفء من الحنان من الاحتواء والحب ..انفاسه المشتعله تغرق حواسها كما تطغي على كل حواسه بأنها الفرصة من الحين لاخر مدعى عدم الانتباه فيضمها الى صدره بقوة مخفيها ..فيتلون وجهها بالخجل وثغرها بأجمل الابتسامة وقلبها بأجمل الالوان تذكر كيف أبعدها لدقيقة واحده وهو يشير اليها " أنتِ هنا في المكان الصحيح ..أفيقي رانيا أنتِ تقتلي جزء منكِ ببطئ دون أن تدرين "
......
صوتها كان متسارع هستيرى وهي تسأل ديالا على الهاتف" إياكِ أن تكذبي علىّ ..هل أيان كان يعلم بحبك لأركان ..وهل كنتِ على علاقة به قبل ان يتقدم لخطبتى"
" هل كنت كرة يركلها الجميع بقدمه ليربح اللعبة حينما يريد أجيبنى ديالا "
انتهي قراءة سعيدة
أنت تقرأ
همس الموج
Romanceهمست اخيراً بصوت ضعيف لم يصله بالطبع ولكنه مؤكد شعر داخله بدوامة سحرها بتحرك شفتيها :"لو كنت أملك ان أنزع قلبي وأمنحه لك...لتثق بحبي ما ترددت...انا فضلتك عن جميع الخلق..فلم يعد من حقك ان تظن اني من الممكن ان أتراجع للوراء" وكأن حديثها وصل لتلابيب قل...